بقلم: أمل خيري
تلعب مؤسسات التمويل الأصغر دورا بارزا في تمويل وإقراض الفقراء، وخاصة النساء للمشروعات الصغيرة إلا أن مشكلة الحصول على التمويل وإيجاد مصادر له تعد من أهم المشكلات التي تواجه هذه المؤسسات.
وفي ظل تزايد الاتجاه نحو الاعتماد على التمويل الذاتي من قبل هذه المؤسسات بدأ الوعي بأهمية تدريب وتأهيل الكوادر والعاملين في مؤسسات التمويل بصفة عامة والتمويل الأصغر بصفة خاصة لدعم هذا الاتجاه من خلال تدريب العاملين في مجال بناء القدرات والتشبيك والتمويل الذاتي وتطوير المهارات في مجال الأعمال والإدارة ومع تزايد مؤسسات التمويل الأصغر فإن أعداد العاملين فيها في تزايد مستمر ومع تنوع الخلفيات الثقافية والفكرية والمهارية لهؤلاء تتزايد وتتنوع الاحتياجات التدريبية وهو الأمر الذي يستلزم زيادة النفقات لإنشاء الُبنى التعليمية المناسبة لاستيعاب كل هذه الاحتياجات التدريبية وهو ما يستحيل عمليا لذا كان لابد من البحث عن بدائل أخرى.
ومع تطور التدريب للموارد البشرية خلال العقد الماضي اعتمادا على تكنولوجيا المعلومات برز نموذج جديد لنشر المعرفة ولتيسير الوصول للفئات المستهدفة للتدريب وهو ما اصطلح على تسميته بنظم التعليم المفتوح والتعلم عن بعد والذي يعد البديل الأمثل للوصول لأكبر عدد من هؤلاء العاملين في زمن قياسي وبأقل النفقات.
التعليم المفتوح
يشير مفهوم التعليم المفتوح والتعلم عن بعد إلى أساليب غير تقليدية في التعليم والتدريب باستخدام تكنولوجيا المعلومات الحديثة حيث يعتمد المدخل الأساسي في التعليم المفتوح على استخدام وسائط تعلم متعددة بدءا من المطبوعات وانتهاء بالأقراص الضوئية وأدوات الانترنت.
مما شكل نقلة نوعية في محتوى التدريب ووسائله وأيضا في أدوات تقييم المتدربين بشكل يسمح بالأسلوب الذاتي في التعلم.
وعلى الرغم من قيام المدرب بدور فعال في العملية التدريبية خلال هذا النوع من التدريب إلا أنه يختلف بشكل أساسي عن ذلك الدور الذي يلعبه في التعليم التقليدي، فلم يعد المدرب هو المصدر الوحيد للمعرفة أو الحصول على المعلومات حيث كما أسلفنا أصبحت المعرفة متاحة بأشكال مختلفة لذا فقد تغير دور المدرب من كونه مصدر المعلومات إلى دور أكثر تعقيدا يشمل مجموعة من المهام مثل إجابة أسئلة المتدربين وتحفيزهم وتيسير مهمة التعلم وإدارة العملية التدريبية بشكل يسمح بالتفاعل والتعاون بين المتدربين إضافة إلى قيامه بعملية تقييم المتدربين .
وهذا الأسلوب في التدريب يسبقه عملية إعداد المحتوى التدريبي وهي أيضا عملية تختلف عن مثيلتها في التعليم التقليدي وفي ظل هذه المنهجية الجديدة في التدريب يتوفر قدر اكبر من المرونة والحرية للمتدرب .
التعليم المفتوح مدخل للتنمية
النمو المطرد والمتزايد للوعي بأهمية تدريب وتطوير الموارد البشرية كما وكيفا لفت الأنظار للحاجة المتزايدة للتدريب الفعال لهذه الفئات المتزايدة في النمو في الوقت نفسه الذي لم تدرج هذه الاحتياجات التدريبية في موازنات الدول وكنتيجة لعولمة الاقتصاد الدولي وتزايد الحاجة للتعاون والتكامل الاقتصادي تم النظر لقضايا التدريب على أنها قضايا دولية وبالطبع فإن الوسائل التقليدية في التدريب لم تعد قادرة على مواجهة كل الاحتياجات التدريبية للموارد البشرية لذا كان لابد من اعتماد مدخل جديد وأساليب فعالة للتدريب الذي اصطلح على تسميته بالتدريب المستمر أو التعليم مدى الحياة وهو ما يتطلب بالطبع هياكل جديدة للتعليم والتدريب.
وبفضل التطور المذهل في مجال تكنولوجيا المعلومات خلال الأعوام الأخيرة أصبح البديل الصحيح لمواكبة هذه الاحتياجات التدريبية للموارد البشرية التوجه نحو تطوير نظم التعليم المفتوح حيث يتصدر التدريب الالكتروني قائمة استراتيجيات تدريب وتأهيل الكوادر للعاملين في المؤسسات المختلفة كنتيجة للتطور السريع في مجال تكنولوجيا المعلومات في مختلف قطاعات المجتمع الأمر الذي كان له انعكاسه الايجابي علي قطاع التعليم والتدريب .
التدريب في الدول النامية
حينما تمت موافقة الدول أعضاء الأمم المتحدة على الأهداف الإنمائية للألفية كان هناك تركيز على قضايا التعليم كما أن تحقيق معظم الأهداف يتطلب الاستفادة القصوى من التكنولوجيا الحديثة خاصة في الدول النامية ومع التطور المذهل في أجهزة الكمبيوتر وانتشار الشبكات السلكية واللاسلكية وأجهزة الموبايل والبث عبر الأقمار الصناعية بتكلفة منخفضة تزايدت أعداد مستخدمي الانترنت في الدول النامية بشكل ملحوظ مما يبشر بخطوات ناجحة للاقتراب من تحقيق الأهداف الإنمائية حيث لوحظ في الأعوام الأخيرة تزايد الاستفادة من الإمكانات التكنولوجية في مجال التعليم والتدريب وتضاعف الاعتماد على برامج تعليمية بمساعدة الكمبيوتر في الوقت الذي نما فيه الاتجاه نحو الحوسبة الشاملة في نظم الإدارة والمعلومات والاتصال.
لذا فقد دشن البنك الدولي مبادرتين لمواجهة التحديات التي تواجه عمليات التدريب اعتمادا على تكنولوجيا المعلومات في الدول النامية وتمثلت أولى المبادرات في الجامعة الأفريقية الافتراضية التي تحولت الآن إلى مؤسسة حكومية مستقلة مقرها كينيا وتضم 57 مركزا تعليميا في 27 دولة افريقية بدأت كمؤسسة تعليمية تستهدف خدمة البلدان الأفريقية بهدف بناء القدرات ودعم التنمية الاقتصادية عن طريق توظيف تكنولوجيا المعلومات في التدريب لاستكمال جهود مؤسسات التعليم العالي مستفيدة من التقنيات الاتصالية الحديثة وبالفعل قامت الجامعة ببث 2000 ساعة من التدريب لحوالي 9000 طالب ومهني في الدول الأفريقية.
أما المشروع الثاني في الأهمية فهو الشبكة الدولية للتعليم التنموي والتي استهلها البنك الدولي في عام 2000 وهي عبارة عن شراكة لمجموعة من مراكز التدريب المعتمدة على أساليب التعلم عن بعد لربط العاملين في مجال التنمية في 60 دولة باستخدام شبكات الفيديو كونفرنس وخطوط الانترنت فائقة السرعة وقد نجحت بالفعل في ربط حوالي 35000 شخص على مستوى العالم.
هاتان المبادرتان تؤكدان أن التعلم عن بعد أصبح الآن متاحا لكل المؤسسات التنموية الراغبة في الدخول في هذا المجال حتى تلك العاملة في الدول النامية والتي توجه نشاطها للطبقات الفقيرة مما ينبئ بحدوث ثورة تعليمية في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية.
التعلم عن بعد في التمويل
وقد نجحت بالفعل بعض المؤسسات الدولية الغير ربحية بالشراكة مع البنك الأمريكي للتنمية في اتخاذ مبادرات في مجال تدريب العاملين في مؤسسات التمويل الأصغر ومن هذه المبادرات ما قامت به مؤسسة ( LLC) الأمريكية التي استخدمت تقنيات التعلم عن بعد في تدريب الموظفين من المستوى الإداري المتوسط في دول أمريكا اللاتينية في إطار برنامج استخدام التكنولوجيا لتدريب العاملين على أساليب جلب التمويل وقد سمح هذا البرنامج بتفاعل هؤلاء المتدربين وتبادل الخبرات فيما بينهم عبر التليفون والإنترنت كما كشف عن إمكانية تقنيات التعلم عن بعد في الوصول للكوادر الوظيفية الأقل في المؤسسات التي تقدم القروض الصغيرة.
أما ثاني هذه المبادرات فيتمثل في جامعة ( (planet الأوروبية ومقرها فرنسا والتي شرعت منذ عام 1999 في تقديم التعليم المجاني عبر أسلوب التدريب الالكتروني ومن بين مناهجها التي ركزت عليها منهج تعليمي خاص بالتمويل الأصغر حيث صممت برامج التدريب بالتعاون مع مستشارين ومتخصصين في مجال التمويل الأصغر.
الآفاق والتحديات
على الرغم من أن التدريب الالكتروني يوفر فرصة جيدة لتدريب العاملين في مؤسسات التمويل إلا انه ما زال يوجه مجموعة من التحديات:
* وأول هذه التحديات أن بناء النظم التعليمية عبر الانترنت يتطلب استثمارات ضخمة لإعداد هذه النظم وتشغيلها وضمان استمرارها وهذه الاستثمارات قد تقوم بها المؤسسات المانحة الكبرى لتمويل مشروعات لتطوير نظم تعليمية وبرامج للتدريب عبر الشبكة فجامعة ( (planet تعتمد في تمويلها على تلقي الدعم من المانحين ومن القطاع الخاص إلا أن المشكلة تكمن في إقناع هؤلاء المانحين بأهمية الاستثمار في هذا القطاع.
* التحدي الثاني يكمن في القصور الذي ينطوي عليه التدريب الالكتروني فعلى الرغم من تأكيد الدراسات التي قامت بها جامعة ( (planet على نجاح التدريب الالكتروني مائة في المائة في إكساب المتدربين معارف جديدة إلا انه في مجال تطوير المهارات لا تزيد نسبة نجاحه عن 50% وأيضا تقل قدرته على تعديل السلوك عن 25% مما يدعو إلى ضرورة تواجد المتدربين والمدربين وجها لوجه في أحيان أخرى لذا يمكن التغلب على هذا القصور بمحاولة دمج كلا من التعليم التقليدي مع التعليم عن بعد للاستفادة من مميزات كل منهما .
* أما التحدي الأخير فيتمثل في الأمية الالكترونية حيث يتطلب التدريب الالكتروني قدرا من المعرفة والاحتراف في مجال تكنولوجيا المعلومات لذا يجب أن يسبق التدريب في مجال القروض الصغيرة تهيئة العاملين لتلقي هذا النوع من التدريب بعد تدريبهم على إجادة استخدام برامج الكمبيوتر.
على الرغم من ذلك تتسع آفاق التدريب الالكتروني وتزداد إمكاناته مع زيادة التقدم في مجال تكنولوجيا المعلومات واتجاه أغلب الدول للحوسبة الشاملة وهو ما قد يحث تطورا هائلا في مجال القروض الصغيرة .
المصادر:
Didier Krumm, Open and Distance Learning in Microfinance , Paper presented to the Global Microcredit Summit November 2006.
لمزيد من المعلومات:
الشبكة الدولية للتعليم التنموي
لا تنس تسجيل إعجابك بصفحة غراس على الفيس بوك
ساحة النقاش