ِ
خانة النساء
********
انتميت إلى خانة النساء منذ الشهر الخامس وما زلت فى بطن أمى ، عندما قال لها الطبيب اننى أنثى ، اكفهر وجهها ، لم تكن ترغب بأنثى رابعة ،كتمت شعورها الذىتسرب لى من خلال الحبل السرى الذى يربطنى بها ، أكثر ما أرق منامها كيف تنقل هذا الخبر لأبى الذى ينتظر بشرى مختلفة ، الحمد لله أنه سافر لأيام ، أمامى برهة من الوقت كى أستعد لتلقى ردة فعله ، هكذا أسرت لنفسها ، أخبرت أمها ، فمصمصت شفتيها ، تنهدت بزفرة ألم قوية انخلع معها صدرها ، سمعت حزن أمى الذى كتمته وتسرب لى وهى تبلع ريقها بصعوبة ، لم تجد من يساندها بكلمة حب .
كل هذا الشعور بالحزن انعكس علىّ داخل الرحم الذى حملنى تسعة أشهر على مضض ، كلها حزن دفين ، ونظرات تتداول بين أبى وأمى ، وكل منهم يتجنب الأخر قدر الامكان .
أمى تتحمل وتدارى تعبها ، وأبى يكظم غيظه ، ويتمتم الحمد لله على كل حال ، رزق البنات كتير .
لم يكن الرزق ما يؤرقه ، قد أنعم الله عليه بالرزق الوفير ن ولكن من يرث هذا الرزق ومن يكمل المشوار ، ومن يحمل الإسم من بعده حتى لا يندثر بمرور الزمن ؟ ولم يذكر من يترحم عليه ويدعوا له بعد وفاته !
وضعتنى أمى كرها رغم سهولة الولادة كما حُكى لى ، ولكن الفرحة هى من تهون عذاب الألم ،
توالت خانتى تحتضن جسدى يوما بعد يوم ، مبكرا حملونى إلى الطبيب قصرا ليقطع منى ما يسوء عفتى وحيائى ن خانتى لا تبيح لى سوى الصمت والإنكسار ، ولا أدرى كيف اجتزت تلك المحنة لعل السبب أننى لست الوحيدة فى هذا الإحتفال الصامت، الذى تفرح فيه العيون وترقص فيه القلوب أمام المذبح الشرعى .
اتسعت خانتى يوما بعد يوم وهذا الجسد الفاتن يكبر ويتبلور ، وأقف امام المرآة اتحسس جمال وجهى الأبيض ، وجسدى الذى زينته تلك المفاتن البارزة والمفعمة بالحركة .
يرانى أبى اتباهى بجمالى ،يعنفنى بقوة قائلا : يا فاجرة !!!لم أعى معنى ما يقول ولكن شعرت بوقع تلك الكلمة كسياط سلخ جلدى عن لحمى وتساقط ك نز الشواء ،وجهه العابس أفصح عن استباحة دمى يوما ، ونادى لأمى كى تشهد الجريمة النكراء ، حتى يبرر لها ما يريد .
كان آخر عهدى مع خانتى ،عندما زارنى خرّاط البنات ، وبدأت مراسم المزاد تُفتح لمن يدفع أكثر ، ووقف أبى على القمة حتى أعلن : ألا أونه ، ألا دوى ، الا تريه ، لقد رحت المزاد يا هذا !
فرحت لذلك كثيرا حتى أتخلص من عبودية الوالد ، واستقبلت خانتى الجدية بشوق عارم للهواء الطلق .
استقبلنى بالود وفتح لى آفاق الدنيا وجمع لى من الشمس طرحة ومن القمر فستان ، وجعل بساطى من السجاد العجمى ، وستائرى من الحرير الدمشقى ، ثم اغلق على الباب فى محبس أكثر اتساعا لا يشاركنى فيه أحد ،مزين بالحلى ومسقوف باوامر لا تنتهى .
نفس الدائرة ، نفس الخانة ، ضاقت أم اتسعت لا تمرد ولا تجرد ، لا خروج منها ، لا حرية فيها ، لا اتمكن من تعدى حدودها ، فقد ولدت لتلك الخانة ، لا لغيرها ، وسوف نظل فيها حتى النهاية .
ساحة النقاش