بنات التابعين 

حفصة بنت سيرين

القرآنية التقية

 

1ـ أستاذة أخيها

أبوها سيرين وأمها صفية ، فى حفل زواجهما حضرت ثلاثة من أزواج النبى صلى الله عليه وسلم ، وكان أبيّ بن كعب يدعو لهما ومعه ثمانية عشر بدريًا من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم .

وكان من ثمرة هذا الزواج الميمون ( حفصة ) , التى ولدت فى خلافة عثمان بن عفان سنة 31 هجرية , وقد نشأت حفصة فى بيت فاضل ، حيث كان يرعاهم الصحابى الجليل أنس بن مالك ، فقد صُنعت على يده ، وترعرت بعنايته ، ولقربها من عائشة أم المؤمنين ، نهلت حفصة حديث النبى صلى الله عليه وسلم ، وروى عنها عدد من أفاضل التابعين منهم أخوها : محمد بن سيرين ، الذى إذا أشكل عليه شيء من القرآن كان يقول : ( اذهبوا فسلوا حفصة كيف تقرأ ) , حيث برعت حفصة كذلك فى علوم القرآن .

2ـ بنت القرآن :

ولم يكن سر براعتها فى علوم القرآن ، إلا لأنها بدأت فى قراءة القرآن وحفظ كتاب الله وجودة فهمه ، وهى ابنة اثنتى عشرة سنة ، حيث عاشت فى رحابه أناء الليل وأطراف النهار ، ومنذ هذه السن واظبت حفصة على وردها القرآنى ، ومما ساعدها على ذلك قلبها الموصول بالله عز وجل ، ففى كل ليلة كانت حريصة على قراءة نصف القرآن ، ولم تترك هذا الورد المبارك إلى آخر حياتها .

وقد نفعها هذا الورد القرآنى فى فهم كتاب الله ، يروى ابن الجوزى فى

( صفة الصفوة ) : ( كنا ندخل على حفصة بنت سيرين ، وقد جعلت الجلباب هكذا ، وتنقبت به ، فنقول لها : رحمك الله  ، قال الله : { والقواعد من النساء اللاتى لا يرجون نكاحًا فليس عليهن أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة } النور : 60  , ـ وهو الجلباب - فكانت تقول لنا : أى شيء بعد ذلك ؟ فنقول : ( وأن يستعففن خير لهن ) , ثم تقول : إثبات الجلباب

3ـ العبادة حياتها :

تقول خادمتها حينما سُئلت : كيف رأيتِ مولاتك حفصة ؟ قالت الجارية : إنها امرأة صالحة ، كأنها أذنبت ذنبًا عظيمًا ، فهى تبكى الليل كله وتصلى .

وفى صفة الصفوة ، يقول هشام بن حسان عن عبادتها : كانت تدخل إلى مسجدها فتصلى فيه الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح ، ثم لا تزال فيه حتى يرتفع النهار ، وتركع ثم تخرج عند ذلك وضوؤها ونومها ، حتى إذا حضرت الصلاة عادت إلى مسجدها .

فالمسجد فى حياة الصالحات هو حياتهن ، يتنسمون فيه بالقرب ، ويأنسون فيه بالحبيب ، ويستروحون فيه بالليل والنهار ، فهو الزاد لهم فى الحياة ، حيث ينطلقن فى دعوة الغير إلى الله ، وينقلون هذه الطاقة الروحية إلى قلوب الناس .

4ـ الدعوة ديدنها :

وبهذا الزاد الروحى انطلقت حفصة , تحض الآخرين على طاعة الله سبحانه , خاصة فى مرحلة الشباب ، وكأنها تخصصت فى مخاطبة هذه السن ، حيث القوة فى الطاعة والحماس للعبادة ، فكانت تخاطب الشباب من الجنسين بقولها المشهور :

( يا معشر الشباب

خذوا من أنفسكم وأنتم شباب

فإنى رأيت العمل فى الشباب )

وهكذا الفتيات الصالحات ينطلقن بهذه الدعوة ، مرغبات غيرهن فى الطاعة ، وشرط نجاهن فى ذلك ، أن يكن مثل حفصة بنت سيرين , فى عبادتها وعلمها وثقافتها وطاعتها وصلاتها وقرآنها , أى بمعنى آخر : يكن قدوة صالحة لغيرهن .

5ـ سيدة التابعيات :

بهذه المؤهلات استحقت حفصة أن تحوز لقب ( سيدة التابعيات ) ، يقول ابن أبى دواد : بأن سيدات التابعيات هن : حفصة بنت سيرين وعمرة بنت عبد الرحمن وأم الدرداء الصغرى .

ومما يدل على ذلك حرصها على الصيام ، فقد أهدى لها ابنها ( الهذيل ) ، حليبًا من ناقته الحلوب ، فقالت : يا بنى إنك لتعلم أنى لا أشربه ، أنا صائمة ، فيقول : يا أماه إن أطيب اللبن مابات فى ضروع الإبل ، اسقيه مَنْ شئت ، فكانت حفصة تبعث باللبن إلى الفقراء ، لتحوز مرضاة الله عز وجل بذلك .

وقد شهد لها بالعقل الكثير من علماء عصرها , يقول إياس بن معاوية : ما أدركت أحدًا أفضّله على حفصة ، ويقول هشام بن حسان : ما رأيت أحدًا أرى أنه أعقل من حفصة .

6ـ الأم الصابرة :

قامت حفصة بتربية ابنها الهذيل تربية صالحة ، فقد كان إذا جاء الشتاء ، صنع وقودًا لا يؤذى دخانه ، حتى تشعر أمه بالدفء ، ويظل بجوارها يفعل ذلك ما شاء الله ، اعترافًا بفضلها ، وبرًا بأمه .

إلا أن الهذيل وافته المنية صغيرًا ، فألهمها الله الصبر ونترك حفصة تحكى ، كيف انتفعت بالقرآن الذى حملته وهى ابنة اثنتى عشرة عامًا ، فى صبرها على الهذيل ، تقول :

( لما مات ابنى الهذيل ، رزق الله عليه من الصبر ما شاء أن يرزق ، غير أنى كنت أجدُ غصّة لا تذهب ، بينما أنا ذات ليلة أقرأ سورة النحل ، إذا أتيتُ على هذه الآية : { ولا تشتروا بعهد الله ثمنًا قليلاً إن ما عند الله هو خير لكم إن كنتم تعلمون , وما عندكم ينفذ وما عند الله باق ، وليجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعلمون } النحل 95 ـ 96 ، فأعدتها فأذهب الله ما كنت أجدُ من مرارة فقده .

7ـ تلميذة عائشة :

حتى فى استعدادها للموت ، وحبها للقاء الله تعالى ، كانت تضرب أروع الأمثلة ، فقد كانت تلبس كفنها فى الحج والعمرة ، فإن عادت وضعته قريبًا منها ، حتى كانت العشر الأواخر من رمضان ، قامت من الليل وارتدت الكفن ، وتصلى به بين يدى ربها .

وكما بدأت بالتلمذة على عائشة ، أرادت أن تكون آخر لحظاتها بالدنيا مثل عائشة ، وهذا من فقه حفصة ، فقد روت عائشة رضى الله عنها أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطاعون فقال  [ إنه عذاب يبعثه الله على من يشاء من عباده وأن الله جعله رحمة للمؤمنين ] البخارى .

فأرادت حفصة أن تتحقق لها هذه الأمنية فقد روى ابن سعد عن حفصة قالت : سألنى أنس بن مالك بأى شيء تحبين أن تموتى ؟ قلت : بالطاعون ، قال فإنه شهادة لكل مسلم ، فقد روى الشيخان عن أنس قول النبى صلى الله عليه وسلم : [ الطاعون شهادة لكل مسلم ] ، وروى البخارى قول النبى صلى الله عليه وسلم :

[ ليس من عبد , يقع الطاعون , فيمكث فى بلده صابرًا , يعلم أنه لن يصيبه إلا ما كتبه الله له , إلا كان له مثل أجر الشهيد ]

وفى سنة 101 هجرية ، وعند بلغت بنت القرآن سبعين عامًا ، يختارها الله إلى جواره ، وكان فى مقدمة من حضر جنازتها , أخوها محمد بن سيرين والحسن البصرى .

8ـ تذكرى

1ـ بالعلم يعلو مقام البنت الصالحة فتصير أستاذة لكل أفراد أسرتها, كبارًأ وصغارًا, ذكورًا وإناثًا.

2ـ البنت الصالحة تبدأ فى سن مبكرة تحفظ كتاب الله وتفهمه وتعمل به ,  فيحفظها القرآن طوال حياتها.

3ـ البنت الصالحة هى التى تعبر عن صلاحها بالعبادة والمواظبة على الصلاة وملازمة المسجد.

4ـ البنت الصالحة هي التى تختلط بالشباب , وتذكرهم بالله , وتدعوهم إلى الطاعة بالقدوة المؤثرة.

5ـ الشهرة الحقيقية للفتاة الصالحة في علمها وعبادتها وقرآنها وعبادتها وبذلك تستحق أن تكون متفوقة دائمًا .

6ـ البنت الصالحة تستعين بالقرآن وفهمه , حتى تتحلى بالصبر أمام الأزمات والمصائب وفقد الأحبة .

7ـ البنت الصالحة هى التى تستمر على الطاعة , إلى آخر لحظات حياتها وتستعد للموت وتحب لقاء الله تعالى .

همسة حفصة

أختى الحبيبة :

احفظى كتاب الله , واقرئى القرآن , من طفولتك , فيحفظك الله طوال عمرك، وتسلحى بالعلم والعبادة وطاعتك , خاصة فى شبابك ، فالشباب وقت العمل.

  جمال ماضي

www.gamalmady.com

[email protected] 

  • Currently 316/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
105 تصويتات / 2898 مشاهدة
نشرت فى 10 يوليو 2009 بواسطة gmady

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

307,634