أمل خيري

جريدة الشعب - العدد السادس - 21 أغسطس 2012
  ربما سنظل لسنوات طويلة -قد تمتد لعقود- نعاني من تغلغل شبكات الفساد التي أرساها عهد مبارك، والتي امتزجت فيها تفاعلات السلطة والثروة بشكل هائل امتدت آثاره لأغلب القطاعات في الدولة، وفي العادة فإن اقتلاع جذور الفساد تكون مهمة في غاية الصعوبة ولكنها تقتضي في البداية التعرف على مواطن هذه الجذور ليسهل اقتلاعها. وقد حاول أحد الباحثين المصريين المتخصصين في مجال مكافحة الفساد الغوص في أعماق هذا المستنقع ليرصد الكيفية التي كانت تدار بها شبكات الفساد في عهد مبارك؛ حيث قام الدكتور عمرو عادلي في دراسته التي صدرت في مارس الماضي عن مبادرة الإصلاح العربي والتي جاءت بعنوان "دولة الفساد في عهد مبارك.. تفاعلات السلطة والثروة 1990-2011" بمحاولة الكشف عن شبكات الفساد في هذا العهد. ويمكن تعريف الفساد والمحسوبية باعتبارهما سوء استعمال سلطات الدولة في إصدار القوانين والقرارات واللوائح من أجل تحقيق مصالح خاصة لمجموعة محدودة من المنتقين سياسيا، وذلك من خلال تمليكهم لأصول عامة مملوكة للدولة أو مواقع متميزة بالسوق. وفي دولة مبارك ظهرت أربعة أشكال للمحسوبية، تمثلت في: 1- الدوائر السلطانية: وهي عبارة عن  الشبكات الممتدة في أوساط المسئولين ورجال الأعمال حول مبارك وأبنائه والتي استفادت من أوامر التخصيص وحقوق الانتفاع وتسهيل الاستيلاء على المال العام كما شهدنا في قضيتي بالم هيلز ومدينتي. 2- الإقطاعات المملوكية: ويقصد بها تجزئة الدولة بحيث تسيطر مجموعة بعينها على أحد القطاعات الاقتصادية في الدولة، وذلك كما حدث بالنسبة للجيش والمخابرات والداخلية، مما سمح باستفادة رجال أعمال مقربين من أحد هذه الدوائر، على سبيل المثال نجد قيام حسين سالم بانتقاء الاستثمار في قطاع الغاز والبترول نتيجة لعلاقاته بالمخابرات. 3- النمط الأوليجاركي: ويعبر عن حالة وصول رجال أعمال لمناصب تشريعية أو تنفيذية بأموالهم ومن ثم استغلال مواقعهم في مزيد من التربح، ويحضرنا بالطبع نموذج أحمد عز من خلال استحواذه على صفقة شركة الدخيلة للحديد والصلب، ومن ثم تيسير عملية احتكاره لسوق الحديد وذلك بعد وصوله للبرلمان في عام 2005. 4- صيغة الشركاء الصغار: والتي تمثلت في الشراكات بين رجال الأعمال ومسئولين حكومين سواء بتخصيص أصول عامة، أو التمتع بموقع متميز في السوق كالاحتكارات والعطاءات وغيرها مقابل اقتسام الأرباح بين الطرفين. ويرجع الباحث نشأة شبكات الفساد إلى فترة التحرر الاقتصادي الجزئي خاصة في مجال التجارة الخارجية منذ منتصف السبعينيات أو ما سمي وقتها بعصر الانفتاح، ثم جاءت الإصلاحات الاقتصادية التي اتبعتها حكومة نظيف (2004-2011) لتوفر المناخ الآمن لتجذر شبكات الفساد والمحسوبية. وبالطبع هناك العديد من العوامل التي ساعدت على تفشي الفساد في أوصال الدولة، ويأتي على رأسها طبيعة النظام السلطوي مع غياب المحاسبة والشفافية، أما العامل الثاني الذي ساعد على انتشار الفساد فيظهر في ضعف المجتمع المدني المتمثل في الاتحادات العمالية والنقابات المهنية وجمعيات حقوق الإنسان وغيرها، مما مكن للفساد أن ينخر في عظام الدولة على حساب القطاعات العريضة من الشعب. كما ساعدت العولمة على تدفق رأس المال والتجارة، في الوقت الذي قامت فيه المؤسسات المالية الدولية كصندوق النقد والبنك الدوليين بوضع اشتراطات على الحكومات بالتحول نحو أشكال من التحرر الاقتصادي الجزئي والتوسع في الخصخصة مقابل تقديم منحا  مالية، وهو الأمر الذي استفاد منه بشدة المقربون من دوائر السلطة كما حدث في شركة النصر للمراجل في مطلع التسعينيات والتي بيعت لإحدى الشركات الأمريكية ولكن تبين فيما بعد أن نجلي رئيس مجلس إدارة الشركة شريكان مساهمان في هذه الشركة الأمريكية، ثم تخارج الشريك الأجنبي لتصبح ملكا خالصا لهما!. وعلى الرغم من وجود العديد من قضايا الفساد أمام النائب العام وبدء النظر والحكم فيها، إلا أن تفكيك شبكات الفساد لن يمضي بهذه السهولة، والأهم هو الاستفادة من دروس هذه الفترة عن طريق العمل على تدعيم الديمقراطية وتداول السلطة من جهة، وتقوية المجتمع المدني وتفعيل الرقابة وتعزيز الشفافية من جهة أخرى، وهو الأمر الذي يمثل تحديا هاما للجمهورية الثانية.
ghiras

Amal Khairy researcher

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

128,004