الابداع الثقافى

يضم الثقافة فى شتى مجالاتها

الدستورية، من المنظور التاريخي كانت تمثل جهوداً للحد من سلطات الحكام السياسيين. وقد وصفها كوينتن سكينر بأنها “أعظم منافس نظري للاستبداد”. وقد ارتبطت الدستورية ارتباطاً وثيقاً بفكرة حكم القانون، وهي نظرية تجعل الدستور أساس السيادة، أو القانون الأساسي للدولة وليس للملك الحاكم. هذا القانون الأساسي بدوره، كان يستمد سلطته من الشعب. مبدأ الدستورية يقضي بوجود قانون أعلى يتوجب على الحكّام التقييد به و إلا سيحاسبون على الإخلال به.

من الضروري الادراك، بأن شخصاً ما يدعو إلى الحاجة إلى دستور، ليس بالضرورة مدافعاً عن مذهب الدستورية. فقد يكون لدى أكثر الدول استبداداً دستور، أي إطار للحكومة يحدِّد فيه المبادئ الأساسية والإجراءات، ويفوِّض شخصاً ما أو جماعة من الأشخاص، بممارسة السلطة السياسية بالنيابة عنها. وفي الحقيقة، فإن دولاً شمولية معاصرة، قد استخدمت الدساتير في مناسبات عديدة لشرعنة سياساتها الاستبدادية، لذا فليس هنالك بالضرورة علاقة بين الدستور من جهة ومذهب والدستورية من جهة أخرى. والتي تحدد الدور المناسب الذي يجب ان يلعبه الدستور.

بالإضافة إلى ذلك لا يجب الاعتقاد بأن المدافعين عن الدستورية كانوا يطالبون دائماً بدستور مكتوب. على النقيض من ذلك، فإن الدستور المكتوب هو فكرة حديثة مستجدة جاءت مع وضع الأمريكيين لدستورهم في مؤتمر صياغة الدستور عام 1787. قبل ذلك، كانت بريطانيا تُمتدح على نطاق واسع كمثال للحكومة الدستورية، على الرغم من أنها لم تكن تمتلك وثيقة دستورية تضاهي دستور الولايات المتحدة الأمريكية. وبدلا من ذلك، فقد استند الدستور البريطاني إلى خليط من العناصر، مثل القانون العام المتوارث، ووثائق مختلفة مثل (الماجنا كارتا) وأهم من ذلك كله، كما أكده مونتيسكيو، في كتابه: روح القوانين (1748)، هو هيكلة الحكومة البريطانية، وبالأخص فصل السلطات، كما تم بين الملك ومجلسي البرلمان البريطاني.

استند الليبرتاريون الإنجليز الأوائل على تلك المعالم الدستورية لتبرير معارضتهم لاستبداد عائلة ستيوارت الملكية الحاكمة. وقد أدَّى ذلك الصراع إلى ثورتين: الحرب الأهلية في أربعينيات القرن السابع عشر، التي انتهت بإعدام تشارلز الأول، “وثورة 1688 المجيدة”. كذلك، عندما كان الثوار الفرنسيون يستندون إلى الدستور القديم، لتبرير معارضتهم للعرش الفرنسي، خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر، فقد كانوا يشيرون ليس إلى دستور بعينه، وإنما إلى جملة من الأعراف والعادات والتي انتهكت من قبل هؤلاء الملوك ذوي السلطات المطلقة في ذالك العصر.

هذه الأمثلة تُبين المنطلقات الثورية للدستورية الحديثة، وهي المنطلقات أو المعالم التي أقلقت ناقدي الدستورية أكثر من غيرها. حتى المدافعين عن الاستبداد—الذين كثيراً ما كانوا يرددون المقولة “بأن ما يقرره الأمير له قوة القانون” وأن “الأمير ليس مسؤولاً أمام أي كان سوى الله”—كانوا يُقرون بأن الحاكم ملتزم أدبيا ً باحترام قواعد العدالة، وكذلك المبادئ الأساسية للقانون التقليدي المتوارث. ولكنهم كانوا يصرون أيضاً بأن السيادة المطلقة يجب أن تكون في الحاكم الشرعي (عادة الملك)، الذي يجب أن يملك السلطة النهائية وغير المشروطة فيما يتعلق بالقانون. وقول غير ذلك، والادعاء بأن أصحاب السيادة أنفسهم يمكن أن يكونوا موضع مساءلة (أن يُعزلوا، أو يعاقبوا أو يقتلوا) إذا خالفوا مواد الدستور، كان في رأيهم ليس أقل من دفاع عن الفوضى.

إن السيادة في رأي من يؤمنون بالسيادة المطلقة هي أن تكون أو لا تكون. يجب أن تكون لإنسان ما، الكلمة النهائية فيما يتعلق بالقانون وأية محاولة لوضع تلك السيادة في “دستور”، والذي يكون دائماً معرضاً لتفسيرات مختلفة، هي دعوة دائمة للثورات والفوضى الاجتماعية، حيث تتصارع الفئات المختلفة لفرض وجهات نظرها الذاتية في دستور هش يُفترض أن جذوره مستقاة من المؤسسات القديمة والأعراف والتقاليد.

لقد انطوى هذا الأمر على قلق حقيقي مما أدى إلى الدفع بالكثير من الأمريكيين إلى الموافقة على ضرورة وضع دستور مكتوب، يعطي للحكومة سوى سلطات منصوص عليها ومفوضة من قبل الشعب — وهو تحديد كان يؤملُ منه أن يُقلل من إمكانيات النزاعات العنيفة. هذا القلق أظهر كذلك الحاجة إلى فصل السلطات داخل الحكومة. وعلى الرغم من أن هذه الفكرة تعود إلى كتاب قدماء الإغريق والرومان، فإن الأمريكيين مدينون بدرجة رئيسية إلى النموذج البريطاني في وضع دستورهم المحدد.
أما فصل السلطات، الذي تجسده في الدستور الأمريكي السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والسلطة القضائية، فيطلق عليه نظام “المراقبة والموازنة”. هذا الشعار يعكس الخوف من تعطش السلطة (وكان هذا تعبيراً شائعاً في القرن الثامن عشر في الأدب السياسي)، من شأنه بطبيعة الحال أن يدفع بالحكام إلى توسيع سلطاتهم متجاوزين الحدود التي وضعها الدستور.

لذا، وبتقسيم السلطة بين ثلاث مؤسسات مختلفة ضمن الحكومة، وبالسماح لكل منها بمراقبة سلطة المؤسستين الأخريتين، كان يُعتقد بأن ذلك سوف يُحقق التوازن المطلوب في ممارسة السلطة. كان هذا النظام محاولة ذكية لمحاصرة النتائج الضارة المتأتية عن تعطش السلطة، بحيث تنتج التوازن المأمول بينها، علماً بأن كل واحدة من مؤسسات الحكومة سوف تعمل على تقييد سلطة المؤسستين الأخريين، للحفاظ على سلطتها المنصوص عليها بالدستور.
المصدر: from دار العدالة والقانون العربية > موقع محامو العرب > منظومه قانونية عربية متكامله by نوفورما
  • Currently 45/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
15 تصويتات / 465 مشاهدة
نشرت فى 3 مايو 2011 بواسطة foxrever

ساحة النقاش

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

809,124

عبدالوهاب اسماعيل

foxrever
»

ابحث