أشهر وأقدم بائع كتب بشارع المتنبي

بين المعاناة والأماني

العراق / غانم سرحان صاحي

تعرف الأمم والبلدان بحضاراتها التي تنسب إليها . فلكل امة حضارة وتراث خاص بها ومن بين تلك الأمم العراق الذي هو غني عن التعريف بقدم حضاراتها وتاريخه حافل بالتراث الأصيل والعريق . ومن جملة الحضارات العراقية هو شارع المتنبي ذلك الصرح الحضاري الذي كان ومازال له الدور الكبير في نشأة أجيال ساهمت بشكل كبير في رفد الواقع المعرفي والثقافي لدى كل الشرائح ومن مختلف الفئات العمرية .. هذا المركز الثقافي الذي حوى على جانبيه أمهات الكتب والمصادر القديمة والنفيسة والمخطوطات النادرة ، وفي مختلف العلوم والمجالات الأدبية والثقافية والفكرية والتي تعتبر مصدرا للباحثين والمثقفين والدارسين والأدباء الذين يرتدون وينهلون من حوضه معرفته الذي لن يجف ما زال صرح حضارة العراق قائم ! ويعتبر شارع المتنبي من ابرز وأقدم وأشهر صرح ثقافي الذي يفده إعداد كبيرة من الشرائح المختلفة وبالذات طلاب الدراسات العليا الذين يستفيدون من الكتب والمصادر الموجودة بالإضافة إلى الأدباء والمثقفين الذين رفدوا الحركة الثقافية ولفكرية في بلدهم الحبيب , ويعد شارع المتنبي المتفرع من شارع الرشيد باتجاه نهر دجلة ، امتدادا لسوق الكتبيين في بغداد العباسية ..ورغم انه عرف في العهد العثماني باسم شارع (أكمك خانه) إي شارع المخبز العسكري إلا انه استعاد هويته مع بدايات تشكل الدولة العراقية الحديثة بعد الحرب العالمية الأولى ،حيث كان قبلها ، يجاور معظم مؤسسات الدولة السياسية والعسكرية آنذاك في مقدمتها سراي الحكومة ... يتزايد الحضور في يوم الجمعة أكثر من باقي الأيام الباقية باعتبارها يوم عطلة واستراحة لعموم الناس فتكون فرصة لهم للحضور لشارعهم المفضل .. ويعتبر صاحب مزاد الشطري أول مؤسس لجمعة المتنبي وأقدم الموجودين من باعة الكتب والذي تجد إمام مكتبته كومة من الكتب العتيقة ،تفوح منها رائحة الزمن المتقادم ،معروضة على قارعة الطريق بلا ترتيب تتحلق حولها مجموعة من الناس مختلفة الأعمار والمستويات والثقافات باختلاف الكتب المعروضة ذاتها .. بينما يقف على الرصيف القريب رجل أشيب يصمت طويلا ثم يعلن عن نفسه على الطريقة التالية : صوت نعيم (قصيدة المتنبي) انه نعيم الشطري وهذا مزاده الأسبوعي للكتب المستعملة ، الذي أصبح احد ابرز معالم شارع المتنبي، شارع الثقافة والأدب وسط بغداد .. انه أشهر بائع كتب في هذا الشارع وصار علامة فارقة من علاماته ودكناه على الرغم من كونه صغيرا، إلا أنه يشكل تجمعا للمشاهير، والأطرف أن الرواد يمازحونه ببيت شعر شعبي دارمي يقول: كلمن يكلك زين كله أنت كذاب الشطري صار أسبوع ما بايع كتاب .. هذا هو نعيم الشطري الذي شهرته طاغية، ولا اعتقد إن أحدا من رواد الشارع أو العابرين منه لا يعرفه، صار علامة فارقة من علاماته، ودكانه على الرغم من كونه صغيرا إلا انه يشكل تجمعا للمشاهير، وهو يصف جزء من معاناته في بيع الكتب حين انحسر الإقبال عليها، وهو الذي لايعرف مهنة غيرها، لكن الرجل المحاط بالمعرفة والجمال وخير جليس، يعاني الكثير، تشعره كتلة من هموم مضغوطة، وللتعرف عليه أكثر كانت لنا وقفة معه.  

* متى بدأت علاقتك بشارع المتنبي؟- في سنة 1985 تركت الدراسة وفتحت مكتبة النور في مدينة الشطرة وبعد سجني لمدة سنتين لانتمائي السياسي خرجت في أواخر عام 1963،أتيت إلى بغداد  فكنت اشري الكتب من الشارع وإرسالها إلى مدينة الشطرة والمحافظات، واذكر إننا كنا نحملها في عربات من ذوات العجلات الثلاث وندفعها إلى حيث مراب السيارات لننقلها. 

* لماذا اخترت هذه المهنة؟

- هوايتي منذ الصغر القراءة التي ابتلاني الله بها، وصار الكتاب كل شيء بالنسبة لي.

 * ما حكاية المزاد الذي تقوم به كل جمعة و (تلم) الناس عليك بسبب صوتك؟

- أود إن أقول لك أولا إنني أول من اوجد بيع الكتب على الرصيف بما يسم (البسطية) وكنت انثر الكتب في (عربانة) واقف على الرصيف ولم يكن هذا معروفا من قبل، ولاقت هذه الظاهرة حضورا كبيرا، إما المزاد فكان قبل عشرين عاما، إي في أواخر الثمانينيات بعد إن حصلت على موافقة من الأمن العامة بعد إن أخذت وقتا طويلا، وقد شجعني على إقامة المزاد العلامة المرحوم حسين علي محفوظ والشهيد عزيز السيد جاسم وثامر عبد الحسن العامري والصحفي عادل العرداوي، فهم ساعدوني في الحصول على الإجازة، وجاءت فكرة المزاد من كتاب عنوانه (تأريخ أدأب اللغة العربية) لـ (جرجي زيدان) انه كان يستعين بالأب انستاس الكرملي في معرفة المكتبات الشخصية في بغداد والمحافظات، ويقول في الجزء الرابع منه إن هناك في مدينة النجف في مرحلة الأربعينيات يقام كل يوم خميس وجمعة مزاد للكتب القديمة والمخطوطات، وفي هذا المزاد كان الكتاب الجيد يباع بأبخس الإثمان كي يشتريه أصحاب المزاد بينما يباع الكتاب العادي بأغلى الإثمان كي يربحوا من بيعه، من هنا.. جاءتني الفكرة لإقامة المزاد في كل يوم جمعة، وبعد إن حصلت على الإجازة، ولي الشرف إن يكون أول مزاد للكتب في شارع المتنبي باسمي، وحينها أتيت بأولاد أخي وفرشت لهم الكتب على الأرض ورحت أنادي لبيعها، ومنها انتشرت ظاهرة بيع الكتب على شكل (بسطيات) فيما كنت الوحيد أقوم بالمزاد.

* كيف هي علاقتك بالقراءة ألان؟

- إنا قاريء جيد، ولكن حاليا لعدم وجود كهرباء لا اقرأ إلا قليلا، فأنا استطيع من خلال المادة التي يتضمنها الكتاب إن أقيمه سواء كان جيدا أو لا، هذا بالإضافة طبعا من خلال المؤلف أو دار النشر.

 * ما مصادر الكتب التي تبيعها حاليا؟

- حاليا ليس لدي سوى القديم الذي اجلبه من شرائي للمكتبات الشخصية القديمة، ولكنني في السابق، في السبعينيات، كنت استورد الكتب من مناشئها كما كنت أطبعها واذكر إن أول كتاب طبعته كان للشاعر كريم العراقي بعنوان (للمطر وأم الظفيرة) وبعده طبعت مجموعة للشاعر عريان السيد خلف (الكمر والديرة) وتواصل في الطبع ولازلت إلى حد ألان أطبع. 

* إي الشخصيات الشهيرة مرت في الشارع وتوقفت عندك؟


- كثيرة جدا ولدي مع البعض علاقات صداقة من الجواهري إلى علي الوردي إلى علي حسين محفوظ والبياتي وعبد الغني الملاح ومحمد الفيتوري  وكثير من رجالات الدولة وأسماء عديدة لا تحضرني ألان. 

* كيف ترى حال القراءة ألان من خلال تواجدك في الشارع؟- لا يزال هنالك قاريء عراقي جيد رغم الانترنت والفضائيات، وما يشهده الشارع كل جمعة خير دليل، والمقولة الشهيرة التي كانت تقول إن مصر تكتب وبيروت تطبع وبغداد تقرأ يمكن القول أنها انتهت ونستبدلها بالقول إن إن بغداد تكتب وتطبع وتقرأ، أقول هذا على مسؤوليتي. 

 * ما نوعية الكتب التي عليها طلب أكثر؟

- كتب الفلسفة والتاريخ والأدب والكتب الدينية . 

* أهم الإحداث التي مر بها شارع المتنبي ؟

- أهم حدث هو الانفجاريات التي حدثت في شارع المتنبي والذي راح ضحيتها العديد من الأبرياء اللهم يعطي لأهلهم الصبر والسلوان ولهم المغفرة.

* دعني أسألك عن أمنياتك؟

- صمت وقال أتمنى من الشباب إن يقرأ الكتب ونجسد المقولة مصر تكتب وبيروت تطبع والعراق يقرأ ! وأتمنى من أمانة بغداد إن تلتفت علينا بعين الرحمة بان يرسلوا لنا ( تنكر ماء ) حتى لو في الأسبوع مرة واحدة لرش الشارع مساء الخميس على الجمعة !! وكذلك اتمنى ان يتحس وضعي المعيشي وترفع همومي والامي واني راضي بقسمتي هذه ولن اترك عملي الى ان تاتي يوما وتجد امام دكاني قطعة سوداء تنعاني مشيرة لوفاتي .

### اتمنى من السادة المسؤولين ان يهتموا بهذا الرجل الذي نعتبره اخر رجل من القدماء الذي يحمل تاريخ جميل عن شارع الجميع شارع العلم والمعرفة شارع الادباء شارع المتنبي العريق !

 

            

المصدر: تصوير وحوار غانم سرحان صاحي

التحميلات المرفقة

  • Currently 30/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
10 تصويتات / 978 مشاهدة
نشرت فى 8 فبراير 2011 بواسطة ghanem0000

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

20,788