بقلم: أمل خيري
قبل ست سنوات مضت كانت السيدة هانسابان الهندية من منطقة جاديبنجار تعيش بصحبة زوجها وثلاث من الأبناء في منزل بنوه بأنفسهم فوق قطعة أرض قاموا بشرائها سابقا من شخص استغل جهلهم فلم يسلمهم عقود التمليك ومن ثم بعد مدة قامت الإدارة الحكومية بالمقاطعة بإزالة المنزل باعتباره قائم بوضع اليد على قطعة أرض مملوكة للدولة.
ولأن هانسابان وزوجها كانا يعملان كباعة جائلين فلم يكن لديهما القدرة على بناء منزل جديد وهنا قررت هانسابان أن تبدأ مسيرة الكفاح فطرقت جميع الأبواب وقدمت النداءات والتظلمات لمدى ثلاث سنوات عاشت فيها أسرتها في العراء.
كانت السنوات الأسوأ في حياتها ولكنها تعلمت منها الإصرار والاعتماد على الذات وجعلتها أكثر ذكاء لذا لم يكن مدهشا أن تتبوأ مكان الصدارة في مجتمعها كقائدة لمؤسسة شعبية تدير اكبر مشروع لتطوير منطقة جاديبنجار .
تطوير العشوائيات
وجاديبنجار هو أحد الأحياء العشوائية في الجزء الغربي من مدينة أحمد أباد بولاية جوجارات الهندية تعيش فيه 84 أسرة تحت خط الفقر في بيوت محرومة من مياه الشرب ومواسير الصرف الصحي والمراحيض بل إن الشوارع نفسها غير ممهدة وتفتقد للإنارة ولخدمات جمع القمامة.
ويعد حوالي 40% من سكان أحمد أباد البالغ عددهم 5مليون نسمة من الفئات الفقيرة حيث يعيشون في أحياء عشوائية تفتقد جمعيها لمنشآت البنية الأساسية لذلك بدأت حكومة الولاية في إطار مشروع كبير استهدف استكمال أعمال البنية الأساسية في هذه المناطق العشوائية سمي مشروع ربط شبكات العشوائيات (SNP)وذلك في عام 1995 وكانت البداية بتطوير منطقة سانجبار تلتها عدد من المناطق الأخرى وفي هذه المرحلة الأولى من المشروع والتي امتدت حتى عام 2003 استكملت أعمال البنية التحتية في 18 منطقة عشوائية تحوي 3843 منزلا ويقطن بها 19215 نسمة وبتقييم هذه المرحلة لوحظ أن المشروع اعتمد على تسليم أعمال التطوير لمقاولين من القطاع الخاص حيث كان تطوير أي منطقة عشوائية يستغرق ما بين سنة ونصف إلى سنتين .
شراكة الفقراء
ثم بدأت المرحلة الثانية للمشروع بدءا من عام 2003 معتمدة مدخلا جديدا يقوم على الشراكة المجتمعية للقاطنين بالحي بالمساهمة في ميزانية المشروع وبالجهود الفردية والجماعية مع مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص والإدارة الحكومية في إطار مشروع متكامل استهدف إنشاء البنية الأساسية إضافة إلى التنمية المجتمعية والعمل على تحسين الظروف البيئية والمجتمعية وقد اشتمل المشروع على :
إرساء البنية الأساسية:
من حيث إدخال المياه النقية للشرب وتزويد المنازل بالصرف الصحي وبمراحيض خاصة حيث كان النظام المنتشر هو المراحيض العامة لكل سكان المنطقة ،ورصف الطرق وإنارتها وإزالة المخلفات الصلبة منها وزراعة الأشجار.
تنمية المجتمع:
من خلال نشاطات تَستهدفُ دَعْم تطبيقِ المشروعِ وتحسين مستوى معيشة السكان عن طريق تشكيل مؤسسات مجتمعية تقوم على جهود أفراد المجتمع أنفسهم مع تزويد السكان بالخدمات التنموية المجتمعية الأساسية مثل توفير خدمات التعليم والصحة والتدريب المهني وبناء القدرات والمهارات وتوليد الدخل إضافة إلى سبل الاستفادة المثلى من الخدمات الحكومية.
ربط الحي بخدمات المدينة:
بالاعتماد على ربط جميع الأحياء ببعضها البعض في إطار خطة متكاملة لتحسين عملية التطوير من خلال تجميع الجهود المشتتة معا للوصول لمستوى خدمة أفضل لجميع سكان مدينة احمد أباد.
بنهاية ديسمبر 2005 كان المشروع قد أتم تطوير 28 منطقة عشوائية بها 24.340 نسمة وجاري استكمال العمل على تطوير 13 منطقة أخرى بها 19.175 نسمة سيتم الانتهاء منها خلال عام 2006 ليصل بذلك إجمالي عدد المناطق العشوائية إلى 41 منطقة وبذلك يتحسن مستوى معيشة ما لا يقل عن 43.515 نسمة ساهم السكان أنفسهم بمقدار 1.35.72.00 روبية بما يعادل 3.01.600 دولار أمريكي .
جاديبنجار حي الفقراء
وخلال عام 2005 بدأ مشروع تطوير حي جاديبنجار وقد نجح المشروع بشراكة مؤسسة سيوا الهندية والتي لعبت دورا كبيرا في توعية السكان وتشجيعهم على المساهمة بأموالهم في تطوير الحي.
حيث اشترطت الإدارة الحكومية مساهمة السكان بنصف إجمالي التكلفة البالغ حجمها 2100 روبية عن طريق إيداعها في حساب بنكي في البنك التابع لسيوا ولأن الإدارة الحكومية لم تقبل الإيداعات المتناثرة من الأفراد فقد تم تجميع هذه الإيداعات الفردية في حساب واحد باسم مؤسسة شعبية تدعى (Mandal ) والتي اختارت هانسابان ممثلة لها في حي جاديبنجار ومن ثم قامت هانسابان بدورها باختيار عشر سيدات من جيرانها يتسمن بالنزاهة والشعور بالمسئولية كان لهن الدور البارز في توعية وحشد باقي سكان الحي نحو المشروع ومازالت (Mandal ) بعد الانتهاء من تطوير الحي تواصل عملها في جمع رسوم شهرية للصيانة الدورية كما أنها تمارس عملها في تنمية وتطوير النساء الفقيرات وإنشاء المساكن لعائلاتهن حيث ارتأت المؤسسة أن أغلب النساء العاملات الفقيرات يستخدمن منازلهن ليس كمكان للسكن فقط بل أيضا كمكان للعمل فقد لوحظ عبر الأعوام أن أغلب المستفيدات من قروض بنك سيوا يتلقين القروض للإسكان لذا كان الاهتمام بالتسهيلات السكنية بمنح النساء منازل كاملة المرافق مع التسهيلات في السداد .
عش يوما مع الفقراء
وفي وقت سابق تجمع عدد من الباحثين والمهتمين بمجال مكافحة الفقر من شتى أنحاء العالم مع قادة سيوا وفريق العمل من مشروع تطوير أحياء مدينة أحمد أباد في ورشة عمل لمدة أسبوع في إطار برنامج للحوار يدور حول دور مؤسسات الفقراء في الحد من الفقر وتطوير العشوائيات وتم تقسيم المشاركين إلى مجموعات صغيرة بحيث تتكون كل مجموعة من باحثين اثنين مع مُيسرة للفريق من إحدى قائدات سيوا إضافة إلى مستضيفة للمجموعة .
والهدف من هذه المجموعات منح المشاركين الفرصة للتعرف عن قرب على حياة الفقراء والاستفادة من خبرات منوعة للتغلب على الفقر بجهود الفقراء أنفسهم واختيرت مُيسرة المجموعة لكي تكون امرأة نظرا لأن النساء أكثر تأثرا بالفقر كما أنهن أكثر إبداعا ونشاطا في مجال تحسين أسلوب المعيشة إضافة إلى أنهن الأقدر على إقامة علاقات إنسانية في أقل وقت كما أن المستضيفة يجب أن تكون امرأة فقيرة تقدم نموذجا للمرأة الفقيرة الكادحة الواعية بمشكلات مجتمعها وفي نفس الوقت تساهم بجهودها في تطوير مجتمعها والحد من الفقر.
وفي حالتنا هذه تكونت المجموعة من موظف بوزارة التعاون الاقتصادي والتنمية بألمانيا وباحثة دكتوراه في العلوم السياسية بجامعة كاليفورنيا واختيرت المُيسرة من إحدى مستشارات مؤسسة سيوا وكانت المستضيفة هي السيدة هانسابان التي أخذت الفريق في جولة داخل حي جاديبنجار وعرضت عليهم مجموعة من الصور للحي قبل تطويره ظهر فيها الحالة السيئة التي كان عليها كما اصطحبتهم لمنزلها ليروا حياتها على الطبيعة كمثال لامرأة فقيرة استطاعت على الرغم من فقرها أن تكون رائدة من رائدات المنطقة ونموذجا يحتذى به.
القائدة الفقيرة
شاهد الفريق حياة هانسابان على الطبيعة حيث تستيقظ في الخامسة صباحا لتبدأ أعمالها المنزلية من التنظيف إلى إعداد الطعام للأبناء حتى يخرجوا للمدرسة فتستكمل أعمالها الروتينية اليومية ثم تستقبل حتى فترة الظهيرة جيرانها الراغبين في شراء الخضروات من متجرها المقام بمنزلها المكون من حجرتين ويصل دخلها من هذه التجارة إلى 150 روبية بصافي ربح 50 روبية أي ما يعادل 1.25 دولار يوميا وتستكمل هانسابان عملها من الرابعة إلى الثامنة مساء ولكنها في هذه المرة تخرج بطاولة رصت عليها مجموعة من أدوات الزينة كالعقود والأساور والخواتم لتبيعها في السوق التجاري المجاور بمعدل 80 روبية يوميا لتضيف ربحا يصل إلى 1 دولار يوميا من عائد هذه التجارة والتي تفضلها على بيع الخضروات نظرا لأن هذه السلع لا تتعرض للفساد كالخضروات كما تقوم هانسابان بجهود مضنية في توعية وتدريب جاراتها بعد أن تلقت تدريبا متكاملا في أكاديمية سيوا. من الجدير بالذكر أن مؤسسة سيوا التي أدارت هذا المشروع هي اتحاد مجموعة من المؤسسات المنتشرة في الهند تهدف إلى تشغيل النساء بالجهود الذاتية من خلال عدد من الخدمات المتكاملة حيث يوجد 13 شقيقة لسيوا يضمهم اتحاد سيوا للتوظيف الذاتي للنساء التي يتم اختصارها في كلمة (SEWA) وهذه الشقيقات تضم بنكا ومؤسسة تمويلية وأكاديمية للتدريب وجامعة وجمعية إسكانية إضافة إلى مؤسسات أخرى عديدة تلعب دورا بارزا في مجال تمكين النساء والحد من الفقر.
يتبقى أخيرا أن نطرح السؤال هل من الممكن أن تفتح هذه التجربة أفاقا جديدة لتطوير العشوائيات المنتشرة في كثير من بلادنا العربية والإسلامية وهل تكرر هذه التجربة نفسها بشراكة السكان أنفسهم ؟
الدعوة مفتوحة لمؤسسات المجتمع المدني لكي تشارك في تجميع الجهود لتطوير المناطق المحيطة بها دون أن تنتظر الدعم الحكومي الذي ربما يتأخر كثيرا وربما لا يأتي أبدا.
لمزيد من المعلومات:
http://www.egovamc.com/a_city/amc/new_features.asp
http://www.sewa.org/
كتاب Life has educated me الصادر عن مؤسسة سيوا.
لا تنس تسجيل إعجابك بصفحة غراس على الفيس بوك
ساحة النقاش