يحكى أن الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور ، قام بتنظيم ما يشبه المسابقة بحيث أمر بإغداق المال على الشاعر الذي ينظم قصيدة من وحي خياله أما المنقول فلا يكرم صاحبه.
و كان الخليفة يحفظ القصيدة من خلال سماعها مرة واحدة و لديه خادم يحفظ من مرتين و خادمة تحفظ من ثلاثة مرات .
و بدأ الشعراء يتوافدون على الخليفة و كلما ألقى شاعر قصيدته ، حفظها الخليفة فيقول للشاعر هذه قصيدة منقولة و ليست لك و أنا أحفظها فيلقيها فيحفظها خادمه فيناديه الخليفة فيطلب منه إعادة القصيدة فيقولها فتحفظها الجارية .
فداخ الشعراء و شكوا في أنفسهم ، حتى جاءهم الأصمعي و لما سمع بما يحدث شك في الأمر ، و أقسم أنه سيكشف لهم هذا الأمر.
فنظم قصيدة و دخل متنكراً على الخليفة فقال له هل أنت شاعر ، نعم هات ماعندك .
.............................................
فأنشد الاصمعي يقول :
صـوتُ صَفــيرُ البـُلبـُلِ .. هَيـّـجَ قلــــبي الثّمِـــــلِ
المــاءُ والزهــرُ معـا . . مع زهـرِ لحـظِ المُقَــلِ
وأنتَ يا سيــــدَ لــي . . وسيـــدي ومـــــولى لي
فكـــم فكـــم تـَيّمُ لـي . . . غُزيـّــلٍ عَقَيّـــــــقَلــــي
قطفتـهُ مـن وجنــةٍ . . مـن لثـمِ وردِ الخجـــــلِ
فقـــال : لا لا . . لا لا لا . . وقـد غــدا مُهــــرولِ
والخُـوذُ مالــت طربــاً . . من فعــلِ هذاَ الرَجُـــلِ
فولولــت وولولـت . . فلــي ولــي ، يـا ويــلا لي
فقلــتُ : لا تولــولي . . وبيّني اللــــؤلــــؤ لـــــي
قالت له حينــا كــذا . . انهـض وجِــد بالنُّقَـــــلِ
وفتيةٍ سقــوا نـَني . . قهــوةٌ كالعســـــلَ لــــــي
شَممّـتُهـا بـأنـَفي . . أزكــى مـن القَـرنفـــــــلِ
في وسطِ بستـانٍ حِلي . . بالزهـرِ والسرور لي
و العـود دن دن دنا لي . . والطبـل طب طبَ لـي
طب طَبِطَب،طب طَبِطَب.. طب طَبِطَب،طب لي
والسقف قـد سق سق لي .. والرقـصُ قد طابَ إلي
شـوى شتوى وشاهِ شو . . على ورق سُفرجَـلِ
وغـــردَ الغمـِر يصيـح . .ملَــلٍ فـــي ملَـــــــــــلِ
ولـو ترانـي راكــبٍ . . علـى حمـــارٍ أهـــــزَلِ
يمشـــي علـى ثلاثــةٍ . . كمشيــة العرَنجـِــــــلي
والنـاس ترجـم جَمَــلِ . . فـي الســوقِ بالقُـلقُـلَلِ
والكــلُ كعـكع كَعـي كــع . . خَلفـي ومـن حُويلَلي
لَكـن مشيـتُ هاربـــاً . . مـن خَشيـت العَقَنقَــــلي
إلـى لقـــــــــــــــاءِ مـلـكٍ . . مُعظــمٍ مُبجَــــــــــلِ
يأمـرُ لــي بخلعــةٍ . .حمـــــراءُ كالـدم دَمَلــــــي
أجــرُ فيهــــــــا ماشيـــــاً . . مُبَغـدِداً للذِيـَّـــــــــلِ
أنـا الأديب الألمعــي . . مـن حـي أرض الموصــلِ
نظِمـتُ قِطعــاً زُخرِفَت . . . تُعجــِزُ الأدبُ لـــــــي
أقــول في مَطلعِهـــا . . صــــــوتُ صَفـــيرُ البُـلبُـلِ
..............................
و لم يستطع الخليفة حفظ ولا بيت واحد لصعوبتها و فاز بالذهب و كشف الخدعة.