غانم سرحان صاحي
الامام الحسين "عليه السلام " بمجرد ذكر اسمه نستذكر معركة الطف من كربلاء وتتشكل الصور الذهنية المترابطة كالشرط السينمائي لصورة المعركة واستشهاد الإمام الحسين "ع" ومن معه من أهل بيته وأنصاره . ولكن عندما نستذكر المناسبة بجميع مصائبها وآلامها وأحزانها يجب إن لا نستذكرها من الناحية العاطفية فقط وتأخذنا الدموع والإجهاش بالبكاء والنواح ... من دون إن نستلهم الدروس والعبر والمعاني العظيمة التي أرساها أبو الشهداء . ولو إن المشاعر العاطفية تقول ( نبكيك سيدي بدلا الدموع دماً) إلا إن الإرادة الحقيقية التي جسدها الإمام الحسين "ع" هي إرادة المبادئ بوقفته الشجاعة وقفة الإيمان وإعلاء كلمة الحق بوجه الظلم وبوجه قوى الطغيان . نستلهم من هذه الوقفة التي جسدت معنى الجهاد والتضحية في سبيل الوطن والشرف والكرامة ببذل المهج وكل غال ونفيس من اجل إعلاء لكلمة الحق ونشر العدالة الإنسانية . نستلهم من ثورة الإمام الحسين ثورات حقيقية ومتتالية في حياتنا العملية ثورات يومية ومستمرة .. ( كل يوم عاشوراء وكل ارض كربلاء ) ، ثورة في تقويم أنفسنا وسلوكنا ثورة ضد الخطأ والخلل وإصلاحه ثورة ضد الجهل والتخلف ثورة علمية ووطنية بوجه الاستكبار العالمي الذي طالما استخدم ويستخدم أساليبه الاستعمارية في تصدير العولمة بإشكالها وأنواعها ووسائلها الإعلامية المختلفة والتي ترمي من خلالها تجريد الشعوب من روابطها وانتماءاتها القومية والوطنية والدينية والإنسانية. إرادة الإمام الحسين "ع" حوض ينهل منه كل إنسان حر وشريف مدافع عن قيمه وأهدافه .. العراقيون انهلوا من حوض الحسين إرادتهم القوية والشجاعة وكيف صبروا وصمدوا بوجه طاغوت الزمان والشيطان الأكبر . المواطن العراقي سجل بصماته وأثاره في تاريخ العراق من اجل إعلاء كلمة الله والدفاع عن مقدساته والحفاظ على الوطن وصيانته من الطامعين فكانت مسيرة العراقيين منذ إن وعى دوره في الحياة ومسؤوليته إمام رسالته السامية فهم يحثوا الخطئ دوما من اجل بناء عراق أفضل فقد تحمل السجون والعذاب والتشريد والتهجير ووقف إمام طاغوت عصره فدافع عن هويته ورسالته وشخصيته الإسلامية ووقف بكل شموخ يسجل له التاريخ خطواته البطولية فكان الرائد الأول والقدوة الحسنة لهم الإمام الحسين "ع" واتبعه قافلة الشهداء الذين اعتزوا بإسلامهم وافتخروا بعقيدتهم إمام مغريات الزمان لم يتنازل إي واحد منهم عن المبادئ والأهداف حتى نالوا الشهادة ليلتحقوا بركب الإمام الحسين "ع" فهم يعيشوا في ذاته وعقيدته وقد رسم لهم طريق المستقبل طريق العقيدة وكيفية الدفاع عن الحق والحرية والكرامة بالرغم من مؤامرات الجهل والاستكبار والإرهاب على مرور التاريخ للإطاحة بالفرد المسلم والابتعاد عن تراثه وحضارته المجيدة .. إن صميم الثورة الحسينية الجهادية التي قام بها الحسين "ع" هي رفع أعظم كلمة "لا " بوجه الظلم والطاغوت مع قلة أعوانه وأنصاره وقف وقفته الشجاعة من دون خوف على حياة أو على مال أو منصب أو جاه , لن يركن إلى الذل والخضوع والجبن .. وقف وقته من اجل رفع كلمة الحق ويعرف كل المعرفة ثمنها حياته وحياة من معه . وجسده العراقيون وقال العراق "لا " بوجه الإرهاب الذين أراد تمزيق وحدة الصف وزرع التفرقة بين أطياف الشعب المظلوم فقتلوا ودمروا وفجروا ويتموا الأطفال ورملوا النساء وخربوا البيوت لكن العراقيين بصبرهم وصمودهم ووقفتهم الشجاعة تحدوا كل أساليب الإرهاب والكفرة . العراقيون بإحيائهم المراسيم والشعائر الحسينية لإحياء ذكرى اربعينية الامام الحسين الخالدة في نفوسنا والإعلان والغضب بوجه الإرهاب والاستكبار والظلم وأعلاه كلمة الحق والسلام والدعوة لوحدة العراقيين شيعة وسنة وعربا وأكرادا وقوميات متآخية أخرى في إطار الوحدة الإسلامية وتعزيز الوحدة الوطنية . إن الشعب العراقي بوعيه السياسي والمظالم الكبيرة التي تعرض لها وتاريخه المضيء في مقارعة الاستبداد والاحتلال جعلته اكبر بكثير من المحاولات الخائبة التي تسعى لإثارة الخلافات بين أبنائه وتمزيق وحدته الداخلية . وتجسد هذا الوعي في تأكيد شعار الإخوة الإسلامية ووحدة المصير بين سائر مذاهب وقوميات الشعب العراقي . كما أثبتت المسيرة إن الشعب العراقي الموحد والمتلاحم مع قيمه الإنسانية أهل للتحديات الكبيرة التي تواجهه وانه لن يساوم على وحدته وأهدافه ومبادئه وقيمة . إن ثورة الحسين رمز لكل المناضلين الثائرين بوجه الظلم والجور ورمز لكل مسلم بل لكل البشرية باختلاف دياناتهم لأنها تجسد إرادة الحق ورفع الظلم ونشر العدالة والمساواة لتسود على الإنسانية جميعا وكثير من الرجال الغير مسلمين كانوا يعتبرون الإمام الحسين وأعوانه وأنصاره رمزا للثوار الحقيقيين كأمثال غاندي وغيرهم . الحسين لم يعتني عرشا من خشب أو فضة أو من ذهب وإنما عرشه في القلوب في قلوب محبيه .. ولم يحتل مساحة من الأرض محصورة بأرقام الكيلومترات وإنما مساحته في امتداد الإنسانية . فسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا .
ساحة النقاش