يوميات صحفية من منازلهم

 الحلقة الأولى"بيتي مقر عملي" مفهوم جديد لعمل المرأة

بقلم: أمل خيري

قبل عدة أشهر اتصلت بي معدة برامج بالتليفزيون المصري تطلب إجراء مقابلة معي لعرضها في برنامج "طعم البيوت" بالقناة الأولى، لم أكن أعلم بوجود مثل هذا البرنامج بالتليفزيون، فأنا لا أشاهد القناة الأولى أصلا، وعندما سألتها عن سبب المقابلة ذكرت أنها تود عرض تجربتي في العمل من خلال المنزل على النساء ليستفدن منها، اعتذرت وقتها لظروف صحية في هذه الفترة، وحتى ذلك الحين لم أكن أشعر أن تجربتي تستحق أن تعرض، ولكن اتصالا آخر من صحفية تقوم بعمل تحقيقات حاولت إجراء حوار معي عن نفس التجربة شجعني على التفكير مليا في الأمر، ومحاولة دراسة التجربة التي يشاركني فيها –بالتأكيد- الكثير من النساء.

بيتي مقر عملي

اهتمامي بقضية عمل المرأة من المنزل بدأ منذ عدة أعوام حين كتبت عن تجربة رائدة من بنجلاديش كانت بعنوان(" بيتي مقر عملي" قصة نجاح لنساء من بنجلاديش)، ولكني لم أقم بنشر هذه الدراسة إلا قبل عامين لأفاجأ بعدها بعدد هائل من الرسائل التي تثني على هذه التجربة، وأمنيات كثيرة بتكرارها في عالمنا العربي، إلا أن هذه التجربة نفسها لم تجد صدى لدى بعض المتعلمات الحاصلات على مؤهلات عليا، باعتبار أن هذه التجربة تلائم العاملات اليدويات، خاصة أن النماذج الشبيهة لدينا في الدول العربية تكاد تقتصر على سيدات يعملن في الحياكة: الأشغال اليدوية، والتشكيلات الفنية، وحتى عندما توسعت التجارب دخل فيها سيدات يعملن بمساعدة الموظفات في تقشير الخضروات وتنظيفها وإعداد الصلصات والمربات، أو إعداد وجبات جاهزة أو نصف جاهزة أو خدمة توصيل المشتريات للمنازل أو ترويج مستحضرات التجميل بين المعارف والأصدقاء، ... إلخ.

أي أن ما يجمع بين كل هذه الأعمال أنها تعتمد على اليدين، والمجهود البدني، وتفتقر للمجهود العقلي، ويمكن أن تمارسها المتعلمة، وكذلك التي لم تنل حظا من التعليم.

ثقافة التهميش

كنت في زيارة لطبيب العيون لإجراء فحوصات فسألني الطبيب إن كنت أعمل أم لا؟ فأجبته بأني أعمل من المنزل، فعقد ما بين حاجبيه، وقال تقومين بالحياكة والتطريز إذن –قالها هكذا بصيغة الجزم- فصححت له المعلومة قائلة بل صحفية وباحثة، فرفع حاجبيه دهشة وبدا كأنه غير مصدق أو مستنكر.

هذا الموقف تكرر كثيرا ليس بالنسبة لي فقط، بل لكثير من زميلاتي، فما إن تذكر إحداهن أنها تعمل من البيت حتى يتبادر لذهن المستمع أنها تعمل في الحياكة أو التطريز، أو ربما طاهية للوجبات الجاهزة.

وفي المقابل ما إن تحدثت مع أحد من الدول الغربية أو حتى من دول شرق آسيا، وذكرت حقيقة أني أعمل من البيت حتى يكون السؤال: مترجمة أم كاتبة؟

ربما يعكس هذا التباين اختلافا في الثقافات والقناعات الفكرية والميراث التاريخي، كما أنه يوضح مقدار التهميش والتسطيح لدور المرأة العربية في ثقافتنا وفي مجتمعنا، فالمرأة لدينا إما أمية لا تقرأ ولا تكتب، أو تلقت قدرا من التعليم، ولكنها تقبع في بيتها بلا عمل كسولة خاملة غير منتجة، أو متعلمة عاملة تقضي في عملها ما لا يقل عن ثماني ساعات خارج البيت، ولا يوجد وسط بين الحالتين، بينما خارج الوطن العربي تنتشر نماذج كثيرة متعددة لعمل المرأة اعتاد عليها المجتمع، فهناك العمل بدوام كامل، والعمل لجزء من الوقت، والعمل بالقطعة أو بالمهمة، وكثيرا ما نرى زوجات وأمهات يعملن من خلال بيوتهن في مجال الأبحاث أو الكتابة، أو تصميم مواقع الإنترنت، أو التدريب من خلال الإنترنت بل وحتى التسويق.

تنميط الوظيفة

الأمر لدينا هنا لا يقتصر على هذه النظرة القاصرة لعمل المرأة، واقتران فكرة عمل المرأة بنمط غربي مستورد يتضمن خروجها من البيت والعمل في مؤسسة أو شركة أو مصنع بدوام كامل، بل يمتد لثقافة أكثر شمولا تزدري دور المرأة في بيتها، ساهم في تأصيلها الإعلام بوسائله المختلفة من إذاعة وتليفزيون وصحف، فقد روجت المسلسلات والأفلام خلال أكثر من نصف قرن لنمط المرأة العاملة المنتجة مقابل ربة البيت المستهلكة، فكانت النتيجة الحتمية أن المجتمع بات ينظر للمرأة التي تفرغت لبيتها وأولادها على أنها طاقة معطلة في المجتمع، فوقتها مهدر، ودراستها ضاعت هباء، وعقلها قد توقف عن التفكير، وهي عاطفية ترجح العاطفة على العقل، وسطحية الفكر، ويتبع ذلك أن تكون شخصية منزوية غير مواكبة للأحداث، منفصلة عن الواقع لا تدري بتغيرات المجتمع، بينما المرأة العاملة واقعية عصرية مثقفة واسعة الاطلاع تشارك في تنمية ونهضة المجتمع.

ولكي تكتمل الصورة فلابد للمرأة أن تودع أطفالها منذ ولادتهم إحدى دور الحضانات، أو تجلب لهم خادمة، أو تتركهم في رعاية بعض الأقارب لتعود من عملها منهكة تقضي باقي يومها في إعداد الطعام وترتيب البيت، وغالبا ما تعتمد أسرتها على تناول الوجبات الجاهزة.

الغريب في الأمر أننا استوردنا هذه الصورة النمطية لعمل المرأة من الغرب، وأغفلنا النماذج الأخرى لعمل المرأة لديهم، وهذه النماذج لا ترتبط بتواجد خارج البيت، ولا بإيداع الأطفال في الحضانات، ولا بشراء الوجبات الجاهزة، بل يكفي أن تخصص إحداهن لنفسها غرفة أو ركنا في البيت وتعد مكتبا، وجهاز كمبيوتر، وخزانات للأوراق والملفات، وكأنه مكتب عمل حقيقي، وحولها أطفالها تتابعهم وتشرف عليهم.

فتشير تقارير مكتب الإحصاء الأمريكي إلى أنه بحلول عام 1992 بلغ عدد النساء العاملات من خلال المنزل 10 ملايين امرأة، ويشير المركز القومي لتحليل السياسات في الولايات المتحدة إلى أن حوالي 17 مليون امرأة تعمل من المنزل حتى عام 2008.

ووفق تقرير وكالة الاحصاءات الوطنية في المملكة المتحدة فإن 3,1 ملايين شخص يعملون من المنزل في عام 2005، يستخدم منهم 2,4 مليون شخص الكمبيوتر والهاتف كوسائط للعمل.

وذكر تقرير لشبكة العمالة النسائية غير النظامية (WIEGO) أنه على الرغم من عدم وجود إحصاءات دقيقة عن عدد العاملين عن بعد فإن المؤشرات تدل على أن هناك ما يزيد عن 100 مليون شخص في العالم يعملون من منازلهم، تشكل النساء منهم حوالي 80%، وأن أكثر من نصف هذا العدد في جنوب آسيا.

الحقيقة أن كل هذا شجعني على الشروع في الكتابة حول هذه التجربة، وهذا المفهوم الجديد لعمل المرأة ودورها في تنمية المجتمع، والتي ربما تغير من نظرة المجتمع السلبية تجاه المرأة.

الأمر يحتاج لدراسة سلبيات وإيجابيات ووسائل وإستراتيجيات وغيرها الكثير للمساهمة في معاونة المرأة العربية الراغبة في العمل من المنزل على تلمس طريقها ووضع قدمها على بداية الطريق الصحيح.

لا تنس تسجيل إعجابك بصفحة غراس على الفيس بوك

غراس للتنمية المستدامة

ghiras

Amal Khairy researcher

  • Currently 117/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
38 تصويتات / 608 مشاهدة

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

128,706