صلاح الدين حسن
أحدثت أبواب السجن العالية صريراً مدوياً عندما فتحها السجانون، مؤذنة بخروج أفواج "الجماعة الإسلامية"بعد أن قضى قادتهم ما يربو على ربع قرن تحت أقبية سجني طرة وأبي زعبل. قرر نظام "مبارك" في منتصف العِقد الأول من القرن الواحد والعشرين، غلق ملفاتهم للأبد بعد أن خطوا بأيديهم مراجعات ادّعوا فيها أنهم نادمون على إراقة دماء مئات من ضحاياهم، وأنهم نفضوا عن رؤوسهم أفكار القتل والتكفير التي عششت فيها منذ سبعينيات القرن الماضي. لكن تلك الرؤوس لم تكن قد نبذت من أفكارها القديمة سوى النذر القليل، الذي تعلق بقياس الواقع الذي أفضى بها خلف القضبان، وإجهاض مشروعها الذي طمحت فيه بإقامة دولتها على أنقاض النظام القائم بينما ظلت على اعتقادها بكفر الحاكم ووجوب قتال سلطات الدولة الممتنعة عن تطبيق شرع الله حسب مفهومها.
عادت الجماعة إلى معاقلها القديمة فوجدتها فارغة إلا من أعدائها القدامى" الإخوان والسلفيون" بعدما منحت لهم "النكبة" التي تعرضت لها "الجماعة" فرصة تاريخية للتمدد والانتشار في تلك المعاقل للحد الذي حصد فيه تنظيم الإخوان ما يربو على الثلاثين عضوا في برلمان عام 2005.
كتمت الجماعة ما بداخلها وخضعت طواعية وكَرهاً، للسيطرة الأمنية تنتظر توجيهاتها وتسترشد برأيها في كل حركة كبرت أو صغرت، حتى فيما يتعلق بإدلائها بتصريحات لوسائل الإعلام، واتبعت الدولة سياسة "التكافل الاجتماعي" تجاهها فوفرت لأعضائها موارد للرزق وعندما اندلعت ثورة الــخامس والعشرين يناير(1) قررت تحت ضغط شبح النكبة المتراقص عدم مشاركتها في فعاليتها، بل ظهرت قيادات لها تندد بالتظاهرات آنذاك، كاشفة عن تعاطفها مع شخص "مبارك".(2)
لكن علاء أبو النصر، وهو الأمين العام لحزب البناء والتنمية، الذراع السياسي للجماعة، لفت في حديث له عن أن العشرات من عناصر الجماعة شاركت في موقعة الجمل، وأن لم يعلن قادة الجماعة حينذاك عن تواجدهم خوفاً من فشل ثورة يناير، وعودتهم للسجون مرة أخرى حيث سيعتبر النظام أن الجماعة قد حنثت بوعدها ويحق عليها العودة للسجون كما دخلوها أول مرة.(3)
يؤكد هذا ويعضده إقرار ناجح إبراهيم، المسؤول الحقيقي للجماعة في هذا التوقيت، في حديثه معنا بأنه سمح لأعضاء الجماعة بالتواجد في ميدان التحرير إبان ثورة يناير، وإن كان بشكل فردي، حتي لا تحل أخطاءهم على كامل أعضاء الجماعة.(4)
سقط نظام مبارك فتساءل قادة الجماعة ماذا نحن فاعلون؟.. أدركت الجماعة أن منافسها القديم "الإخوان"سيصعد إلى قمة المشهد المصري ممتطياً جواد الثورة الجامح، فعزمت أن يكون لها مكان في خارطة المستقبل. لم يكن ذلك ممكناً سوى بالإطاحة بالوجوه القيادية التي ما زالت ترفض انخراطها في معترك السياسة، مدركة أن غالبية أفرادها وقياداتها ما زالت تستبطن "فكرة التكفير" وإن ادّعت عكس ذلك.
في هذه الأثناء وقبلها، كان القيادي المتنفذ صفوت عبدالغني يعمل على لملمة أشلاء التنظيم القديم في القاهرة والصعيد، فقرر استدعاء الأعضاء القدامى للإطاحة بالوجوه القديمة التي آمنت بالمراجعات الفكرية على الحقيقة، وعملت على تخليص الجماعة من قبضة النظام السابق.
ناجح إبراهيم:. أن بذرة التكفير إذا وُجدت لدى شخص أو جماعة فإنها ستنمو لا محالة إن لم يكن في هذا الجيل ففي الجيل الذي يليهأولا: انقلاب داخلي
بدأت الانشقاقات الكبرى داخل الجماعة الإسلامية عندما قرر صفوت عبدالغني، أحد قيادات الصف الثاني في الجماعة، حشد الأصوات لإجراء انتخابات داخلية، في الأيام الأولى لثورة يناير بإيعاز من عصام دربالة، عضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية، الذى كان صدر قرار من كرم زهدي، أمير الجماعة في ذلك الحين، بالتحقيق معه، بحجة أنه يكفّر الحاكم، وبالاتفاق مع عبود الزمر وابن عمه طارق، اللذين كانا محبوسين وقتها في قضية اغتيال الرئيس الراحل السادات، وكانا على اقتناع أن "زهدي وإبراهيم" نائب رئيس مجلس شورى الجماعة انحرفا بالجماعة عن الطريق القويم.
وفى اليوم الذى أُفرج فيه عن طارق وعبود الزمر، اجتمعا مع "عبدالغني" في السجن، واتفقوا على إقالة"زهدي وناجح"، وهو ما حدث بالفعل، حيث خرج آل الزمر من السجن وأجروا انتخابات شكلية للإطاحة بالقيادات الموجودة، وبالفعل خلا مجلس شورى الجماعة لأول مرة في تاريخه من كرم زهدي الذى قاد الجماعة في أحلك لحظاتها داخل السجون وتعاطى مع مبادرة وقف العنف للإفراج عن عناصر الجماعة، كما تم الإطاحة بفؤاد الدواليبي، وحمدي عبدالرحمن، وعلى الشريف من مجلس شورى الجماعة.(5)
لم تكن هذه هي بداية الانشقاقات داخل الجماعة، حيث مُنيت الجماعة بانشقاقات داخل السجن ترتب عليها خروج ما يقرب من 5 آلاف معتقل على أفكار الجماعة من أصل 10 آلاف، بسبب القيادة غير الرشيدة لأعضاء من الصف الثاني الذين لم يكن لهم أي دور في الجماعة سوى أنهم من جيل عام 81 الذى قتل السادات.
ثانيا: خلافات "تكفيرية"
أطاح صقور الجماعة، وقادتها العسكريون، بقادة المراجعات رافعين لواء تصحيح المسار الذين أدعوا أن قادة المراجعات وعلى رأسهم ناجح إبراهيم وكرم زهدي، قد أخذوا الجماعة فيه للطريق الخطأ. وفي هذه الأثناء أجري الباحث مناظرة بين ممثلين عن الجناحين "عصام دربالة وناجح إبراهيم", لكي يقف على حقيقة الخلاف بين الفريقين، فوجدها "مسألة التكفير". حيث اعترف "دربالة" في بداية حديثه على أن لٌب الخلاف هي تلك المسألة لكنه شدد على أن التكفير لديه وفريقه يظل مسألة نظرية لا تنزل إلى الواقع بينما أصر "إبراهيم" على أن بذرة التكفير إذا وُجدت لدى شخص أو جماعة فإنها ستنمو لا محالة إن لم يكن في هذا الجيل ففي الجيل الذي يليه.
سألنا "دربالة": هل عودة صقور الجناح العسكري القديم تثير مخاوف عودة العمل العسكري المسلح؟ فأجاب: هذا الطرح عار تماماً من الصحة؛ لأن مجلس الشورى الجديد عندما تولى المسؤولية بدأ في تفعيل استراتيجية العمل السلمي المتعلقة بإنشاء حزب سياسي للجماعة وهو البناء والتنمية لافتاً إلى أن مجلس الشورى الحالي الذي يترجم رؤية أغلبية أعضاء الجماعة تبنى استراتيجية العمل السلمي, والآن يؤسس جمعيات تُشهر وفقاً للقانون، وهذا يشي بأن الجماعة تسعى إلى الاندماج في الحياة العامة، بواسطة تقنين وجودها بشكل قانوني.
"إبراهيم" رد على هذه النقطة قائلاً: الاحتجاج بفكرة إنشاء الحزب، لا تزيل هاجس الخوف، فالجميع الآن ينشئون أحزاباً، حتى الأحزاب التي تكفر علناً، ولو جاءت القاعدة إلى هنا لأنشأت حزباً.
ويفاجئنا "دربالة" بأن صلب الاختلاف بين الفريقين كان "قضية توصيف الحاكم الذي لا يحكم بما أنزل الله" كاشفاً عن أنه كانت لدى الدكتور "ناجح" قناعة أن الجماعة لن تجد لها فرصة، إلا إذا امتنعت عن تكفير الحكام مشدداً على أن الحكام ليسوا على شاكلة واحدة فمنهم من لا يصح تكفيره حتى ولو كان يقول بالحكم بغير ما أنزل الله في بعض الأمور والوقائع ومن الحكام من اجتمع العلماء على أنه يخرج من الملة ويكفر، فليس ضرورياً لمن يتبنى حكم التكفير "نظرياً" أن يأتي بمقتضى هذا الحكم على أرض الواقع.
ويقف ناجح إبراهيم عند هذه النقطة ليؤكد على أن ما طرحه "دربالة" هو صلب الخلاف بين الفريقين ويقول:هذه المجموعة "القيادات الحالية" تعتقد بتكفير الحاكم الذي لا يطبق شرع الله، وأنا كنت قد كتبت في كتاب "الحاكمية" أن الحاكم لا يكفر حتى وإن لم يطبق الشريعة الإسلامية.
ويكمل: أنا سألتهم كيف ستندمجون في الحياة السياسية وفي المجتمع وأنتم تكفرون الحاكم في داخلكم؟ فأجابوا إن هذه مسألة نظرية، لا مردود عملياً لها، إذ من الممكن أن نكفّر، ولكن من دون حمل السلاح.
وينهي بقوله: ما توصلت إليه في النهاية هو أن الفكر التكفيري لابد أن يسبق السلاح ولا بد أن يدل عليه، وهذا استقراء من التاريخ، وإذا أنت لم تحمل السلاح ، فلا بد أن تورث الفكرة للأجيال التالية التي يمكن بدورها أن تحمل السلاح، حتى ولو لم يحمله الجيل الذي أنهكته السجون.(6)
ثالثا: نبوءة إبراهيم تتحقق
لم يمض سوى عامين حتى تحققت نبوءة ناجح إبراهيم، فسرعان ما تسارعت الأحداث وأطاحت الاحتجاجات الشعبية العاصفة بحكم الرئيس "المعزول" محمد مرسي في وقت تحالفت فيه جل الجماعات الاسلامية مع تنظيم الإخوان. واشتعل العنف .. وتواردت الأنباء القادمة من صعيد مصر لتشير إلى تورط أعضاء الجماعة الإسلامية في العنف المسلح ضد الأقباط وكنائسهم ومؤيدي 30 يونيو، لتتحقق توقعات "إبراهيم" والتي وشت بعودة الجماعة الإسلامية للعنف تحت إمرة القيادة المتنفذة فيها والتي سيطرت على مقاليدها إبان ثورة يناير، فرغم أن "دربالة" في حديثه معنا شدد على أن التكفير لديهم نظري فقط , إلا أنه سرعان ما مارست الجماعة العنف عند أول اختبار لها مرتكزة على جذورها التكفيرية التي سمحت لها تحت ضغط الغضب من الإطاحة بحكم الإسلاميين أن تستحل دماء المعارضين لحكم "مرسي" باعتبارهم طواغيت يحاربون شرع الله.(7)
ويبدو أن هاجس العودة إلى السجون جعل قادة الجماعة الاسلامية في الصعيد يصدرون بيانات وزعت على عناصرها بالتوقف عن الانجرار العنف المسلح، مهددة من يفعل بالتحقيق معه. وسواء صدقت هذه البيانات أم كانت مناورة إلا أن قادة الجماعة الحاليين والتي انحدر غالبيتهم من الجناح العسكري المنحل، أدركوا من خلال خبراتهم القتالية السابقة في أفغانستان ومصر أن معركتهم مع الأجهزة الأمنية المصرية ستؤول حتما بالفشل.
رابعا: قبلة حياة
قامت الثورة، وأعطت للجماعة قبلة الحياة، وبعد الضغط والحصار، خرج أغلب أعضائها من السجون، لكنهم كانوا في حالة اقتصادية متردية، وبينهم وبين أقرانهم فارق كبير في السن والخبرة، وليس لهم برنامج سياسيتفصيلي، لأنهم لم يظنوا أن الأفق القريب سيسمح لهم بالعمل العام، وهذا ما دفعهم إلى أن يذهبوا لكل من تركهم، ولكل من تاب عن أفكارهم، وكل من انشق عنهم، محاولين إرجاعه كي يستطيعوا العودة من جديد، وحاولوا أن يوفّقوا بين جميع الرغبات، فأقاموا جمعية اجتماعية، وحزباً سياسياً عجزوا عن جمع مؤسسيه في البداية، وعادوا لمساجدهم القديمة، يحاولون تصوير أنفسهم بصورة مغايرة عن صورة العنف ومجموعات تغيير المنكر، لكن تحديات الزمان والمكان كانت تسبقهم، فلم يجدوا إلا الارتماء في حضن الإخوان، رغم أنهم جماعة أسست أفكارها على نهج يتفرد عن الحاضن الجديد.(8)
لم يكن غريباً أن نرى التناغم بين الإخوان والجماعة الإسلامية؛ لأن الأخيرة رغم صوتها العالي، فإنها لا تزال ضعيفة للغاية نظراً لتسرب عدد كبير منها، وأن عدد عناصرها الحقيقيين لا يزيد على 3 آلاف فرد بكل المحافظات المصرية، بالإضافة لخروج أكثر من مجموعة من داخل الجماعة تبحث عن الطريق البديل , سواءً من داخل الجماعة عن طريق حزب أو جمعية تعمل داخل إطار القيادة مع نوع من الانفصال، أو من خلال هيكلة جديدة تحمل فيها خيط اتصال وولاء للجماعة دون التزام تنظيمي حقيقي، وذلك مثل مجموعة إمبابة.
وكان لمراجعة الفكرة المميزة للجماعة، وتغييرها، على سبيل المثال تكفير الحاكم، وتغيير المنكرات، وقتال الطائفة، والعمل الحزبي، أثر كبير في فقد الجماعة لأهم العناصر، حتى أصبح لا فرق بينها وبين الإخوان، بل أصبحت في أوقات كثيرة، تسير في ركابها أو ركاب السلفيين.
لم يكن غريباً أن نرى التناغم بين الإخوان والجماعة الإسلامية؛ لأن الأخيرة رغم صوتها العالي، فإنها لا تزال ضعيفة للغاية نظراً لتسرب عدد كبير منها، وأن عدد عناصرها الحقيقيين لا يزيد ع
خامسا: ثارات قديمة
كانت ثارات قديمة كامنة تحت الرماد بين الفريقين في الجماعة الإسلامية اتقدت جمرتها إبان الدخول في مرحلة الحوار مع النظام فبينما وافق إبراهيم ومجموعته "كرم زهدي، حمدي عبدالرحمن، فؤاد الدواليبي" على الدخول في مراجعات حقيقية تصل إلى حد الاعتراف بخطأ المنهج والأفكار. والواقع أصرت مجموعة "دربالة" على أن تكون المراجعات مجرد إقرار بخطأ في قراءة الواقع دون التطرق للمناهج والأفكار على اعتبار أنهم لم يخطئوا منهجيا وإن أخطأوا في قراءة الواقع.
خرجت الجماعة من السجون، معزولة عن المجتمع، وبها انقطاع جيلي كبير، ولم يكن لها سوى موقع أسّسه ناجح إبراهيم، حاول أن يعطى خطاباً وسطياً متزناً، إلا أن بعض الآراء وتلك الخلافات في وجهة النظر القائمة حول بعض الأمور التي هي ليست جوهرية في المقام الأول كحكم الإسلام في الغناء أو مبادرة السلام أو المقالات التي كانت عن الفترة الناصرية، أدت إلى اعتراضات كبيرة، وأعطت مبرراً للانقلاب على ناجح إبراهيم بعد ذلك، تحت مسمى أنه أحلّ الموسيقى، أو أنه كتب «ارحموا عزيز قوم ذل»، في إشارة لمبارك، وبالتالي واجه حرباً شعواء. ومع أول أيام الثورة، انقلب بعض قادة الجماعة عليه، في انتخابات يقول البعض أنها "مزورة"
سادسا: البحث عن الذات
خرجت من بوابات السجون وهي تحمل إرثاً مريراً ثقل منه ظهرها الموجع.. فها هي أشباح من قتلتهم تلاحقها في كل مكان.. بينما يصر قادتها الجدد على عدم تحمل دماءهم، فتوجهت للتحالف مع جماعة الإخوان، التي خشيت بدورها من تحمل كلفة أخواتها من الجماعات الإسلامية. يدور الزمان وتذهب قادة الجماعة الاسلامية للتحالف مع الجماعة التي اعتبروها يوما مميعة للدين، ومهادنة للسلطة ومتنازلة عن عقيدة الجهاد، وراكنة إلى الدنيا. لكن الجماعة الإسلامية كان لديها اليقين من خلال تجربتها أن الإخوان جماعة استبدادية لا ترغب بحكم جيناتها الاستعلائية في شريك لها على ساحة الإسلام السياسي, وإن كان لابد, فيجب أن تكون تلك الجماعة تابعة لها تأتمر بأمرها.
حفل تاريخ العلاقة بين الجماعتين صراعات وصلت لحد الدموية، منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي وحتى أواخر التسعينيات، حتى أنهكت الأجهزة الأمنية قوى الجماعة الاسلامية في معقلها في الصعيد وفي الوجهة البحري.
ولم تنس الجماعة الإسلامية يوما أن لتنظيم الإخوان تفتيت مشروعها والتهامه القضمة الكبرى من تنظيم الجماعة الإسلامية الطلابية التي نشأت في أوائل سبعينيات القرن الماضي، وذهاب القادة الذين كان على رأسهم عبدالمنعم أبو الفتوح وحلمي الجزار ومحمد حبيب إلى بناء تنظيم للإخوان في الصعيد في محاولة منه لإزاحة تنظيم الجماعة الإسلامية.
وبعد ثورة يناير وجد قادة الجماعة الإسلامية أنفسهم وقد أصابهم الكبر وانقطعت أجيالها وهم خلف قضبان السجون، فرأوا من التحالف مع عدوهم القديم منجاة لهم وسط تمايع منهجهم. وفي النادي النهري لنقابة المحامين على كورنيش المعادي، اجتمع قادة الجماعة الإسلامية ليعلنوا عن مجلس شوراهم الجديد فكان سؤالنا لعصام دربالة: ما يمايز منهجكم الآن عن منهج جماعة الإخوان المسلمين بعدما تخليتهم عن العمل المسلح؟ فلم تكن هناك إجابة سوى أن الجماعة الاسلامية هي الجماعة الاسلامية وأن جماعة الإخوان هي جماعة الإخوان.
سابعا: هرولة نحو الإخوان
تولدت الجماعة الإسلامية قناعة بأن التيارات المدنية لن تبلعها على تاريخها الدموي الذي طالما تذكرها بها في كل مناسبة، وأن تلك التيارات ترتاب من تلك الجماعة ومن صدقية تخليها عن أفكار العنف والتكفير... ارتكنت الجماعة الاسلامية على ظهيرها من تيارات وجماعات الاسلام السياسي، وعلى رأسها الإخوان.
كان خلافها مع الاخوان في السابق أيديولوجي وسياسي، فطالما نظرت للإخوان على أنها متحللة ترى من الدين الحلال أكثر من الحرام، بينما نشأت الجماعة الاسلامية سلفية خالصة لم تتنازل عن ثوابت الدين، وجمعت بين السلفية والجهاد المسلح لإقامة الدولة.
ولم تنس الجماعة الاسلامية مواقف الإخوان التي زايدت عليها وحاولت الاستفادة من مواجهاتها مع الدولة في تصدير نفسها كنموذج سلمي معتدل ثم بعد مرحلة مراجعات الجماعة الاسلامية في أنها كانت على الصواب في عدم استخدامها للسلاح ضد الدولة. لم تفوت الإخوان الفرصة في إصدار بيانات بعد كل عملية إرهابية للجماعة الاسلامية لتؤكد على تبرأها من تلك الأفعال.
لقد وقف عصام العريان، القيادي الإخواني، في برلمان عام 97 ليطالب زكي بدر، وزير الداخلية آنذاك، بقصف عناصر الجماعة الاسلامية بالطائرات اذا ثبت ارتكابهم للعنف.. ومن خبر تلك الجماعة يؤكد على أنها لا تنسى تلك المواقف لأصحابها وإن مضت السنين. لكن اعتقاد ساد لدى قادة الجماعة وكثير من أعضاءها أنهم لم يعودوا يختلفون كثيرا عن جماعة الإخوان بعد إقرارهم أن مسار العنف الذين ساروا فيه لم يكن صحيحا وأن أفضى بهم وبمشروعهم إلى الهاوية لكن الأخطر هو إيمانهم بأن قادة الإخوان تعتقد كما يعتقدون من تكفير الحاكم ووجوب الخروج عليه إذا سمح الواقع بذلك.
في مقابلة لنا مع أحمد الشوربحي، أحد أعضاء الجماعة الإسلامية السابقين والذين قضوا إحدى عشر عاماً وراء السجون والمشتغل حاليا بالعمل البحثي، كشف عن لقاء جمعة داخل سجن طرة بــ "علي عمران" مسؤول تنظيم الإخوان في شمال الصعيد، أكد خلاله "عمران" بأن الإخوان تعتقد كفر الحاكم كما تعتقد الجماعة الإسلامية , وإن كانوا لا يعلنون ذلك على منابرهم كما تفعل "الجماعة" ولا يصرحون بذلك إلى أفرادهم لكنهم يختلفون عنها في تقييمهم للواقع ومعايير القوة التي لا تسمح لهم.(9)
ثامنا: أجواء دافئة في مناخ عاصف
مقعد واحد .. كان المنحة التي منحها "مكتب الإرشاد" للجماعة الإسلامية التي قررت التحالف مع الاخوان خلال انتخابات مجلس الشعب الماضية ضمن "التحالف الديمقراطي" الذي كان يتزعمه حزب الحرية والعدالة. هكذا كانت جماعة الإخوان تري حجم الجماعة الإسلامية التي أسست لتوها حزبها الوليد "البناء والتنمية" في يونيو 2011، حيث رفضت منحها أكثر من مقعد باعتبار أن ذلك يمثل قيمتها النسبية في الشارع السياسي، لتخرج الجماعة من التحالف وتشارك حزبي "النور" و"الأصالة" فيما يسمي بـ"الكتلة الإسلامية" تحت شعار "العدالة والمساواة والحرية والتعددية والشورى والتكافل الاجتماعي" وتبدأ الحرب الباردة بين الجماعة والاخوان، ووقتها خرج "المفاوض" صفوت عبد الغني، يقول: إنني لم أشعر بالحرية أو العدالة داخل حزب الحرية أو العدالة. استمرت الحرب الكلامية بين الطرفين طوال الانتخابات لتخرج الجماعة بـ 19 مقعد بالبرلمان بمفردها، فيما حصل تحالف الكتلة الاسلامية علي 20 % من المقاعد تقريباً .
وبحصولها على 19 مقعداً في البرلمان، أخرجت "الجماعة" لسانها لتنظيم الإخوان ولسان حالها يقول: "ها نحن ذا أثبتنا لكم أننا قوة لا يُستهان بها في الصعيد". لكن "الإخوان" تجاهلت الرسالة وواصلت عنجهيتها تجاه أخواتها من الفصائل. وعقب الانتخابات تجددت الأزمة بين الجماعة والإرشاد بإقصاء قيادات الجماعة عن رئاسة لجان مجلس الشعب لتستأثر جماعة الاخوان برئاسة غالبية اللجان الهامة .
وأتت الرياح بما لا تشتهي السفن حينما قررت الإخوان الدفع بمرشحين لخوض الانتخابات الرئاسية "الشاطر ومرسي" وعقب استبعاد الأول فتحت الجماعة خطوطاً جديدة للتواصل مع الجماعة الإسلامية لدعمها مرشحها في مواجهة بقية المرشحين، وبالفعل استجاب مجلس شوري الجماعة الإسلامية عملاً بالقاعدة الشرعية "درأ المفاسد مقدم علي جلب المصالح " خصوصاً وأن المرشحين ذوي الخلفية الإسلامية "العوا" و "أبو الفتوح" لم يتحدثا عن تطبيق الشريعة , كما كان تروج الإخوان، لكن قواعد الحزب والجمعية العمومية صوتت لـ"عبد المنعم أبو الفتوح" واضطر مجلس شوري الجماعة لقبول الأمر الواقع ليعلن تأييده للدكتور لــــ" أبو الفتوح" .. مثل ذلك صفعة قوية للإخوان..
تبريرات الجماعة الإسلامية لدعم أبو الفتوح كشفت بشكل كبير خشيتها من سيطرة التنظيم الإخواني على الساحة السياسية، واستطاعته بلع باقي التنظيمات الأخرى على إقصائيته واستعلائه وثقته في نفسه دون الآخرين. واعتقدت الجماعة كما اعتقدت الدعوة السلفية وذراعها السياسي "النور" أن في دعمها لأبو الفتوح ترويضا لفرس الإخوان الجامح أو محاولة إيقافه قليلا حتى تتمكن من استعادة قوتها وترسيخ أقدامها على الأرضية السياسية المصرية قبل هيمنة الإخوان. وعقب خسارة "أبو الفتوح" لم يكن أمام الجماعة الاسلامية سوي دعم المرشح الاسلامي " الوحيد" في مواجهة الفريق أحمد شفيق المحسوب علي نظام "مبارك" علي أمل أن يكون لها حظاً في "الكعكة" الوزارية، وفاز "مرسي" وخرجت الجماعة بخفي حنين!
وعندما تم الإعلان عن إعادة تشكيل المجلس القومي لحقوق الإنسان في سبتمبر 2012، دفعت الجماعة الإسلامية بعدة مرشحين للاختيار من بينهم من يمثله في عضوية المجلس القومي لحقوق الإنسان وهم أعضاء الحزب "محمود طه عبد الوهاب، حسن الغرباوي شحاته، أسامة رشدي، وهاني نور الدين"، فلم يتم اختيار أحد سوي رشدي فقط! لتصدر الجماعة أول بيان "صريح" آنذاك يهاجم نظام الإخوان ويتهمهم بالإقصاء بدعوي أن قيادات الجماعة الإسلامية هي أكثر من يستحق التمثيل في هذا المجلس لقضائهم سنوات طويلة في معتقلات "مبارك".
وعندما أثير الحديث عن الدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة، لجأت الإخوان للجماعة الإسلامية مرة أخري عقب فشل تواصلها مع حزب النور الذي طالب بعزل النائب العام وإعادة تشكيل الحكومة والتقي جبهة الانقاذ، وعليه عرضت الجماعة لأول مرة دعماً مشروطاً للإخوان بتقديم ثلاثة مرشحين لمحافظات سوهاج والمنيا وقنا، لتفاجئ الجماعة بتعيين المهندس عادل الخياط محافظاً للأقصر، وسط غليان من الشارع السياسي لرفض إسناد تلك المحافظة الهامة للجماعة وعليه قررت الجماعة سحب الخياط، لتخسر مرة أخري كل شيء.
خرجت الجماعة من السجون، معزولة عن المجتمع، وبها انقطاع جيلي كبير، ولم يكن لها سوى موقع أسسه ناجح إبراهيم، حاول أن يعطى خطاباً وسطياً متزناًتاسعًا: الجماعة تخسر
عند اشتداد وطأة المعارضة لحكم الإخوان , واشتعل الاستقطاب السياسي ذهبت الجماعة الإسلامية لترتمي في أحضان التنظيم الإخواني مرة أخرى، راضية بالقيام بدور "مخلب القط" الذي تستخدمه مكتب الإرشاد في مواجهة خصومه السياسيين، معتمدة على الخلفية التي يحتفظ بها الشعب المصري عن الجماعة الإسلامية"العنيفة"، وفي إشارة من قادة الإخوان بأن الاطاحة بهم يعني مواجهة هؤلاء "المتوحشين".
وظهر عاصم عبد الماجد في دور "البعبع" الذي اعتقد أنصار الإخوان أنهم سيرهبون به المعارضين لحكم الرئيس "المعزول" محمد مرسي، فهاجم التيارات المعارضة باعتبارها عدوة الإسلام، وأن لديهم عشرات الآلاف من المقاتلين الجاهزين للدفاع عن حكم "مرسي". اندلعت ثورة الجماهير في يونيو بعد أن تورطت الجماعة في دعم "الإخوان"، وظهور أحد قياداتها بوجهه وخطابه العنيف ليهدد المصريين بالقتل والخراب إذا حاولوا الإطاحة بـ"مرسى". طاف شبح المحنة بالجماعة الإسلامية وتمادى قادتها في التحريض في عدم التراجع حتى لا تكون كالتي "نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً" وصدرت تلك القيادات لقواعدها اعتقاداً بأن ذهاب عرش الإخوان سيفضي بهم في السجون مرة أخرى، وسيقضي على أحلامهم بإقامة دولة الخلاقة الراشدة.
وعقب فض اعتصام "رابعة" انقسمت الجماعة الإسلامية على نفسها بين مؤيد للخروج من التحالف الديمقراطي للانخراط في خريطة الطريق، التي جرى إعلانها يوم 3 يوليو، ورافض لما حدث، لكنها لم تستطع الانسحاب خوفاً من خسارة كل شيء، وأهدرت بيديها فرصة ذهبية للقفز من سفينة الإخوان قبل غرقها، وعادت الأيادي المخضبة بدماء المصريين في الثمانينات والتسعينات إلى سيرة الدم مجدداً.
وجاءت النهاية بقرار الجماعة الانخراط في تحالف دعم الشرعية والاعتصام بميدان رابعة العدوية في يونيه 2013 ضمن أكثر من عشرة أحزاب إسلامية قبيل عزل مرسي، قبل أن تشرع في إطلاق حملة موازية لحملة تمرد باسم "حملة تجرد" والتي أشرف عليها، عاصم عبد الماجد القيادي بمجلس شوري الجماعة والتي قالت إنها جمعت 26 مليون توقيع لتأييد استمرار الدكتور محمد مرسي في سدنة الحكم .
وعقب فض اعتصام رابعة، انقسمت الجماعة الاسلامية علي نفسها بين مؤيد للخروج من التحالف الديمقراطي للانخراط في خارطة الطريق التي تم اعلانها يوم 3 يوليو وبين رافض لما حدث باعتباره "انقلابا عسكريا" وعليه أجرت الجماعة استطلاعاً سرياً لأعضائها حول الخروج من التحالف أو الاستمرار فيه، وتم التصويت بأغلبية للاستمرار في التحالف حتي لا تتهم الجماعة بشق الصف الاسلامي، لتقرر الجماعة الاسلامية أن تعود مرة أخري لحضن "الإرشاد".
ونالت الجماعة قسطاً وافراً من السخرية بعد ظهور عاصم عبد الماجد، في إحدى الفنادق القطرية وهو يتناول الطعام، بعد تخفيف لحيته الكثة، تاركة تلك السخرية شجوناً في قلب أعضاء الجماعة التي لقي عدد منهم مصرعهم بعد فض اعتصامي ميداني رابعة والنهضة، إذا فر "الأسد الجسور" إلى قطر يرفل بالنعيم في فنادقها تاركاً قواعد الجماعة تلقى مصيرها الأسود.
عشرًا: موجة انشقاقات جديدة
جسد تنظيمي عليل يضربه فيروس انشقاقات جديدة مرة أخرى ليزيده إنهاكاً على انهاكه..فموجة الانشقاقات قادمة هذه المرة من محافظة دمياط التي طالما اعتبرتها قادة الجماعة الاسلامية مَعقلاً لها في الوجه البحري.كان تلك الجماعة عصية الانشقاق نظراً لأنها كانت رائدة في صنع فضاءات مغلقة على أتباعها تمنعهم فيها من الالتقاء بالثقافات الأخرى لكن الثورة ونتائجها وإقالة "زهدي وناجح" وباقي القيادات المعتدلة، والفشل المتوالي للقيادة الحالية التي يعتبر أغلبها في المراتب الهيكلية للتنظيم كله، من قضية رفعت المحجوب، أدى بلا شك إلى انشقاق وانسحاب عدد كبير.
كما سنرى أن الانفجار الذى أحدثه السن والتفكير الذى تطور نوعا ما، دفع مجموعة ليست بالقليلة إلى الخروج عن تفكير الشخص الواحد، وهذا تحد ظهرت نتائجه، في خروج أكثر من مجموعة من داخل الجماعة تبحث عن الطريق البديل سواء من داخل الجماعة عن طريق حزب أو جمعية تعمل داخل إطار القيادة مع نوع من الانفصال، أو من خلال هيكلة جديدة تحمل فيها خيط اتصال وولاء للجماعة، أو ما يسمى بتعبير أدق باحترام لها دون التزام تنظيمي حقيقي بها، مثل مجموعة إمبابة، أو مجموعة أحمد صبح.
ويمكن اعتبار الشورى والديمقراطية من أهم التحديات التي تواجه الجماعات الإسلامية. هذا التحدي الذى شكل أول الفشل والخلل في تجربة الجماعة الإسلامية منذ نشأتها إلى فترة ما بعد الثورة المصرية، وأدى إلى انشقاقات.(10)
عاشت الجماعة طوال حقبتها التاريخية تبنى وتمحور عملها حول شخص القائد، وقدسية الزعيم، وكانت الأفكار والآراء تتمحور حول هذا القائد، ولكن ماذا لو استهلكت هذه القيادات في خطابات العنف ورابعة والتحالف مع الإخوان؟ لا شك أنه "التمرد". البداية كانت من دمياط، حيث أكبر محافظة في وجه بحرى توجد بها الجماعة الإسلامية، وحيث قيادات وسيطة مثل أحمد الإسكندراني وزكريا الجمال الحاصل على الشهادة الإعدادية، تمسك بتلابيب القيادة وتسلم مفاتيح الجماعة لصفوت عبد الغنى، ومهما حاولت قيادة الجماعة أن تخفى الصراعات الداخلية بين شبابها وشيوخها بين التجار داخلها الذين جنوا المكاسب من اللجوء السياسي، ومن الأموال التي كانت تنهال عليهم والدعاة الذين لا يطلبون سوى الدعوة إلى الله، فإنها لا بد أن تطفو على السطح.
وما جرى في دمياط هو البداية، إذ إن محافظات أخرى تجهز للانشقاق، إما بترمومتر الغضب من هذه القيادة الدموية الفاشلة التي جرت وراء الإخوان، وإما بلهفة الإصلاح ليكملوا طريقهم ممثلين للفكرة الأساسية وهى محاولة الإصلاح. مشكلة الجماعة الإسلامية منذ زمن بعيد أنه يسبق داخلها العمل التنظيرَ، الذى يجئ ليدلل عليه، فقد يرفع عضو الجماعة السلاح قبل أن يدلل على صحة فعله، وفى النهاية يبحث عن الأدلة التي تجيز ما فعل، وهذا منهج مغلوط أدى إلى جرائم لا حصر لها. إن العمل الذى يسبق التنظير يؤدى في ما بعد إلى انشقاقات متتالية، بعد أن يتبين الخطأ من الصواب، وتتضح الأحكام الشرعية الصحيحة وما دام ليس هناك عجز وظهرت القواعد العامة التي تضبط الأمور.
الجماعة الإسلامية بشكل عام سينجم داخلها انشقاقات وكيانات بديلة، ربما تختلف بتلطيف للفكرة، والحنين والشوق إلى الجماعة المثالية، أو بسبب من يكرهون القيادة الدموية الفاشلة في كل تاريخها وكرهوا التنظيم.. وافترشوا الأشواق نحو أفكار مثالية لكنهم محاصرون في بيئة متردية وخانقة، وهذا ما أخر انشقاقهم.
الحادى عشر: المصير والمستقبل
يبدو أن الزمن ليس في صالح تلك الجماعة التي لم تطرح قيادات وكوادر جديدة منذ خروجها من السجون ولم يتصدر لقيادتها سوى قيادات سبعينيات وتسعينيات القرن الماضي، فهي لم تستطع أن تجند عناصر جديدة تستطيع من خلالها تجديد دماء جسدها التنظيم العليل مما قد يهددها بالانقراض والتلاشي مع استمرار نزيف الانشقاقات وتقطيع أوصال الجسد المقطع.
ولن ينفع تلك الجماعة الأساليب التي تحاول أن تبرز به كيانها من عقد مؤتمرات المتعددة، واللقاءات، والأعمال الاجتماعية، والصخب الإعلامي إذ إن وجودها المحدود وعدد أفرادها القليل بما لا يتناسب مع تاريخها، مقارنة بجماعات جديدة، دفعها للتوسع الفضائي أكثر تحت دعوى "توسيع الطريق" و"إظهار الكيان" فنجدها تعقد عشرات المؤتمرات، وأطلقت عشرات المبادرات كبالونات في الهواء لا فائدة لها أو لون أو طعم أو رائحة، سوى لعب دور حارس الحارة لتنظيم الإخوان.
فقدت تلك الجماعة ملامحها الأيديولوجية فلم تعد جماعة جهادية صريحة تعلن القتال المسلح ضد الدولة فينجذب إليها العناصر التكفيرية بل باتت تحمل إرثا كبير من كراهية الحركات الجهادية المسلحة تجاهها بسبب مواقفها النابذة للعنف في العلن، وإقرارها لمراجعات حتى وإن كانت منقوصة ولا هي جماعة سلمية دعوية يمكن أن ينجذب إليها من يريد سلوك مسلك تلك الجماعات.(11)
فقدت الجماعة تميزها وتمايزها ولم تعد تستطيع إظهار التمايز الكامن في عقلها ووجدانها من مسائل عقيدية تاريخية صنعت من خلالها الفرق بينها وبين الجماعات الإسلامية الأخرى، مثل قضايا الأسماء والصفات وتكفير الحاكم الذي لا يحكم بما أنزل الله ووجوب الخروج عليه. وأخطأت الجماعة التقدير عندما رضيت بدور "البعبع" الذي تلوح به "الإخوان" في وجوه خصومها السياسيين فخسرت هي ودفعت الإخوان فاتورتها السياسية.. وستبقى ذاكرة اليوتيوب والمحطات الفضائية محتفظة بخطابات عصام عبد الماجد وطارق الزمر المحرِّضة على العنف والمستفزة للغالبية الكاسحة من الشعب المصري.
بعد 30 يونيو ظهر عاصم عبد الماجد في دور "البعبع" الذي اعتقد أنصار الإخوان أنهم سيرهبون به المعارضين لحكم الرئيس "المعزول" محمد مرسي،
الثانى عشر: الانفجار
تعي قيادات الجماعة الإسلامية أن مرورها وباقي الحركات الإسلامية بأزمة كبرى يضمن لها نوعاً من التماسك التنظيمي تحت شعار "المحنة" وإن تسربت عناصرها إما معلنة انشقاقها أو الانضواء تحت لواء ج