<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"جدول عادي"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman";} </style> <![endif]-->

بسم الله الرحمن الرحيم

نحو النص في تأويلات المفسرين

الحذف والتقدير في تفسير ( النهر الماد) لأبي حيان الأندلسي نموذجا

د. أحمد محمد الصغير على

المدرس بكلية الإنسانيات - جامعة قطر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ملخص البحث

 

تعددت مناهج التحليل اللغوي منذ القدم ، وتباينت هذه المناهج في نظرتها للجملة العربية والنصوص اللغوية ما بين منهج يعتمد المعيارية (القاعدة النحوية) في التحليل ، وآخر يعتمد الوصفية (المنهج الشكلي ) ، وثالث يتعامل مع البني السطحية والعميقة لفهم التراكيب( التوليد والتحويل) ، وقد اعتمدت هذه المناهج الجملة وحدة للتحليل اللغوي بوصفها عنصر بناء النص اللغوي وأداة من أدوات فهم النص .

وقد ظهر في مطلع السبعينيات من القرن العشرين منهج جديد من مناهج التحليل اللغوي عرف في الدراسات اللغوية الحديثة بـ (نحو النص ) ، وقد ظهر هذا المنهج أول الأمر متساوقا مع علم اللغة النصي وعلم النص ، ونظرية النص ، ثم تطور وانفصل عن هذه العلوم فشكل علما متكاملا له أصوله الخاصة ومعاييره الواضحة . وقد ارتبط نحو النص منذ نشأته ارتباطا وثيقا بتحليل الخطاب، والنظر إلى النص على أنه بنية كلية لا على أنه جمل فرعية ، وقد تطور النحو بظهوره من نحو يحلل الجملة إلى نحو يحلل النص الكلي .

ويعرف نحو النص في أبسط صور التعريفات بأنه منهج من مناهج التحليل اللغوي ، يستشرف المعنى الكلي للنص ، ويحلل الأجزاء والمكونات على ضوء النظرة الكلية الشمولية للنص، فالمعنى في نحو النص  يتحدد من خلال النص لا من خلال الجملة ، ويمكن لمحلل النص تفسير جملة ما بجملة لاحقة لها أو سابقة عليها ، من منطلق القول بكلية النص . وقد ارتبط نحو النص منذ نشأته ارتباطا وثيقا بتحليل الخطاب ، والنظر إلى النص على أنه بنية كلية لا على أنه جمل فرعية ، وقد تطور النحو بظهوره من نحو يحلل الجملة إلى نحو يحلل النص ، فيتعامل معه بوصفه جملا وسياقات ، وظروفا وفضاءات ، تتعالق فيها المعاني وتترابط بما قبلها وما بعدها ، فهو الأكثر اتصالا بمجال تحليل النص .

ويختلف نحو النص بطبيعة الحال عن نحو الجملة ،وقد أشار أصحاب هذا المنهج إلى تلك الفروق والاختلافات ضمن عدد من الانتقادات التي وجهت إلى نحو الجملة ، وتتجلى هذه الفروق في أن نحاة الجملة ينظرون إلى النص  نظرة  تتوقف عند حد شرح  النص شرحا جزئيا يعتمد على تحليل الجمل والعبارات دون النظر إلى علاقة هذه الجزئيات بعموم النص ( بوصفه وحدة متكاملة )،  فالشراح يبنون شروحهم على أساس فهم المفردات والجمل دون الانتباه إلى العلاقات  العضوية بين أجزاء النص. 

أما نحو النص فإنه ينطلق إلى  تحليل النص عن قناعة بأن  المعنى يتحدد من خلال النص الكلي لا من خلال الجملة ، فهو يتجاوز كل حدود المعيارية والشكلية والتحتية لنحو الجملة ، ويتجاوز كل العادات القرائية التقليدية ، وطرق التحليل اللغوي المعروفة ،ويتفاعل مع اللغة وينسجم معها دون أن توضع له معايير من خارجه تحدد جمله وتراكيبه ، فهو كائن حي يتشكل مع القراءة الواعية والتحليل الهادف الذي يجعل للسياق والموقف اللغوي دورا أساسيا عند التحليل ؛ لأن السياق هو محدد مكونات النص وموجدها ، وعلى هذا يمكننا القول إن نحو النص يتناول كل أشكال الأبنية وأنواع السياقات ومستويات اللغة ودرجات الربط النحوي والتماسك الدلالي .

وقد حاولت بعض الدراسات الحديثة التي تناولت أصول نحو النص أن تحدد اختصاصات نحو الجملة ونحو النص ، وتكشف عن الفروق الجوهرية بين منهجي التحليل ، فجعلوا :

-    نحو الجملة يختص بدراسة الجمل معزولة عن سياقاتها ؛ لأن نحاة الجملة يؤمنون باستقلالية الجمل داخل النص ، ووصفوا نحو الجملة بأنه نحو تحليل لا نحو تركيب، وأنه نحو معياري يعتمد القاعدة النحوية أساسا في التحليل .

-   أما نحو النص فقد جعلوه مختصا بعدد من المفاهيم التي يعتمد عليها تحليل النص مثل: (القصد و التناص ، والمقامية ، والإعلامية ، والقبول ) . ويعتمد في تحليله للنص على عدد من الوسائل التي تثبت ترابط النص مثل (إعادة اللفظ ، والإحالة ، التضام ، التعريف،الإحالة، الاستبدال ، الحذف ) .

وقد انطلقت في بحثي من تساؤل مؤرق مفاده : هل عدم نحونا العربي التراثي التقليدي  الجُمَلي – أيا كان مصطلحه – تلك الأصول والسمات التي انتهجها نحو النص الحداثي المزعوم ؟ ، وهل خلت تحليلات النحاة والبلاغيين والمعربين والمفسرين والشراح -طوال ستة عشر قرنا من تاريخ التصنيف العربي- من تلك الأصول الحداثية المعتمدة في التحليل اللغوي ؟ .

فدفعني هذا التساؤل إلى البحث في تراثنا العربي الخالد المبدع ، عن بعض أصول – ولو بدت غير مترابطة – لما اعتمده نحو النص من منطلقات ومعايير للتحليل اللغوي .

ولصعوبة البحث في هذا المجال ، واتساع أركانه ومضماره ؛  فقد آثرت أن أقصر بحثي في هذا الجانب على ظاهرة بعينها من خلال نموذج من نماذج التحليل اللغوي ، فوقع اختياري على ظاهرة الحذف والتقدير من خلال تفسير النهر الماد لأبي حيان الأندلسي .

والحقيقة التي ننطلق من خلالها إلى البحث في هذا الموضوع تتجلى في أن هناك إشارات عارضة واضحة البيان  لبعض أصول نحو النص في تأويلات المفسرين لآيات القرآن الكريم ، ولا سيما عندما يسعى المفسرون إلى تفسير القرآن بالقرآن ، من منطلق النظر إلى القرآن بوصفه نصا كليا تكامليا يفسر أوله آخره ، ويسهم مفصله في إيضاح ما أجمل من مفرداته وتراكيبه ، ويعول على الظاهر من ألفاظه وجمله في تقدير ما حذف من حروفه و ألفاظه وعباراته ، وتتجلى هذه الإشارات أوضح ما تكون في إطار ظاهرة الحذف والتقدير في النص القرآني ؛ حيث تلتقي توجيهات المفسرين لبعض مواطن الحذف في النص القرآني مع بعض الأصول المعتمدة فيما يعرف في الدرس اللغوي المعاصر بـ (نحو النص) .

وقد وقع اختياري على أبي حيان الأندلسي (المتوفى سنة 754هـ ) لكونه علما من أعلام النحو والتفسير ، وله بين نحاة القرن الثامن الهجري المكانة البارزة ، وقد ألف في هذين العلمين العديد من المصنفات التي تحسب له  ضمن ذخائر التراث العربي في علمي النحو والتفسير.

وعلى الرغم من كون النهر الماد من التفاسير المختصرة - بوصفه اختصارا لتفسير البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي – فإن أبا حيان قد اعتمد في تفسيره لكثير من آيات النص القرآني على ظاهرة الحذف ، وعول عليها في كثير من جوانب التفسير سواء في إيضاحه للدلالة التفسيرية ، أو توجيهه للقراءات القرآنية ، أو الرد على المفسرين والمعربين والنحويين.

وقد وقع اختياري على ظاهرة الحذف بالتحديد لتكون مجالا تطبيقيا لإجراء هذا البحث ؛ لأنها تمثل وسيلة مهمة من وسائل تماسك النص وترابطه كما صرح بذلك علماء نحو النص من المحللين اللغويين ، وعلى هذا الأساس يمكن لظاهرة لغوية كظاهرة الحذف  أن تظهر في كثير من جوانبها  أصول نحو النص في مضمار التفسير ، كما يمكنها أن تكشف عن العلاقة الوثيقة بين علمي النحو والتفسير.

وقد عنى الباحث خلال هذا البحث  بتعرف أنماط الحذف التي عرض لها المفسر ، وبيان دور الحذف في مادة التفسير ، ومدى إفادة المفسر من هذه الظاهرة النحوية في الترجيح بين آراء المفسرين والمعربين للنص القرآني ، وتوجيهه للحذف بما يخدم مادة التفسير ويسهم في إيضاح الدلالة التفسيرية ، لنخرج من وراء إشارات أبي حيان الأندلسي عن مبررات الحذف ووسائل التقدير ببعض الإشارات الواضحة التي تثبت أن لنحو النص أصولا تطبيقية في تراثنا العربي ولا سيما في تأويلات المفسرين .

ويهدف الباحث من وراء هذه الدراسة إلى تحقيق ما يلي :

-   تعرف أنماط الحذف في تفسير (النهر الماد ) ، و تحديد صوره الوصفية.

-   رصد أغراض الحذف ومسوغاته ، وتعرف طرائق توظيف أبي حيان لأنماط الحذف

       في توجيه النصوص والقراءات والترجيح بين المفسرين والمعربين .

-   الكشف عن مدى إفادة  أبي حيان من صور الحذف المختلفة في إيضاح الدلالة التفسيرية.

-   تحديد مواطن الالتقاء بين توجيهات أبي حيان لأنماط الحذف وأصول نحو النص .

والمصدر الأساسي لهذه الدراسة هو كتاب " النهر الماد من البحر المحيط" ، حيث يتم اختيار عينة البحث من خلال المجلد الأول من التفسير ، وقد اعتمد البحث في تحليله لعينة الدراسة على بعض المصادر المتنوعة على النحو التالي:

أ‌-  كتب النحو العربي التي تعنى بدراسة الصور المتنوعة للحذف في الأبواب النحوية المختلفة وفي مقدمتها: الكتاب لسيبويه ، شرح المفصل لابن يعيش ، الأصول في النحو لابن السراج.

ب‌-كتابات المحدثين التي تعنى بدراسة نحو النص وعلم اللغة النصي ومنها : علم النص مدخل متداخل الاختصاصات لفان دايك ، و لغة النص مفاهيم واتجاهات للدكتور سعيد بحيري ، نحو النص والتحليل اللغوي للدكتور أحمد عفيفي ، و مدخل إلى علم اللغة النصي لفولفانج هاينيه .

وقد عالج البحث عينة الدراسة من خلال هذه المصادر على ضوء آراء أبي حيان من خلال العينة العلمية ، وقام بمناقشتها على ضوء آراء النحاة والمفسرين ، ومن خلال رؤية الباحث الشخصية في هذا الموضوع.

وقد نهج الباحث في تحليله لعينة الدراسة المنهج التالي:

أولا: المنهج الوصفي حيث يسعى البحث إلى تعرف  أنماط الحذف التي عرض لها أبي حيان  وذلك من خلال النصوص المختارة التي يتم رصدها لتكون عينة البحث.

ثانيا:  تحليل آراء أبي حيان في توجيهه لأنماط الحذف المتنوعة ، وبيان أوجه التقاء هذه الآراء مع مفاهيم نحو النص واتجاهاته في التحليل اللغوي .

خطة البحث:

يتضمن الإطار العام للبحث عرض موضوع البحث ،وأسباب اختيار الموضوع،و أهداف البحث التي يسعى الباحث إلى تناولها من خلال عينة الدراسة ،كما يحدد المصادر الرئيسية التي تستقى من خلالها مادة البحث والمنهج المتبع في الدراسة ، والحدود التي يتم من خلالها معالجة فكرة البحث.

ثم ينتقل الباحث بعد ذلك إلى عرض أنماط الحذف في مادة التفسير من خلال عينة البحث ، وهنا ينتقل الباحث إلى الكشف عن توظيف أبي حيان للحذف في مادة التفسير  ؛ حيث يعرض لنماذج توظيف الحذف في تفسير أبي حيان ، ويقف على تحليلاته اللغوية والتركيبية للعناصر المحذوفة ؛ لنقف على الدور الوظيفي للحذف في إيضاح الدلالة التفسيرية .

ثم ينتقل الباحث بعد ذلك إلى رصد آراء أبي حيان في ظاهرة الحذف ، و التي تربطها بنحو النص صلات واضحة ، يمكن أن نعدها إرهاصات عربية لنشأة نحو النص .

****************

وقد استشرف الباحث مجموعة النتائج التالية :

- اقتصر أبو حيان في تناوله لظاهرة الحذف على حذف العامل والمعمول التزاما منه بنظرية العامل النحوي . وقد استخدم أبو حيان مصطلح الحذف  للدلالة على ظاهرة الحذف ، ولم يعرض لغيره من المصطلحات الأخرى كالاختصار أو الاقتصار أو الإضمار أو الاتساع إلا فيما ندر .

-عرض أبو حيان  لعدد من مسوغات الحذف و مبرراته كالاختصار ، و العلم بالمحذوف ، و دلالة ما قبل المحذوف عليه ( قرينة سبق الذكر ) ، و كثرة الاستعمال، و مقتضى السياق و المقام  ، وهي قرائن تثبت ترابط النص القرآني وفهم المفسر النحوي لكلية النص وأثرها في التقدير والتأويل .وقد ركز أبو حيان في كثير من تحليلاته على قرينة سبق الذكر لما لها من دور بارز في إعادة ترتيب عناصر الكلام ، وتأخذ هذه القرينة في النص القرآني نمطا خاصا حين يكون العنصر الكلامي المحذوف مصرحا به في سياق آية أخري سابقة أو لاحقة للآية موضع التفسير .

-وظف أبو حيان الحذف والتقدير توظيفا دلاليا عول عليه كثيرا في عملية التفسير ؛ سواء كان في التفسير المباشر للنص ، أو تخريج القراءات القرآنية والرد على النحاة والمعربين .

-لجأ أبو حيان إلى رفض الحذف إذا كان في عملية التقدير تمحل أو مخالفة لكلام العرب ، أو مخالفة لأصول الصناعة النحوية ، أو يؤدي إلى تضارب القراءات في التفسير والتركيب .

-لجأ أبو حيان في تفسيره لبعض آي القرآن إلى تفسير القرآن بالقرآن ، وهذا يؤكد فهمه لوجود علاقات وروابط  بين آي القرآن تجعل القرآن نصا كليا متكاملا يفسر بعضه بعضا ، وهذا التصور بدوره قد ينسحب على كثير من التوجيهات النحوية لآيات النص القرآني ، ولا سيما إذا كان المفسر نحويا يعرف أصول الصناعة .

-وجه أصحاب نحو النص كثيرا من النقد إلى النحو العربي ، وأخذوا عليه الكثير من السلبيات،  وادعوا لأنفسهم عددا من المعايير والأصول حاولوا القول بعدم اشتمال تحليلات نحو الجملة عليها،غير أن هذه  السمات التي ادعي استقلال نحو النص بها عن نحو الجملة  لها أصداء غير قليلة في نحو الجملة ولا سيما الإحالة ، والمقامية والقصد والحذف .

-جاءت تحليلات أبي حيان للحذف والتقدير من خلال مادة التفسير مشتملة على إشارات نصية تتوافق مع ما اختص به نحو النص ، حتى إنه يمكننا القول إن مبررات الحذف التي تناولها أبو حيان هي في مجملها إرهاصات عابرة متفرقة لأصول نحو النص في الدرس اللغوي العربي  .

- أولى أبو حيان عملية التقدير الدور الأكبر من العناية لما لها من دور في إيضاح التفسير وفهم المراد ، وبيان الأحكام ، وقد اعتمد في التقدير أصولا بعينها تثبت ترابط النص القرآني وتماسكه هذه الأصول هي :(وضوح المعنى المكتسب من عموم السياقين الجزئي والكلي ) ،و( القياس على النظير القرآني )، ويعد لجوء أبي حيان في التقدير إلى تفسير القرآن بالقرآن نموذجا عمليا على أن النص القرآني نص متكامل يكمل بعضه بعضا ويفسر بعضه بعضا ، فما أجمل في آية تجده مفصلا في غيرها ، وما ترك ذكره بالحذف في سورة تجده مصرحا به في سورة أخرى ، ولهذا نجد الحذف في القرآن له من القرائن ما يعين في تصور المحذوف والتقدير .

- جاء الكثير من انتقادات نحاة النص لنحو الجملة في غير موضعها ؛ فقد أثبت نحاة النص أنفسهم بتناولهم لتحليلات المفسرين أن السمات التي ادعي استقلال نحو النص بها عن نحو الجملة  لها أصداء غير قليلة في نحو الجملة ولا سيما الإحالة ، والمقامية والقصد والحذف .

- يعد اعتماد المفسرين أو النقاد على (أسباب النزول ) أو ( التجربة الشعرية) ، دليلا واضحا على ضرورة الاعتراف بتجزئة النص الكلي ، وضرورة فهمه وتفسيره على ضوء سياق الموقف ومقتضى الحال .

وأخيرا لا ينبغي أن نغفل أن التراث النحوي بكل ما يضمه من تصورات ومفاهيم وقواعد وأشكال وصف وتحليل ، يكَوِّن الأساس الفعلي الذي بنيت عليه الاتجاهات النصية الحديثة بما استحدثته من أفكار وتصورات ومفاهيم ؛ فلا بد في التحليل النحوي من نمطين متوازيين من التحليل:

أولهما: التحليل النحوي ومجاله الجمل الجزئية بوصفها لبنة بناء النص وعنصر بنائه .

الثاني:التحليل النصي ومجاله النص بكلياته وتفسيراته .

ولا تعارض بين النمطين إذ يكمل كلا منهما الآخر ويقويه ، وربما تعد استقلالية النمطين إحدى إشكاليات الدرس اللغوي الحديث .

 

****************************

 

بسم الله الرحمن الرحيم

نحو النص في تأويلات المفسرين

الحذف والتقدير في تفسير ( النهر الماد) لأبي حيان الأندلسي نموذجا

د. أحمد محمد الصغير على

المدرس بكلية الإنسانيات - جامعة قطر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ملخص البحث

 في مطلع السبعينيات من القرن العشرين ظهر منهج جديد من مناهج التحليل اللغوي عرف في الدراسات اللغوية الحديثة بـ (نحو النص ) ، وقد ظهر هذا المنهج أول الأمر متساوقا مع علم اللغة النصي وعلم النص ، ونظرية النص ، ثم تطور وانفصل عن هذه العلوم فشكل علما متكاملا له أصوله الخاصة ومعاييره الواضحة . وقد ارتبط نحو النص منذ نشأته ارتباطا وثيقا بتحليل الخطاب، والنظر إلى النص على أنه بنية كلية لا على أنه جمل فرعية ، وقد تطور النحو بظهوره من نحو يحلل الجملة إلى نحو يحلل النص الكلي .

ويختلف نحو النص عن نحو الجملة في أن نحاة ينظرون إلى النص  نظرة  تتوقف عند حد شرح  النص شرحا جزئيا يعتمد على تحليل الجمل والعبارات دون النظر إلى علاقة هذه الجزئيات بعموم النص ( بوصفه وحدة متكاملة )، فالشراح يبنون شروحهم على أساس فهم المفردات والجمل دون الانتباه إلى العلاقات  العضوية بين أجزاء النص. أما نحو النص فإنه ينطلق إلى  تحليل النص عن قناعة بأن  المعنى يتحدد من خلال النص الكلي لا من خلال الجملة ، فهو يتجاوز كل حدود المعيارية والشكلية والتحتية لنحو الجملة .

وقد انطلقت في بحثي هذا محاولا الكشف عن بعض أصول – ولو بدت غير مترابطة – لما اعتمده نحو النص من منطلقات ومعايير للتحليل اللغوي ، وذلك من خلال نموذج من نماذج التحليل اللغوي ، حيث نقوم خلال هذا البحث بتحليل ظاهرة الحذف والتقدير من خلال تفسير النهر الماد لأبي حيان الأندلسي ، منطلقين من الأهداف التالية :

-       تعرف أنماط الحذف في تفسير (النهر الماد ) ، و تحديد صوره الوصفية.

-       رصد أغراض الحذف ومسوغاته ، وتعرف طرائق توظيف أبي حيان لأنماط الحذف

       في توجيه النصوص والقراءات والترجيح بين المفسرين والمعربين .

-       الكشف عن مدى إفادة  أبي حيان من صور الحذف المختلفة في إيضاح الدلالة التفسيرية.

-       تحديد مواطن الالتقاء بين توجيهات أبي حيان لأنماط الحذف وأصول نحو النص .

وقد استشرف الباحث مجموعة النتائج التالية :

- اقتصر أبو حيان في تناوله لظاهرة الحذف على حذف العامل والمعمول التزاما منه بنظرية العامل النحوي . وقد استخدم أبو حيان مصطلح الحذف  للدلالة على ظاهرة الحذف ، ولم يعرض لغيره من المصطلحات الأخرى كالاختصار أو الاقتصار أو الإضمار أو الاتساع إلا فيما ندر .

-عرض أبو حيان  لعدد من مسوغات الحذف و مبرراته كالاختصار ، و العلم بالمحذوف ، و دلالة ما قبل المحذوف عليه ( قرينة سبق الذكر ) ، و كثرة الاستعمال، و مقتضى السياق و المقام  ، وهي قرائن تثبت ترابط النص القرآني وفهم المفسر النحوي لكلية النص وأثرها في التقدير والتأويل .وقد ركز أبو حيان في كثير من تحليلاته على قرينة سبق الذكر لما لها من دور بارز في إعادة ترتيب عناصر الكلام ، وتأخذ هذه القرينة في النص القرآني نمطا خاصا حين يكون العنصر الكلامي المحذوف مصرحا به في سياق آية أخري سابقة أو لاحقة للآية موضع التفسير .

-وظف أبو حيان الحذف والتقدير توظيفا دلاليا عول عليه كثيرا في عملية التفسير ؛ سواء كان في التفسير المباشر للنص ، أو تخريج القراءات القرآنية والرد على النحاة والمعربين .

-لجأ أبو حيان إلى رفض الحذف إذا كان في عملية التقدير تمحل أو مخالفة لكلام العرب ، أو مخالفة لأصول الصناعة النحوية ، أو يؤدي إلى تضارب القراءات في التفسير والتركيب .

-لجأ أبو حيان في تفسيره لبعض آي القرآن إلى تفسير القرآن بالقرآن ، وهذا يؤكد فهمه لوجود علاقات وروابط  بين آي القرآن تجعل القرآن نصا كليا متكاملا يفسر بعضه بعضا ، وهذا التصور بدوره قد ينسحب على كثير من التوجيهات النحوية لآيات النص القرآني ، ولا سيما إذا كان المفسر نحويا يعرف أصول الصناعة .

-وجه أصحاب نحو النص كثيرا من النقد إلى النحو العربي ، وأخذوا عليه الكثير من السلبيات ،  وادعوا لأنفسهم عددا من المعايير والأصول حاولوا القول بعدم اشتمال تحليلات نحو الجملة عليها ،غير أن هذه  السمات التي ادعي استقلال نحو النص بها عن نحو الجملة  لها أصداء غير قليلة في نحو الجملة ولا سيما الإحالة ، والمقامية والقصد والحذف .

-جاءت تحليلات أبي حيان للحذف والتقدير من خلال مادة التفسير مشتملة على إشارات نصية تتوافق مع ما اختص به نحو النص ، حتى إنه يمكننا القول إن مبررات الحذف التي تناولها أبو حيان هي في مجملها إرهاصات عابرة متفرقة لأصول نحو النص في الدرس اللغوي العربي  .

- أولى أبو حيان عملية التقدير الدور الأكبر من العناية لما لها من دور في إيضاح التفسير وفهم المراد ، وبيان الأحكام ، وقد اعتمد في التقدير أصولا بعينها تثبت ترابط النص القرآني وتماسكه هذه الأصول هي :(وضوح المعنى المكتسب من عموم السياقين الجزئي والكلي ) ،و( القياس على النظير القرآني )، ويعد لجوء أبي حيان في التقدير إلى تفسير القرآن بالقرآن نموذجا عمليا على أن النص القرآني نص متكامل يكمل بعضه بعضا ويفسر بعضه بعضا ، فما أجمل في آية تجده مفصلا في غيرها ، وما ترك ذكره بالحذف في سورة تجده مصرحا به في سورة أخرى ، ولهذا نجد الحذف في القرآن له من القرائن ما يعين في تصور المحذوف والتقدير .

- جاء الكثير من انتقادات نحاة النص لنحو الجملة في غير موضعها ؛ فقد أثبت نحاة النص أنفسهم بتناولهم لتحليلات المفسرين أن السمات التي ادعي استقلال نحو النص بها عن نحو الجملة  لها أصداء غير قليلة في نحو الجملة ولا سيما الإحالة ، والمقامية والقصد والحذف .

- يعد اعتماد المفسرين أو النقاد على (أسباب النزول ) أو ( التجربة الشعرية) ، دليلا واضحا على ضرورة الاعتراف بتجزئة النص الكلي ، وضرورة فهمه وتفسيره على ضوء سياق الموقف ومقتضى الحال .

وأخيرا لا ينبغي أن نغفل أن التراث النحوي بكل ما يضمه من تصورات ومفاهيم وقواعد وأشكال وصف وتحليل ، يكَوِّن الأساس الفعلي الذي بنيت عليه الاتجاهات النصية الحديثة بما استحدثته من أفكار وتصورات ومفاهيم ؛ فلا بد في التحليل النحوي من نمطين متوازيين من التحليل:

أولهما: التحليل النحوي ومجاله الجمل الجزئية بوصفها لبنة بناء النص وعنصر بنائه.

الثاني:التحليل النصي ومجاله النص بكلياته وتفسيراته .

ولا تعارض بين النمطين إذ يكمل كلا منهما الآخر ويقويه ، وربما تعد استقلالية النمطين إحدى إشكاليات الدرس اللغوي الحديث .

****************************

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

نحو النص في تأويلات المفسرين

الحذف والتقدير في تفسير ( النهر الماد) لأبي حيان الأندلسي نموذجا

                                د. أحمد محمد الصغير على

المدرس بقسم اللغة العربية- كلية الإنسانيات - جامعة قطر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 - الإطار العام للفكرة :

1/1- موضوع البحث :

تعددت مناهج التحليل اللغوي منذ القدم ، وتباينت هذه المناهج في نظرتها للجملة العربية والنصوص اللغوية ما بين منهج يعتمد المعيارية (القاعدة النحوية) في التحليل ، وآخر يعتمد الوصفية (المنهج الشكلي ) ، وثالث يتعامل مع البني السطحية والعميقة لفهم التراكيب( التوليد والتحويل) ، وقد اعتمدت هذه المناهج الجملة وحدة للتحليل اللغوي بوصفها عنصر بناء النص اللغوي وأداة من أدوات فهم النص . (1) 

وقد ظهر في مطلع السبعينيات من القرن العشرين منهج جديد من مناهج التحليل اللغوي عرف في الدراسات اللغوية الحديثة بـ (نحو النص ) ، وقد ظهر هذا المنهج أول الأمر متساوقا مع علم اللغة النصي وعلم النص ، ونظرية النص ، ثم تطور وانفصل عن هذه العلوم فشكل علما متكاملا له أصوله الخاصة ومعاييره الواضحة . (2)

ويعرف نحو النص في أبسط صور التعريفات بأنه منهج من مناهج التحليل اللغوي ، يستشرف المعنى الكلي للنص ، ويحلل الأجزاء والمكونات على ضوء النظرة الكلية الشمولية للنص، فالمعنى في نحو النص  يتحدد من خلال النص لا من خلال الجملة ، ويمكن لمحلل النص تفسير جملة ما بجملة لاحقة لها أو سابقة عليها ، من منطلق القول بكلية النص . وقد ارتبط نحو النص منذ نشأته ارتباطا وثيقا بتحليل الخطاب ، والنظر إلى النص على أنه بنية كلية لا على أنه جمل فرعية ، وقد تطور النحو بظهوره من نحو يحلل الجملة إلى نحو يحلل النص ، فيتعامل معه بوصفه جملا وسياقات ، وظروفا وفضاءات ، تتعالق فيها المعاني وتترابط بما قبلها وما بعدها ، فهو الأكثر اتصالا بمجال تحليل النص . (3)  

ويختلف نحو النص بطبيعة الحال عن نحو الجملة ،وقد أشار أصحاب هذا المنهج إلى تلك الفروق والاختلافات ضمن عدد من الانتقادات التي وجهت إلى نحو الجملة ، وتتجلى هذه الفروق في أن نحاة الجملة ينظرون إلى النص  نظرة  تتوقف عند حد شرح  النص شرحا جزئيا يعتمد على تحليل الجمل والعبارات دون النظر إلى علاقة هذه الجزئيات بعموم النص ( بوصفه وحدة متكاملة )،  فالشراح يبنون شروحهم على أساس فهم المفردات والجمل دون الانتباه إلى العلاقات  العضوية بين أجزاء النص. (4)

أما نحو النص فإنه ينطلق إلى  تحليل النص عن قناعة بأن  المعنى يتحدد من خلال النص الكلي لا من خلال الجملة ، فهو يتجاوز كل حدود المعيارية والشكلية والتحتية لنحو الجملة ، ويتجاوز كل العادات القرائية التقليدية ، وطرق التحليل اللغوي المعروفة ،ويتفاعل مع اللغة وينسجم معها دون أن توضع له معايير من خارجه تحدد جمله وتراكيبه ، فهو كائن حي يتشكل مع القراءة الواعية والتحليل الهادف الذي يجعل للسياق والموقف اللغوي دورا أساسيا عند التحليل ؛ لأن السياق هو محدد مكونات النص وموجدها ، وعلى هذا يمكننا القول إن نحو النص يتناول كل أشكال الأبنية وأنواع السياقات ومستويات اللغة ودرجات الربط النحوي والتماسك الدلالي . (5)

وقد حاولت بعض الدراسات الحديثة التي تناولت أصول نحو النص أن تحدد اختصاصات نحو الجملة ونحو النص ، وتكشف عن الفروق الجوهرية بين منهجي التحليل ، فجعلوا :

-    نحو الجملة يختص بدراسة الجمل معزولة عن سياقاتها ؛ لأن نحاة الجملة يؤمنون باستقلالية الجمل داخل النص ، ووصفوا نحو الجملة بأنه نحو تحليل لا نحو تركيب، وأنه نحو معياري يعتمد القاعدة النحوية أساسا في التحليل .(6)

-   أما نحو النص فقد جعلوه مختصا بعدد من المفاهيم التي يعتمد عليها تحليل النص مثل: (القصد و التناص ، والمقامية ، والإعلامية ، والقبول ) . ويعتمد في تحليله للنص على عدد من الوسائل التي تثبت ترابط النص مثل (إعادة اللفظ ، والإحالة ، التضام ، التعريف،الإحالة، الاستبدال ، الحذف ) .(7)

وقد انطلقت في بحثي من تساؤل مؤرق مفاده : هل عدم نحونا العربي التراثي التقليدي  الجُمَلي – أيا كان مصطلحه – تلك الأصول والسمات التي انتهجها نحو النص الحداثي المزعوم ؟ ، وهل خلت تحليلات النحاة والبلاغيين والمعربين والمفسرين والشراح -طوال ستة عشر قرنا من تاريخ التصنيف العربي- من تلك الأصول الحداثية المعتمدة في التحليل اللغوي ؟ .

فدفعني هذا التساؤل إلى البحث في تراثنا العربي الخالد المبدع ، عن بعض أصول – ولو بدت غير مترابطة – لما اعتمده نحو النص من منطلقات ومعايير للتحليل اللغوي .

ولصعوبة البحث في هذا المجال ، واتساع أركانه ومضماره ؛  فقد آثرت أن أقصر بحثي في هذا الجانب على ظاهرة بعينها من خلال نموذج من نماذج التحليل اللغوي ، فوقع اختياري على ظاهرة الحذف والتقدير من خلال تفسير النهر الماد لأبي حيان الأندلسي .

والحقيقة التي ننطلق من خلالها إلى البحث في هذا الموضوع تتجلى في أن هناك إشارات عارضة واضحة البيان  لبعض أصول نحو النص في تأويلات المفسرين لآيات القرآن الكريم ، ولا سيما عندما يسعى المفسرون إلى تفسير القرآن بالقرآن ، من منطلق النظر إلى القرآن بوصفه نصا كليا تكامليا يفسر أوله آخره ، ويسهم مفصله في إيضاح ما أجمل من مفرداته وتراكيبه ، ويعول على الظاهر من ألفاظه وجمله في تقدير ما حذف من حروفه و ألفاظه وعباراته ، وتتجلى هذه الإشارات أوضح ما تكون في إطار ظاهرة الحذف والتقدير في النص القرآني ؛ حيث تلتقي توجيهات المفسرين لبعض مواطن الحذف في النص القرآني مع بعض الأصول المعتمدة فيما يعرف في الدرس اللغوي المعاصر بـ (نحو النص) .

وقد وقع اختياري على أبي حيان الأندلسي (المتوفى سنة 754هـ ) لكونه علما من أعلام النحو والتفسير ، وله بين نحاة القرن الثامن الهجري المكانة البارزة ، وقد ألف في هذين العلمين العديد من المصنفات التي تحسب له  ضمن ذخائر التراث العربي في علمي النحو والتفسير.(8)

وعلى الرغم من كون النهر الماد من التفاسير المختصرة - بوصفه اختصارا لتفسير البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي – فإن أبا حيان قد اعتمد في تفسيره لكثير من آيات النص القرآني على ظاهرة الحذف ، وعول عليها في كثير من جوانب التفسير سواء في إيضاحه للدلالة التفسيرية ، أو توجيهه للقراءات القرآنية ، أو الرد على المفسرين والمعربين والنحويين.

وقد وقع اختياري على ظاهرة الحذف بالتحديد لتكون مجالا تطبيقيا لإجراء هذا البحث ؛ لأنها تمثل وسيلة مهمة من وسائل تماسك النص وترابطه كما صرح بذلك علماء نحو النص من المحللين اللغويين ، وعلى هذا الأساس يمكن لظاهرة لغوية كظاهرة الحذف  أن تظهر في كثير من جوانبها  أصول نحو النص في مضمار التفسير ، كما يمكنها أن تكشف عن العلاقة الوثيقة بين علمي النحو والتفسير.

فالحذف باب عظيم من أبواب النحو العربي (9) ، وهو نهج تنتهجه اللغة العربية التي وسمت عبر العصور بأنها ( لغة الحذف والإيجاز) ، فهي لغة تسعى إلى إفادة المتلقي من خلال النص اللغوي أكبر إفادة وأبلغها بواسطة أقل عدد ممكن من العناصر اللغوية ، وينظر الدرس اللغوي الحديث إلى الحذف بوصفه نوعا من الاقتصاد في الجهد بحذف العناصر المكررة ، أو التي سبق ذكرها ، ويعده المحدثون من الظواهر المشتركة في كل اللغات. (10) ودراسة الحذف في اللغة العربية بوجه عام  تجعلنا نهتم كثيرا بدلالات التراكيب المستخدمة في التعبير اللغوي ، وتعين على فهم  العلاقات النحوية بين عناصر التعبير اللغوي (11)  ، وقد زاد علماء البلاغة دراسة ظاهرة الحذف جمالا حين جعلوا لأنماط الحذف أهدافا جمالية يهدف إليها المبدع اللغوي ، وقد امتلأت متونهم ومصنفاتهم بأغراض الحذف في التراكيب اللغوية .(12) 

وقد عنى الباحث خلال هذا البحث  بتعرف أنماط الحذف التي عرض لها المفسر ، وبيان دور الحذف في مادة التفسير ، ومدى إفادة المفسر من هذه الظاهرة النحوية في الترجيح بين آراء المفسرين والمعربين للنص القرآني ، وتوجيهه للحذف بما يخدم مادة التفسير ويسهم في إيضاح الدلالة التفسيرية ، لنخرج من وراء إشارات أبي حيان الأندلسي عن مبررات الحذف ووسائل التقدير ببعض الإشارات الواضحة التي تثبت أن لنحو النص أصولا تطبيقية في تراثنا العربي ولا سيما في تأويلات المفسرين .

1/2-أهداف البحث:

يهدف الباحث من وراء هذه الدراسة إلى تحقيق ما يلي :

-   تعرف أنماط الحذف في تفسير (النهر الماد ) ، و تحديد صوره الوصفية.

-   رصد أغراض الحذف ومسوغاته ، وتعرف طرائق توظيف أبي حيان لأنماط الحذف

       في توجيه النصوص والقراءات والترجيح بين المفسرين والمعربين .

-   الكشف عن مدى إفادة  أبي حيان من صور الحذف المختلفة في إيضاح الدلالة التفسيرية.

-   تحديد مواطن الالتقاء بين توجيهات أبي حيان لأنماط الحذف وأصول نحو النص .

1/3-مصادر الدراسة:

المصدر الأساسي لهذه الدراسة هو كتاب " النهر الماد من البحر المحيط" ، حيث يتم اختيار عينة البحث من خلال المجلد الأول من التفسير ، وقد اعتمد البحث في تحليله لعينة الدراسة على بعض المصادر المتنوعة على النحو التالي:

ت‌-كتب النحو العربي التي تعنى بدراسة الصور المتنوعة للحذف في الأبواب النحوية المختلفة وفي مقدمتها: الكتاب لسيبويه ، شرح المفصل لابن يعيش ، الأصول في النحو لابن السراج.

ث‌-كتابات المحدثين التي تعنى بدراسة نحو النص وعلم اللغة النصي ومنها : علم النص مدخل متداخل الاختصاصات لفان دايك ، و لغة النص مفاهيم واتجاهات للدكتور سعيد بحيري ، نحو النص والتحليل اللغوي للدكتور أحمد عفيفي ، و مدخل إلى علم اللغة النصي لفولفانج هاينيه .

وقد عالج البحث عينة الدراسة من خلال هذه المصادر على ضوء آراء أبي حيان من خلال العينة العلمية ، وقام بمناقشتها على ضوء آراء النحاة والمفسرين ، ومن خلال رؤية الباحث الشخصية في هذا الموضوع.

1/4-منهج البحث:

 نهج الباحث في تحليله لعينة الدراسة المنهج التالي:

أولا: المنهج الوصفي حيث يسعى البحث إلى تعرف  أنماط الحذف التي عرض لها أبي حيان  وذلك من خلال النصوص المختارة التي يتم رصدها لتكون عينة البحث.

ثانيا:  تحليل آراء أبي حيان في توجيهه لأنماط الحذف المتنوعة ، وبيان أوجه التقاء هذه الآراء مع مفاهيم نحو النص واتجاهاته في التحليل اللغوي .

1/5-خطة البحث:

يتضمن الإطار العام للبحث عرض موضوع البحث ،وأسباب اختيار الموضوع،و أهداف البحث التي يسعى الباحث إلى تناولها من خلال عينة الدراسة ،كما يحدد المصادر الرئيسية التي تستقى من خلالها مادة البحث والمنهج المتبع في الدراسة ، والحدود التي يتم من خلالها معالجة فكرة البحث.

ثم ينتقل الباحث بعد ذلك إلى عرض أنماط الحذف في مادة التفسير من خلال عينة البحث ، وهنا ينتقل الباحث إلى الكشف عن توظيف أبي حيان للحذف في مادة التفسير  ؛ حيث يعرض لنماذج توظيف الحذف في تفسير أبي حيان ، ويقف على تحليلاته اللغوية والتركيبية للعناصر المحذوفة ؛ لنقف على الدور الوظيفي للحذف في إيضاح الدلالة التفسيرية .

ثم ينتقل الباحث بعد ذلك إلى رصد آراء أبي حيان في ظاهرة الحذف ، و التي تربطها بنحو النص صلات واضحة ، يمكن أن نعدها إرهاصات عربية لنشأة نحو النص .

 

2- أنماط الحذف في مادة التفسير :

تتعدد العناصر اللغوية التي يجوز حذفها في السياق العربي(13) ، وتتوزع على أبواب النحو العربي على مستويي الجملتين الاسمية والفعلية ، ويكاد الحذف يدخل كل باب نحوي بلا استثناء ، وصار الحذف جائزا بلا قيد ما لم يؤثر الحذف على عنصر الإفادة الذي هو الغاية السامية من وراء التعبير اللغوي .  

وقد تعامل أبو حيان مع صور متنوعة لأنماط الحذف في تفسيره ، حتى إننا نكاد �

المصدر: بحث ترقية
  • Currently 71/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
24 تصويتات / 3549 مشاهدة
نشرت فى 17 أكتوبر 2010 بواسطة hamadsagier

ساحة النقاش

amrslimabdelwah

ربنا يوفقك لانك شهادة حق من افضل الدكاترة الموجدين بالكلية

أ.د/ أحمد محمد الصغير على

hamadsagier
أ.د/أحمد محمد الصغير على -- أستاذ النحو والصرف والعروض -- كلية دار العلوم -- جامعة المنيا. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

64,509