تاريخ الخط العربي (التشكيل) الخط الكوفي
مؤلف الكتاب (وسام الدين اسحق).
مقدمة لابد منها:
أعزائي القراء إن ما سيأتي الآن من معلومات خطيرة ومهمة هي معلومات معروفة من قبل الأزهر الشريف ولكنهم يبهمون كل ما يدور حولها إبهاما أعمى من أجل أن لا يطلع عليها أحد.
وإن حاولتم أن تستشفوا هذه المعلمومات من المراجع التي سأذكرها لكم في نهاية الكتاب ستجدوا أنهم وضعوها مبهمة غير مفهومة من أجل التعتيم الكامل على الموضوع.
ويعود سبب هذا الإخفاء في رأيهم أنهم بذلك يسكتون أفواه الناس العامة من السؤال والتساؤل الذي يؤدي بهم إلى الكفر.
لقد تم اتهامي بالكفر في أكثر من 40 موقع على الإنترنت كما أنهم ادعوا أني عميل للصهيونية العالمية من أجل هذا الكتاب.
وكل ما سأورده لكم هو عبارة عن شواهد وشروح لمجهود شخصي قد بذلته في سبيل الوصول إلى الحقيقة وليس من أي دافع أخر, قد يتسلل إلى الموقع بعض الذين تابعون كتاباتي ليحاول أن يظهر لكم أني كاذب ومخادع , ولكن أرجوا منكم الشفافية في نقاش الموضوع والبعد عن الشخصنة التي لا تفيد ولا تأتي بأي فائدة, الرجاء ثم الرجاء أن نبقى في صلب الموضوع إن كان لديكم أي سؤال.
إن إسلوبهم في الهجوم على الكتاب هو إسلوب هجوم على شخص الكاتب بأن يسلبوه أحقيته في قراءة كتاب الله, والبحث في التاريخ عن تاريخ التشكيل وإزالة القدسية عن عملية التشكيل ذاتها والتي حدثت في عصر ما بعد الرسالة كما ستشاهدون ذلك من هذا الكتاب.
ولكم مني وعد أني سأجيب فقط كل من يسأل أي سؤال وفي صلب الموضوع فقط.
وعلى الله فليتوكل المؤمنون.
التشكيل:
لقد تكلمنا في بحث الكتابة عن تاريخ الخط العربي (الكوفي) وكيف ان العرب الذين هاجروا من اليمن بعد تحطم سد مأرب العظيم, كيف أنهم أخذوا معهم الخط المسند وكتبوا به في مناطق كثيرة في أرجاء شبه الجزيرة العربية:
وكيف أنهم بدلوا رسم حروفهم بحرف جديد وهو الخط النبطي القديم خصوصاً في مناطق مملكة الأنباط التي امتدت من شمال مصر في شبه جزيرة سيناء إلى فلسطين والأردن وجنوباً إلى المدينة ومكة, وشرقاُ إلى منطقة دومة الجندل, وشمالاً إلى بادية الشام.
وقد تم إيصال حروف الخط النبطي أولاً لدى غساسنة الشام في عام 300 م
ولقد استخدم ملك العرب وشاعرهم امرؤ القيس حروفهم هذه بعد ان عدل الغساسنة عليها فأضافوا الهمزة كما رأينا ذلك على نقش قبره المشهور في منطقة غسان.
لا حظ الهمزة والتي ترسم بشكل واو مقلوبة.
وهذه مخطوطة أم الجمال
ثم بعد ذلك تم تنقيطه لأول مرة بعملية للتمييز بين حروفه ب ج خ غ ف ق ث ض ن ت ي ش ظ ز ة ذ فعرفت هذه النقلة النوعية في رسم الخط النبطي بالإعجام, أي بإضافة النقط عليها وقد حدث ذلك على يد ثلاثة أشخاص من “طيء ببقة” والتي عرفت بالكوفة لاحقاً وهم مرا مر بن مرة وأسلم بن سدرة، وعامر بن جدرة فوضعوا الخط، وقاسوا هجاء العربية على هجاء السريانية وخط المانديك وحدث هذا في القرن الخامس الميلادي.
لاحظ الإعجام في تنقيط الحروف لتميزها عن بعضها في مصحف أستانبول 35 هـ.
أما في بحثنا هذا فإننا سنتكلم عن التشكيل (الإعجام الثلاثي) وأسباب ظهوره, وتاريخ البدء باستخدامه تاريخياً وتطوره السريع.
وطريقة تحوله من نقاط إلى الحركات المعروفة اليوم بالضمة والكسرة والفتحة والسكون, وكيف تمت إضافة الشدة والمدة في عصور لاحقة تتابعت مع ظهور كل الحركات الموجودة في مصاحف اليوم.
فلقد تمت إضافة التشكيل المنقط, أولاً فكانت الفتحة مثلاً نقطة تضاف على أعلى الحرف, والضمة نقطة تضاف على يمين الحرف, والكسرة نقطة تضاف تحت الحرف, كما أن المدة كانت عبارة على نقطين تضاف على يمين ويسار الألف, والتنوين عبارة على نقطين, إما فتحاً أو ضماً أو كسراً أما الشدة فلم تكن موجودة بعد. وإليكم بعض الصور الشارحة للموضوع :
لقد تم التشكيل الأول في عصر الخليفة عبد الملك بن مروان وبأمر من الحجاج بن يوسف الثقفي الذي تولى ولاية البصرة في عام 75 هـ وعلى يد أبي الأسود الدؤلي, في عام 80 هـ.
بعض المؤرخين يعيد تاريخ وفاته إلى عام 69 هـ وينسبوا علم التشكيل لتلامذته ( نصر بن عاصم الليثي ، ويحيى بن يعمر العدواني) وهذا يتضارب مع تعاصره مع الحجاج 41 هـ 95 هـ حيث أن الحجاج قام على خلافة العراق في آخر عشرين سنة من حياته أي من عام 75 إلى عام 95 هـ , وبما أن قصة تنقيط (التشكيل)المصحف تنسب تاريخياً لكليهما فإنه من الواجب الأخذ بمقولة المؤرخين الذين يؤرخوا وفاته إلى عام 99 هـ.
بل وإضافة إلى هذا فإن بعض المؤرخين الجهلة بهذا الأمر يعتبر إعجام نقاط الحروف كالسين والشين والباء والتاء ونقاطها على أنها حدثت بعد الإعجام الثلاثي (التشكيل) والذي قام به الدؤلي, وينسبونه إلى تلامذته ( نصر بن عاصم الليثي ، ويحيى بن يعمر العدواني) إليك ما جاء في كتاب نقط المصحف الشريف :
اقتباس :
( نقط الإعجام، فهو ما يدل على ذات الحرف، ويميز المتشابه منه؛ لمنع العجمة، أو
اللبس. كحروف الباء والتاء والثاء والياء، والجيم والحاء والخاء، والراء والزاي، والسين والشين، والعين والغين، والفاء والقاف، ونحوها مما يتفق في الرسم ويختلف في
النطق، فقد دعت الحاجة إليه عندما كثر الداخلون في الإسلام من الأعاجم، وكثر التصحيف
في لغة العرب، وخيف على القرآن أن تمتد له يد العبث.
واختلفت الآراء في أول من أخذ بهذا النقط، وأرجحها في ذلك ما ذهب إلى أن أول من قام به هما: نصر بن عاصم ويحيى بن يَعْمَر ؛ وذلك عندما أمر الخليفة الأموي عبدُالملك بن مروان الحجاج بن يوسف الثقفي والي العراق (75-95هـ) أن يضع علاجًا لمشكلة تفشي العجمة، وكثرة التصحيف، فاختار كلا من نصر بن عاصم، ويحيى بن يَعْمَر لهذه المهمة؛ لأنهما أعرف أهل عصرهما بعلوم العربية وأسرارها، وفنون القراءات وتوجيهها ).
تشكيل أبي الأسود الدؤلي 75 هـ.
أما السبب الحقيقي الذي دعا الحجاج باتخاذ قرار التنقيط (التشكيل) فعلاً هو إختلاف القراءات., وبعد أن تم وضع العلامات على نصوص المصاحف العثمانية القديمة, بدأ الناس بالعويل, والصراخ واتهام الحجاج بأنه بدأ بتحريف المصحف, بفرض قراءات غريبة لبعض كلمات القرآن
قال الزرقاني :
والمعروف أن المصحف العثماني لم يكن منقوطاً … وسواء أكان هذا أم ذاك فإن (إعجام) دعي إعجاماً أي إقحاماً وليس له علاقة بإعجام الحروف كـ الشين والسين كما سيتبين ذلك (للحاشية) – أي : تنقيط - المصاحف لم يحدث على المشهور إلا في عهد عبد الملك بن مروان ، إذ رأى أن رقعة الإسلام قد اتسعت واختلط العرب بالعجم وكادت العجمة تمس سلامة اللغة وبدأ اللبس والإشكال في قراءة المصاحف يلح بالناس حتى ليشق على السواد منهم أن يهتدوا إلى التمييز بين حروف المصحف وكلماته وهي غير معجمة ، هنالك رأى بثاقب نظره أن يتقدم للإنقاذ فأمر الحجاج أن يُعنى بهذا الأمر الجلل ، وندب " الحجاج " طاعة لأمير المؤمنين رجلين يعالجان هذا المشكل هما : نصر بن عاصم الليثي ، ويحيى بن يعمر العدواني ، وكلاهما كفء قدير على ما ندب له ، إذ جمعا بين العلم والعمل والصلاح والورع والخبرة بأصول اللغة ووجوه قراءة القرآن ، وقد اشتركا أيضاً في التلمذة والأخذ عن أبي الأسود الدؤلي ، ويرحم الله هذين الشيخين فقد نجحا في هذه المحاولة وأعجما المصحف الشريف لأول مرة ونقطا جميع حروفه المتشابهة ، والتزما ألا تزيد النقط في أي حرف (على ثلاث) ,,, (أي كسر وضم وفتح )”للحاشية” ، وشاع ذلك في الناس بعدٌ فكان له أثره العظيم في إزالة الإشكال واللبس عن المصحف الشريف .
وقيل : إن أول من نقط المصحف هو أبو الأسود الدؤلي ، وإن ابن سيرين كان له مصحف منقوط نقطه يحيى بن يعمر ، ويمكن التوفيق بين هذه الأقوال بأن أبا الأسود أول من نقط المصحف ولكن بصفة فردية ، ثم تبعه ابن سيرين ، وأن عبد الملك أول من نقط المصحف ، ولكن بصفة رسميَّة عامَّة ذاعت وشاعت بين الناس دفعاً للبس ، والإشكال عنهم في قراءة القرآن . " مناهل العرفان " ( 1 / 280 ، 281 ) .
وأما ما جاء في السؤال نقلاً عن كتاب " المصاحف " لابن أبي داود : فإليك الرواية فيه والحكم عليها :
عن عبَّاد بن صهيب عن عوف بن أبي جميلة أن الحجاج بن يوسف غيّر في مصحف عثمان أحد عشر حرفاً ، قال : كانت في البقرة : 259 { لم يتسن وانظر } بغير هاء ، فغيرها " لَم يَتَسَنه " .
وكانت في المائدة : 48 { شريعة ومنهاجاً } ، فغيّرها " شِرعَةً وَمِنهاجَاً ".
وكانت في يونس : 22 { هو الذي ينشركم } ، فغيَّرها " يُسَيّرُكُم " .
وكانت في يوسف : 45 { أنا آتيكم بتأويله } ، فغيَّرها " أنا أُنَبِئُكُم بِتَأوِيلِهِ " .
وكانت في الزخرف : 32 { نحن قسمنا بينهم معايشهم } ، فغيّرها " مَعِيشَتَهُم " .
وكانت في التكوير : 24 { وما هو على الغيب بظنين } ، فغيّرها { بِضَنينٍ }… الخ ..
كتاب " المصاحف " للسجستاني ( ص 49 ) .
وهكذا بدأت ظهور القراءات المختلفة والتي نقطت المصحف بتشكيلات مغايرة عرفت في ما بعد بالقراءات السبعة للمصحف أو بالأحرف السبعة ، فَتَكوّن بذلك مذهبان رئيسيان، نذكر نموذجاً عن كل منهما فيما يلي:
المذهب الأول: مذهب استقراء أوجه الخلاف في لغات العرب، وفي القراءات كلها ثم تصنيفها، وقد تعرض هذا المذهب للتنقيح على يد أنصاره الذين تتابعوا عليه، ونكتفي بأهم تنقيح وتصنيف لها فيما نرى، وهو تصنيف الإمام أبي الفضل عبد الرحمن الرازي، حيث قال: … إن كل حرف من الأحرف السبعة المنزلة جنس ذو نوع من الاختلاف.
أحدها: اختلاف أوزان الأسماء من الواحدة،والتثنية، والجموع، والتذكير، والمبالغة. ومن أمثلته: {وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} [المؤمنون: 8]، وقرئ. {لأَمَانَتِهِمْ} بالإفراد.
ثانيها: اختلاف تصريف الأفعال وما يسند إليه، نحو الماضي والمستقبل، والأمر ، وأن يسند إلى المذكر والمؤنث، والمتكلم والمخاطب، والفاعل، والمفعول به. ومن أمثلته: {فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا} [سبأ: 19] بصيغة الدعاء، وقرئ: {رَبَّنَا بَاعَدَ} فعلا ماضيا.
ثالثها: وجوه الإعراب. ومن أمثلته: {وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ} [البقرة: 282] قرئ بفتح الراء وضمها(يُضَارُ). وقوله {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدِ} [البروج: 15] برفع {الْمَجِيدُ} وجره.
رابعها: الزيارة والنقص، مثل: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى} [الليل: 3] قرىء {الذَّكَرَ وَالأُنْثَى}. أي بحذف كلمة “خلق”.
خامسها: التقديم والتأخير، مثل،{فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} [التوبة: 111] وقرئ: {فَيُقْتَلونَ ويَقْتُلُون} ومثل: {وجاءت سكرة الموت بالحق}، قرئ: {وجاءت سكرة الحق بالموت}.
سادسها: القلب والإبدال في كلمة بأخرى، أو حرف بآخر، مثل: {وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا} [ البقرة: 259] بالزاي، وقرئ: {ننشرها} بالراء. والأصح في رأيي هو النشر,
سابعها: اختلاف اللغات: مثل {هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى} [النازعات: 15] بالفتح و الإمالة في: {أتى} و {موسى} وغير ذلك من ترقيق وتفخيم وإدغام…
فهذا التأويل مما جمع شواذ القراءات ومشاهيرها ومناسيخها على موافقة الرسم ومخالفته، وكذلك سائر الكلام لا ينفك اختلافه من هذه الأجناس السبعة المتنوعة.
المذهب الثاني: أن المراد بالأحرف السبعة لغات من لغات قبائل العرب الفصيحة.
وذلك لأن المعنى الأصلي للحرف هو اللغة ، فأنزل القرآن على سبع لغات مراعيا ما بينها من الفوارق التي لم يألفها بعض العرب،فأنزل الله القرآن بما يألف ويعرف هؤلاء وهؤلاء من أصحاب اللغات، حتى نزل في القرآن من القراءات ما يسهل على جلّ العرب إن لم يكن كلهم، وبذلك كان القرآن نازلا بلسان قريش والعرب.
فهذان المذهبان أقوى ما قيل، وأرجح ما قيل في بيان المراد من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن الكريم.
لنرى معاً بعضاً من الفوارق التي أتت في القراءات السبعة مع نسخة عاصم :
كتبت “قل” في كل المصاحف وقرأت قال في مصحفين وقرأت قل في ثلاثة مصاحف الزخرف 23.
كتبت وقرءت قال في مصحفين وكتبت وقرءت قل في ثلاث مصاحف الأنبياء 3.
وهذا الكلام كما نرى يحاول أن يضع الأمر وكأنه أمر طبيعي مقبول فيه, لا يحيد عن المعنى والقصد وإنما هو فقط اختلاف في لهجات العرب كما قيل ويقال لنا, ولكن هل هذا فعلاً ما حدث وهل تغيير التشكيل من نسخة إلى نسخة ومن قراءة إلى قراءة لا يحيد عن المعنى كما يقال ؟ أم أن الأمر أخطر بكثير مما نعتقد, إذا حاولت أن تنظر في اختلافات القراءات لوجدت انهم قد فرقوا بين الحروف فلقد بدلوا الثاء ياءً والتاء باءً ولم يكن الفرق فقط في تشكيل الحروف كما يعتقد البعض, ولكن برأيي أن من أهم المفارقات التي غيرت من صميم الدين والمعتقد هي ثلاث تشكيلات تعتبر الأهم على الإطلاق وهي التالي :
لاحظ تشكيل كلمة يضل, والتي أتت فعل مضارع فاعله غير مستتر كما جاء في قراءة عاصم لها, بل يعود على الذين كفروا الذين يحلون شهر النسيء عاماً ويحرمونه عاماً من أجل مواطئة ما حرم الله, وهذا يعني أن النسيء مبتدأ متعدي وجملة (زيادة في الكفر) هي جملة اعتراضية يجب أن تنصب في كلمة زيادة. أما خبره الأول فهو جملة (يضل به الذين كفروا) وجملة يحلونه عاماً ويحرمونه عاما ليواطؤوا عدة ما حرم الله فهي كلها في محل رفع خبرثاني للمبتدأ النسيء.
والغريب بالأمر أن إلغاء النسيء قد تم في زمن بعيد عن وفاة الرسول الكريم, فمعركة اليرموك التي تم تأريخها عربياً وغربياً من قبل العرب والروم, والتي حدثت في عام 636 م في 20 آب الواقع في 5 رجب من سنة 15 هـ. قد كانت العلامة الكبرى والمفتاح الهام لكشف حقيقة من الذي ألغى شهر النسيء من التقويم الإسلامي.
راجع كتاب النسيء للمؤلف نيازي عز الدين طبع دمشق عام 1999.
والتشكيل الثاني هو الآية 125 من سورة النساء :
نرى أنه في نسخة استانبول لمصحف عثمان بن عفان 35 هـ والذي تم إضافة لتشكيل عليه في عصر لاحق وبطريقة الدؤلي في التشكيل كيف أن قراءة الآية تأتي بالشكل التالي :
واتخذ اللهَ إبراهيمُ خليلاً (125) النساء
علماً أن تسبيق المفعول به عن الفاعل قد أتى في القرآن في أكثر من آية:
(انما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ) 35/28
أي أن إبراهيم هو فاعل الإتخاذ والله هو المفعول به وخليلاً حال منصوبة, لأن الله غني عن العالمين ولا يتخذ من عباده لا صاحبة ولا إبناً ولا صاحباً أو خليلاً من الصحبة أو من الخلوة.
بل العبد هو من يتخذ الله خليلا من الخلوة والإختلاء, وليس العكس.
أما المكان الثالث الذي غير المعنى وأضاع فرحة نصر المؤمنين على الروم والفرس فهي في سورة الروم, ولقد كتب والدي بحثاً كاملاً في هذا الموضوع في كتابه (الحقيقة- البرهان) نيازي عز الدين طبع بيسان بيروت 2000م
وهكذا نرى كيف أن التشكيل الأول للنص القرآني, والذي تم في عام 80هـ قد فتح باب الإتهام للحجاج بتحريف القرآن, والغريب بالأمر أيضاً أن الأغلبية من الناس هم من انصاعوا لأمر السلطان في ذلك الزمان, فكان الحجاج يعتبر أن الخروج عن أمر السلطان هو كفر, وخروج عن الملة, فكانت الأقلية المغلوب على أمرها هي التي اعتبرت من الخوارج وهي التي تم ملاحقتها واضطهادها وقتلها والقضاء عليها في تلك الفترة المعروفة بالعنف والقسوة, بل هذا ما دعى يحيى بن يعمر, بالهروب إلى الجزيرة والبدء بتشكيل المصحف بشكل آخر والمعروف بمصحف بن سيرين.
أما قصة طرد الحجاج ليحيى بن يعمر فلقد جاء في التاريخ كما يلي :
قال الشعبي: كنت بواسط ، وكان يوم أضحى، فحضرت صلاة العيد مع الحجاج ، فخطب خطبةً بليغة، فلما انصرف جائني رسوله فأتيته، فوجدته جالساً مستوفزاً، قال: يا شعبي هذا يوم أضحى، وقد أردت أن أضحي برجل من أهل العراق، وأحببت أن تسمع قوله، فتعلم أني قد أصبت الرأي فيما أفعل به.
فقلت: أيها الاَمير، لو ترى أن تستن بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله ، وتضحي بما أمر أن يضحي به، وتفعل فعله، وتدع ما أردت أن تفعله به في هذا اليوم العظيم إلى غيره.
فقال: يا شعبي، إنك إذا سمعت ما يقول صوبت رأيي فيه، لكذبه على الله وعلى رسوله، وإدخاله الشبهة في الاسلام .
قلت: أفيرى الاَمير أن يعفيني من ذلك ؟
قال : لا بدّ منه .
ثم أمر بنطع فبسط، وبالسيَّاف فأُحضر، وقال: أحضروا الشيخ، فأتوه به، فإذا هو يحيى بن يعمر ، فأغممت غماً شديداً، فقلت في نفسي: وأي شيء يقوله يحيى مما يوجب قتله؟
فقال له الحجاج: أنت تزعم أنك زعيم أهل العراق ؟
قال يحيى: أنا فقيه من فقهاء أهل العراق.
قال: فمن أي فقهك زعمت أن الحسـن والحسـين عليهما السلام من ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله .
قال: ما أنا زاعم ذلك، بل قائل بحق.
قال: وبأي حق قلت؟
قال: بكتاب الله عز وجل.
فنظر إليَّ الحجاج، وقال: اسمع ما يقول، فإن هذا مما لم أكن سمعته عنه، أتعرف أنت في كتاب الله عز وجل أن الحسن والحسين من ذرية محمد رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ فجعلت أفكر في ذلك، فلم أجد في القرآن شيئاً يدل على ذلك.
وفكر الحجاج ملياً ثم قال ليحيى: لعلك تريد قول الله عز وجل: ( فَمَنْ حَاجَّكَ فيهِ مِنْ بَعْدِمَا جَاءَكَ مِنَ العِلمِ فَقُلْ تَعَالَوا نَدْعُ أَبناءَنا وَأَبْنَاءَكم وَنِساءَنا ونِساءَكُم وأنفُسَنا وأنفُسَكُم ثُمَّ نَبتَهل فَنَجعَل لَعنةَ اللهِ على الكاذبينَ ) وأن رسول الله صلى الله عليه وآله خرج للمباهلة ومعه علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام .
قال الشعبي: فكأنما أهدى لقلبي سروراً، وقلت في نفسي: قد خلص يحيى، وكان الحجاج حافظاً للقرآن .
فقال له يحيى: والله، إنها لحجة في ذلك بليغة، ولكن ليس منها أحتج لما قلت.
فاصفرَّ وجه الحجاج، وأطرق ملياً ثم رفع رأسه إلى يحيى وقال: إن جئت من كتاب الله بغيرها في ذلك، فلك عشرة آلاف درهم، وإن لم تأت بها فأنا في حلٍ من دمك .
قال: نعم .
قال الشعبي: فغمني قوله فقلت: أما كان في الذي نزع به الحجاج ما يحتج به يحيى ويرضيه بأنه قد عرفه وسبقه إليه، ويتخلص منه حتى رد عليه وأفحمه، فإن جاءه بعد هذا بشيء لم آمن أن يدخل عليه فيه من القول ما يبطل حجته لئلا يدعي أنه قد علم ما جهله هو .
فقال يحيى للحجاج: قول الله عزّ وجلّ ( وَمِن ذُرِّيتهِ دَاوُدَ وَسليمانَ ) من عنى بذلك ؟
قال الحجاج: إبراهيم عليه السلام .
قال: فداود وسليمان من ذريته ؟
قال: نعم .
قال يحيى: ومن نص الله عليه بعد هذا أنه من ذريته ؟
فقرأ يحيى: ( وَأيّوب وَيوسفَ وَموسى وَهارونَ وَكذلِكَ نَجزي المُحسنينَ ) .
قال يحيى: ومن ؟
قال: ( وَزكريا وَيَحيى وَعِيسى ) .
قال يحيى: ومن أين كان عيسى من ذرية إبراهيم عليه السلام ، ولا أب له ؟
قال: مِن قِبَل أُمّه مريم عليها السلام .
قال يحيى : فمن أقرب : مريم من إبراهيم عليه السلام أم فاطمة عليها السلام من محمد صلى الله عليه وآله؟ وعيسى من إبراهيم، أم الحسن والحسين عليهما السلام من رسول الله صلى الله عليه وآله؟
قال الشعبي: فكأنّما ألقمه حجراً .
فقال: أطلقوه قبّحه الله ، وادفعوا إليه عشرة الآف درهم لا بارك الله له فيها .
ثمّ أقبل عليَّ فقال: قد كان رأيك صواباً ولكنّا أبيناه، ودعا بجزور فنحره وقام فدعا بالطعام فأكل وأكلنا معه، وما تكلّم بكلمة حتى افترقنا ولم يزل ممّا احتجّ به يحيى بن يعمر واجماً .
____________
واسط (1) مدينة بناها الحجاج في العراق عام 83 | 84 هـ ، وسميت واسطاً لتوسطها بين البصرة والكوفة والاَهواز وبغداد، فإن بينها وبين كل واحدة من هذه المدن مقداراً واحداً وهو خمسون فرسخاً . التنبيه والاَشراف: ص311 ، وفيات الاَعيان لابن خلكان: ج2 ص50.
الحجّاج بن يوسف الثقفي ، اشتهر بولائه للبيت الاَموي ، وبعدائه ونصبه للبيت العلوي، ولد في الطائف سنة 40 هـ ونشأ فيها ، كان والياً من قبل عبد الملك بن مروان وقد أولع في قتل شيعة أمير المؤمنين عليه السلام وأخذهم بكل ظنّة وتهمة أمثال قنبر غلام أمير المؤمنين عليه السلام وكميل بن زياد وسعيد بن جبير وأمثالهم ، قال ابن خلكان عنه : وكان للحجاج في القتل وسفك الدماء والعقوبات غرائب لم يُسمع بمثلها ، وكان الحجاج يخبر عن نفسه أن أكبر لذاته سفك الدماء وارتكاب أمور لا يُقدم عليها غيره . وكان مرضه بالاَكلة وقعت في بطنه ، ودعا الطبيب لينظر إليها ، فأخذ لحماً وعلقه في خيط وسرحه في حلقه وتركه ساعة ثم أخرجه وقد لصق به دود كثير ، وسلّط الله عليه الزمهرير ، فكانت الكوانين تجعل حوله مملؤة ناراً وتدنى منه حتى تحرق جلده وهو لا يحس بها ، وشكى ما يجده إلى الحسن البصري فقال له : قد كنت نهيتك ألا تتعرّض إلى الصالحين فلحجت ، فقال له : يا حسن ، لا أسألك أن تسأل ان يفرّج عنّي ، ولكني أسألك أن تسأله أن يعجل قبض روحي ولا يطيل عذابي ، واقام الحجاج على هذه الحالة بهذه العلة خمسة عشر يوماً ، توفي في شهر رمضان سنة 95 هـ في مدينة واسط ودفن بها وعُفي قبره . راجع : وفيات الاَعيان لابن خلكان : ج 2 ص 29 ترجمة رقم : 149 ، سفينة البحار : ج 1 ص 221 ـ 222 .
أبو سليمان يحيى بن يعمر العامري البصري ، ولد في البصرة ، وهو أحد قرّائها وفقهائها ، كان عالماً بالقرآن الكريم والفقه والحديث والنحو ولغات العرب ، وكان من أوعية العلم وحملة الحجة ، أخذ النحو عن أبي الاَسود الدؤلي ، وحدَّث عن أبي ذر الغفاري ، وعمّار بن ياسر ، وابن عبّاس وغيرهم ، كما حدث عنه جماعة أيضاً ، وكان من الشيعة الاَولى القائلين بتفضيل أهل البيت ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ ، وقيل : هو أول من نقّط القرآن قبل أن توجد تشكيل الكتابة بمدة طويلة ، وكان ينطق بالعربية المحضة واللغة الفصحى طبيعة فيه غير متكلّف ، طلبه الحجّاج من والي خراسان قتيبة بن مسلم فجيء به إليه ، لاَنّه يقول أن الحسن والحسين عليهما السلام ذرّية رسول الله صلى الله عليه وآله ، وقد أذهل الحجّاج بصراحته وجرأته في إقامة الحق وازهاق الباطل حتى نصره الله عليه ، كما نفاه الحجاج في سنة 84 هـ لاَنّه قال له : هل اُلحِنْ ؟ فقال: تلحن لحناً خفياً ، فقال : أجلتك ثلاثاً ، فإن وجدتك بعدُ بأرض العراق قتلتك ؟ ! فخرج ، وأخباره ونوادره كثيرة ، توفي ـ رحمة الله عليه ـ سنة 129 هـ.
متى جمع الإمام علي (عليه السلام) مصحفه؟
إنّ أول مَن تصدى لجمع القرآن بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) مباشرة، وبوصية منه(18) هو علي بن أبي طالب (عليه السلام) حيث قعد في بيته مشتغلاً بجمع القرآن وترتيبه على ما نزل.
قال ابن النديم ـ بسند يذكره ـ: أن علياً (عليه السلام) رأى من الناس طيرة عند وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) فأقسم أن لا يضع رداءه حتى يجمع القرآن.
وروى محمد بن سيرين عن عكرمة، قال: لما كان بدء خلافة أبي بكر قعد علي بن أبي طالب في بيته يجمع القرآن. قال: قلت لعكرمة: هل كان تأليف غيره كما أنزل الأول فالأول؟
قال: لو اجتمعت الإنس والجن على أن يُألفوه هذا التأليف ما استطاعوه.
قال ابن سيرين: تطلبت ذلك الكتاب وكتبت فيه إلى المدينة فلم أقدر عليه
المناقب: 2/40.
- الإتقان: 1/57،
الطبقات: 2/101،
بحار الأنوار: 92 / 88 ح 27،
آلاء الرحمن: 1/18.
وهكذا تم إعتبار مصحف علي بن أبي طالب الذي كتب حسب تسلسل النزول في حكم اللاموجود, وتم إخفاءه, ويقول الشيعة أنه موجود لديهم وفيه ذكر لعلي إبن أبي طالب.
وهكذا إلى أن حدث وتم إظهار مصحفاً آخر لإبن مسعود وفيه من الإختلاف في كثير من الكلمات التي استشهد بها كل من إبن كثير والأنباري, وابن جرير وابن المنذر وغيرهم, وكل تلك الروايات أتت من أجل الطعن في نسخة عثمان بن عفان ونسخة تشكيل الحجاج واعتبارها مزيفة, حتى ضاع الصواب مع الأكثرية وتم اتباعها على القهر والذل ولم يستطع الناس من بعدها التفرقة بين الحق والباطل.
حتى وبعد أن جاء رجلاً في زمان العلم والكمبيوتر في أيامنا هذه فحاول أن يثبت إعجاز القرآن, مع الرقم 19, أقصد الدكتور رشاد خليفة الذي أتهم بالجنون وبادعاء النبوة وتمت ملاحقته ثم قتله في داره بولاية أريزونا الأمريكية, وحدث بعد ذلك أن تم تسليم مؤسسته الإلكترونية لعملاء خونة غالوا في تعجرفهم وتملقهم واختراعاتهم للطعن بالقرآن, وبتحويل مسألة الرقم 19 إلى مهزلة إعلامية.
علماً أن سبب ظهور الرقم 19 مع بداية اختراع الكمبيوتر هو من أحد مفاتيح الله في حفظ هذا القرآن من التلاعب ومحاولة غسله من أيدي اللاعبين التي لعبت به خلال الـ 1400 سنة السابقة ومحاولة تطهيره من خبثهم وتلاعبهم الذي حدث فعلا وأصبح في خبر كان, ويجب أن يعاد النظر به تماماً بعد أن تبين للجميع أن كل نسخة من النسخ الموجودة لدينا اليوم من القراءات المنتثرة بين أيدينا من قراءة عاصم وورش وهاشم والسوسي والدوري, وووو كلها تختلف وبما أنها تختلف فنحن لا نذهب ونقول أن قراءة إبن مسعود لا يؤخذ بها لأنها كذا وكذا, ولا نستطيع أن نقول أن نسخة الإمام علي لا يؤخذ بها لأنها كذا وكذا, بل ما يجب البحث به وعليه هو ذلك الكتاب المكنون الذي حفظه الله لنا, وكلمة مكنون أي محفوظ في مكان مقفل, أين هو ؟
يحاول بعض العلماء الإدعاء بوجود مصحف عثمان في المدينة فأين هو ولماذا لا يظهر كاملاً وعلى الملأ, حتى تخنس الأصوات وتنبهر الأعين له وتنطبق عليه معجزة الرقم 19, التي تعثر بها الدكتور خليفة الذي أخفق في حروف الألف والياء, والنون.
إن من التديقيق في طريقة كتابة كلمة (على) و(حتى) في المصاحف القديمة القرشية والتي تعود إلى القرن الأول الهجري, نرى أن القرشيين كتبوا تلك الكلمتين بالألف الممدودة (علا ) و (حتا) :
كما يحاول بعض الفقهاء المفلسين بالإدعاء بأن مصحف الرسول الكريم موجود فعلاً في مكان ما, وأنه على دراية به ولكنهم وللأسف مازالوا يصرون على إخفاءه والإدعاء بأنه ليس هو الوقت المناسب بعد بإظهاره على الملأ, فمتى هو الوقت إذاً ؟
كما يجب أن يلاحظ أيضاً من النسخ القديمة التي كتبت في المدينة والمدن المجاورة لها غياب الهمزة عنها, فعندما بدأ المسلمين بكتابة المصحف في العصر الخليفة عثمان بن عفان كان بلا همز كما هو معلوم.
فليس التشكيل وحده ما تم إضافته على النص بل الهمزة أيضاً, ولكن تعالوا لنرى كيف أن التشكيل وما عرف بالقرآت السبع كيف حاد عن المعنى وبدأ في تحريف المعاني القرآنية :
لقد كتب السيد والمفكر الإسلامي علي عبد الجواد رداً على مقالة "إبراهيم الخليل" تعقيباً يريح صدره في قراءة الآية التالية :
(وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً) 17/16
وقال السيد عبد الجواد إن اعتبار النص فوق فهم العقل يجعلنا نحتار في مفهوم الآية التي تصر على أن الله يأمر بالفسق, ولكن إن اعتبرنا التشكيل هو عمل إنساني يحتمل الخطأ عندها يجب علينا تصليحة على مبدأ أن القرآن لا يأتيه الباطل لا من بين يديه اي من داخله (التشكيل)ولا من خارجه (أي بالتفسير الحديث وأسباب النزول) لوجب علينا نحن الذين ندعو إلى قراءة النص من جديد من إزالة اللغط في بعض الكلمات التي تناقض أسماء الله التي هي صفاته عندها نعلم أنه ليس من المنطقي أن يكون الله هو الآمر بالفسق, فبدأت بالبحث في كتاب الله لأجد الجواب ووجدت التالي في قوله تعالى :
(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجَرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) 6/125
علماً أن الله لن ينكر عن ذاته المكر بل قال أنه "خير الماكرين"
(وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) 3/54
وقراءة السيد عبد الجواد الجديدة لكلمة (أمَّرْنا) اتت بالتشديد على الميم بالفتحة وسكون الراء, فتأتي بمعنى (جعلنا في كل قرية أكابر مترفيها (لهم الأمر والإمارة) ففسقوا فيها وليس بمعنى أن الله أمرهم بالفسق الذي هو من أفعال الفئة المترفة ذاتهم, والله لا يأمر بالفسق.
ولأن أمر التشكيل في القرآن أمر جديد على بعض الذين يقدسون النص ويعتبرون أنه قد أتى سليماً معافى علماً أنه قد وصلنا بعد الـ 1400 سنة الماضية بكل الغبار الذي التصق به سواء كانت أحاديث نسبت للرسول ظلماً وعدواناً, أو كانت مقصودة من حاسد يريد التشويه للإسلام , أو كانت نتيجة بدعة أسباب النزول التي تثبت النص بدلاً من تحريره, أو كانت نتيجة التفسيرات المغرضة التي شككت في الإسلام كضرب النساء والدعوة إلى الإسلام بالسيف والدعوة إلى قتل المرتد, وإن إظهار هذه الحقيقة اليوم وبعد مرور أكثر من 1400 سنة, والتي تتعارض مع إيمان الأكثرية بأن التشكيل منزل من السماء, قد وضع الناس اليوم في خشية وحيرة في تصليح التشكيل القديم, لأن ذلك يحتاج لطبعات جديدة للقرآن مع سحب النسخ القديمة من بين أيدي الناس, والذي سيؤدي إلى إعتبار أن التحريف قد تسلل إلى الكتاب مما سيدخل الريبة في قلوب الجميع, فكان من الأفضل السكوت والصمت عن الحقيقة, وأنا أقول أنه لا داعي لسحب أي نسخة أو تعديل أي نسخة فالأمر عائد للإنسان ولقارئ القرآن (الفرد) إذا آمن فعل وإن لم يؤمن لم يفعل فالإيمان وعدمه أمران يعودان للإنسان.
علينا أن نقبل بالحقيقة القائلة : أن القرآن لم يكن مشكلاً عند نزوله مع الوحي وأن التشكيل عمل إنساني أضيف للقرآن بعد ظهور ضرورته خاصة بعد دخول الأعاجم إلى الإسلام بالتالي فالتشكيل لم تكن عليه رقابة إللهية بعد نزول القرآن.
ولو قرأنا الآيات التالية من سورة القيامة :
( بَلْ يُرِيدُ الْإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ وَخَسَفَ الْقَمَرُ وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ يَقُولُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ كَلَّا لَا وَزَرَ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ يُنَبَّأُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ ) 75/12-19
أولاً يجب قراءة النص كاملاً حتى نعرف أن الحديث هو للإنسان بشكل عام وأن الله تعالى لم يخصص تلك الآيات لعصر وزمان الرسول أو لشخص الرسول أبداً, (فهي ليست أيات محكمة بل آيات متشابهة)وهذا ما وقع فيه الكثير من الناس قبلاً في تفسير هذه الآيات بأن جعلوها خطاباً موجهاً للرسول فقط, أي أنها محكمة الزمان والمكان ولشخص الرسول, وإذ قرءنا تلك الآيات وجردناها من زمانيتها واعتبرناها خطابا عاماً للإنسان في الأرض, حيث شاهدنا عبارات الخطاب للإنسان في أربع آيات في مقدمة السورة, ولا نجد فيها أي خطاب منفصل للرسول على الإطلاق ثم نقرأ ... (لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ) أي الإنسان ... وتحريك اللسان في اللغة ياتي في كتابة النص من أجل قراءته وهو التشكيل, ونجد بها أيضاً تصريحا إلهياً بأن القرآن فعلاً دُوِّنَ بدون أي حركات للنطق, أي أنه غير مشكل ولكن لماذا ....؟
يقول الله (حتى لا تعجل به) والإستعجال في طريقة النطق والتشكيل مسألة تحيد عن المعنى ونحن نعلم ان هناك آيات كثيرة في القرآن لم يأتي تأويلها بعد, ويجب تركها إلى أن يأتي زمانها وتبيانها, وبما أن القرآن لا يأتيه الباطل لا من خارجه ولا من داخله, كما قال الله لنا في الآية الكريمة :
( لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)41/42
وكذلك بين الله لنا كيفية حفظه للقرآن في سورة القيامة في أمور ثلاثة :
أولاً القراءة .. متروكة لله.
ثانياً الجمع متروك على الله.
إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ
وثالثاُ البيان متروك لله أي الشرح.
ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ .
وهكذا نكون قد تأكدنا أن القرآن قد نزل كاملاً بالوحي على الرسول منقطاً ولكنه لم يكن مشكلاً, بالبرهان الحقيقي التاريخي مما لدينا اليوم من صحائف القرآن التي تعود للقرن الأول الهجري, ومن برهان ثاني من آيات الله في القرآن يصرح بها الله لنا أن قراءة وجمع وتبيان القرآن هي أمور متروكة لله سيظهرها لنا وهذه هي حكمته في حفظ القرآن أساساً:
(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)15/9
وهذا معروف من الجميع ويقر به السلف لكن البعض منا إلى هذا اليوم يعتقد أن القرآن قد نزل بدون تنقيط أيضاً, والبعض يخلط بين التنقيط والتشكيل.
ماذا فعل آباءنا المسلمين (السلفيين) بالقرآن ...؟
1- نقشوه على الأوراق فأخطأوا بكتابة حرف الألف والياء لإختلاف اللهجات.
2- أضافوا عليه الهمزة من لغة الشام.
3- أضافوا عليه التشكيل فاختلفت القراءات.
(وبعد هذه الإضافات عادوا اعتبروها منزلة من السماء)
4- أضافوا عليه قوانين التجويد.
5- أضافوا عليه تقسيم الأجزاء.
6- أضافوا عليه أماكن السجود.
معتبرين تلك الإضافات من الإضافات الثانوية الحسنة التي لا تؤثر على مفهوم القرآن, إلا أن قد تبين لنا أن مكان الوقف والمتابعة شيء خطير للغاية ويغير المعنى بشكل فظيع, فإن قرأنا مثلاً الآية التالية من دون أن نتوقف على المكان الصحيح لضاع المعنى:
(... وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ....) 3/7
إن اقتطاع الآية بهذا الشكل يقلب المعنى قلباً جذرياً.
لذلك كان من الأفضل أن نقرأ الآية بتمعن أكثر ومن خلال قراءتنا لها سنعلم أن الوقف يجب أن يأتي على كلمة الله, (بالبحث عن نقاء المعنى) وثم نتابع اللآية :
(هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ, وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ) 3/7
لنفرض أن تلك الترسبات التي أضافها السلف قد كانت كلها بحسن نية ولم تكن عن قصد الإساءة وأنهم أخطأوا لأنهم بشر والبشر خطاء, فما عليهم إلا بالإعتراف بخطأ السلف.
بعدها ربما قد يتفكروا في قراءة النص من جديد وبعدها سيتبين لهم أن بحوث الصلاة والصيام والطلاق والحج والزكاة في القرآن تختلف إختلافا كلياً عن رسالة البخاري وأبو هريرة.
وهناك طريقة وضعها الله في كتابه وحفظها بشكل سري ولمدة 1400 سنة لكشف النص الصحيح, وهي معجزة العدد 19 والتي أخفق الدكتور رشاد خليفة في البرهان عليها بسبب تعثره في حروف (اللألف والياء والنون) لإعتماده على النسخة (العثمانية) المنسوبة للحكم العثماني التركي وليس للخليفة عثمان بن عفان, فبدأ ظنه يأخذه إلى إعتبار أن هناك آيات من القرآن يجب حذفها وأن حرف النون في مطلع سورة القلم يجب أن تكتب (ن و ن) بدلا من (ن) لأنه أخفق في إيجاد النون الناقصة التي ظهرت في مصحف استانبول الأثري المكتوبة (نصرمنها) حيث أتت نون قسم المتكلم واضحة لا يشوبها أي تساؤل.
أقسموا لنصرمنها... لاحظ نقطة النون.
وكلمة (صرم) تأتي هنا بمعنى (الدخول) أو (الهجرة إلى الشيء).
عزيزي القارئ بدلاً من الإقتناع بأن النسخة التي بين يدينا هي نسخة صافية من شوائب السلف يجب علينا التفكر فيها, وبدلا من الخوف على إنقسام الفئات الضالة أساساً, يجب علينا البدء بالعمل على تصفية ماء النبع.
يجب أن نؤمن أن الله تعالى هو الذي خاطبنا كمسلمين على الشكل التالي :
(إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ) 75/17-20
إن الأمر بالجمع (هو أمر بإستخراج النصوص من المتاحف ونشرها بشكلها الكامل وليس لمصحف واحد أو لإثنين منها, بل جميعها ونشرها على الإنترنت وجعلها متوفرة للجميع بلا استثناء)
وقرآنه أي (قراءة النص) أي تشكيله. والتشكيل الحالي صحيح وبنسبة 90% وتلك خطوة جيدة وأسهل من البدء من نقطة الصفر.
ثم أن بيانه (تبيان معانيه) هو وعد الله لنا بأنه سيبينه لنا وحده من ذات القرآن, والحمد لله الذي ألهمنا إلى الترتيل والمحكم والمتشابه.
وهنا يجب أن نحاول إظهار إختلافات كتابة أحرفه وتصحيحها كحرف الألف مثلاً فقد شاهدنا كيف أن كلمة (قال) والتي أتت في بعض المواقع بألف مقصورة ٌ (قــل) علماً أن القراءات جميعها حاولت أن تتفق على كتابة كلمة “صراط” مثلاً بشكل واحد ضمن المصحف الواحد, وكذلك أغلب الكلمات, مع بعض التجاوزات مثل كلمة “يشاقق” مثلاً أتت في المصحف مثلاً بشكلين بألف ممدودة في أغلب الأحيان ولكنها أتت في سورة النحل مثلاً بألف مقصورى.
كما أن هناك بعض الفوارق بين قراءة وقراءة من القراءات السبع فأحياناً تم قلب الواو ياء أو ألفاً أو تم قلب الثاء ياءً أو النون تاءً أو العكس لنرى معاً هذه الفوارق ولندقق فيها ولنتبع ما هو أصح, فعبارة (والعنهم لعناً كبيراً, والعنهم لعناً كثيراً) بين قراءة هاشم وعاصم, ألا ترى أن كثيراً تدل على الكثرة, أما كبيراً فهي تدل على عظمة الشيء حجماً ووزناً.
تطور علم التشكيل :
ثم تم بعد ذلك تطوير لعلم التشكيل على يد أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي البصري وهو عربي النسب من الأزديين ولد في عُمان عام 100 هـ 168هـ ،718- 786م وهو مؤسس علم العروض وواضع أول معجم للغة العربية وهو العين
كما أنه هو الذي تلمذ على يده عالم النحو والصرف المشهور سيبوية.
تشكيل الفراهيدي 135 هـ.
وهكذا انتقلت طريقة تشكيل الفراهيدي إلى عصرنا هذا وذلك بإبدال النقط بالفتحة والكسرة والضمة كما تمت إضافة التنوين والشدة والسكون كما نرى من الصورة أعلاه.
ولكن وبعدها بفترة وجيزة تمت إضافة علماً جديداً يدعى علم التجويد وأول من جمع هذا العلم في كتاب هو الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام في القرن الثالث الهجري فقد ألف " كتاب القراءات " ، وقيل أن أول من ألف وجمع القراءات هو حفص بن عمر الدوري ، واشتهر في القرن الرابع الهجري الحافظ أبو بكر بن مجاهد البغدادي وهو أول من ألف في القراءات السبعة المشهورة ، وتوفي سنة 324 من الهجرة ، وفي القرن الخامس اشتهر الحافظ الإمام أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني مؤلف كتاب ( التيسير) في القراءات السبع والذي صار عمدة القراء وله تصانيف كثيرة في هذا الفن وغيره.
واشتهر في هذا العلم أيضاً الإمام مكي بن أبي طالب القيسي القيرواني وقد ألف كتبًا لا تعد ولا تحصى في القراءات وعلوم القرآن.
وفي القرن السادس الهجري اشتهر شيخ هذا الفن الذي تسابق العلماء إلى لاميته وانكبوا عليها انكباب الفراش على النور تلك هي الشاطبية التي أسماها " حرز الأماني ووجه التهاني.
ساحة النقاش