كيف نعيش حياتنا بالرضا ؟
1- متى تطلب الرضا ؟
هل في طلب رضا الله أوقات محددة ؟
أم أن هذا الطلب في كل الأوقات ؟
هل يرتبط الرضا بزمان دون زمان ؟
أم أن هذا الطلب يكون في كل زمان ؟
حينما نستعرض معاً ، هؤلاء الذين طلبوا رضا الله في القرآن الكريم ، نجد أنهم اتجهوا إلى الله تعالى سواء بالدعاء أو المناجاة أو الفعل أوالعمل ، في كل أوقاتهم ، وفي كل زمان ، بل نقول في كل لحظة تمرعليهم ، وفيهم رمق من الحياة .
· ففى موطن الحج ، يقول تعالى على لسان هؤلاء :
{ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلا من ربهم ورضونا } المائدة /2
ومع أن الحج الفريضة ، هى مرة واحدة ، في عمر الإنسان ، ولكن لابد أن يتحقق فيها رضا الله تعالى .
* وعند هجرة الأصحاب الكرام ، الذين تركوا الدنيا بما فيها ، واتجهوا إلى الله وحده ، كان رضا الله هو رائدهم ، ورائد كل مهاجر اليوم من حال إلى حال ، فالمهاجر العصرى ، هو من يترك ما نهى الله عنه ، من مغريات تنتشر حوله كالهواء ، يقول تعالى :
{ للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضونا } الحشر / 8 .
* حتى الدعاة إلى الله ، الذين يجاهدون في سبيله ، بكل وسائل الدعوة المتاحة لهم ، سياسياً واقتصادياً وإعلامياً ، وثقافياً ، وعلمياً , واجتماعياً , وتربوياً ، هم في أمس الحاجة إلى رضا الله تعالى ، يقول تعالى :
{ إن كنتم خرجتم جهاداً في سبيلى وابتغاء مرضاتى } الممتحنة / 1 .
* ومن أعظم أعمال البناء والتشييد ، بناء بيوت الله ، وتأسيس المساجد ، والمراكز الإسلامية التى تنشر دعوة الله بالحسنى ، ولو لم يكن في تأسيسها الرضا انهارت ، لاتنهار كبناء وعقار ، وإنما تنهار هدفاً وتحقيقاً ، يقول تعالى :
{ أفمن أسس بنيانه على تقوى الله ورضوان } التوبة / 109.
· والذين يحبون العمل الاجتماعى ، والعمل التطوعى ، وينشرون الخير في مجتمعهم ، عليهم أن يحوزوا سبق الفوز فيما يصنعون ويتحدثون ويخدمون ، وإلا فهى حركة فارغة في المجتمع ، لا معنى لها ، ولا خير فيها ، يقول تعالى :
{ لا خير في كثير من نجواهم , إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ، ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله , نؤتيه أجراً عظيماً } النساء /114.
هل يمكن لأحدنا أن يحدد أوليته في الحياة , في أن تكون هى رضا الله وحده ؟ بمعنى إن تعارضت مع أى شئ آخر مهما كان : ( وظيفته أو أسرته أو عمله أو دراسته أو دعوته أو جماعته أو دنياه ) ، لا أقول يدع عنه هذه الأشياء ، بل إنه يقدمها أو يؤخرها , تحت عنوان : ( إرضاء الله وحده ) .
هل يمـكن فعلاً أن نفعل هذا اليوم ؟
وسط هذه الكوارث والضغوط من حولنا ؟
يمكننا طبعاً ، ولم لا ؟
ولنا أسوة في الصحابى الجليل : صهيب الرومى ، لم يكن عربياً وإنما جاء من أوربا , ولما تمكن الإيمان من قلبه ، لا فرق حينئذ بينه وبين غيره ، يقول تعالى : { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } الحجرات / 13.
وبلغة عصرنا حينما خيره أهل السلطة الغاشمة الظالمة في مكة , بين أن يهاجر إلى المدينة وبين أن يترك ماله ، وكان تاجراً ثرياً , حتى أنهم عيروه قائلين : جئتنا صعلوكا !! أى لا مال لك ، لقد مر صهيب بلحظة كان لابد أن تحسم وبسرعة ، ولكن كان الأمر واضحاً لا يحتاج إلى حيرة ، ( ما أوليتى ؟ رضا الله , خذوا المال كله ، وأمضى أنا برضا الله ) ، وهذا سر قول النبى صلى الله عليه وسلم , حينما علم بذلك :
[ ربح صهيب ربح صهيب ]
وإن كان بلغة عصرنا من يقول :
أضاع ماله ، وأهلك تعب عمره ، ودمر مستقبله !!
لذلك يقول الله تعالى , ونزلت هذه الآية في صهيب :
{ ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضاة الله } البقرة / 207 .
* وإن كان التأنى في كل شئ ، سبب في أن تحصل على ما تتمنى من كل شئ ، فإننا مأمورون بعدم التأنى في الخير ، فطبيعة التعامل معه العجلة والتسرع ، كذلك الأمر في إرضاء الله تعالى ، فقد كان هذا هو فعل الأنبياء ، وعمل المرسلين ، في قوله تعالى :
{ وعجلت إليك ربى لترضى }طه / 84 .
· ومن أكمل ما يناجى به العبد ربه ، أن يدعوه ، بأن يلهمه العمل الذي فيه إرضاءه ، فكان من دعاء الأنبياء في كتاب الله ، قوله تعالى :
[ رب أوزعنى أن أشكر نعمتك التى أنعمت علىّ وعلى والدى ، وأن أعمل صالحاً ترضاه} النمل / 19 .
وأوقات الدعاء هى كل لحظاتنا ، وعلى كل أحوالنا ، لذلك كان طلب الرضا مع كل نفس فيه مناجاة ، ومع كل نبضة تتجه إلى الله ، ومع كل خلجة فيها حياة .
* ومن ثم كان النبى صلى الله عليه وسلم ، في خلواته مع ربه التى لا يراه فيها أحد ، يلجأ إلى الله بطلب الرضا ، تحدثنا عائشة عما رأته في ليلة ظلماء من أمر النبى صلى الله عليه وسلم : عن عائشة رضى الله عنها قالت : فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الفراش , فالتمسته فوقعت يدى على بطنه قدمه
وهو في المسجد
وهما منصوبتان
وهويقول :
[ اللهم أعوذ برضاك من سخطك , وبمعافاتك من عقوبتك , وأعوذ بك منك , لا أحصى ثناء عليك , أنت كما أثنيت على نفسك ] .
ولم يكن هذا الطلب ، والنبى صلى الله عليه وسلم مقيم في بلده ، وإنما كذلك عند السفر , فقد كان من دعائه صلى الله عليه وسلم :
[ اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضي ] .
فمتى نحن نطلب الرضا ؟
هل نطلب الرضا عند الحاجة فقط ؟
هل نطلب الرضا في مواجهة الأزمات فقط ؟
هل نطلب الرضا أمام معارك الحياة فقط ؟
هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم , لم يتركه في ليل أو نهار ، في سفر أو إقامة ، في سلم أو حرب ، ولنا أسوة في حبيب قلوبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم :
فهى عبارة قليلة الحروف ، تخرج عن معانى عميقة في النفس والقلب ، يقبلها الله تعالى على الفور ، وأمامنا مشهد من المشاهد الرائعة ، لأحد أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم : وهو يردد هذه العبارة :
( الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ، كما يحب ربنا ويرضى ) .
يقول صلى الله عليه وسلم :
[ والذي بيده ، لقد ابتدرها بضعة وثلاثون مَلكاً أيهم يصعد بها ] .
جمال ماضي



ساحة النقاش