استراتيجيات التعلم
وتعلم الإستراتيجيات(*)
ترجمة: بنعيسى زغبوش
تقديم ومراجعة: الغالي أحرشاو
صدر المقال ضمن: زغبوش، بنعيسى (2005). "استراتيجيات التعلم وتعلم الاستراتيجيات" (ترجمة). ضمن: منشورات مركز الأبحاث والدراسات النفسية والاجتماعية CREP: "التمدرس واكتساب المعارف": 3 (57-86). فاس: كلية الآداب والعلوم الإنسانية - ظهر المهراز.
تقديم
بعد فتور مرحلي، عادت دراسة التعلم إلى الواجهة، حيث أدت إلى عدد هائل من الأعمال في السيكولوجيا المعرفية. وترجع هذه الصحوة إلى ظهور مفاهيم ونماذج جديدة قابلة للاستعمال في مجال مقاربة ظاهرة الاكتساب وسيروراتها ومضامينها وأشكالها وعواملها واستراتيجياتها. وإذا كان من أهم الخلاصات التي تؤكد عليها هذه الأعمال، فكرة أن التعلم واستراتيجياته لا تحكمه فقط المعارف الخاصة بميدان محدد ولا قدرات الفرد الذهنية ومعارفه السابقة فحسب، فالراجح أن ما يسمى بالمطامعارف وآلياتها في المراقبة والتضبيط تلعب هي الأخرى دورا هاما في هذا المضمار. فلا يكفي أن يتمتع الفرد بكفاءات معرفية وقدرات ذهنية عالية لكي ينجح في تحقيق التعلمات وحل المشاكل بسهولة وفعالية، بل المفروض أن يفلح كذلك في طريقة توظيف تلك الكفاءات بالشكل الهادف والمفيد في شتى المجالات والقطاعات وخاصة تلك التي ترتبط بالحياة الأسرية والمدرسية والمهنية.
إن أهمية المطامعارف ودورها الاستراتيجي في سيرورة الاكتساب عامة والتعلم خاصة تسمح بالقول إن كثيرا من الأطفال الذين هم في حالة فشل (خاصة المتأخرين ذهنيا وذوي الصعوبات في التمدرس) عادة ما يعانون من نواقص واضحة في مراقبة اشتغالهم المعرفي وتضبيطه. ومن هنا فإن التحدي الذي يواجه المؤسسات التربوية الحديثة هو إلى أي حد يمكنها أن تنجح في تعليم أمثال هؤلاء استراتيجيات للتعلم قصد تطوير قدراتهم المطامعرفية؟ بمعنى إلى أي حد يمكن تعليم أمثال هؤلاء كيف يتعلمون بالاعتماد على طرق استراتيجية للتلقين والتعليم؟ وإلى أي مدى يمكن الإلمام بالآليات التي تعيق لجوء بعض الأفراد إلى الاستراتيجيات أو التشغيل الناجع لها؟
الواقع أن الإجابة على ما يشبه هذه الأسئلة الجوهرية هي التي يحاول صاحبا هذا المقال (المترجم) تقديمها بشكل مستفيض ومفصل.
انصب اهتمام السيكولوجيين المشتغلين في حقل النمو/التعلم خلال السنوات العشر الأخيرة، على الانشغال بمجالين من الدراسة: مجال المعرفة السابقة للأفراد ومجال توفر-تشغيل الاستراتيجيات (RabinowitzوMcAuley، 1991). فقد أوضحت العديد من الدراسات، فيما يخص المعرفة السابقة، أنه بإمكانها "تفسير" جزء كبير من الوقائع التي تنسب غالبا للنمو. بمعنى آخر، عندما تخضع معارف الأفراد المفهومية للمراقبة (ما يسمى في بعض الأحيان بمستوى الخبرة) المتعلقة بميدان محدد (كرة القدم، الشطرنج، الديناصورات)، يصبح من الصعب توضيح دور النمو، إذ تكون أداءات من "يعرف أكثر" أفضل من أداءات الآخرين، بغض النظر عن عامل السن (ChiوCeci، 1987؛ YatesوChandler، 1991). وبالرغم من ذلك، فإن تفوق الكفاءات، التي تمت ملاحظتها بشكل نسقي لدى "الخبراء"، لا توضح كيفية اكتساب المعارف. من هنا يجب اعتماد بعد ثان وهو: استراتيجيات التعلم (بمعناها الواسع).
لا تعتبر الإحالة إلى استراتيجيات التعلم حديثة العهد، بل تعود إلى قدرات "تعلم التعلم" apprendre à apprendre التي اعتبرها Binet أساسية واستقاها من RousseauوSpencerوDewey من بين آخرين. والجديد في المسألة هو الاهتمام، في العشرية الأخيرة، بالدراسة المنهجية والإمبريقية للاستراتيجيات. يجد هذا الاهتمام أصله في إكراه مزدوج: إكراه ينحدر من السيكولوجيا التكوينية génétique "الأساسية" التي اهتمت بالمطامعرفية (ChartierوLautrey، 1992؛ Flavell، 1985)؛ وينبثق الإكراه الثاني من برامج المعالجة المعرفية (ChartierوLautrey، 1992). وبالتركيز القوي على دراسة الذاكرة وتطورها (Melot، 1991)، انتشرت المقاربة المطامعرفية بالتدريج في ميادين حل المشاكل وفهم النصوص وإنتاجها، إلخ. (Allal وSaada-Robert، 1992).
يهدف هذا المقال إلى بسط تركيب إشكالي لمفهوم الاستراتيجية مع محاولة توضيح النقاط التالية:
أ) من جهة أهميتها الأكيدة في البعد التعليمي.
ب) الصعوبات الأكيدة التي تثيرها في علاقتها بأي محاولة لأجرأتها.
ج) المظاهر التي ظلت غير مدروسة بما يكفي، والتي يجب أن تكون موضوع أبحاث السنوات القادمة.
اعداد/ حمادة جمال بساط
(*) المقال مترجم عن:
ساحة النقاش