بقلم: امل خيري
دأبت وسائل الإعلام لعقود طويلة على التحدث بلسان صانعي القرار؛ ولذا فإن قضايا التنمية الاقتصادية لم تلق الاهتمام الكافي ولم تسلط الأضواء على تحديات ومشكلات التنمية الحقيقية للشعوب وبصفة خاصة الفقراء، ولكن العقد الحالي يحمل البشرى بإمكانية قيام الإعلام بخدمة قضايا التنمية والتحدث بلسان الفقراء.
هذه ما أكدته دراسة قدمها جاريث لوكسلي بعنوان "وسائل الإعلام والتنمية، ما الحكاية؟" والصادرة في إطار سلاسل أوراق العمل التي يصدرها البنك الدولي، حيث أشارت إلى أهمية المحتوى الإعلامي باعتباره المحرك الأساسي للتنمية، ومن ثم إحداث التأثير.
وأكدت في هذا الصدد أهمية أن يكون هذا المحتوى في متناول الجميع، وأن يهم قطاعات عريضة من المجتمع، وأن يتم نشره بلغات وبأشكال متعددة.
واعتبرت أن التطور التكنولوجي، الذي صاحبه انخفاض في تكاليف الحصول على الأجهزة الإعلامية، ساعد في تحقيق ذلك، وهيأ لأن يكون للإعلام دور فعال في قضايا التنمية.
التعددية والشفافية
وكان الأثر الأول لدور الإعلام في التنمية هو ما سمته الدراسة بـ"التعددية والشفافية"، ويقصد بها المساهمات التي يمكن لبيئة إعلامية تعددية أن تقوم بها من أجل ترشيد الحكم، والشفافية، والرقابة على أداء الأسواق (الاقتصادية والسياسية) والتي يمكن وصفها بأنها الدور السياسي الاقتصادي لوسائل الإعلام.
فتعددية وسائل الإعلام تدعم عملية اتخاذ القرارات المستنيرة، وتؤدي لزيادة المساءلة، وتسهم في جهود مكافحة الفساد وتسهل المناقشة الواعية التي تساعد على تصحيح عدم توازن المعلومات وتعمل كرقيب على قطاع الأعمال والحكومة، ليس ذلك فحسب بل إن تعددية وسائل الإعلام والشفافية قد صححت اتجاه المعلومات الذي دام لفترة طويلة في وسائل على أنه من "أعلى لأسفل" أي من تصريحات المسئولين إلى الجمهور لتضيف إليه اتجاها جديدا من "أسفل لأعلى" أي من الفقراء للمسئولين.
ومن هنا تأتي أهمية دعم بنية وسائل الإعلام خاصة في المجتمعات التي لم تدخل مرحلة الإعلام الرقمي والتي ما زالت تعتمد إلى حد كبير على الإذاعة كالمناطق الريفية، حيث يمكن تصنيف وسائل الإعلام المستقلة والتعددية لثلاثة مستويات:
1. وسائل البث الوطني والإقليمي العام والتي تمول وتدار بشكل كلي أو جزئي من قبل الدولة وتعمل للمصلحة العامة.
2. وسائل البث الخاصة المنشئة لغرض تجاري ربحي والتي تمول عن طريق الإعلانات والاشتراكات.
3. وسائل البث المجتمعي والتي لا تهدف للربح بشكل عام، وتعتمد في تمويلها على المنح والتبرعات وخدمات الرعاية وغالبا تخدم المصلحة العامة وتشجع أفراد المجتمع على المشاركة في عملية التنمية.
يمكن النظر للنوعين الأول والثاني على أنه إعلام موجه من أعلى لأسفل، أما النوع الأخير فهو الإعلام الموجه من أسفل لأعلى؛ لأنه يسهم في إيصال صوت الجماهير الذين هم في الغالب النساء والأطفال والمزارعين البسطاء؛ لذا فإن الإذاعات المحلية تعتبر هي صوت الجماهير، فالقضايا التي تركز عليها هي قضايا التعليم والتنمية والصحة وتدفع في اتجاه رفاه المجتمع وتحسين صحة أفراده من خلال التوعية الصحية بل وأيضا تساعد المزارعين من خلال بث الإرشادات الزراعية.
توعية المواطنين
يتمثل الأثر الثاني للإعلام على التنمية في التأثيرات السلوكية من خلال إسهام وسائل الإعلام في إحداث تغييرات ذات مغزى في سلوكيات الأفراد والجماعات والمنظمات من خلال الحملات الإعلامية التي تسهم في توعية الجمهور وتخليه عن السلوكيات الضارة وتشجيعه على المشاركة في التنمية وتشجيعه على إلحاق الأطفال بالتعليم والاهتمام بالتغذية السليمة ونشر أفضل الممارسات في مجال التقنيات الزراعية ووسائل الوقاية من الأمراض والتوعية بخطورة الإدمان بل والحد من العنف ضد المرأة والأطفال ومثال على ذلك حملة التجارة العادلة التي أطلقتها منظمة أوكسفام بشأن عمالة الأطفال.
أما الأثر الثالث فيرتكز على البنية التحتية والمنابر الإعلامية فالمحتوى محرك رئيسي للاستثمار في وسائل البث الجديدة المنتشرة على نطاق واسع، والتي تنطوي على احتمالات كبيرة للتحول من أجل التنمية، فعلى سبيل المثال أسهمت التجارة الإلكترونية في تحفيز الاستثمار وزيادة المبيعات والجيل التالي للتكنولوجيا بإمكانه أيضا تعزيز الاستثمار.
ويعتبر المحتوى الرقمي عنصرا متزايد الأهمية في اقتصادات منظمة التعاون والتنمية ولكن ما زال هذا الدور في أدناه في الدول النامية بسبب ضعف البنية التحتية للإعلام، ولكن تنامي أعداد شبكات المحمول في الدول النامية يزيد من تقديم حلول مبتكرة للتنمية مثل استخدام المحمول في الخدمات المصرفية أو في التغطية الإعلامية للانتخابات.
فرص عمل متزايدة
رابع هذه التأثيرات هي التأثيرات الاقتصادية للإعلام على التنمية فانتشار وسائل الإعلام وتزايدها وتنوعها يوفر العديد من فرص العمل، خصوصا في المؤسسات الصغيرة الحجم فتدفق المحتوى الإعلامي من شأنه أن يولد فرص عمل لعدد كبير ويسهم بشكل مباشر في التنمية والحد من الفقر فقد قدر إجمالي عائدات إنتاج المحتوى الإعلامي عام 2007 بـ1.620 مليون دولار.
بالإضافة للوظائف الإعلامية المتزايدة هناك مجموعة أخرى من الوظائف الجانبية وفرتها المؤسسات الإعلامية كخدمات تطوير المواقع بل وأيضا يمكن للإعلام أن ينشط السياحة ففي مسح أجري بين السياح في المملكة المتحدة تبين أن واحدا من كل خمس سياح كان الدافع لاختياره السياحة في هذه الدولة مشاهدة البلد الذي تصوره الأفلام السينمائية والتليفزيونية، كما لعب الإعلام دورًا في تحفيز الإنتاج وتشجيع الصناعات المحلية من خلال السينما والتليفزيون في العديد من الدول مثل الهند.
والأثر الأخير للإعلام في التنمية كما رصدته الدراسة يتلخص في التأثيرات التجارية، فوسائل الإعلام الرقمية أصبحت المحرك الرئيسي للاستثمار في مجال التجارة الإلكترونية وظهرت نماذج جديدة في إدارة الأعمال كل ذلك قلب موازين النظام الحالي للأسواق ووسائل الإعلام، وكلاهما يمكن أن يحدث تحولا في عملية التنمية.
فالحواجز التجارية مثلا تكبح جماح الاستثمارات، فإنتاج الدول المتقدمة تكنولوجيا للمحتوى الإعلامي يفوق إنتاج الدول المتخلفة في هذا المجال؛ وبالتالي فإن الدول الأخيرة تصبح مستهلكة للإنتاج الإعلامي للدول الأولى، وهذا من شأنه تهديد التراث الثقافي المحلي لذا تفرض هذه الدول حواجز على تجارة المحتوى الإعلامي.
ولكن من جانب آخر فإن انخفاض تكلفة الإنتاج في الدول النامية يشجع الدول المتقدمة على الاستثمار في الدول النامية، وهذا يوفر فرص عمل للمواطنين، ومن هنا تأتي إمكانية مساهمة وسائل الإعلام في التنمية.
آفاق الإعلام التنموي
تقدم الدراسة في ختامها بعض الآفاق التي من شأنها تعزيز دور وسائل الإعلام في عملية التنمية في الدول النامية والتي تبنتها بالفعل بعض هذه الدول كفيتنام وترينداد ورواندا، ومن بينها تنمية الأعمال التجارية والمالية (مثل تمويل المشروعات الصغيرة)، ووضع وتنفيذ تشريعات حقوق التأليف والنشر، وتوسيع القدرات الرقمية ودراية المواطنين بها، دعم سوق التنمية على الصعيدين المحلي والتصديري، وتوفير التعليم والتدريب وتنمية المهارات الإعلامية، دعم الصناعات عن طريق حوافز الاستثمار والامتيازات الضريبية، فكل هذا من شأنه تأسيس إعلام تنموي يعكس نبض الجماهير.
لا تنس تسجيل إعجابك بصفحة غراس على الفيس بوك
ساحة النقاش