بقلم: أمل خيري

في الوقت الذي يدور فيه جدل حاد بين المسلمين الأمريكيين حول قضايا الهوية والاندماج، يأتي رجل الأعمال الأمريكي المسلم من أصل آسيوي "عدنان دوراني" ليشق طريقه الناجح في عالم الأعمال والمشروعات، بالاستفادة من تصاعد حجم السوق الأمريكي الإسلامي، وتزايد الاحتياجات والطلب على منتجات تجارة الحلال الغذائية بين أبناء الجاليات الإسلامية.

معادلة النجاح في تجربة عدنان تمثلت في منتج "حلال + طيب"؛ حيث يعتبر أن كلمة السر في نجاح مشروعاته ليس فقط المنتج الحلال، ولكن الطيب أيضا، ومفهوم الطيب لديه يعني المنتجات العضوية أو الحيوية؛ حيث لا كيماويات أو مبيدات، بل فقط منتجات طبيعية غير ضارة بالصحة، وهذا كان السبب الحقيقي وراء انتشار منتجاته رغم اختلاف أنواعها.

وبعد تدرجه في العديد من الشركات والمشروعات يعمل عدنان دوراني حاليا كمدير تنفيذي لشركة الحلال الأمريكية، التي تستهدف إنتاج الأطعمة الحلال الطبيعية (العضوية)، والتي ترتكز كذلك على ممارسات تجارية عادلة.

التنمية بالإحسان

لا نقصد بالإحسان هنا المعنى الدارج الخاص بالعطاء أو الصدقات، ولكنه الإحسان الذي أشار إليه الإسلام باعتباره أعلى درجات الإيمان كما ورد في حديث جبريل عليه السلام، وشركة عدنان تعمل وفق هذا المفهوم  الذي رواه مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي يَعْلَى شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذبحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ"؛ حيث يتم ذبح جميع المواشي بالطرق الشرعية، ليس هذا فقط، بل تحرص الشركة على توفير شروط الرعاية الكاملة للماشية أثناء مرحلة التربية؛ حيث الأعلاف النباتية الخالية من الهرمونات والكيماويات، والمعاملة الطيبة والرعاية الصحية للحيوان، ففي نظر عدنان تعتبر شركته شركة خضراء صديقة للبيئة، لديها وعي بالمسئولية الاجتماعية، تقدم منتجات صحية ليس فقط للمسلمين بل كذلك لغير المسلمين في المجتمع الأمريكي.

وتقدم الشركة منتجات تحمل العلامة التجارية "طريق الزعفران"، وكلها منتجات عضوية من أطعمة مجمدة ومطهية، من لحوم ودجاج وأرز وغيرها بالبهارات الهندية الشهيرة، وهذه العلامة معتمدة من قبل مجلس الأغذية الإسلامي  IFANCA، وتنطبق عليها معايير الجودة والسلامة، ليس فقط من حيث الذبح، بل كذلك في مرحلة التربية، والتصنيع والطهي.

يقول السيد عدنان دوراني إنه لم يكن يفكر في الدخول في عالم المنتجات الحلال، حتى جاءت زيارته لماليزيا، فرأى كميات كبيرة من الأطعمة الحلال المنتشرة رغم افتقادها للجودة، فقرر لدى عودته لأمريكا أن يقتحم عالم المنتجات الحلال ذات الجودة العالية، ليدمج المذبوحات الحلال مع الجودة الإنتاجية.

مشروعات ناجحة

على مدى ستة وعشرين عاما عمل عدنان بمشروعات كبيرة ذات رأسمال بملايين الدولارات، بل لقد نجح في تأسيس ثلاث شركات من الصفر، كانت البداية تأسيسه مع زوجته شركة فيرمونت للمياه المعبأة شمال شرق الولايات المتحدة، والتي تأسست عام 1981، وقد اندمجت مع شركة كريستال ورك.

انتقل بعدها كشريك مالي في مزارع ستوني فيلد المحدودة، والتي تنتج منتجات الزبادي الحيوي تحمل ماركة كوندور؛ حيث نجح في القفز بحجم المبيعات من 25 مليون دولار إلى 75 مليون دولار عام 1994، ولذا فقد بيعت لمجموعة دانون عام 2003، ومن ثم بدأ في التعرف على قواعد اللعبة التجارية المتمثلة في "العلامة التجارية"، فكل الشركات التي عمل بها تنتج منتجات ذات علامة تجارية مميزة ومعتمدة.

أصبح بعد ذلك شريكا في شركة بلو شيب، ومسئولا عن شركة ديليشس لإنتاج الكعك، وهي علامة تجارية إقليمية تكافح لتنمو، وتستهدف أن تصبح خامس أكبر شركات إنتاج الكعك في أمريكا.

ويعتبر عدنان دوراني أن الغذاء هو مجرد جزء صغير من معادلة الإنتاج، فهناك العلاقة مع الخالق التي تفرض أن يكون الغذاء طيبا وطاهرا، وبالتالي يجعل القيم الأخلاقية في معاملة الحيوان وتغذيته في مقدمة أولوياته، ويعتبرها سر نجاح منتجاته.

أما مفاتيح النجاح الأخرى فتتمثل في المنهجية؛ حيث يقوم بإعداد البحوث والدراسات قبل البدء في المشروع لمدة طويلة، كما يستعين بالخبراء، وفي الوقت نفسه لديه حذر في التنفيذ، فحين يبدأ في التخطيط لمشروعه يتوقع دائما الفشل، ويعتبر نفسه في معركة مع تفضيلات المستهلكين، فيحرص على تلبية احتياجاتهم.

ريادة اجتماعية

اشتهر عدنان بريادته في مجال البيزنس الاجتماعي ونشاطه الاجتماعي البارز، فرغم حصوله على شهادة في الهندسة الكهربائية والاقتصاد من جامعة كولومبيا، فإنه سلك في طريقه المهني سبيلا آخر، وأصبح اسمه يتردد بقوة في وول ستريت، ومنذ عام 1990 بدأ العمل في مسار آخر؛ حيث انصب تركيزه على المشروعات التجارية ذات المسئولية الاجتماعية.

ومن بين أعماله الريادية الاجتماعية حاليا أنه عضو مشارك ورئيس مالي لشبكة المشروعات الاجتماعية SVN، والتي تأسست عام 1987 على يد جوش ميلمان ووين سيلبي، وهي شبكة غير ربحية تلتزم بإقامة مجتمع عادل ومستدام عبر الأعمال الاستثمارية، وتضم نخبة من رجال الأعمال ذوي الريادة في المجال الاجتماعي.

شارك عدنان في إعداد دليل بعنوان معايير المسئولية الاجتماعية للشركات، والذي يضم معايير قياسية للأعمال الاستثمارية الهادفة للربح وفي الوقت نفسه ذات مسئولية اجتماعية، ومن أهم هذه المعايير: الحوكمة، والأخلاقيات، والمساءلة، وحماية البيئة.

كما كان أحد أعضاء لجنة التحكيم في الجائزة السنوية التي تمنحها شبكة المشروعات الاجتماعية لاختيار أفضل عشرين فكرة غيرت أسلوب العمل في عالم الأعمال، ومن بين هذه الأفكار التكنولوجيا النظيفة، والبيوت الخضراء، والتجارة العادلة، والاستثمار المسئول اجتماعيا.

يعمل عدنان أيضا كمدير وأمين صندوق لشبكة Read Global (مشروع التنمية والتعليم الريفي)، وهي شبكة غير ربحية تستهدف إنشاء مكتبات في المجتمعات الريفية في نيبال والهند، والتي تمولها بشكل أساسي مؤسسة بيل وميليندا جيتس، كما يشغل منصب  مدير مؤسسة BKFK (من الأطفال إلى الأطفال)، ومدير منظمة رجال الأعمال الباكستانيين لشمال أمريكا، ويحاضر بصفة دورية في جامعة كولومبيا، ويدير برنامج الأجندة الخضراء للجامعة، وهو برنامج حديث حول المشروعات ذات المسئولية الاجتماعية، ينظمه مركز كولومبيا للتكنولوجيا والابتكار والالتزام الاجتماعي.

حوار الأديان

لا يكتفي عدنان دوراني بريادته الاجتماعية والاستثمارية فقط، بل يشارك بفعالية أيضا في مجال الحوار بين الأديان، فبرغم مسئولياته المتعددة وانشغاله في عالم الأعمال والخدمات الاجتماعية فإنه يحرص على المشاركة في المشروعات الدينية من باب المسئولية الاجتماعية، فبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وتأثره بمشاهد الدمار المروعة، طلب منه عمدة المدينة التي يقيم بها التحدث عن الإسلام داخل الكنائس والمعابد اليهودية، وفي البداية لم يكن على استعداد للقيام بهذا الدور، إلا أنه بمرور الوقت أصبح شغله الشاغل.

فقد أصبح عضو ميثاق المعهد الأمريكي للدراسات الإسلامية والعربية، ويحاضر في كثير من الأحيان حول الإسلام، وله نشاط بارز في المنتديات والتجمعات الدينية، وقد أتاحت له أحاديثه عن الإسلام وحوار الأديان فرصة فريدة للتعبير عن الإسلام بشكل علني، ليوضح كيف أن الإسلام وضع قواعد أخلاقية حول التعامل مع الآخر، وكذلك حول الأعمال التجارية.

شارك عدنان في مؤتمر لحوار الأديان عقد بالفاتيكان في الثاني عشر من شهر أكتوبر 2010، وكان عنوان المؤتمر جسور الأمل، وتحدث فيه دوراني حول القيم الإسلامية في مجال الأعمال والمشروعات التجارية، وحول المسئولية الاجتماعية للاقتصاد الإسلامي، وعلاقتها بالعدالة الاجتماعية والاقتصاد العادل وتمكين الفقراء.

جاءت ورقته بعنوان "التنمية الأخلاقية والعادلة"، تناول فيها مبادئ الاقتصاد الإسلامي والتفرقة بينه وبين الاقتصاد الوضعي؛ حيث يعود الفارق الأساسي بينهما إلى قيام الاقتصاد الإسلامي على العدالة الاقتصادية والاجتماعية، وليس على الربح الاقتصادي فقط، كما تناول دور المشروعات الاقتصادية ذات المسئولية الاجتماعية في بناء جسور الحوار والتعاون بين الأديان، وأشار لبعض النماذج كتجربة شبكة READ Global.

كما تحدث عن الإسلاموفوبيا في أمريكا ودور شركة الحلال الأمريكية وعلامتها التجارية "طريق الزعفران" في تعزيز الحوار بين الأديان من خلال مفهوم "الأرباح من أجل السلام"، وأخيرا سلط الضوء على أبرز التحديات التي تواجه التنمية المستدامة متعددة الأديان.

 

لا تنس تسجيل إعجابك بصفحة غراس على الفيس بوك

غراس للتنمية المستدامة

http://www.onislam.net/arabic/nama/success-stories/126373-2010-11-02-13-00-43.html

التحميلات المرفقة

ghiras

Amal Khairy researcher

  • Currently 61/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
21 تصويتات / 508 مشاهدة

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

120,582