الخط الكوفي.. عودة إلى التراث القديم |
|||||
|
|||||
النقد والتعليق: أهلا ومرحبا بأصدقاء نادي المبدعين ومشاركاتهم الفنية المتميزة، معنا اليوم لوحتان أرسل بهما الصديق محمد حجازي من مصر، وهما عبارة عن تكوينات بخط الكوفي، ذلك الخط العريق الذي كان للأستاذ يوسف أحمد رحمه الله الفضل في بعثه من مرقده بعد مئات السنين، حيث عكف على جمع آثاره وقام بتدريسه في مدارس تحسين الخطوط، وقسم الآثار بكلية الآداب عام 1932. وقد حمل مشعل تدريس الخط الكوفي من بعده الأستاذ محمد عبد القادر رحمه الله، والذي أبدع فيه أيما إبداع، وترك لنا كتابا يعد نموذجا لتدريس الخط الكوفي بنوعيه (المصاحف، والفاطمي) وهو بحق يعتبر المرجع الأول والذي ننصح بالرجوع إليه في تعلم الخط الكوفي**. اللوحة الأولى التي بين أيدينا عبارة عن دعاء نصه "يا رب.. أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك" وقد أحسن الفنان هنا في إخراج التكوين، حيث ظهر كأنه مشكاة أو إبريق، مستغلا في ذلك امتداد حرف الألف في كلمة "يا رب" مع تناظر مقطع "يا" في نفس الكلمة. - أيضا جاء ترتيب الكلمات داخل التكوين موفقا إلى حد كبير بحيث يقرأ بصورة سليمة بحيث لا تسبق كلمة أخرى مما يخل بالمعنى. - ظهرت المسافات بين الحروف والكلمات بعضها البعض متناسقة، وهذا لأن خط الكوفي يختلف عن غيره من الخطوط العربية في كونه خطا هندسيا، يستخدم في كتابته القلم الرصاص والمسطرة، مع استعمال المثلثات الهندسية (60، 45، 90، 30 درجة). - جاء الإطار الخارجي للوحة بشكل متناسق جميل ليملأ الفراغ حول النص مكملا لحرف الألف في كلمة "يا رب" بعد تناظر المقطع الأول منها ليكون بذلك "ضفيرة" هندسية تكتمل عند قمة التكوين، ثم تمتد يمينا ويسارا لتملأ أركان اللوحة، ثم ترتد إلى أسفل مرة أخرى. وقبل أن نذكر ما جاء باللوحة من نقاط ضعف، فإنه يجدر بنا أن نشير إلى صعوبة إعمال الفنان فكره في التصميم أو التكوين الذي يقوم به، وأن يبذل كل جهده حتى تصل اللوحة إلى الشكل النهائي الجميل، وذلك بوضع التصور أولا للشكل المراد عمله بعد اختيار النص المناسب. كذلك قد يلجأ الفنان إلى تعديل شكل بعض الحروف، أو جزء منها ليتناسب مع التكوين العام، وذلك بعدة طرق للتصرف الفني، شريطة ألا يؤثر ذلك على قاعدة الحرف الأساسية، ولا تظهر به زيادة أو نقصان تؤدي إلى الالتباس بينه وبين غيره من الحروف، مما يخل بالمعنى، وهنا نذكر المبدع الراحل الأستاذ محمد حسني، ذلك الخطاط الفذ، حيث يروى عنه أنه كان عندما يقوم بكتابة لوحة خطية، كان يقوم بعمل تصميمات مختلفة لنفس النص كـ"بروفات" للوحة، ثم يقوم بعمل كل التعديلات اللازمة فيها قبل أن يشرع في تنفيذ اللوحة بالحجم المطلوب، وبعد أن ينتهي من اللوحة يتركها لفترة لا يراها أحد غيره، وينشغل بغيرها حتى يرجع إليها بعد فترة قد تصل إلى أيام فيتأملها ثانية، ليكتشف أمورا جديدة تحتاج إلى تعديلات فيعدلها، ويظل يكرر ذلك حتى يرضى عنها فينشرها. ونستفيد من ذلك أنه لابد من إعمال الفكر والخيال، وحشد كل الطاقات الفكرية والذهنية عند التصدي للعمل الفني، وعدم التسرع في إنهاء اللوحة، حتى تنال رضا مبدعها أولا، ثم استحسان المتلقي، مما يثري العمل الفني. وبشكل عام فقد ظهرت في اللوحة بعض نقاط الضعف نجملها فيما يلي: - لم تظهر نقطة النون في كلمة "أعنّا" وكان يمكن أن توضع فوق حرف اللام في كلمة "على" وذلك بعد تقصير اللام شيئا يسيرا. - جاء حرف الكاف في كلمة "ذكرك" مضغوطا، كما يبدو الاختلاف واضحا في شكل حرفي الواو في عبارات "وشكرك"، "وحسن عبادتك". - في كلمة "حسن" جاء ترتيب سنون السين، مع حرف النون على غير الوجه الصحيح. أما اللوحة الأخرى وهي أيضا دعاء نصه "يا رب اجعلنا من الذين إذا أعطيتهم شكروا، وإذا ذكرتهم ذكروا، وإذا ابتليتهم صبروا" ولا نزيد فيه على ما قلنا في اللوحة الأولى، اللهم إلا أن الفنان في اللوحتين قد خلط بين نوعين من خط الكوفي هما الكوفي الفاطمي والكوفي المربع، وهو أمر لا يدركه سوى المتخصص والدارس، وبالدراسة سوف يقوم بالتعرف على الفرق بينهما ببساطة. وأخيرا.. فالصديق لديه موهبة حقيقية، ونصيحتي له أن يسرع بدراسة الخط العربي، وأن يعطي الجزء الأكبر من اهتمامه لدراسة خط الكوفي. وعليك يا محمد باقتناء كتاب "الخطوط العربية" للفنان محمد عبد القادر رحمه الله، فسوف يعينك كثيرا على كتابة الحروف بطريقة سليمة وصحيحة، وسوف تتعرف منه على المقاييس الواجبة الاتباع، مع القواعد التي يقوم الكتاب بشرحها باستفاضة لكل حرف على حدة. |
ساحة النقاش