,تشرين الثاني 21, 2007
نحو مجتمع آمن مستقر 6 - التنافس ( الحلقة الأولى )

نحو مجتمع آمن مستقر 

  6 - التنافس 

6 – التنافس

الحلقة الأولي

كلمة لها مدلولها عند رجال الأعمال وعند الاقتصاديين وعند الاجتماعيين , فما معناها الحقيقي ؟ وما مفهومها ؟  وكيف تناولها الاسلام  ؟, ولماذا جعلها أساسا للأفراد والمجتمعات معا في رحلة الحياة ؟ , وكيف تكون في حياة كل منا دافعاً للانطلاق والسمو والحركة والتقدم ؟ , وهل المطلوب التنافس الايجابي أم الصراع ؟ وكيف نحقق التنافس المتوازن ؟ وما طريقنا للتنافس الناجح ؟ , وذلك على كافة المستويات : في النفس والمجتمع وفي الأمة والعالم أجمع .

أسئلة لن تتوقف ما دمنا فتحنا الحديث عن التنافس , وما هذا الكم الهائل من الأسئلة إلا لكثرة اللغط حول هذا الموضوع , نسأل الله أن يوفقنا إلى تجلية الأمر وإيضاحه , كما أراد الاسلام بمفاهيمه الجميلة في حياتنا بدون تعقيد أوغموض , وهي لا تحتاج إلى أقوال بقدر ما تحتاج إلى أعمال وممارسات وتطبيقات لصناعة مجتمع آمن مستقر . 

اجعل أيامك أيام متاجرة ومنافسة

قال بعض السلف : إذا رأيت الرجل ينافسك في الدنيا فنافسه في الآخرة , مصداقا لقوله تعالي : ( وفي ذلك فلينافس المتنافسون ) , فالتنافس الحقيقي معناه التسابق والتغالب وسمي بالتناقس والمنافسة لأنه يرجع إلى النفس ومجاهدتها والانتصار عليها , ولهذا الانتصار حلاوة لا تضاهيها حلاوة تنسيك كل شئ حتي استقبال الموت يصبح فوزا وانتصاراً وربما يكون هذا سر قول الصحابي عند استقباله الموت : فزت ورب الكعبة ! , وبالتأمل في موقف أبي مسلم الخولاني نقترب أكثر من حقيقة هذا المعني : عندما كان يقوم بالليل فإذا تعبت قدماه ضربها بيديه وقال :

(أيحسب أصحاب محمد أن يسبقونا برسول الله والله لنزاحمنهم عليه في الحوض ) .

فهل معني ذلك أن يعتزل من أراد التنافس الدنيا , ويقبل على الآخرة دون عمل , بحجة أن الدنيا ليست مجالا للتنافس ؟ ,  ليس هذا ما نعنيه بل إن الدنيا تأتي وهي راغمة لمن أراد الآخرة بسعيه فيها , وأراد بجهده ليلا ونهارا الآخرة , وهذا هو التنافس المتوازن .

 وليس معني التنافس أن ينسي الآخرة وتصبح الدنيا أكبر همه ومبلغ عمله فينافس الآخرين من أجلها , فأي همة سافلة هذه ! , أكل ونوم وشرب ! , وأي طموح في ذلك ! حينما لا يراوح مكانه , فيتعب ويكد ويشقي ولكنه خامل متوقف لا حظ له في الآخرة !! .  

يقول الأصمعي : كنت أطوف بالبيت فوجدت شخصا متعلقا بأستار الكعبة وهو يدعو بإلحاح ويبكي : اللهم إني أسألك مية أبي حارجة , ويكرر هذا الدعاء ببكاء , فسأله : كيف كانت موتة أبي خارجة ؟ قال : إن أبي خارجة أكل حتي امتلئ , وشرب حتي ارتوي , ونام في الشمس , فمات شبعان ريان دفآن .

بالله عليك هل فهمت ؟ هل تحب أن تموت ميتة أبي خارجة ؟ أين الطموح ؟ أين الهمة ؟ أين النشاط ؟ أين التنافس الناجح ؟ :

إذا ناضلت في شرف مروم                      فلا تقنع بما دون النجوم

فموت المرء في شئ حقير                       كموت المرء في أمر عظيم

يقول علي بن أبي طالب : خير الهمم أعلاها , ويقول : من شرفت همته عظمت قيمته .

من معاني التنافس العملية

التنافس حالة فطرية طبيعية , ينشطها وينميها ويدعمها العقل والنضج والرشد , ولذلك المتنافس إنسان لديه طاقة عالية وكفاءة فائقة , إذا تواجد في مجتمع متقدم تنمو طاقاته وتعلو قدراته , وتزداد في جو التنافس الحقيقي بين أفراد المجتمع النجباء , وعلى العكس تماما تخبو قدرات المتنافس بل تموت في المجتمع المتخلف الراكد المتجمد .

فحياتنا في حقيقتها من أجل أن تفجر هذه الطاقات في كل منا , ومن أجل أن تنطلق هذه الكفاءات في داخلنا , ولا يتحقق ذلك إلا بالتنافس وفي أجواء التنافس .

وقد جاءت الآيات لتأكيد هذه المعاني في المجتمعات , يقول تعالى : (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ) أي في أعمال الخير , ويقول تعالي : ( فاستبقوا الخيرات ) أي يصل كل واحد قبل الآخر إلي الخيرات , ويقول تعالى : ( أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون ) أي المنافسة تعتمد على ركنين : المسارعة والمسابقة , فالتسارع همة وحركة ونشاط وسعي , والتسابق رغبة قوية في الوصول أولاً .

وهذا ما يطلبه الاسلام من أبنائه : فدعا إلى التنافس في الاتجاه الايجابي الناجح , ففي الصلاة تنافس على الصف الأول , وفي القتال تسابق في حمل الراية ليكون الأول , وفي آداء الحقوق والخدمات تسابق ليضمن بقاءه دائما في المقدمة , فتسري ثقافة التسابق بصورة عملية في المجتمع , لتعود عليه بأجمل الثمار على اختلاف الأصعدة .

فالتسابق في معناه التغالب , على وزن تفاعل , لأنه جهد من الفرد كما رأينا والمجتمع معا , وفي آن واحد , وكما قال الراغب : للتشبه بالأفاضل واللحوق بهم .

وإذا كان من تعريفاتهم الحديثة للتنافس : أنه عملية للحصول , على ما يسعي الآخرون للحصول عليه , في الوقت ذاته , فهو سعي للحصول على هدف مشترك في ذات الوقت , فإن ذلك يستوجب على المجتمع أفرادا وجماعات ومؤسسات ومنظمات وجمعيات , الاعتماد على ثلاثة قواعد للتنافس في المجتمع :

1 – تنمية قدرات الأفراد

2 – تنظيم عملية التنافس

3 – التغلب علي العقبات

وعلى المجتمعات اليوم أن تتصارح وفق هذه القواعد , هل التنافس المنتشر فيها نظريا وليس له في الواقع وجودا ؟؟ وإن كان كذلك فكيف تغيره إلى التنافس الحقيقي العملي ؟؟ وما الموجود لدي المجتمعات : تنافس أو لا تنافس ؟؟ هل هو التنافس المنشود المثالي أو هو شئ آخر أطلقنا عليه التنافس تجاوزا ؟؟ , ولعلنا بالحوار الهادئ معا نصل للإجابات , ولنبدأ بأولي هذه الخطوات , وهي : التنافس في الإسلام .

التنافس في مفهوم الإسلام

1 – المسارعة في الخير

يقول تعالى : ( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين ) آل عمران 133 , ويقول تعالى : ( سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماء والأرض ) الحديد 21 , والسؤال المطروح الآن لماذا قدم الله المغفرة عن الجنة ؟ , قدمها الله تعالى ليفتح الأبواب أمام المتسابقين , فالمغفرة سلامة , كما قال العلماء , أي اجتهاد وسعي وتسابق ومبادرة وتقوى وتجاوز عقبات , أما الجنة فهي غنيمة , والسلامة دائما قبل الغنيمة تطلب , فهي من أسبابها وطرق الحصول عليها , والظفر بها .

2 – الصدق في الإسراع

يقول النبي صلي الله عليه وسلم : ( من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل ) , أدلج أي أسرع في الطاعة , والمنزل أي الهدف , ثم يقول النبي : ( ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله هي الجنة ) , ومن أجمل الشروح ما قاله احد الصالحين حينما سأله رجل عن الحديث : ( من قال لا إله إلا الله دخل الجنة ) فقال : نعم ولكن للمفتاح أسنان وأسنان مفتاح الجنة هي أوامر الله تعالى , فإذا جئت بمفتاح له أسنان فتح لك , وإلا لم يفتح لك , فهل كل منا يمتلك هذا المفتاح ؟ فكما أن المفاتيح الخاصة ببيوتنا والعمل والأشياء الغالية والثمينة نحتفظ بها في أيدينا , فهل أضفنا لها مفتاح الجنة , وهل تأكدنا من وجود الأسنان ؟ .

3 – الخاسر من كان يومه كأمسه

( وقل رب زدني علماً ) , كان دائما ما يرددها النبي صلي الله عليه وسلم , وكان من دعائه : واجعل الحياة زيادة لي من كل خير , ففي كل لحظة زيادة , وكان عمر يأخذ بيد لرجل ويقول له : هيا نزداد إيماناً , فالخاسر الذي لا يزداد في لحظاته , وكان عمر بن عبد العزير يكرر دائماً : من استوى يوماه فهو مغبون , فبالله عليك كيف بمن كان في هبوط دائم وانحدار مستمر ؟! .

وإلى الحلقة الثانية

كيف نتنافس ؟ ومتي يتحول إلى صراع ؟ وكيف نتخطي العقبات ؟ وما صور التنافس الايجابي الناجح في حياة مجتمعاتنا ؟ وما السر في بغض المتنافس وعداوته ؟ وكيف يتحقق التنافس في مجتمعاتنا ؟

جمال ماضي

[email protected]

 

  • Currently 105/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
35 تصويتات / 994 مشاهدة
نشرت فى 21 نوفمبر 2007 بواسطة gmady

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

304,599