أمل خيري

26 يناير, 2011


تعد المساواة بين الجنسين عنصرا أساسيا من عناصر النمو الاقتصادي المستدام وسبل الحد من الفقر. لذا فإن تمكين المرأة الريفية يجعلها أحد المحركات الفاعلة في تنمية المجتمع، حيث يؤدي تمكين المرأة بدوره إلى تحسين الأحوال المعيشية للأسرة كلها.
ومن أجل العمل على سد الثغرات في البيانات المتعلقة بإجراءات تعزيز المساواة بين الجنسين في المناطق الريفية، كان هناك حاجة لتقييم الأوضاع الحالية والتعرف على دورها في تعويق جهود واضعي السياسات فيما يتعلق باستراتيجيات التخفيف من حدة الفقر. لذا فقد صدر منذ أيام تقرير "الأبعاد الجنسانية للعمالة الزراعية والريفية: سبل متباينة للقضاء على الفقر"، بالتعاون بين منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، والصندوق الدولي للتنمية الزراعية، ومنظمة العمل الدولية.

استنتاجات أولية

ناقش التقرير قضايا النوع الاجتماعي الرئيسية الخاصة بالعمالة الزراعية والريفية، والآثار المترتبة على سياسات التمييز بين الجنسين، وتوصل التقرير إلى عدد من الاستنتاجات أهمها:
· انتشار عدم المساواة بين الجنسين في العمالة الريفية في الكثير من الدول بغض النظر عن مستوى النمو الاقتصادي، ومع ذلك ظهرت عدة عوامل دينية واقتصادية واجتماعية وثقافية ساهمت في زيادة حدة التمييز في بعض المناطق.
· تميل المرأة إلى أن تكون أكثر عرضة للمخاطر عند الانخراط في العمالة الريفية عن الرجال، وتمثل أعباء العمل غير المأجور أهم العوامل التي تعوق النساء في الحصول على عمل في المناطق الريفية.
· تتباين أنماط المساواة والتمييز بين الجنسين في العمالة الريفية من دولة لأخرى حسب السياسات والأزمات والفرص. فالتغيرات في اتجاهات التجارة الدولية والهجرة والأزمات المالية كلها عوامل لها دور في تغيير سياسات التمييز، ومع ذلك تظل هناك حالة من التمييز الكامن.
· لا يكفي العمل على توفير المزيد من فرص العمل الريفية لكل من الرجال والنساء بل لابد من الاهتمام بجودة ونوعية العمل نفسه.
· يجب ربط الخدمات المالية بعمليات التنمية المستدامة على نطاق أوسع؛ فزيادة فرص الحصول على الخدمات المالية تساهم في تطوير الأسواق، وتعزيز الاقتصاد المحلي والوطني، ولابد من أخذ الأبعاد الجنسانية في الاعتبار بهذا الخصوص.
· هناك حاجة إلى توافر البيانات المصنفة حسب نوع الجنس لسد الثغرات في المعارف وتحسين عمليات اتخاذ القرارات السياسة.
· طالما كانت الفروق بين الجنسين في فرص العمل الريفية كثيرة وغالبا ما تكون متشابكة، فإن هناك حاجة إلى تدابير سياسية، وإصلاحات قانونية تشمل تعزيز المساواة بين الجنسين، وشبكات الأمان الاجتماعي، ودعم إنشاء منظمات نسائية وبرامج رعاية الطفل، وتعليم النساء، وأدوات تحسين فرص الحصول على المعلومات والوصول لأسواق العمل.

التمييز بين الجنسين

تمثل الهدف الرئيسي من التقرير في جمع أهم البيانات والقضايا المطروحة والممارسات في مجال التنمية الريفية. وبالتالي فهو يجمع بين البيانات التجريبية والممارسات الجيدة استنادا إلى الخبرات الوطنية والدولية فيما يتعلق بالبعد الجنساني في المناطق الريفية والزراعية.
يقع التقرير في 226 صفحة بالإنجليزية، وينقسم إلى ثلاث أجزاء. يقدم الجزء الأول نظرة عامة حول القضايا المتعلقة بالمساواة بين الجنسين والعمالة الريفية للحد من الفقر،أما الجزء الثاني فيحدد ويحلل القضايا الرئيسية المستخلصة من النقاشات التي جرت في ورشة العمل حول الأبعاد الجنسانية التي جرت في روما في الفترة من 31 مارس: 2 أبريل عام 2009، وفي الجزء الأخير يعرض التقرير لبعض الأوراق المختارة من ورشة العمل والتي تغطي القضايا الرئيسية حول العمالة الريفية والمساواة بين الجنسين.
يذكر التقرير أنه في المناطق التي تشكل فيها الزراعة العمل الرئيسي لسكان الريف ترتفع نسبة الفقر، ففي عام 2008 وصلت نسبة الفقر إلى 45,5 ٪ في جنوب آسيا و58,6 ٪ في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، حيث يعمل ثلثي النساء والرجال في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى في الزراعة، وفي جنوب آسيا يعمل في الزراعة 44 ٪ من الرجال و 70 ٪ من النساء.
ومعظم العاملات في المناطق الريفية يعملن في وظائف غير مستقرة ومنخفضة الأجر. وبصفة عامة تعمل النساء الريفيات ساعات أطول من الرجال. ففي بنين وتنزانيا، تزيد ساعات عمل المرأة الأسبوعية عن الرجل بحوالي 17,4 و 14 ساعة على التوالي، في حين أن المرأة الريفية في الهند تعمل 11 ساعة أكثر من المرأة الحضرية، و 12 ساعة أكثر من الرجال. ويتعرض ما لا يقل عن 170000 من العمال الزراعيين للموت والملايين للإصابات الخطيرة كل عام وتزداد الحوادث بشكل ملحوظ بين الرجال، ربما بسبب استخدامهم للآلات الخطرة. في حين تعاني النساء من الحرمان من الضمانات الاجتماعية ويقل أو ينعدم تمثيلهن في الجمعيات الزراعية.

إنخفاض الأجور والرعاية

تشكل النساء النسبة الأكبر من العمالة الريفية والزراعية في جنوب شرق آسيا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في الوقت الذي يحتوي فيه القطاع الزراعي على أعلى نسبة من الوظائف غير المستقرة، والتي تتسم في الغالب بانخفاض الأجور، ونقص إجراءات الرعاية الاجتماعية والصحية. ويؤكد التقرير أن أزمات الأغذية العالمية، والاستخدام الجائر للموارد الطبيعية، وتغير المناخ لها آثار سلبية على النساء والفتيات الريفيات. ويرجع ذلك إلى تضاؤل فرص حصولهم على الموارد (خاصة الأراضي والائتمان) ، ودورهم الرئيسي في جلب الوقود والمياه وإنتاج الغذاء.
وهناك العديد من القواعد الاجتماعية التي تعمل على تحديد أدوار كل من المرأة والرجل في العمل الزراعي والريفي، مما يحد من قدرة المرأة على التنقل والانخراط في العمل المنتج خارج المنزل. وهذه القواعد تختلف من مكان إلى مكان، ولكنها غالبا ما تكون بطيئة التغيير. في الوقت نفسه تقوم النساء بأداء معظم الخدمات المنزلية غير المدفوعة، والتي غالبا لا يتم الاعتراف بها كعمل ولا تدرج في إحصاءات العمالة.
وهذه الخدمات رغم دورها في التنمية لا يهتم بها مقدمو خدمات الرعاية الأسرية ولا يتم احتساب تأمينات اجتماعية عليها رغم أنها تحرم الكثير من النساء من الانخراط في أعمال منتجة خارج المنزل، مما يتسبب في إثقال كاهل النساء بالديون والعجز عن الإنفاق. ويساهم تدني خدمات البنية التحتية في المناطق النائية - بما في ذلك الطرق والاتصالات السلكية واللاسلكية ونظم النقل، وإمدادات المياه، وخدمات الصحة- في زيادة الأعباء الإنجابية للمرأة وزيادة التعرض للأمراض، كما يؤدي لتزايد مهام الفتيات داخل الأسرة مما يترتب عليه في نهاية المطاف تسربهن من التعليم.
أيضا تؤدي عدم المساواة في فرص الحصول على التعليم والتدريب وتطوير المهارات في المناطق الريفية بين الجنسين إلى الحد من قدرة الفتيات والنساء في الحصول على الوظائف وفرص العمل التي تتطلب مهارات غير تقليدية في التصنيع الزراعي والإنتاج المخصص للتصدير والذي يحصل فيه العاملون على أجور أعلى من العمل في الزراعة التقليدية.
وتعاني المرأة الريفية بصفة عامة من محدودية فرص الوصول إلى الخدمات المالية والائتمان الذي يمكنها من اختيار المحاصيل ذات النوعية الجيدة وشراء الأراضي والآلات الزراعية، صحيح أن هناك بعض جهات تتيح فرص ضئيلة للتمويل الأصغر إلا أنها مازالت غير كافية.

ظروف قاسية

يشير التقرير أيضا إلى أن العمال الزراعيين هم أقل الفئات تمتعا بالحماية الاجتماعية والصحية وضمانات السلامة المهنية، فهم محرومون غالبا من الخدمات الصحية الأساسية، وتعويضات العمال، واستحقاقات العجز على المدى الطويل، والمعاشات لهم وللورثة، إضافة إلى أن خطط التقاعد في الدول النامية نادرا ما تغطي سكان الريف ، وخاصة المرأة.
وعلى المستوى الصحي تواجه النساء الحوامل العاملات في مجال الزراعة ارتفاع المخاطر المتعلقة بالصحة الإنجابية، إضافة لتعرضهن كثيرا للعنف في العمل. كما تتعرض العاملات بصفة عامة للإصابات الخطرة من استخدام المواد الكيميائية كالمبيدات.
أما من حيث معايير العمل التي تقرها المنظمات الدولية كحظر عمالة الأطفال ومنع العمل القسري، وحرية العاملين في تشكيل المنظمات الممثلة لهم والانضمام للنقابات العمالية فهي غالبا لا تشمل العاملين في المناطق الريفية. فيتركز حوالي 60 ٪ من عمالة الأطفال في الزراعة (يعمل أربعة أخماس منهم بدون أجر)، والفتيات أكثر عرضة للعمل في سن مبكرة كما هو الحال في جنوب آسيا. وتعتبر هذه عمالة غير رسمية لا يشملها القانون الوطني ولا تمتد إليها إجراءات التفتيش.
ليس هذا فحسب بل تضعف قدرة المرأة الريفية على الاتصال بسكان الحضر بفعل الحواجز اللغوية والثقافية التي ترتبت على انخفاض مستوى التعليم والتنقل. وبالتالي تنخفض قدرة المرأة على الوصول لشبكات أرباب العمل ومنظمات العمال، ومؤسسات الخدمات العمالية. وتبقى نسبة تمثيل المرأة الريفية في المنظمات العمالية والنقابات شديدة الانخفاض حيث لا تتعدى نسبة 11: 35% من إجمالي عدد الأعضاء، مما يترتب عليه ضعف أصواتهن ودورهن في صنع سياسات وبرامج التنمية.

برامج العلاج

ويضع التقرير بين يدي صانعي القرار عدة خيارات للسياسة العامة التي يمكنها تحسين أوضاع المرأة الريفية من بينها:
أولا: زيادة فرص العمل والدخل، فينبغي على صانعي السياسات إتاحة فرص متساوية للنساء والرجال من خلال التنسيق بين جميع الجهات الفاعلة والمؤسسات ذات الصلة على المستويات المحلية والوطنية وعلى الصعيد الدولي، لحث البلدان النامية على تنفيذ سياسات وبرامج المساواة بين الجنسين في المناطق الريفية.
كما يتعين إنشاء آليات لضمان أسعار أكثر استقرارا للمواد الغذائية والزراعية خاصة المحاصيل المزروعة من قبل النساء، من أجل ضمان دخول مستقرة لهن. مع العمل على زيادة فرص الوصول إلى الأسواق الأجنبية، واستخدام النهج الإقليمية لتعزيز العمالة الريفية والحد من الفقر، وإدماج المساواة بين الجنسين في الخطط التنموية.
وينبغي على الحكومات الاستثمار في السلع العامة الأساسية مثل البنية التحتية المادية والاجتماعية، والبحوث الزراعية والإرشاد الزراعي، والتعليم والتدريب، مع التركيز على تباين الاحتياجات والأولويات بين الرجل والمرأة، مما ييسر خلق فرص للعاطلين عن العمل من الرجال والنساء. أما وزارات الزراعة والمؤسسات الريفية في الدول النامية فيجب عليها العمل على زيادة الإنتاجية، لا سيما في القطاعات الريفية كثيفة العمالة النسائية، وذلك بإتاحة الفرص للنساء للتدريب وتيسير سبل انتقالهن لأماكن التدريب وتسهيل حصولهن على التكنولوجيات المحسنة.
ويتعين كذلك إشراك النساء المزارعات في حماية البيئة والطبيعية وإدارة الموارد، من خلال التدريب، وتعزيز "الوظائف الخضراء "لكل من المرأة والرجل. بالإضافة إلى تشجيع المساواة في الحصول على الأراضي من خلال تيسير إجراءات التأجير وتمليك الأراضي، إلا أن التقرير لا يلبث أن يبث السم في العسل حين يدعو إلى ما أسماه بضرورة تنقيح قوانين الميراث التمييزية في إشارة إلى قوانين الميراث الإسلامية.
وبالنسبة لوزارات العمل والاقتصاد والتعليم، فيجب أن تعمل جنبا إلى جنب مع الشركات الخاصة والمؤسسات الريفية في دعم المشاريع الريفية، وخاصة التي تستهدف النساء، من خلال التدريب، وتخفيض الحواجز الجنسانية في الحصول على الائتمان ، وخلق بيئة أعمال صديقة للمرأة، وتعزيز خدمات الأعمال والإرشاد الزراعي. مع العمل على توسيع شبكة مؤسسات سوق العمل كخدمات التوظيف والتدريب ودعم المشاريع وضمان وصول المرأة الريفية لخدمات الإرشاد الزراعي، وزيادة وصول النساء للمؤسسات المالية لتوفير رأس المال في المناطق الريفية، من خلال مراعاة الفوارق بين الجنسين ودعم المؤسسات المالية الريفية.
وتعمل وزارات التعليم على ضمان المساواة في الحصول على التعليم الأساسي وفرص تطوير المهارات للفتيات والنساء الشابات لتعزيز الإنتاجية وفرص العمل، عبر تدريب وتوعية المعلمين، والمرشدين، والرجال والنساء أنفسهن بغرض تغيير الصور النمطية المهنية بين الجنسين.

الحماية والحوار

ثانيا: توسيع نطاق الحماية الاجتماعية لسكان الريف :
فتقوم وزارتي المالية والشؤون الاجتماعية بتحسين فرص الجنسين في الحصول على الخدمات الأساسية (المدارس والرعاية الصحية، رعاية الأطفال) في المناطق الريفية ، من خلال الاستثمار في البنية التحتية، وذلك للحد من التعرض للمرأة وزيادة قدرتها على الوصول لوظائف مجزية، واستخدام التحويلات النقدية وآليات التأمين لزيادة الطلب على الخدمات التي تستهدف تحديدا المرأة الريفية الفقيرة.
وكذلك توسيع نطاق التغطية الأساسية للمعاشات التقاعدية لكبار السن خاصة المرأة، مع تحسين تصميم وإدارة برامج الضمان الاجتماعي، ولا سيما في البلدان المنخفضة الدخل، لضمان حصول المرأة الريفية على خدمات المساعدة الاجتماعية الأساسية للفقراء والعاطلين عن العمل.

ثالثا: تحسين ظروف العمل والمعيشة في المناطق الريفية:
ينبغي على وزارات العمل التعاون مع الشركاء الاجتماعيين على المستوى الوطني والمحلي (أرباب العمل - اتحادات المزارعين -نقابات العمال) لتحديد الحد الأدنى للأجور بدون تمييز بين المرأة والرجل، وتعزيز إجراءات السلامة المهنية في المزارع. وتقديم الرعاية الصحية للأمهات والأطفال.
رابعا: تعزيز الحوار الاجتماعي:
ينبغي على وزارات العمل اعتماد سياسات تراعي الفوارق بين الجنسين، وتشجيع الحوار الاجتماعي والتشاور على الصعيدين الوطني والمحلي وتعزيز تمثيل المرأة في المنظمات الريفية. مع العمل على ضمان سيادة القانون في المناطق الريفية، وتوفير حماية فعالة في القانون والممارسة، لتعزيز قدرات المرأة.
وأخيرا تحسين فعالية وكفاءة الإدارات المحلية في تقديم الخدمات العامة، والخاصة، والمساواة بين الجنسين والشفافية.
لتحميل التقرير كاملا:

http://www.fao.org/docrep/013/i1638e/i1638e.pdf

التحميلات المرفقة

ghiras

Amal Khairy researcher

  • Currently 21/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
7 تصويتات / 473 مشاهدة

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

127,995