ها هم المستوطنون اليوم, وما يسمون أمناء الهيكل, وفي ظل حماية جنود الإحتلال يقتحمون باحات المسجد الأقصى المبارك والصخرة المشرفة, ولهم في ذلك غايات وأهداف شريرة لا تخفى على أحد من الفلسطينيين الذين نذروا أنفسهم لحمايتهما والدفاع عنهما مهما كلفهم الأمر.
ولطالما ردد الفلسطينيون الذين شرفهم الله بجوار الأقصى المبارك, والذين طالما بذلوا الغالي والنفيس دفاعا عن عروبته وإسلاميته شعار الأقصى في خطر. وها هم مرة أخرى, وثالثة ورابعة وخامسة, وللمرة الألف يرددون هذا الشعار بعد أن ترجمته الجرافات الاسرائيلة إلى واقع ملموس.
لقد كان من المفترض أن يكون لهذه الصرخة المدوية أصداء في العالمين العربي والاسلامي. الا أن شيئا من هذا القبيل لم يحدث لا على مستوى الشارع الجماهيري ولا الرسمي. ولا غرابة في ذلك, فإن العالمين العربي والاسلامي غارقان في مشاغلهما الدنيوية من مهرجانات ومؤتمرات واجتماعات ومباريات وبرامج ترفيهية تبثها فضائياتهما.
وعلى ما يبدو أن الهجمة الأخيرة على الأقصى, والتي ما زالت آخذة في التوسع, لم تحرك ساكنا في هذين العالمين, وكأن الأمر لا يعنيهما. أما الاقصى الذي دخل مرحلة الخطر الفعلي بالهجوم عليه, فعلى ما يبدو لم يبق له إلا شعبه الفلسطيني الذي ما زال يفديه بدماء ابنائه, ولم يتوان لحظة عن الدفاع عنه بكل ما أوتي من قوة وعزيمة.
وها هم الفلسطينيون هذه الايام يصرخون باعلى صوتهم ويتصدون مرة اخرى, ولا من مجيب. وها هي الحفريات جارية على قدم وساق غير آبهة باحتجاجات الفلسطينيين الذين يستقرئون نذر المخاطر جراءها, ولا بمشاعر المسلمين في كافة أرجاء العالم, والأقصى جزء لا يتجزأ من عقيدتهم وتاريخهم المجيد. إنها النوايا المبيتة للمسجد الأقصى تحديدا, سواء من تحت اساساته, حيث الأنفاق المتعددة الاتجاهات والأهداف، أو سواء من حيث ما يحيط به من كل اتجاهاته.
ولا تقف هذه الاجراءات العدوانية بحق الأقصى عند هذه الحدود , فإن ما يسمى " أمناء الهيكل " ما زالوا يقفون للأقصى المبارك بالمرصاد, يتربصون به, ويتحينون الفرص للإنقضاض عليه, بغية هدمه واقامة " الهيكل " المزعوم عليه, وهم الذين قد جهزوا ما أطلقوا عليه حجر الأساس, والذين طالما طافوا به في مدينة القدس تحديا وتهديدا وتوعدا وترهيبا.
ولا غرابة في ذلك, فإن العالمين العربي والاسلامي غارقان في مشاغلهما الدنيوية من مهرجانات ومؤتمرات واجتماعات ومباريات وبرامج ترفيهية تبثها فضائياتهما. وعلى ما يبدو أن الهجمة الأخيرة على الأقصى, والتي ما زالت آخذة في التوسع, لم تحرك ساكنا في هذين العالمين, وكأن الأمر لا يعنيهما. أما الاقصى الذي دخل مرحلة الخطر الفعلي بالهجوم عليه, فعلىما يبدو لم يبق له إلا شعبه الفلسطيني الذي ما زال يفديه بدماء ابنائه, ولم يتوان لحظةعن الدفاع عنه بكل ما أوتي من قوة وعزيمة.
فلسطينيا.. المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله ليس مجرد مسجد يصلي فيه المسلمون
كبقية المساجد رغم أنها جميعا بيوت الله. وعلاوة على انه احد بيوت الله, الا ان له خصوصية وتميزا, فالفلسطينيون وكل المؤمنين ينظرون اليه عبر بعدين. أولهما أنه قبلة المسلمين الأولى في صلاتهم, وهو الحرم المقدسي في القدس الشريف ثالث الحرمين الشريفين – حرم بيت الله الحرام في مكة المكرمة, والحرم النبوي الشريف في المدينة المنورة – وهي اقدس مقدسات المسلمين. أما البعد الثاني فكونه يحتل مساحة شاسعة من تاريخ الاسلام ويضيء فضاء رحبا من فضاءاته التاريخية. لقد كان المسجد الاقصى المبارك على مدى التاريخ محط اهتمام الخلفاء والقادة والحكام المسلمين, فتركوا بصماتهم الحضارية على رحابه وفي جنباته احتراما لمكانته المقدسة الفريدة. ويوم احتل الصليبيون القدس وصالت وجالت خيول الغزاة في رحابه الطاهرة, شكل ذلك كابوسا أرق المسلمين ليل نهار الى أن حرره الناصر صلاح الدين الأيوبي, وحمل معه المنبر الذي أعده السلطان نورالدين زنكي الذي عزم على تحريره, الا أنه وافته المنية قبل أن يبر بوعده الذي تشرف به الناصر صلاح الدين ان المكانة التي تحظى بها القدس لدى المسلمين جميعا, كونها تشرفت بحضانتها للمسجد الاقصى وللصخرة المشرفة, فأصبح تاريخ القدس من تاريخهما والحديث عن القدس يعني في الدرجة الاولى الحديث عن الاقصى المبارك, والصخرة المشرفة. ان القدس دون أقصى ليست قدسا مهما كبرت مساحتها وازدهر عمرانها. ويكفيها انه منحها لقب القدس الشريف التي شكلت ولا تزال عاصمة روحية لملايين المسلمين في شتى أنحاء المعمورة. في التاريخ العربي المعاصر سقطت القدس مرتين في أيد غير اسلامية. كان السقوط الأول لها في العام 1918 على أيدي القوات البريطانية بقيادة الجنرال " ألنبي" الذي احتلها بعد معركة دامية شرسة استمات العثمانيون آنذاك في الدفاع عنها. ومنذ العام 1918 وهو بداية تاريخ الانتداب البريطاني على فلسطين وحتى العام 1948 وهو عام نهايته, لم يتعرض المسجد الاقصى ولا مسجد الصخرة المشرفة الى أي أذى أو اعتداء . الا أن السقوط الأخطر للقدس كان قبل ما ينوف عن أربعة عقود من الزمان, وتحديدا في السادس من حزيران 1967 على أيدي القوات الاسرائيلية التي احتلتها منذ ذلك الوقت وأعلنت ضمها " بقانون " أصدرته آنذاك. والحديث عن التغييرات التي أحدثها الاحتلال الاسرائيلي للمدينة المقدسة واسع جدا. الا أن ما يعنينا هنا هو ما تعرض له المسجد الأقصى من اعتداءات وانتهاكات ومحاولات اقتحام متكررة في ظل هذا الاحتلال. وهي وان كان هدفها واحدا لا يمكن تجزئته ويتمثل في الاستيلاء على المسجد الاقصى لاقامة الهيكل الثالث المزعوم على انقاضه, الا أنه يمكن تصنيف هذه الاعتداءت والانتهاكات. ففي الحادي والعشرين من شهر آب من العام 1969 تعرض المسجد الاقصى الى حريق متعمد أسفر عن احتراق منبر صلاح الدين التاريخي والحاق تلف كبير في أثاثه. وقد تكررت محاولات الاحراق الا انها جميعا باءت بالفشل. كما أن المسجد الاقصى تعرض الى مؤامرات حاكتها جهات اسرائيلية متطرفة لها أهداف في تدميره. الا أن الخطر الاكبر الذي يتهدد المسجد الاقصى هو تلك الحفريات المنظمة والأنفاق في اساساته وتلك " الاجراءات " التي تمارس تحت الارض, والتي أثارت شكوكا حقيقية في طبيعة النوايا والدوافع التي تقف وراء مثل هذه الاجراءات التي يرى المسلمون فيها أنها قد تحدث خلخلة في اساساته يمكن أن تؤدي لا سمح الله الى تصدعه وانهياره. وفي ذات السياق ففي العام 1996 وتحديدا في شهر ايلول حدث انتهاك خطير على مستوى اسرائيلي رسمي في المسجد الاقصى ممثلا بافتتاح النفق الكائن تحته سياحيا الأمر الذي أدى يومها الى " انتفاضة النفق ", وسقوط عدد كبير من الشهداء الفلسطينيين احتجاجا على هذا التصرف الاسرائيلي. وفي ذات الصدد لا تخفي جهات اسرائيلية مطامعها في المسجد الاقصى, ومنها أن هذه الجهات قد اقترحت " تقاسمه " بحيث يكون ما تحته واساساته اسرائيليا, واما ما فوقه فيكون اسلاميا. ثم تجدد الطرح الإسرائيلي هذه الايام والمتمثل بتقاسمه. وها هو الأقصى المبارك يتعرض لاقتحامات ما يسمون أمناء الهيكل للصلاة في باحاته بحراسة قوات الاحتلال الاسرائيلي. ويقودنا هذا الى الحديث عن نمط آخر من الاعتداءات يتعرض لها المسجد الاقصى وهو بحد ذاته يشكل خطرا مبرمجا تقف وراءه جهات تدعي أن لليهود حقا في الصلاة فيه. وهنا يمكن مثالا لا حصرا التذكير بالزيارة الاستفزازية التي قام بها رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق " شارون " في ايلول من العام 2000, والتي كان لها الدور الرئيس في انتفاضة الاقصى. الا أن الحديث عن جماعة " أمناء الهيكل " يصور قمة الخطر الذي يتربص بالمسجد الاقصى. فهذه الجماعة قد أعدت الخرائط الهيكلية لبناء ما تزعم أنه " الهيكل الثالث ". ولكي تعطي انطباعا بالجدية والتصميم فقد أعدت حجرا ضخما أطلقت عليه " حجر الاساس " حاولت قبل عامين أن تقتحم رحاب المسجد الاقصى لكي ترسيه في باحته وتجعل منه حجر اساس لبناء هذا الهيكل المزعوم. الا أنها فشلت بذلك فطافت به على متن شاحنة في شوارع مدينة القدس مدللة بذلك على أنها لن تتراجع عن نواياها ومتحدية كل المشاعر الاسلامية. ان هذا المسلسل من الانتهاكات والاعتداءات والنوايا المبيتة لا يقف عند حد. ويأتي قرار وزير الأمن الداخلي الاسرائيلي العام الفائت بالسماح لليهود بالصلاة في باحات المسجد الاقصى تطورا خطيرا للغاية في السياسة الاسرائيلية الرسمية المعلنة تجاه الاقصى. وهو قرار من منظومة قرارات, استكمالا لسياسة التحكم والمنع التي تفرضها اسرائيل على زيارة المسجد الاقصى لاداء الصلاة فيه وبخاصة الفئات الشابة. ويتساءل المسلمون في هذ الصدد فيما اذا كان هذا القرار مقدمة لفرض سياسة " المقاسمة " التي تتبعها في المسجد الابراهيمي في مدينة خليل الرحمن. ان القرار الاسرائيلي وكل القرارات السابقة له, تأتي استفزازا للمشاعر الدينية الاسلامية, ومساسا بحرمة مكان من أقدس الاماكن للمسلمين في العالم. والسؤال الذي يطرح نفسه بالحاح : هل ان اسرائيل قد اختارت قرارها هذا مصادفة, أم انها قصدت بها أن تنزل ضربة اخرى بالعالمين العربي والاسلامي, وبذا يكون هذان العالمان قد اصيبا في مقتلين عقائدي وحضاري تراثي معا؟. ان ما يحدث الآن على ساحة المسجد الاقصى المبارك, ما كان له أن يحدث البتة لو أن الامة الاسلامية بعربها وعجمها وبسنتها وشيعتها ومذاهبها الأخرى, كان لها موقف صارم وحازم حيال هذا الاستهداف لمقدساتها والاستخفاف بها, أو انه كان لأنظمتها السياسية ولو مساحة مهما صغرت تخص القدس ومقدساتها على أجندتها السياسية طوال ما ينوف عن أربعة عقود من الاحتلال. لقد أثبت الايام أن القمم العربية والاسلامية والمؤتمرات بعامة, ولجنة القدس المنبثقة عن المؤتمر الاسلامي بخاصة لم تكن جادة وقراراتها فقاقيع في الهواء, وكانت في واد والقدس ومقدساتها في واد آخر. وتظل القدس والمسجد الاقصى والصخرة المشرفة أمانة في أعناق الفلسطينيين الذين جادوا على شرفهما بدماء فلذات اكبادهم وما زالوا يجودون بكل غال ونفيس. وهم يسألون العلي القدير ان يعود العرب والمسلمون الى صوابهم, ولم شملهم وحميتهم في الدفـاع عن مقدساتهم. وإزاء هذا الخطر الحقيقي المحدق, وتعاجز الأمتين العربية والإسلامية وتقاعسهما, ولا مبالاتهما, لا نملك إضافة للدماء والتضحيات الفلسطينية الا ان نرفع ايدينا الى السماء, نهتف باعلى صوتنا : لك الله أيها الأقصى, فهو يحميك, وشعب فلسطين يفديـك.
|
|
|
ساحة النقاش