مواجهة الإسلاميين
بين تكريس الواقع والانهيار القادم
بقلم : جمال ماضي
لقد شهدت الآونة الأخيرة حركة غير طبيعية على مستوي العالم الاسلامي من قبل أمريكا , ممثلة في تواجد وزيرة الخارجية ومبعوثيها في مؤتمرات ولقاءات متوالية , مؤتمر دول الجوار بتركيا , ومؤتمر المصالحة وبحث السلام بدارفور ثم فرقعة الجنوب , ومؤتمر الحزب الوطني بمصر مع استمرار المحاكمات العسكرية , و لقاء التقارب بين حركتي فتح وحماس بفلسطين , وأخيرا المفاجأة بلون أخضر أمريكي بإعلان حالة الطوارئ وتعليق الدستور في باكستان .
وعند التأمل في هذه الأحداث تجد عاملا مشتركا بين تلك المؤتمرات واللقاءات يبدو واضحا دون غموض , لأنهم قد أفصحوا عنه علانية ! , وهو وقف المد الاسلامي المتنامي , والذي بات أكبر مهدد للمشروع الصهيوأمريكي بالمنطقة , رغم التواجد الفج باحتلال الإرادة والأرض ! ,
فمؤتمر الجوار يعمل علي وقف ما أطلقوا عليه الارهاب , ومشرف يعلن : وقف الإسلاميين والمعارضة , ولتكريس مأساة دارفور لم تحضر الفصائل المعنية لإفشال أي بادرة للسلام فالتوتر مقصود تكريسه باستمرار الوضع الحالي , أما في فلسطين فيبدو أن مؤتمر الخريف قد أعلنت جنازته قبل أن يظهر للنور , ويحاولون إعادة الحياة له بمصالحة مع حماس , لعل وعسي بهذا الرمق الأخير يتحقق حلم بوش ! , وأخيرا مؤتمر الحزب الوطني يكرس الوضع الحالي ولا يأتي بجديد , اللهم إلا بشعار قال عنه المفكرالأستاذ/ فهمي هويدي : ينفع كمطلع أغنية لشعبان عبد الرحيم .
والسؤال المطروح الآن : لماذا هذه الحركة من المؤتمرات واللقاءات , وهل مواجهة الإسلاميين في حاجة لكل هذا الجهد المبذول ؟؟ .
إن الإجابة تبدو اليوم سهلة جدا ولا تحتاج إلى درس خصوصي ! , لقد باتت ظاهرة للعيان , وتتمثل في أمرين :
الأول : تكريس الواقع الذي يضمن سير المشروع الصهيوأمريكي ويثبت أركانه ويحكم مراحل تحقيقه , ولا يدع مجالا لبصيص أمل أمام الإصلاحيين والذين ينشدون التغيير .
الثاني : خوف أمام تنامي الإسلاميين , وبروز المشروع الاسلامي والذي أصبح اليوم أكثر تأثيرا , ومطلبا ملحا من نخبة أهل الفكر و التغيير , وأملا ترقبه الجماهير والشعوب بكافة طوائفها , وقد لمسه الكافة بعد طرح القراءة الأولية لحزب الإخوان بمصر, وعرضه للرأي والمشورة على كافة مستويات الأمة .
وهذا يجرنا إلى التساؤل الطبيعي الثاني : هل فعلا بدأت تهتز أركان المشروع الأمريكي في العالم الاسلامي ؟ .
وعليه يفسر هذا الهلع البالغ من مطالبات التغيير والإصلاح التي تقودها حركات المعارضة من الاسلاميين والمستقلين , خاصة بعد أن فاحت روائح فساد الأنظمة , وترهلت لشيخوختها , ولاح في كل الآفاق رفضها شعبيا وجماهيريا وحزبيا وسياسيا !! , مما دفع المشروع الأمريكي إلى الإسراع المكوكي في تثبيت أركانه قبل فوات الأوان ! .
وفي نفس الوقت هي تحمل للرائي رسالة واضحة تماما , في هذا المستقبل القادم من إعصار الانهيار , ولذلك كان الإسراع في محاولات سد الانهيار أو العمل علي وقفه قبل وقوعه , ولكن يبدو أن الانهيار قد أوشك حدوثه رغم كل هذه المحاولات المستميتة , والأموال الطائلة ,والحشود الزائفة .
وايا ما كان الأمر : فالحقيقة المرئية الآن تحتم على الاسلاميين خاصة , والمعارضين عامة , أن ينتظروا المزيد من التحديات , وتقديم التضحيات , ودفع ثمن ما أطلقوا هم عليه معركة البقاء , سواء كان ذلك بالنسبة لإدارة المشروع الأمريكي , أو أنظمته المهتزة التي أعلنت صراحة أنها تعمل من أجل البقاء في الحكم وفقط , فليس لها شأن بالشعوب أو التغيير أو الإصلاح !! .
ومن ناحية أخري : فأمام الاسلاميين خاصة والمعارضين عامة , تجاه هذا الانهيار الذي هو انتصار للمشروع الاسلامي , واجبات ثقال , ومسئوليات كبار , لحمله واستقباله وتحويله كواقع ملموس , لشعوب تنتظر هذه اللحظة الفارقة في تحقيق حلمها وأملها في حياة كريمة , حرمت سنوات من أدني معطياتها بعد وعود فاقت حصي الأرض وذرات الهواء , بل في كل يوم تزداد الفجوة التي تهوي بها إلى الفقر, إلى حد لا تحتمل فيه الحياة اللائقة بالإنسان .
لذلك فمن واجبات الإخوان اليوم وغدا :
أولا : أن يواجهوا الوضع الراهن , وقد أصبحوا رواداً للإصلاح , بالمزيد من الثبات والتماسك , والتمسك بالمنهج السديد , والتزود من التأييد الرباني في داخل الصف الرشيد .
ثانيا : العمل الجاد والمستمر و الداعم لوحدة المعارضة , والمشاركة البناءة في تقويتها , خاصة وهي مؤهلة اليوم لذلك بعد ترهلها من الإصابات القاتلة التي أنهكت قواها .
ثالثا : قيادة الوعي الراشد , والتوجيه الحكيم , على مستوي العالم , وقد أصبحوا رواداً للإصلاح , ليتسني للشعوب مواجهة المشروع الصهيوأمريكي , بحملة تعريفية بقيم الاسلام والتبشير بالفكرة الصحيحة , وتبصير الأمة بدورها الايجابي سواء كان في التغيير والإصلاح أو مقاومة المحتل وصور الاحتلال , وتحمل التضحيات في سبيل ذلك .
جمال ماضي
ساحة النقاش