بنات عالمات
عمرة بنت عبد الرحمن
1ـ حديث عَمْرَة
كتب عمر بن عبد العزير الخليفة الراشد إلى أبى بكر بن محمد بالمدينة :
( أن أنظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم , أو سنة ماضية ، أو حديث عمرة فاكتبه ، فإنى خفت دروس العلم ، وذهاب أهله ) .
فما حديث عمرة ؟
هى عَمْرة بنتُ عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصارية العالِمة الفقيهة ويكفى أن يكون جدّها من أوائل الصحابة الأنصاريين , وشقيق أسعد بن زرارة أحد النقباء المشهورين .
ومن شهرة ما عُرف فى تاريخ الإسلام بحديث عَمْرة ، أورد هذا الخبرابن سعد فى ( الطبقات ) ، والخطيب البغدادى فى ( تقييد العلم ) ، والبسوى فى ( المعرفة والتاريخ ) ، وروى الإمام أحمد هذا الخبر بلفظ آخر ، حيث يقول عن الخليفة عمر بن عبد العزيز : ( اكتب إلىَّ من الحديث بما يثبت عندك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وحديث عمرة ) .
وهكذا انفردت عَمْرة بمدرسة علمية وحدها ، فما كان السر فى ذلك ؟
2ـ سر حديث عَمْرَة !
هذا التفرد ، كان يرجع لأسرار تميزت بها عمرة ، وكأنها تقدم لكل البنات الصالحات ( الوصفة السحرية ) للتفوق العلمى ، نجملها فى التالى :
* التنشئة العلمية :
فقد نشأت عمرة فى حجْر عائشة أم المؤمنين , وهذا ما جعلها تختص بهذا الطلب من الخليفة عمر بن عبد العزيز ، وكان من ثمار هذه التنشئة أنها انفرددت بحديث أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها ، وهى التى كانت أعرف الأمة بحياة وأحوال الحبيب رسول الله صلى الله عليه وسلم .
والدليل على هذا السر ، حينما سأل القاسم بن محمد الإمام الزهرى : أراك تحرص على العلم ، أفلا أدلك على وعائه ؟
قال : بلى , قال : عليك بعمرة بنت عبد الرحمن , فإنها كانت فى حجر عائشة رضى الله عنها ، قال الزهرى : فأتيتها فوجدتها بحرًا لا ينزف .
* صفات عَمْرَة
وهذه أيضًا صفات انفردت بها عمرة الناشئة من قوة حفظ ، وحرص على التلمذة العلمية ، مما جعلها مؤهلة لحمل العلم والفقه ، وإتقان رواية الحديث ، التى جعلتها تروى عن كثير من الصحابيات مثل : أم سلمة ، وعن حبيبة بنت سهل ، وأم حبيبة حمنة بنت جحش .
ومما أخرجه البخارى أن يحيى بن سعيد , كان يذكر حديث عَمْرة , للقاسم بن محمد وهو أحد الفقهاء السبعة ، فيقول له : ( أتتك والله , بالحديث على وجهه ) ، وكان القاسم دائمًا يسأل عَمْرة , عن حديث أم المؤمنين عائشة , لعلمه أنها تعلمت الكثير من علوم أم المؤمنين .
* شهادات العلماء :
ـ يقول يحيى بن معين : عمرة بنت عبد الرحمن ثقة حجة .
ـ ويقول على بن المدينى : عمرة أحد الثقات العلماء بعائشة .
ـ وشهد سفيان بن عيينة لها بالعلم فيقول : أعلم الناس بحديث عائشة ثلاثة : القاسم بن محمد بن أبى بكر الصديق ، وعروة بن الزبير ، وعَمْرة بنت عبد الرحمن .
ـ ويقول عنها محمد بن شهاب الزهرى : بأنها بحر من العلم لا ينضب .
3ـ أستاذة ومبدعة :
روى عن عَمْرة البخارى ومسلم وأبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجة رحمهم الله جميعًا .
وكان من تلاميذها : عروة بين الزبير ، وسليمان بن يسار ، والإمام ابن شهاب الزهرى ، والإمام عمرو بن دينار .
ومن إبداع رأيها وعلمها وبصيرتها ، رسالتها إلى الحسين بن على بن أبى طالب ، فقد نقل الرسالة الإمام ابن كثير يقول :
( كتبتْ إليه عَمْرة بنت عبد الرحمن تعظم عليه ما يريد أن يصنع ، وتأمره بالطاعة ولزوم الجماعة ، وتخبره أنه إنما يساق إلى مصرعه ، وتقول : أشهد لحدثتنى عائشة , أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم , يقول : [ يقتل الحسين بأرض بابل ] ، فلما قرأ كتابها قال : فلا بد لى إذاً من مصرعى ؟ ) .
4ـ عالِمة فى آخر لحظاتها :
كانت عَمْرة دائما تستعد للموت وتحب لقاء الله ، وتشهد على ذلك أجواء المدينة المنورة الهادئة ، عندما اقتربت وفاتها قالت لأخيها وكان لهم بستان قرب البقيع : اعطونى موضع قبرى فى حائط ، فإنى سمعت عائشة تقول : ( كسر عظْم الميت ميتًا ككسره حيًا ) .
وفى سنة ثمان وتسعين من الهجرة توفيت عَمْرة بنت عبد الرحمن ، وواراها التراب , كما أرادت أن تدفن قرب البقيع بالمدينة المنورة ، ، وبقى علمها ممتد , وإلى الآن .
جمال ماضي
ساحة النقاش