دفاعاً عن الخط الثالث
د.منى سالم سعيد
في أيام الملكية كان كل معارض يتهم بأنه شيوعي
وأيام الشيوعية كان كل معارض يتهم بأنه بعثي
وأيام البعثية كان كل معارض يتهم بأنه شيوعي.. ثم حزب الدعوة..
وفي أيام الدعوة هذه صار كل الشعب متهم بأنه بعثي، وإن لم ينتمي..
مع اقتراب موعد الانتخابات تتصاعد وتيرة تبادل التهم بين الكتل السياسية، كان أولها أن أطرافاً لم يذكر أسمها استلمت من دولة عربية مليارات من الدولارات، وآخرها ما أطلقه السيد رئيس الوزراء من تحذيرات نارية بعودة البعثيين الى الحكم.. وهذه التهمة تعيدنا الى أجواء انتخابات مجالس المحافظات حينما وجهت تهمة الى كبار الضباط في وزارة الداخلية بالانتماء الى حزب (العودة) البعثي، وبعد توقيفهم وبهذلتهم على مرآى ومسمع من زملائهم، أطلق سراحهم وتبين ان التهمة كانت كيدية!
هل حقاً يعتقد المالكي ان كل معارضيه بعثيون؟ أم إنها مجرد هستيريا الحملات الانتخابية؟
الانتخابات القادمة يفترض أن تعبر عن رغبة المواطنين في التغيير، وقد لا يقتصر التغيير السلمي الديمقراطي على استبدال وجه بوجه أو حزب حاكم بحزب اخر، وانما قد يمتد ليشمل إصلاح العملية السياسية برمتها، واختيار أشخاص يمثلون خطاً علمانياً مدنياً، قادراً على رسم سياسات اقتصادية وخدمية واجتماعية وثقافية بمنأى عن الجهوية الضيقة، للنهوض بالواقع العراقي بشكل عام. الا ان أي محاولة للإصلاح الحقيقي تتهم بشكل جاهز، من قبل المالكي وحاشيته، انها وجه اخر من وجوه حزب البعث، الذي ذقنا معه مر العيش على مدى عقود طويلة من الزمن.
وبعد سبع سنوات من اجتثاث حزب البعث من كل مفصل من مفاصل الدولة، ان الأوان أن يقتنع كل من يثير المخاوف من عودته ان زمن الانقلابات العسكرية التي جاءت بالحزب في غفلة من الزمن قد ولى، وان العملية الديمقراطية كفيلة باختيار شخصيات وطنية، قد تكون من خارج التيار الإسلامي الذي تراجعت شعبيته في الشارع العراقي، وان هذا التراجع سببه فشل السياسات الفئوية بالدرجة الأولى، وتقسيم العراق والاقتتال الطائفي من ناحية أخرى، بالإضافة الى التراجع الواضح في الخدمات والتنمية بكل مستوياتها.
وبعد أن ذاق العراقيون مرارة وظلم حزب البعث على مدى عدة عقود، ونالهم ما نالهم بعد عام 2003 من سياسات متعثرة لم تقدم شيئاً يذكر لتحسين معيشة المواطن العراقي، بل أنهكت الجميع بالانفلات الأمني وحل كل مؤسسات الدولة، لا بد أن يبرز في الساحة السياسية خط ثالث في بناء الدولة العراقية، لا يعيد جرائم البعثيين أو يسكت عن المظالم، سواء التي ارتكبت قبل أو بعد 2003، وإنما تؤسس لمنهج سياسي يعتمد مصارحة الشعب والإنفتاح عليه، وبناء الدولة بالكفاءة والنزاهة، يوفر فرص العمل الحقيقية للشباب، ودعم الابداع بكل مستوياته، ويدخل العراق للقرن الواحد والعشرين، بكل ما يحمله من هذا القرن من قيم إنسانية.
ان تحالف علاوي مع المطلك الذي شن المالكي حملته ضده ليس بعيداً عن الخط الوطني الثالث، فأياد علاوي حارب البعثيين منذ أوائل السبعينيات، ولم ينجو من محاولات اغتياله حتى في أقصى بقاع الأرض، وكان أول من ضرب البعثيين في الفلوجة يومها.. ولم نسمع ان المالكي حارب يوماً البعثيين..
يكذب من يدعي ان خيار المواطن محصور بين عودة حزب البعث أو إعادة انتخاب الأحزاب التي فشلت في السنوات السبعة الماضية في أداء واجباتها تجاه المواطنين. أنني كمواطنة ذاقت الويلات في أيام البعث، وخسرت أعز الناس إليها ضحية الاقتتال الطائفي، أرفض أن يحصرني المالكي في هذه الزاوية الضيقة، وسأنتخب الخط الثالث، الوطني الديمقراطي العلماني، ولن أسمح للمالكي وحاشيته أن يقفوا حجر عثرة أمام تقدم العراق وازدهاره.
أستاذة جامعية
6م
ساحة النقاش