في هذه اللحظة من التاريخ يتعرض المسجد الأقصى المبارك إلى أكبر حملة تهديد يشنها متطرفون صهاينة، تزداد وتيرتها من عام إلى آخر، مستفيدة من عدة أسباب منها التخاذل العربي والإسلامي المفضوح إضافة إلى الانقسام الفلسطيني الأخير.

ومنذ سقوط القدس تحت الاحتلال الإسرائيلي في الخامس من يونيو- حزيران عام 1967 والمدينة ومسجدها والمقدسيون يتعرضون لكل صنوف التشويه والتهويد، ومع أن كثيرا من المؤسسات والدراسات تسعى جاهدة للتعريف بحرم أولى القبلتين، إلا أن غالبية كبيرة من المسلمين باستثناء الخاصة تجهل الحرم القدسي ومكوناته، ويتعلق كثيرون بصورة القبة الذهبية على أنها هي المسجد الأقصى في حين أن تلك القبة المشرفة في الواقع هي جزء من الحرم القدسي أما المسجد الأقصى المبارك فهو اسم لكل ما دار حوله السور الواقع في أقصى الزاوية الجنوبية الشرقية من مدينة القدس القديمة المسورة بدورها، ويشمل كلا من قبة الصخرة المشرفة ذات القبة الذهبية والموجودة في موقع القلب منه، والجامع القِبْلِي ذو القبة الرصاصية السوداء والواقع أقصى جنوبه ناحية "القِبلة"، فضلا عن عشرات المعالم التي تقع ضمن حدود الأقصى، ما بين مساجد، ومبان، وقباب، وأسبلة مياه، ومصاطب، وأروقة، ومدارس، وأشجار، ومحاريب، ومنابر، ومآذن، وأبواب، وآبار، ومكتبات، وغيرها.

وتاريخ المسجد الأقصى قديم، ويروى في حديث عن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم أن المسجد الأقصى بني بعد 40 عاما من وضع أسس المسجد الحرام بمكة، وقد لعب هذا المسجد دورا عظيما في التاريخ الإسلامي فهو كان أولى القبلتين التي كان ييمم المسلمون وجوههم إليها في السنوات الأولى للدعوة، ومنه أعرج الرسول الكريم إلى السماء، في ليلة الإسراء والمعراج، ولذلك كان يحظى بمكانة مقدسة في الإسلام، وفي الأثر " من دخل الأقصى فأدى الصلاة، سواء في داخل قبة الصخرة، أو الجامع القبلي، أو تحت شجرة من أشجاره، أو قبة من قبابه، أو فوق مصطبة، أو عند رواق، فصلاته مضاعفة الأجر".

ومنذ استقرار العهد الإسلامي تعهد الخلفاء والولاة هذا المسجد بالعناية، وقد باشر الأمويون بناء الأقصى بشكله الحالي، فبنوا قبة الصخرة، والجامع القبلي، واستغرق هذا كله قرابة 30 عاما من 66 هـ/ 685 م - 96 هـ/715 م، ثم توالت عمليات التعمير والترميم على يد العباسيين والأيوبيين والمماليك والعثمانيين.

وللأقصى عشرة أبواب مفتوحة هي: باب الأسباط، وباب حطة، وباب شرف الأنبياء "فيصل"، وباب الغوانمة "الخليل"، وباب الناظر، وباب الحديد، وباب القطانين، وباب المتوضأ "المطهرة"، وباب السلسلة، وباب المغاربة، كما أن له خمسة أبواب مغلقة.

وعندما نقول "المسجد الأقصى المبارك" تختلط الأمور في أذهان المسلمين في هذه الأيام، فمنهم من يعتبر أن الأقصى هو ذلك البناء ذو القبة الذهبية، والبعض الآخر يظن أن الأقصى المبارك هو ذلك البناء ذو القبة الرصاصية السوداء، ولكن مفهوم الأقصى المبارك الحقيقي أوسع من هذا وذاك، والحقيقة في المفهوم الإسلامي الصحيح لـ"المسجد الأقصى المبارك".

ويتكون المسجد الأقصى المبارك من مجموعة من الأبنية والقباب والمحاريب والمساطب والسبل والآبار يبلغ عددها حوالي "200" معلم تاريخي، وأهمها على الإطلاق:
* قبة الصخرة المشرفة: وهي المبنى الثماني ذي القبة الذهبية، وتقع في موقع القلب بالضبط بالنسبة إلى المسجد الأقصى المبارك، أي أنها تقع في وسطه إلى اليسار قليلاً، وسميت بهذا الاسم نسبة للصخرة المشرفة التي تقع داخل المبنى، وتعتبر حالياً مصلى النساء في المسجد الأقصى المبارك.

* الجامع القِبلي: "بكسر القاف وتسكين الباء" وهو المسجد الذي يطلق عليه معظم الناس في هذه الأيام "خطأً" اسم "المسجد الأقصى المبارك".. وهذه التسمية هي تسميته الحقيقية الدقيقة، وسمي بهذا الاسم لأنه يقع في الناحية الجنوبية من المسجد الأقصى المبارك أي ناحية "القِبلة"، ويعتبر المصلى الرئيسي لصلاة الرجال في المسجد الأقصى المبارك في هذه الأيام، ومكان صلاة الإمام.

*المصلى المرواني: الواقع تحت أرضية المسجد الأقصى المبارك، في الجهة الجنوبية الشرقية، وبني في الأساس ليكون أساساً لتسوية الأرض واستعمل كمستودع، وهو المكان الذي حوله الصليبيون إلى إسطبل للخيول.

* الأقصى القديم: ويقع تماماً تحت الجامع القبلي، وبني في العهد الأموي ليكون في الأساس مدخلاً "ملكياً" للمسجد الأقصى المبارك من القصور الأموية التي كانت تقع خارج حدود المسجد الأقصى المبارك من الجهة الجنوبية.

* مسجد البراق: الواقع عند حائط البراق.

* سبيل قايتباي، ومجموعة السبل والآبار الكثيرة حول الأقصى المبارك.

* المدرسة الأشرفية، والمدارس الكثيرة حول الأقصى المبارك.

* القباب: مثل القبة النحوية وقبة المعراج وقبة النبي والأرواح والخليلي وغيرها..

التسمية:

للمسجد الأقصى المبارك عدة أسماء، أهمها ثلاثة:

المسجد الأقصى:

الذي سمى المسجد الأقصى المبارك بهذا الاسم هو الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم، وذلك في الآية المعروفة: "سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير" / الإسراء:1.
وكلمة "الأقصى" تعني "الأبعد" وإذا لاحظنا أن ذكر "المسجد الأقصى" في الآية الكريمة جاء بعد ذكر "المسجد الحرام" لعرفنا أن المقصود هو تسمية المسجد الأقصى بمعنى الأبعد نسبة لبعده عن المسجد الحرام.

وهنا قد يقول قائل: إذن لماذا لم يقل سبحانه وتعالى "المسجد القصي" أي"المسجد البعيد" بدلاً من "الأقصى" بمعنى"الأبعد"، حيث إن المقارنة المطلقة بهذه الصيغة توحي بالمقارنة بين أكثر من اثنين...!! وهنا لا بد أن نتذكر أن هناك مسجداً ثالثاً في الإسلام هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم "ولم يكن قد بني في وقت نزول هذه الآية الكريمة لأنها مكية"، وهنا يظهر المعنى واضحاً عند المقارنة بين المساجد الثلاثة الكريمة، فمركز الأرض هو المسجد الحرام، وبعده المسجد النبوي الشريف، أما المسجد الأبعد فهو المسجد الأقصى المبارك وليس بعده مسجد آخر له مكانة خاصة في الإسلام مثل هذه المساجد الثلاثة، ولو وصلت بين مواقع المساجد الثلاثة على الخريطة لوجدت أنه يتشكل لديك مثلث غير متساوي الأضلاع، حيث تكون قاعدته الواصلة بين المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف قصيرة جداً بالنسبة للمسافة بينهما وبين المسجد الأقصى المبارك، وهو ما يبين لك الأمر بشكل عملي.

بيت المقدس:

وهذا الاسم هو الاسم الذي كان متعارفاً عليه قبل أن تطلق عليه التسمية القرآنية المعروفة اليوم، وفي معظم أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم التي ذكر فيها المسجد كان يقول: "بيت المقدس"، ومن ذلك مثلاً ما رواه الإمام أحمد بن حنبل في حديث الإسراء عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ: "أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ، فَرَكِبْتُهُ فَسَارَ بِي حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَرَبَطْتُ الدَّابَّةَ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي يَرْبِطُ فِيهَا الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ دَخَلْتُ فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجْتُ "... إلى آخر الحديث"

البيت المقدس: هو اسم آخر للمسجد مأخوذ من الاسم السابق "بيت المقدس" ومقصوده تبيان الميزة لهذا المسجد كما أن اسم "المسجد الحرام" في مكة المكرمة يبين ميزته الأساسية وهي "الحرمة" فإن هذا الاسم يبين ميزة أساسية لهذا المسجد المبارك وهي: "القدسية"، والتقديس رفع المنزلة. ولذلك فهو مسجد رفيع المنزلة بدرجة كبيرة جداً عند رب العزة سبحانه وتعالى.

الصخرة المشرفة:

الصخرة المشرفة هي صخرة طبيعية غير منتظمة الشكل تقع في أعلى نقطة من المسجد الأقصى المبارك في موقع قلب المسجد بالضبط، وهي صخرة طبيعية تتراوح أبعادها بين حوالي 13 و18 متراً، وارتفاعها حوالي المترين تقريباً، وقد دارت حولها القصص الخيالية غير الصحيحة بشكل كبير، فمن قائل أنها طائرة في الهواء ومن قائل أنها طارت خلف النبي عليه السلام ومن قائل أن لها ضوءاً وغير ذلك.. والحقيقة أنها صخرة عادية ليس فيها أي ميزة إلا أنها كانت قبلة أنبياء بني إسرائيل قبل النبي عليه الصلاة والسلام، وقيل إن النبي عليه الصلاة والسلام عرج من فوقها للسماء ليلة الإسراء والمعراج، وفيها مغارة صغيرة تسمى "مغارة الأرواح" وهي تجويف طبيعي أيضاً وليس فيه أي ميزة خارقة للعادة، وقد بني مسجد قبة الصخرة المشرفة فوق الصخرة، وهي ظاهرة للعيان إلى اليوم.


الموقع والمساحة:

يقع المسجد الأقصى المبارك في الزاوية الجنوبية الشرقية من مدينة القدس المسورة، والتي تسمى حالياً "البلدة القديمة"، ويشكل حوالي سدس مساحة البلدة القديمة، وتبلغ مساحته حوالي 144 دونماً "الدونم = 1000 متر مربع" أي 144 ألف متر مربع، وهو يقع فوق هضبة صغيرة تسمى "هضبة موريا" "Moria"، وأعلى نقطة فيه هي الصخرة المشرفة الواقعة في موقع القلب بالنسبة للمسجد الأقصى المبارك.

جغرافية القدس:

التقتْ عوامل عديدة جعلت من القدس محطَّ أطماع الكثير من الأمم على مر الزمان، فـ "زهرة المدائن" تحمل على كتفيها تاريخًا طويلاً حافلاً بالأحداث، كما أنها جزء من تاريخ الديانات أو الشرائع السماوية الثلاث التي نزلت على موسى وعيسى ومحمد - عليهم الصلاة والسلام.

لكن العامل الجغرافي كان له أثره الواضح - مع المكانة التاريخية والدينية - في منح القدس وضعًا خاصًا ومتميزًا؛ إذ تقع القدس ضمن منطقة تتوسط اليابسة عند البحر الميت، والبحرين المتوسط والأحمر المهمين في الربط بين شرق العالم وغربه. كما تقع المدينة على ربوة تشرف على وديان عميقة من جميع الجهات، عدا الشمال، وهو أمر لابد أن يكون له تأثيره في مناخ المدينة، وفيما تنتج من المزروعات.

ويبدو أن اختيار بناة المدينة الأُول لهذا الموقع لم يأت من قبيل الصدفة أو الانتقاء الجُزَافي، إذ إن هذا الموقع يُطل على المنطقة التي كان يمر بها الطريق القديم الذي يصل فلسطين بمصر، وعلى مقربة من مفترق الطرق التي تربط نابلس بالخليل والممر البري بين أريحا وشاطئ المتوسط.

والجغرافيا هي مسرح الأحداث، وللمدينة جغرافيتها الطبيعية وتكويناتها الجيولوجية، التي لم يرغب الناس عن القدس بسببها، مع صعوبتها الشديدة، واختفاء الأرض السهلية منها، وشيوع الطبيعة الجبلية، وعدم وجود أنهار.

وفي القدس يختلط التاريخ بالجغرافيا، فيبدو الموقع التاريخي للمدينة المقدسة ممثلاً الرصيد الأعظم لها بين المدن الكبرى في العالم، فتقرب قامتها من مكة والمدينة، وتعلو على روما التي منحها البشر القداسة في زمن متأخر، حينما انتقل إليها الكرسي البابوي الكاثوليكي.

وفي القدس يتداخل ما خلقه الله طبيعيًّا فيها مع ما أُلهمت اليد البشرية صناعته، فالجبال والوديان والتلال وطبيعة التربة، وعيون المياه - تتداخل مع الأسوار والأبواب التاريخية والطرق الممهدة.

وأما تضاريس المسجد الأقصى المبارك فإنه يتشكل من مرتفع هضبة "موريا" وتنخفض المنطقة الجنوبية فيه كثيراً عن المنطقة الوسطى والشمالية، ثم تنتهي الهضبة في نهاية ساحة الصخرة المشرفة، ويبدأ المكان بالارتفاع التدريجي باتجاه منطقة الساهرة خارج المسجد والبلدة القديمة. وأما تضاريس المسجد الأقصى المبارك والمدينة المقدسة من الشرق إلى الغرب، فإنه محاط بواديين: من الشرق وادي جهنم "وادي قدرون" قبل جبل الزيتون "الطور"، ومن الغرب وادي الربابة وما جاوره قبل جبل صهيون.

المصدر: العرب الأسبوعي+ هيئة نصرة الأقصى"
gembany

جمال البيبانى

  • Currently 188/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
63 تصويتات / 1215 مشاهدة
نشرت فى 17 أكتوبر 2009 بواسطة gembany

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

301,823