بقلم: أمل خيري

في ظل الفوضى والدمار التي خلفتها الحروب المتواصلة في أفغانستان حٌرمت كثير من الفتيات من حقهن في التعليم وتسربت الكثيرات من المدارس إلا أن قضية تعليم الفتيات في الآونة الأخيرة لاقت المزيد من الاهتمام وانتظمت أعداد كبيرة من الفتيات في المدارس الحكومية ففي مارس 2003 التحقت 1.200.000 فتاة بالمرحلة الابتدائية وفي العام التالي انتظمت حوالي 1.400.000 فتاة .  

ومع هذه الزيادة تظل الحقيقة الفاجعة أن أكثر من 60% من الفتيات الأفغانيات محرومات من التعليم ، ونظرا لأهمية التعليم في تحقيق التنمية المستدامة والرابطة القوية بين تعليم النساء وتمكينهن في المجتمع وبين تقدم ورفاهية المجتمع كان لابد من البحث عن وسيلة لجمع شتات الفتيات المتسربات من التعليم ومحاولة إيجاد نظام تعليمي محلي بديل مواز للتعليم النظامي بمشاركة مؤسسات المجتمع المدني فكان برنامج الفصل المنزلي .

مدرسة الفصل الواحد

وتقوم فكرة هذا البرنامج على نظام الفصل الواحد الذي قد يقام في غرفة بأحد البيوت أو ساحة المسجد أو حتى في ظل شجرة ، وكما تتنوع أماكن الفصول تتنوع أيضا أشكالها فبعض الفصول تزينها خرائط ووسائل إيضاح والبعض الآخر خال تماما ، أيضا أحيانا يجلس الأطفال على الحصير وأحيانا يفترشون التراب.

ويعد المسجد هو المكان المفضل لهذا الفصل لدى الآباء حيث أنهم يأمنون فيه على أبنائهم أكثر من أي مكان آخر خاصة في ظل مخلفات الحرب وانتشار قطاع الطرق كما أنه أكثر أمنا للفتيات بصفة خاصة من البيوت .

وتعتمد هذه الفصول الخطة السنوية للمدارس الحكومية وأيضا نفس المنهج الدراسي حيث يدرس الأطفال ثلاث ساعات يوميا طوال أيام الأسبوع عدا الجمعة تماما كالطلاب النظاميين يبدءون في الصفوف الثلاث الأولى بدراسة اللغة المحلية الأولية المعتمدة في الإقليم كالداري والبشتو....ويدرسون الحساب والقراءة والكتابة والدراسات الإسلامية إضافة إلى تحفيظ القرآن الكريم وبدءا من الصف الرابع تضاف لغة ثانية مع دراسة الجغرافيا والتاريخ والعلوم والصحة.

وقد ساهم هذا البرنامج في تعليم أكثر من 10.000 طفل ريفي بينهم أكثر من خمسة آلاف فتاة في عدة مناطق من البلاد في مقاطعات مثل كابول وباكتيا ولانجهار.... نظرا لبعد سكان هذه المناطق عن المدارس الحكومية مما يسبب مشكلة حقيقية في انتقال الأطفال خاصة الفتيات والتي تغلبت عليها هذه النوعية من الفصول حيث نجحت هذه الفصول في زيادة عمليات تسجيل الفتيات من 48% من إجمالي الأطفال المسجلين في عام 2003 إلى نسبة 52% في عام 2004 .

المعلم صاحب رسالة

يقوم حوالي 261 معلم في شتى أنحاء البلاد بالتدريس في هذا البرنامج ولا يتصدى المعلم لهذا النوع من التعليم إلا إذا كان صاحب رسالة ويؤمن بأهمية التعليم في النهوض بالدولة وأيضا من المدافعين عن حق المرأة في التعليم وأغلب المعلمين المنتظمين في هذا البرنامج هم من المتطوعين وبعضهم مكلف من قبل مجلس القرية ومعظم المقبلين على هذا التدريس من النساء كما يشارك أيضا بعض شيوخ الدين في التدريس معتبرين أن تعليم الأطفال يقع ضمن مسئولياتهم الدينية.

وتتنوع أيضا المستويات التعليمية لهؤلاء المعلمين فبعضهم درس تعليما متوسطا أو أعلى وبعضهم من الطلاب الذين يدرسون صباحا في المدارس الحكومية ويتطوعون مساء لتعليم الأصغر منهم في هذه الفصول.

من أهم مميزات هذه الفصول هي العلاقة الحميمة بين المعلم وطلابه حيث يعرف المعلم كل الأطفال في الفصل ويتفهم أحوالهم الاجتماعية وأوضاعهم المالية ويتعرف جيدا على نقاط القوة والضعف لديهم كما أن المعلم هو صديق ودود وموضع ثقة ومؤتمن على أسرار طلابه.

المعلم عادة يتبع الأساليب التقليدية في التدريس من قراءة الدروس وكتابتها على السبورة وتصحيح الواجبات وبعضهم يستخدم وسائل تعليمية بدائية من خامات البيئة ويحاول هؤلاء المعلمون تطويع المنهج الدراسي ليواكب ظروف الحياة المعيشية للأطفال بحيث يصبح أكثر متعة ليحظى بالقبول من الأطفال كما أن المعلم يشجع طلابه كثيرا على طرح الأسئلة والاستفسارات حول الأجزاء الغامضة من المنهج لأن معظم هؤلاء الأطفال ليس لديهم من يساعدهم في فهم دروسهم في المنزل.

المعلم الصديق

كما يتمتع المعلمون في هذا البرنامج بالبشاشة ويتعاملون مع طلابهم بالحنان والرحمة ولا يلجئون إلى العقاب حتى لا يهرب هؤلاء الأطفال من الفصل في الوقت نفسه الذي يرى فيه البعض أن المدارس الحكومية بها قدر من التمييز العرقي أو الطائفي بين الطلاب فإن من مميزات هذه الفصول المنزلية أنها تعتمد فكرة العدل والمساواة فلا يوجد أي تمييز في المعاملة.

كما تشجع هذه الفصول الأطفال على النظام والنظافة والسلوك الطيب وحسن الخلق وعلى الرغم من عدم تحديد زي رسمي موحد للطلاب إلا أن أغلب الطلاب يخصصون زيا معينا لحضور الفصل ولا يقومون بارتدائه خارج الفصل .

وتقبل النساء على التدريس في هذه الفصول متطوعة إما لإيمانها بحق الفتاة في التعليم أو حتى لشغل وقت فراغ كما ورد على لسان إحدى المعلمات التي تدرس بثلاثة فصول للفتيات وتوضح كيف أصبحت معلمة ( حينما تزوجت وأتيت إلى بيتي الجديد في القرية كان زوجي في إيران فأصابني الملل نتيجة للوحدة والفراغ فبدأت بتحفيظ بعض الفتيات في القرية القرآن الكريم وحينما لمست منهن الاهتمام بدأت بتعليمهن أشياء أخرى ، لم يكن لدي في البداية أي وسائل للتدريس حتى الطباشير فكنت اكتب بقطعة من الفحم على لوح خشبي ) وكثير من الطالبات تعتبر المعلمة بمثابة الأخت الكبرى التي تشكو لها همومها وتحفظ لها أسرارها .

لا للاختلاط

هذا البرنامج موجه أساسا لتعليم الفتيات اللاتي تتراوح أعمارهن من 6 – 15 عام ووفقا للتقاليد الإسلامية في أفغانستان يتم فصل الفتيات عن الأولاد في هذه الفصول حيث يفضل الآباء وأيضا المعلمون ذلك، أما الفصل المختلط فلا يصلح إلا في القرى التي ينتمي جميع السكان فيها إلى عائلة واحدة وحتى في هذه الحالة يتم جلوس الفتيات خلف الأولاد .

أيضا يفضل الآباء أن تقوم النساء بتعليم بناتهن باعتبار أن المعلمة أقدر على التعامل مع الفتاة وتفهم احتياجاتها ولكن يمكن أن يكون هناك ترحيب بالمعلمين الرجال إذا كانوا من نفس القرية من شيوخ المساجد أو الرجال الموثوق بهم.

تحديات وآمال

على الرغم من النجاح الذي حققته هذه الفصول في تعليم الأطفال خاصة الفتيات إلا أن هذه النوعية من الفصول تواجه العديد من المشاكل والتحديات ففي حين تعتبرها السلطات الحكومية محاولة لسد الفجوة في النظام التعليمي إلا أنها تعد محاولة مؤقتة خاصة أن المعلمين من المتطوعين الذين لا يتلقون أجرا على ما يقومون به مما يهدد استمرار هؤلاء المعلمين في حالة تعرضهم للضغوط المالية خاصة بالنسبة للنساء حيث يتطلب خروج النساء لهذه المهمة موافقة الوالد أو الزوج وفي كثير من الأحيان تدفع المرأة لترك التدريس لتعمل بأجر أو حتى لتتفرغ لرعاية أسرتها وللأعباء المنزلية أما الرجال الذين يعملون نهارا في مكان آخر ويتقاضون أجرا مناسبا على عملهم أو يديرون مزرعة خاصة فهم الأكثر استمرارية وحتى الطلاب المتطوعين قد ينصرفون عن التدريس إما لرغبتهم في العمل أو استكمال تعليمهم العالي.

أيضا من التحديات التي تواجه المعلمين عدم تلقيهم أي نوع من التدريب أسوة بالمعلمين النظاميين فيعاني هؤلاء المعلمون من العزلة عن النظام التعليمي الرسمي حيث لا يتاح لهم التواصل والتفاعل مع المعلمين النظاميين باستثناء بعض المعلمين الذين ينجحون في الالتقاء ببعض الأصدقاء في مدارس حكومية مساء بحيث يتبادلون الأفكار والخبرات والتجارب وبالطبع هذه الفرصة لا تتاح للمعلمات .

أيضا من الصعوبة بمكان على معلم واحد أن يقوم بتدريس كل المناهج الدراسية للطلاب فهذا يتطلب منه جهدا مضاعفا في التخطيط وإعداد الدروس كما أن هذه الفصول تفتقر للاحتياجات الأساسية لبيئة تعليمية جيدة مثل المقاعد والأدراج والسبورة والكتب الدراسية .

وإذا كانت هذه الفصول ظهرت لحاجة ملحة في وقت محدد في التاريخ الأفغاني بعد سنوات من الحرب والدمار ونجحت في التغلب على بعض مشكلات تسرب الأطفال من التعليم خاصة الفتيات إلا أن هذا النوع من التعليم

 يجب النظر إليه على انه حلاً مؤقتاً ومرحلياً تمهيدا لدمج هذه الفصول في التعليم الرسمي خاصة أن بعض التلاميذ قد انتقلوا بعد فترة من الدراسة بهذه الفصول إلى مدارس حكومية بمجرد افتتاح مدرسة قريبة ولكن الكثير لا يتوفر لهم ذلك خاصة المناطق الريفية المحرومة من الخدمات الأساسية لذا لابد من وضع التشريعات الكفيلة بدمج هذه الفصول في النظام التعليمي الرسمي مستقبلا أو حتى اعتبار مثل هذا الفصل ملحقا بأقرب مدرسة رسمية حتى يتسنى للمعلمين الحصول على التدريب اللازم وأيضا للطلاب الحصول على الكتب الدراسية.

لمزيد من المعلومات:

http://www.equip123.net/

http://www.equip123.net/JEID/articles/3/HomeBasedSchooling.pdf

خاص لقدوة / 7/11/2008 رابط نشر المقال http://www.qudwa1.com/?page=articles/15/15-069
ghiras

Amal Khairy researcher

  • Currently 95/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
31 تصويتات / 804 مشاهدة

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

127,264