الجامعة الافتراضية
أحد الأنماط الجديدة في التعليم الجامعي
ا.د/ جمال على الدهشان
أستاذ ورئيس قسم أصول التربية
كلية التربيةـ جامعة المنوفية
ملخص
تشهد المجتمعات المعاصرة تحديات عديدة فرضت نفسها على طبيعة الحياة فيها، وأسلوب عملها وعمل منظماتها المختلفة، من أبرز هذه التحديات ما تشهده تلك المجتمعات من تقدم في تقنيات المعلوماتية والاتصالات الحديثة.هذه التحديات أسهمت في تغيير طبيعة الحياة وشكل المؤسسات ... ومن بينها المؤسسات التعليمية على نحو جذري خاصة في الدول المتقدمة.
هذه التغيرات جعلت الحاجة ماسة إلى تعليم من نوع جديد يستوعب تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ،ويستفيد منها في تقديم تعليم يزود تلاميذه بعقلية ناقدة وواعية قادرة على التعامل مع طوفان المعلومات والإفادة منها، ويراعى ظروف المتعلمين ويتجاوز حدود الزمان والمكان، ولا يشترط التواجد المتزامن للمتعلمين مع المعلم في المكان نفسه، إلا وهو التعليم عن بعد.
وإذا كان التعليم عن بعد قد اعتمد على تقنيات الاتصال، فقد مهد كل تطور في هذه التقنيات لظهور الأشكال التعليمية المناسبة لذلك التطور، فقد أدى انتشار البريد إلى ظهور التعليم بالمراسلة عبر المواد المطبوعة والمكتوبة، وأدى بدء البث الإذاعي إلى استخدام الراديو في التعليم، وبتقدم الصناعات الكهربائية والالكترونية ازداد دور الصوتيات بشكل عام في التعليم من خلال أجهزة التسجيل، ثم ظهر التليفزيون والفيديو، ومع شيوع استعمال الأقمار الصناعية، وانتشار أجهزة الكمبيوتر الشخصية وشبكاته، أصبحت تطبيقات الكمبيوتر خاصة القائمة على التفاعل ومن أبرزها الانترنت - من أهم وسائل التعليم عن بعد وأكثرها فاعلية، بل وإلى تأسيس تعليم متكامل معتمد على هذه التقنيات وهو ما سمى بالتعليم أو التعلم الالكتروني E.learning أو الافتراضي virtual learning .
والواقع أنه لم تستطع تقنية من تقنيات الاتصال أن تستحوذ على اهتمام رجال التربية والباحثين التربويين على المستوى الدولي، مثلما فعل الانترنت وشبكته العالمية، ففي حالة المذياع مثلا استغرق الوقت أربعين سنة ليصل عدد مستخدميه خمسين مليون شخص، واحتاج التليفزيون إلى ثلاثة عشر عاماً ليصل إلى مثل هذا العدد من الناس، ولكن الأمر مع الانترنت لم يستغرق سوى أربع سنوات 8 ،حيث استطاعت تلك التقنية أن تتيح لكل فرد من أفراد المجتمع -ومن بينهم الطلاب - إمكانية الدراسة والتعلم بطريقة تسمح له بالتحكم في ذلك وفق حاجاته وإمكاناته بغض النظر عن موقع وجوده الجغرافي، ومكنت من الاستفادة من المكتبات الالكترونية، والكتب الالكترونية، وقواعد البيانات عند الطلب، والمحادثات ذات الاتصال المباشر وخدمات المعلومات الأخرى والبرامج الثقافية المختلفة،من خلال قيام العديد من معاهد التعليم الالكترونية والجامعات الافتراضية (الالكترونية) بتوفير برامج عديدة على الشبكة الالكترونية (الانترنت)، يمكن للدارسين من جميع أنحاء العالم الالتحاق بها، وما على الدارس منهم إلا أن يفتح موقعاً معيناً، ويدخل رقمه السري فيحصل على نص المحاضرة والأسئلة التي يجيب عليها، كما يمكن إجراء الاختبارات والمشاركة في الحوار مع الدارسين الآخرين والمحاضر أو المشرف الأكاديمي.
وتشير بعض الدراسات إلى أن بداية ظهور الجامعات الافتراضية كان في العقد الأخير من القرن العشرين، نتيجة تطور تقنيات عديدة كالمحادثات المباشرة والمؤتمرات المسموعة والمرئية، وإنشاء محاور افتراضية، وشبكات الاتصال الحديثة والانترنت وغيرها، حيث بدأ ظهور هذا النوع من الجامعات عام 1999 في جامعة نيويورك بكلية افتراضية واحدة من كليات الجامعة، وكانت تجربة مشجعة جداً، مما حدا بالعديد من مؤسسات التعليم العالي إلى خوض التجربة نفسها.
وقد تطور ظهور الجامعات الافتراضية أو الالكترونية نتيجة التطور في تكنولوجيا الاتصالات، وتزايد الطلب على التعليم العالي وعدم قدرة الجامعات التقليدية على تلبية ذلك، إضافة إلى تغير حاجات الطلاب ومطالبهم، وحلول مؤسسات أخرى في ميدان تقديم المعرفة.. وغير ذلك من الأمور التي عجزت الجامعات التقليدية عن مواجهتها فاستخدم تلك المؤسسات لتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات يمكن أن توفر مخرجاً من مأزق التعليم الحالي، وذلك عن طريق توفير التعليم لإعداد كبيرة بنفقات أقل، وبكفاءة وجودة أفضل، ولعل ذلك هو ما دعا بعض الدول المتقدمة للأخذ بهذا الاتجاه، وأيضاً بعض الدول العربية ومن بينها سوريا وبعض دول الخليج العربي.
وتسعى الدراسة الحالية إلى إلقاء الضوء بعض الجوانب المتعلقة بالجامعة الافتراضية كأحد الأنماط الجديدة في التعليم الجامعي ومعوقات الأخذ بها، من خلال محاولة التعرف على العوامل التي ساعدت على ظهور وانتشار الجامعات الافتراضية،و مفهومها، ومتطلباتها ،وآلية العمل بها، وأوضاع الطلاب وأعضاء هيئة التدريس بها، مع استعراض بعض القضايا التربوية المثارة حول نظام التعليم بها،و معوقات الأخذ بها في العالم العربي.
وفى ضوء ذلك سوف تسير خطة الدراسة وفق الخطوات التالية:
ـ استعراض ابرز العوامل أو الأسباب التي أدت إلى ظهور وانتشار الجامعات الافتراضية.
ـ توضيح مفهوم الجامعة الافتراضية ، خصائصها، آلية عملها، أوضاع الأساتذة والطلاب بها.
ـ توضيح بعض القضايا المثارة حول نظام التعليم بالجامعة الافتراضية.
ـ تحديد بعض معوقات الأخذ بالجامعة الافتراضية في العالم العربي .
ساحة النقاش