نحو مجتمع آمن مستقر

6 – التنافس

الحلقة الثانية

كيف نتنافس ؟

1 – المبادرة بالأعمال من أجل حياة كريمة

كلمة المبادرة وردت في حديث النبي صلي الله عليه وسلم وهو يحثنا على التنافس في الحياة , لصناعة حاضر كريم سعيد ناجح , يقول النبي فيما رواه الترمذي : بادروا بالأعمال سبعا : هل تنتظرون إلا فقراً منسياً , أو غني مطغياً , أو مرضا مفسداً , أو هرماً مفنداً , أو موتاً مجهزاً , أو الدجال فشر غائب ينتظر , أو الساعة والساعة أدهي وأمر " , في دعوة صريحة من النبي للمنافسة عن طريق المبادرة بالأعمال وليس بالأقوال , بكل أنواع الأعمال المتاحة للإنسان , من أجل حياة هانئة , قبل أن يداهمه مرض أو فقر أو عجز أو هرم أو موت أو الدجال أو الساعة , فهذه سبعة أسباب حقيقية تعيش بيننا وفينا تدعونا للمبادرة إلى التنافس في الأعمال .   

2 – التعجل بالعبادات للظفر بالثواب

التعجل ليس معناه التهاون في آداء العبادات وإنما التعجل هو أداؤها وفق ما أمر الله علي أوقاتها بلا تسويف أو تأجيل أو نسيان أو تعطيل , لضمان ثوابها واستحقاق أجرها , فهو لا يدري ما يتعرض له في رحلة الحياة , يقول النبي صلي الله عليه وسلم : " تعجلوا الحج فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له " وكذلك سائر العبادات .

3 – المسارعة في الحقوق كراهية نسيانها

فيما روي البخاري حديث النبي صلي الله عليه وسلم : " أن رسول الله قام سريعاً فدخل علي بعض نسائه ثم خرج ورأي أن وجوه القوم من تحجبهم لسرعته فقال : ذكرت وأنا في الصلاة تبراً ( ذهباً ) عندنا فكرهت أن يمسي أو يبيت عندنا فأمرت بقسمته " , وهكذا يكون التنافس فيما بيننا في أداء الحقوق بالمسارعة حتي يتعجب الناس من سرعتك ! .

4 – الأول في كل شئ حتي في الجنة

فيما روي البخاري ومسلم قول النبي : " أول زمرة يدخلون الجنة على صور القمر ليلة البدر والذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء إضاءة " , فهو الحرص على أن تكون الأول دائما , ولا ترضي به بديلا , فإن لم يتحقق لك ذلك فلا ترضي إلا أن تكون الثاني وما بعد ذلك فهو خارج المنافسة , بهذا الحرص يكون جمال الجزاء في الجنة إشراقاً وإضاءة ونوراً , يقول صلي الله عليه وسلم فيما رواه الإمام أحمد : " إن أهل الدرجات العلى ليراهم من تحتهم كما يرون النجم الطالع " , وهذا هو طريقك إلى النجم الطالع , بالتنافس على مرتبة الأول أو الثاني وفقط .

الطريق إلى التنافس

ما أحلي طريق التنافس , فهوروح الحياة ,  والوصول إليه سهل وميسر , لا تعقيد فيه ولا غموض , إنه بأمرين اثنين :

أولا : بالانشغال بالآخرة

فهي المحرك الدائم للتنافس , والانشغال به لا يتحقق إلا بتعظيمها والإقبال عليها والنظر الدائم لأمرها , وذلك مع كل حركة سعي , أو خلجة جهد , أو نبضة جهاد , أو نفس عمل , وهذا الحال ليس من المحال لأنه منة من الله و فضل لمن اجتهد أن يصل إلى طريق التنافس , يفول تعالى : ( إنا أخلصناهم بخالصى ذكرى الدار ) ص 46,  أي من الله عليهم بذكر الآخرة والانشغال بها عما سواه , فهل أنت مستعد للانشغال بربك والحرص على ما يرضيه ؟ يقول بعض السلف : من كان اليوم مشغولاً بنفسه فهو غداً مشغول بنفسه , ومن كان اليوم مشغولاً بربه فهو غداً مشغول بربه .

ثانياً : بالتشمير للجنة

حاولت أن أبحث عن عنوان فما وجدت أفضل من عنوان النبي صلي الله عليه وسلم , حينما خرج على أصحابه قائلاً : ألا من مشمر للجنة ؟ فإنها ورب الكعبة : نور يتلألأ وريحانة تهتز , وزوجة حسناء , وفاكهة نضيجة , وقصر مشيد , ونهر مطّرد ! , فقال الصحابة : يا رسول الله نحن المشمرون لها , فقال صلي الله عليه وسلم : قولوا : إن شاء الله .

والتشمير للجنة يا مشمرون إن شاء الله , يكون بالتنافس لها , وقد اتفق أهل التربية على قولهم : إذا رأيت الرجل ينافسك في الدنيا فنافسه في الآخرة , بل حدا ببعضهم أن يقول : من نافسك في الآخرة فنافسه , ومن نافسك في الدنيا فألقها في وجهه , ولا يكون ذلك واقعاً لك في الحياة إلا بقولهم : " دع عنك موازين الناس" , فالميزان الرباني لا يخطئ أبداً , يقول تعالى : ( سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ) .

قواعد علي طريق التنافس

قبل أن نتحدث عن العقبات في طريق التنافس هناك عدة قواعد نريد أن نتفق عليها حتى نسير على هدى ونور , من هذه لقواعد :

1 – التنافس ينبع من داخلنا

فمن داخل أنفسنا نتحرك , ولو نجح الانسان في تنافسه مع ذاته , لانطلق في تنافس مثالي شريف ناجح , ومن علامات نجاح الانسان في تنافس الذات ان يتقدم في مظاهر حياته أكثر فأكثر , ولا تمر عليه لحظة إلا وفيها له زيادة , فدائما يقدم لنفسه الأفضل من كل شئ , وبالتالي لا يقدم للآخرين إلا الأحسن والأجمل والأجود .

2 – التنافس الشريف هو القائم على القيم

تظهر قيم التنافس واضحة أمام الشهرة والمال , لأنهما دائما يصاحبان التنافس , فإما يجعلانه شريفاً أو مذموماً , أو لا تنافس بالمرة , ولذلك تحدد أن يكون التنافس الشريف في اعتماده على القيم , فما فائدة شهرة أو مال وظفهما المتنافس في الطالح والأسوأ ؟؟ , أو منعاه من إيتاء حقوق الناس ؟؟ , أو صورا له أن الحرام حق , فوقع في الحرام معتقداً أنه حلال ؟؟ .

3 – التنافس المكروه لا حدود لشره

صور التنافس المذموم أو المكروه صور عنيفة , وكريهة , ومدمرة , ولا أدري كيف يطيق أصحابها تحمل ذلك ؟؟ , إنها طاقة فوق البشر , لابد أن الشيطان يعاونهم , وما كيد الشيطان إلا ضعيفا ولذلك دائماً هم يخسرون , رغم انتفاشهم , لأنهم كالبالونات الهوائية سرعان ما تختفي , فتجدهم يدمرون كل من حولهم ليعلو هم ! وهو في الحقيقة علو زائف , وتراهم يتعاملون كأسماك القرش والحيتان يأكلون كل ما يصادفهم ! , ولا يدرون أن في هذا الأكل اللذيذ نهايتهم , ويفعلون كل سوء وتعدي بلا رحمة أو هوادة ! , لا يهدئون ولا يستريحون ! , ولا يعقلون أنهم حرموا أنفسهم من راحة الدنيا ونعيم الآخرة .  

كيف تتغلب علي العقبات ؟

إن ما نراه من صور بغيضة في طريق التنافس ليست من صنع التنافس إنما لإخفاق الكثير في مواجهة العقبات أمام التنافس , ومن هذه الصور :

1 – حب التكاثر : فتري الانسان حريصا على ايثار نفسه على حساب غيره , ولو دعاه لذلك أن يتطاول بشتي الطرق ليصل إلى هدفه بالإكثار والتفاخر مما يلهيه عن التنافس الحقيقي .

2 – حب المال والولد : فتراه لاهيا عن قيم التنافس الشريف , والسبب في ذلك المال والولد كما قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ) .

3 – حب الدنيا : من أجل الدنيا لا الآخرة , يقول تعالى : ( ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون ) , فالتجارة الحقيقية مع الله يقول صلى الله عليه وسلم : " إنما أخشي أن تبسط عليكم لدنسا كما بسطت على الذين من قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم " . 

ولذلك يجب على السالك في طريق التنافس أن يحذر العقبات , فتحظى مجتمعاتنا بالاستقرار والأمان , وقد أجملها خبراء الطريق باختصار في التالي :

1 – الغفلة : وهي انشغال القلب بشواغل الحياة , فيبعده عن الانشغال بالآخرة , يقول ابن القيم : خراب القلب بالأمن والغفلة وعمارته بالخشية و الذكر , والعلاج : بالدعاء والذكر وبعث الايمان في كل أعمالنا .

2 – اتباع الهوي : وهو داء لا علاج له يصيب القلوب والأجساد معا , ويلغي الربانية في حياة الانسان , يقول تعالي : ( أفرأيت من اتخذ إلهه هواه ) والعلاج : بإحياء الربانية والتوجه الكامل لله تعالى  .

3 – الانهماك في تحصيل المال  : حيث لا مجال ولا مكان للانشغال بربه , وفي هذا فساد للقلوب وانحطاط في الهمة والعلاج : بالانشغال الدائم بالآخرة والتشمير للجنة .

4 – الترف الزائد وكثرة التمتع : فكم منع الترف الزائد الكثير من تنافس يكون لحسابهم في الآخرة ظانين بالإكثار من التمتع والتنافس من أجل ذلك نفعا لهم عند الله , والعلاج : في الورع وخلاصته أن يترك أو يقلل الانسان كثيرا من المباح مخافة أن يقع في المحظور , ويجعل ذلك سدا بينه وبين الحرام   .

5 – التسويف : وهو من الأسباب التي أوردت الكثير في النار , يقال أن أكثر دعاء أهل النار " يا أف للتسويف " , حسرة وندامة حيث لا تنفع حسرة ولا ندامة , والعلاج : في المبادرة والمسارعة والتعجيل بالعبادة قيل فوات الأوان .

6 – الركون إلى الدنيا : بمعني الاعتماد عليها والاستعانة بها , وترك عبادة الله تعالى , والراكن إليها أطلق عليه النبي صلي الله عليه وسلم لقب المتعوس فقال : " تعس عبد الدينار, تعس عبد الخميصة " , وفي الركون إلي الدنيا قسوة القلب ورقة الدين , والعلاج : بالقرآن الكريم تلاوة وفهماً وتدبراً وعملاً ونشراً , فقد كان يأتي رجل يومياً عند باب عمر فيعطيه فسأله عمر يوما أأنت مهاجر إلى الله أم إلى عمر , فغاب زمنا ثم رآه عمر فقال له : افتقدناك , فقال لقد أغناني القرآن عن عمر , فسأله : وكيف ؟ قال : لقد وجدت فيه : ( وفي السماء رزقكم وما توعدون ) فقلت : رزقي في السماء وابحث عنه في الأرض ! , انظر كيف دفعه ذلك للاجتهاد والعمل والاعتماد على رب عمر ! وليس عمر! .

وإلى الحلقة الثالثة

كيف نحقق التنافس في حياتنا ؟

جمال ماضي

[email protected]

 

               

  • Currently 138/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
46 تصويتات / 1026 مشاهدة
نشرت فى 26 نوفمبر 2007 بواسطة gmady

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

304,592