الانقلاب الأول على الديمقراطية (1960- 1965م)
حكومة الاتحاد القومى MBK
................................................................
لأسباب متعددة أدى الأمر لانفجار الخلاف بين المعارضة والحزب الحاكم، كانت نتائجه بعض المظاهرات المختلفة فى استانبول وأنقرة، مما أدى إلى تدخل الجيش الذى أعلن قائده آنذاك البارسلان تركش فى يوم 27 مايو 1960م أن الجيش قد سيطر على مقاليد إدارة البلاد. نتيجة لذلك شكلت محاكمات قضت بإعدام رئيس الوزراء عدنان مندريس والحكم بالمؤبد على رئيس الجمهورية جمال بيار. "
الجيش تدخّل بقيادة البارسلان تركش وسيطر على مقاليد إدارة البلاد يوم 27 مايو 1960م، وشكلت محاكمات قضت بإعدام رئيس الوزراء عدنان مندريس
وبدأت الحكومة العسكرية بعض الإجراءات فى تغيير الدستور ليتوافق مع عدم الانقلاب على أفكار أتاتورك، كما قامت بالتعديل فى كثير من القوانين التى تقيد الانفتاح الاقتصادى.
وكان من أهم أهداف حكومة الاتحاد القومى العمل على حل المشاكل بالمبادئ التى جاء بها أتاتورك وإبعاد وإقصاء ما خرج إلى الوجود من مظاهر "الرجعية"، ومن ثم عمد رئيس الجمهورية البارسلان إلى ضرورة تحويل الحكومة بعد هذه الإصلاحات إلى الحكم المدنى الديمقراطى.
أقام الانقلابيون بعد إعدام مندريس انتخابات شكلية في 15/10/1961، فنال حزب الشعب بقيادة أنينو 173 مقعداً (36.7%)، ونال حزب العدالة بقيادة سليمان ديميريل 158 مقعداً (34.7%)، ونال حزب تركيا الجديدة 65 مقعداً، ونال حزب الفلاحين الجمهوري 54 مقعداً.
وبانتخاب صُوري أصبح الجنرال جمال غورسيل رئيساً للجمهورية في 27/10/1961، مثلما أصبح أنينو رئيساً للوزارة الائتلافية بعد الاتفاق مع سليمان ديميريل؛ رئيس حزب العدالة، ففشلت الوزارة واستقالت في 1962. وشكل أنينو حكومة ائتلافية مع حزب الفلاحين الجمهوري.
محاولة انقلابية فاشلة 1963
وساءت الأحوال فقام الكولونيل طلعت آيدمير بمحاولة انقلابية فاشلة سنة 1963 أدت إلى إعدامه سنة 1964، وساءت الأحوال مرة أخرى، وأجريت الانتخابات النيابية سنة 1965 ففاز حزب العدالة بقيادة ديميريل بغالبية 53% من مقاعد البرلمان، وشكل ديميريل الحكومة من حزبه وأصبح حزب الشعب في خانة المعارضة.
انقلاب عام 1971
مات الرئيس جمال غورسيل سنة 1966، فانتخب رئيس الأركان جودت صوناي رئيساً للجمهورية، وحصلت الانتخابات سنة 1969 ففاز حزب العدالة وفشل حزب الشعب فحرك أنصاره من العسكر فاستولوا على السلطة في 21/3/1971. وبعد أن خلت الساحة لحزب الشعب أعلن عن إجراء الانتخابات في أكتوبر سنة 1973.
انتخابات عام 1973
نال حزب الشعب بزعامة بولنت أجاويد 158 مقعداً، وحزب العدالة بزعامة ديميريل 149 مقعداً، وحزب السلامة الوطني بزعامة نجم الدين أرباكان 48 مقعداً، والحزب الديموقراطي بزعامة بوظبيلي 45 مقعداً، وحزب الثقة بزعامة تورخان فيضي أوغلي 13 مقعداً، والمرشحون المستقلون ٦ مقاعد، وحزب العمل القومي بزعامة الطوراني ألب أرسلان توركش ٣ مقاعد، وحزب الوحدة العلوي مقعداً.
وشكل رئيس حزب الشعب أجاويد حكومة ائتلافية بالاشتراك مع حزب السلامة بقيادة البروفسور نجم الدين أرباكان في كانون الثاني (يناير) سنة 1974 واستمر ذلك الائتلاف حتى 18/9/1974 حين قدم أجاويد استقالته التي قُبلت بعد ستة أشهر، وحلت محل حكومته حكومة ائتلافية برئاسة رئيس حزب العدالة؛ سليمان ديميريل، وضم الائتلاف حزبي السلامة والعمل القومي، فاستمرت حتى أجريت الانتخابات النيابية في ٥/٥/1977.
فاز حزب الشعب الذي أيده الشيوعيون العلمانيون بـ 213 مقعداً، وتلاه حزب العدالة بـ 189 مقعداً، وحزب السلامة بـ 24 مقعداً، وحزب العمل القومي بـ 16 مقعداً، وحزب الثقة بـ ٣ مقاعد، والحزب الديموقراطي بمقعد واحد، ونال المستقلون ٤ مقاعد.
وقام أجاويد بتشكيل وزارة من نواب حزب الشعب فقط فلم تنل وزارته ثقة المجلس الوطني (البرلمان) فقدم استقالته جراء فشله.
وشكل ديميريل حكومة من ائتلافه السابق استمرت حتى شهر ديسمبر 1977، ثم استقالت.
وفي يناير 1978 شكل أجاويد وزارة ائتلافية مع الحزب الديموقراطي، وحزب الثقة، والنواب المستقلين، وأيده عشرة نواب من حزب العدالة ممن ينتسبون إلى التيار المؤيد للعلمانية من أبناء المناطق الشرقية.
وهكذا حصلت وزارة أجاويد على ثقة المجلس بأكثرية 231 صوتاً، وعارضه 129 نائباً، ومارست الوزارة أعمالها بطريقة متدنية للغاية، فاستقال عشرة وزراء من الحكومة التي استمرت رغم الخلل وبقي أجاويد في الحكم.
ثم حصلت الانتخابات الفرعية في ديسمبر سنة 1979، وجرت تلك الانتخابات لملء ٥ مقاعد نيابية فاز بها حزب العدالة وحصل على ٣٣ مقعداً في مجلس الشيوخ أيضاً. وهُزِم حزب الشعب في الانتخابات، وتفوق عليه حزب العدالة، فشكل ديميريل حكومة من حزبه فقط ومنحه الثقة نواب (السلامة) و(العمل القومي).
انقلاب كنعان إفرين 1980:
بعد الفشل الذي جناه حزب الشعب لم يبق أمامه سوى التآمر مع العسكر لقلب نظام الحكم، وقاموا بالانقلاب 12/9/1980 بقيادة الباشا كنعان إفرين، الذي علق الدستور وأعلن الأحكام العرفية في تركيا بعدما انتهت فترة رئاسة رئيس الجمهورية؛ فخري كورتورك في ٦/٤/1980.
العسكريون أصدروا دستوراً جديداً في 12/9/1982تضمن نصاً صريحاً على حظر الأحزاب الدينية والفاشية والاشتراكية، وبذلك تم حظر الأحزاب المناوئة لحزب الشعب والعلمانية
وتولى الرئاسة بالوكالة رئيس مجلس الشيوخ؛ إحسان صبري جاغلايان، وعجز المجلس الوطني عن انتخاب رئيس جمهورية جديد بسبب ضغوط العسكر وفتن حزب الشعب وأنصاره.
وبعد الانقلاب حُكمت البلاد حكماً عسكرياً ثم أصبح قائد الانقلاب كنعان إفرين رئيساً للجمهورية.
أصبح إفلاس العلمانيين، وعلى رأسهم حزب الشعب، أمراً ملموساً، وصار فشلهم الانتخابي من الأمور الحتمية، لهذا اتخذت المؤسسة العسكرية قراراً بتعليق نشاط الأحزاب ثم حلها، وأصدر العسكريون ما سمي "قانون الأحزاب السياسية" في 24/4/1983، وبعده صدر قانون الانتخابات في 13/6/1983.
وكان العسكريون قد أصدروا دستوراً جديداً في 12/9/1982، منح بموجبه رئيس الجمهورية صلاحيات واسعة، لم يتمتع بها أي رئيس جمهورية تركية قبل ذلك، وتضمن دستور 1982 نصاً صريحاً في المادة 13 على حظر الأحزاب الدينية والفاشية والاشتراكية.
وبذلك تم حظر الأحزاب المناوئة لحزب الشعب والعلمانية، وجاء في المادة 96 من قانون الأحزاب ما يحظر استخدام مصطلحات "الشيوعية والفوضوية والاشتراكية والفاشية والقومية، والدين والعرق، واللغة والطائفة والمذهب" أوأي كلمات تعطي معاني مشابهة، وهكذا حلت أحزاب المعارضة.
هكذا تكونت الخريطة التركية جغرافياً وسكانياً ودينياً ومذهبياً وحزبياً. ونجد أن أوروبا قد دعمت الحكومة التركية أيضاً على هذا الأساس فقبلت تركيا في الاتحاد الجمركي الأوروبي، وهذا ما اعتبره أنصار التغريب نصراً.
فترة تورغت أوزال 1983
وهي فترة حكم حزب الوطن الأم بزعامة تورغوت أوزال الذى صبغ هذه المرحلة بلون خاص، حيث حوّل تركيا إلى النهج الليبرالي في مختلف القطاعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وسياسات التعليم والإعلام وغيرها. "
الرئيس تورغوت أوزال المنحدر من عائلة كردية، حوّل تركيا إلى النهج الليبرالي في مختلف القطاعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وسياسات التعليم والإعلام وغيرها
"
وتورغوت أوزال يصنّف إسلامياً ليبرالياً، حيث نشأ في عائلة كردية ذات تربية صوفية نقشبندية، الأمر الذي ساعده في استقطاب العديد من هذه الجماعات، حيث أسس حزب الوطن الأم في مايو 1983 ليحصل على الأغلبية المطلقة في انتخابات نوفمبر من العام نفسه، ويتسلّم السلطة من الجنرالات الانقلابيين.
ونجح في تحقيق توازن بين حكومته ومراكز النفوذ في الدولة من القيادات العسكرية أو المؤسسات الكمالية نتيجة خبرته الطويلة في وظائف الدولة والبنك الدولي.
وهذه الفترة عمقت الديمقراطية فى تركيا وقللت من خطر المفاجآت الانقلابية، فنشط في عهده التعليم الديني وانتظمت معاهد الأئمة والخطباء والكليات الشرعية وسمح لطلاب المعاهد الدينية لأول مرة بالالتحاق بكليات الشرطة والأكاديميات العسكرية، وكذلك فتح عهد تورغوت أوزال الباب أمام المصارف الإسلامية وظهرت مجموعات اقتصادية تابعة لجماعات دينية مختلفة استثمرت في مجالات التجارة والصناعة والصحة والإعلام والتعليم.
وعلى أساس دستور 1982 جاءت الانتخابات في 24/12/ 1995 وأتت بحزب (الرفاه) وحليفه (الطريق القويم) إلى السلطة ليصبح الزعيم الإسلامى نجم الدين أربكان رئيساً للوزراء، مما أغضب العلمانيين ودعاهم إلى تحريك الإذرع العسكرية ضد الحكومة المنتخبة.
أحداث فبراير 1986(الانقلاب على الإسلاميين)
تم استخدام قانون 1982 بتفسير مواده على أساس أن أربكان يسعى إلى تطبيق الشريعة وإعادة النظام الرجعى فحظر الحزب وأُدخل أربكان وكبار معاونيه السجن، وكذلك رئيس الوزراء الحالى رجب طيب أردوغان والذى منع حتى من ممارسة السياسة. "
حزب الرفاه تم حظره وأُدخل أربكان وكبار معاونيه السجن، وكذلك رئيس الوزراء الحالى رجب طيب أردوغان والذى منع حتى من ممارسة السياسة
وبحظر حزب الرفاه وطرد بعض نوابه من البرلمان عُهد بأمر الحكم إلى الحزب الثالث (حزب اليسار الديمقراطى)، بزعامة أجاويد الذى شكل حكومة ائتلافية من عدد من الأحزاب وكانت ضعيفة إلا أنها تقوت بالعمل العدائى تجاه مؤسسات المسلمين والتضييق عليهم ودعمها العسكر فى ذلك، بل وجدت الدعم العالمى نتيجة الأحداث فى الشرق الأوسط، فقد أهدى لها تسليم قائد حزب العمل الكردستانى كسباً سياسياً لتدخل بذلك الرصيد إلى انتخابات 1999 ليفوز حزب اليسار الديمقراطى بأعلى الأصوات، يليه حزب الحركة القومية ثم حزب الوطن الأم ليشكلا حكومة ائتلافية بزعامة أجاويد.
ونتيجة للتردى الاقتصادى فى ظل هذه الحكومة والكوارث التى تعرضت لها تركيا من الزلازل ومن ثم الكارثة الاقتصادية التى عصفت بالقطاع الصناعى وأثرت حتى على مستوى المعيشة، تطلع المواطن إلى حل يمكن أن يكون قد ذاق طعم نظافة يده وجديته، فجاءت انتخابات 2003 بفوز حزب (العدالة والتنمية الوليد) والذى أسسه رجب طيب أردوغان وكان رئيساً لبلدية استانبول الكبرى فى عهد حكومة الرفاه وعبد الله غول وعدد من الإسلاميين الذين انفصلوا عن حزب السعادة الذى هو امتداد لحزب الرفاه والفضيلة.
وفى هذه الفترة عمد رجب طيب إلى تدعيم الديمقراطية وحقوق الإنسان بالسعى فى الإصلاحات التى يطلبها الاتحاد الأوروبى فى القانون والدستور فكانت برداً على الديمقراطية فى تركيا وإن كان العسكر قد لوح بالعصا، حينما أراد حزب العدالة أن يختار رئيس الجمهورية من داخل البرلمان فتعالت أصوات العلمانيين والعسكر فأجابهم حزب العدالة والتنمية بانتخابات برلمانية جديدة كان فوزه فيها ساحقاً، فاختير لأول مرة رئيس للجمهورية من الإسلاميين الذين كان لهم تاريخ مشهود.
لم يرض ذلك أساطين العلمانية فعمدوا إلى أساليبهم القديمة وبدأوا بتحريك بعض الفتن التى تقود إلى انقلاب إلا أن حزب العدالة، ومن يقف معه من الصف الوطنى، كشفوا تلك الألاعيب وقدموا كل من يقوم بذلك بالقرائن إلى المحاكم. وربما أنه فى تاريخ تركيا الحديث لأول مرة تحدث اعتقالات فى صفوف العسكر ودهاقن اللادينية السياسية، وبرز ذلك الغضب فى خطاب زعيم حزب الشعب الجمهورى والصحف اللادينية وبعض قادة الجيش إلا أن الأمر كان قد استند على جوانب قانونية محكمة فاضطرت الأصوات المناهضة للتقليل من حدتها، الأمر الذى دفع إلى القول أنه لأول مرة فى تاريخ تركيا الحديث يستطيع حزب ديمقراطى الاستفادة من القوانين فى تحجيم الجيش صاحب الذراع الأقوى فى التغيير السياسى فى تركيا.