علاقات الدول الكبرى بالبحر الأحمر
أولا ً: الولايات المتحدة الأمريكية
لا يمكن فصل البحر الأحمر عن مجمل المصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط. فهذا البحر يمثل أهمية خاصة للإستراتيجية الأمريكية في ضوء الاعتبارات التالية:
1. سعي الولايات المتحدة الأمريكية إلى السيطرة على البحر الأحمر، وبصفة خاصة مدخله الجنوبي، بسبب أهميته الإستراتيجية، وارتباطه المباشر بمنطقة الخليج العربي.
2. ضرورة ضمان استمرار تأمين الخطوط الملاحية، التي يمر بها النفط، عبر البحر الأحمر وقناة السويس.
3. ما تشكله المنطقة من أهمية إستراتيجية في مواجهة التجمع الأوروبي، سعياً إلى انفراد الولايات المتحدة الأمريكية بالدور الأكثر فاعلية في السيطرة على النفط وطرق نقله.
4. حرص الولايات المتحدة الأمريكية على استمرار دورها الفاعل في منطقة الشرق الأوسط بصفة عامة، والبحر الأحمر والخليج بصفة خاصة، مع العمل على إعادة ترتيب المنطقة طبقاً لمصالحها الإستراتيجية.
5. الأهمية العسكرية للبحر الأحمر، الذي يشكل محوراً أساسياً لأي تدخل عسكري محتمل، في حالة أي تهديد للمصالح الأمريكية في المنطقة وما حولها.
6. وجود مصالح إستراتيجية مشتركة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل في البحر الأحمر، على أساس التزام الأولى بضمان أمن الثانية في مواجهة أي احتمالات لفرض قيود خاصة على مضايق البحر أو الملاحة فيه.
وقد برزت أهمية منطقة البحر الأحمر، من منظور الأهداف الإستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط، في أعقاب حرب 1973، حين استُخدم النفط العربي كسلاح سياسي، وهو ما أكد للولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا واليابان أهمية منطقة النفط في الشرق الأوسط، وخطر الطرق والممرات البحرية في البحر الأحمر، الأمر الذي وضع المنطقة في دائرة التنافس بين القوى الدولية. ومع دخول منطقة البحر الأحمر في دائرة الصراع الدولي، استهدفت الإستراتيجية الأمريكية، يومذاك، الحد من النفوذ السوفيتي في المنطقة، إذ وضع الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، أول مرة، إستراتيجية التدخل الأمريكي في المنطقة بالقوة المسلحة، في حالة تهديد المصالح الأمريكية. وعلى هذا، ظهر في الفكر العسكري الأمريكي ما يعرف بإنشاء "قوات الانتشار السريع"، التي خُصصت للعمل في الخليج والبحر الأحمر، والتي وضعت بإمرة القيادة المركزية الأمريكية.
وظل البحر الأحمر موضع اهتمام الإدارة الأمريكية، على اختلاف عهودها والمبادئ التي تحكمها، من مبدأ نيكسون (1969) حتى مبدأ بوش (1990)، مروراً بمبدأ كارتر (1976) ومبدأ ريجان (1982). وجميعها كانت ترى في البحر الأحمر موقعاً ذا أهمية إستراتيجية، وممراً دولياً للملاحة، ومنطقة يجب أن تسيطر عليها الإستراتيجية الأمريكية، وتطرد منها النفوذ السوفيتي، أو تخفف وجوده إلى أدنى حدّ ممكن، وتضمن لإسرائيل المرور البحري الحر، والوجود العسكري في بعض جُزر البحر وموانئه.
تسعى سياسة الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط بصفة عامة، وفي منطقة البحر الأحمر بصفة خاصة، إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية،
وهي:
1. ضمان عدم سيطرة قوى معادية على البحر الأحمر
من أجل تحقيق هذا الهدف، قامت الولايات المتحدة الأمريكية بملء الفراغ الذي تركه الانسحاب البريطاني من منطقة الخليج وعدن، العام 1968، خشية قيام أي دولة أخرى منافسة بمثل هذا الدور. فالولايات المتحدة الأمريكية عدّت نفسها وصية على حماية المصالح الغربية، بعد الانسحاب البريطاني. والمصالح الغربية، من وجهة نظر السياسة الأمريكية، تتمثل في منع انتشار التأثير أو الوجود لأي قوة معادية، في منطقة الشرق الأوسط والبحر الأحمر وممراتهما المائية ذات الأهمية الإستراتيجية.
ومن أجل تحقيق مصالحها الإستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط، عقدت الولايات المتحدة الأمريكية مجموعة من التحالفات، ذات الصبغة السياسية أو الصبغة العسكرية، لتطويق الاتحاد السوفيتي السابق، والحدّ من تأثيره ونفوذه. ومن أمثلة هذه التحالفات "حلف بغداد"، الذي حاولت الولايات المتحدة الأمريكية استقطاب العديد من الدول العربية للانضمام إليه. ولكن مقاومة بعض الدول العربية للحلف، أدّت إلى تقليصه ثم طيّه.
وفي جميع الأحوال، حاولت الإستراتيجية الأمريكية في البحر الأحمر تفادي أي صِدام مباشر مع الاتحاد السوفيتي السابق في المنطقة، مستفيدة من تجربة تورطها في فيتنام. بيد أن هذا لم يكن يعني أن خيار التدخل العسكري المباشر، لم يكن وارداً في حسبان الولايات المتحدة الأمريكية، وبالذات في الحالات التي تدرك فيها أن مصالحها وأمنها القومي معرضان للخطر. وفي هذا يقول هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق: "فنحن (الأمريكيون) يجب أن نكون قد تعلمنا درساً من فيتنام، يتمثل في أنه من السهل الدخول في حرب، ولكن من الصعب الخروج منها. ولكن هذا لا يعني، بأي حال من الأحوال، أننا غير قادرين، في أي ظرف من الظروف، على استخدام القوة"
وفي واقع الأمر، فإن التطورات والمتغيرات في السياسة الدولية، وخاصة بعد زوال الاتحاد السوفيتي، تجعل الولايات المتحدة الأمريكية أكثر استعداداً للتدخل المباشر، حينما تتهيأ أسبابه. ويمثل التدخل العسكري الأمريكي المباشر في حرب الخليج الثانية، خير دليل على ذلك.
2. ضمان بقاء إسرائيل واستمرارها
قدمت الولايات المتحدة الأمريكية ـ ولا تزال تقدم ـ جميع الضمانات والإمكانات والمساعدات إلى إسرائيل، ملتزمة بتوفير الأمن والأمان لها، معتبرة إسرائيل حليفها الأول. وعلى هذا، فقد واصلت السياسة الأمريكية تأييد مطامع إسرائيل التوسعية، ومنها مطامعها في البحر الأحمر ومضايقه.
3. ضمان تدفق النفط عبر البحر الأحمر
الهدف الثالث من أهداف الإستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط والبحر الأحمر، يتعلق بضمان وتأمين تدفق إمدادات النفط من منطقة الخليج العربي، عبر المحيط الهندي والبحر الأحمر والبحر المتوسط، إلى الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا. إن ضمان تدفق إمدادات النفط، وحماية منابع النفط في الخليج العربي، يعدّان من الأهداف الأساسية للسياسة الخارجية الأمريكية، نظراً إلى ما للنفط من تأثير في اقتصاديات الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا. إن حرب 1973، وما ترتب عليها من حظر مؤقت على إمدادات النفط إلى الولايات المتحدة الأمريكية وهولندا، ومن ارتفاع حاد في أسعار النفط الخام، الذي أثر سلبياً في اقتصاديات الدول الغربية، ما زال ماثلاً في الفكر الإستراتيجي الأمريكي.
كما أوضحت الحرب العراقية ـ الإيرانية، في الثمانينيات، حرص الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا الغربية على استمرار تدفق إمدادات النفط من الخليج العربي، على الرغم من خطـر الموقف الناجـم عما عرف بـ "حرب الناقلات "، بسبب مهاجمة كل من العراق وإيران ناقلات النفط في موانئ الطرف الآخر، وفي مياه الخليج. وقد أدى ذلك إلى أن تعزز واشنطن، وبعض القوى الأوروبية، وجودها العسكري في الخليج العربي، لتأمين الحماية البحرية والجوية لناقلات النفط الكويتية، لضمان تدفق النفط من الخليج العربي.
وتُدخل الإستراتيجية الأمريكية منطقة البحر الأحمر في دائرة أوسع، مركزها المحيط الهندي، وتمتد من جنوبي إفريقيا غرباً حتى أستراليا شرقاً، وتشمل خليج عدن والبحر الأحمر وبحر العرب، ومجموعة جُزر المالديف وسيشيل، وخليج البنجال.
وتعتمد الولايات المتحدة الأمريكية، في هذه الدائرة الجغرافية الواسعة، على قواعد عسكرية، بحرية وجوية، وعلى نقاط ارتكاز وتموين، تؤمن للأسطول الأمريكي حضوراً مستمراً في المحيط الهندي وما حوله. وتمثل القواعد العسكرية التالية أهم القواعد الأمريكية خارج الولايات المتحدة الأمريكية:
أ. قاعدة دييجو جارسيا، الواقعة في جزيرة دييجو جارسيا، التابعة لبريطانيا. وهي تعد أكبر قاعدة أمريكية في المحيط الهندي.
ب. جزيرة مصيرة، الواقعة قبالة الساحل العُماني، على بعد 6.4 كم من مضيق هرمز.
ج. ميناء مطرة، في عُمان.
د. ميناء مومباسا ومطار ننيوكي، في كينيا.
هـ. جزيرة ماهية، في جُزر سيشيل.
و. ميناء إيلات، في إسرائيل.
وفي تقرير صادر عن وزارة الدفاع الأمريكية (1996) تحديدٌ للمضايق التي تعدّها واشنطن "جسر المواصلات بين أوروبا وآسيا وإفريقيا، وتساعد الولايات المتحدة الأمريكية على نقل بضائعها التجارية وقواتها المسلحة إلى أي مكان في العالم". وهذه المضايق في منطقة الشرق الأوسط، هي: جبل طارق، صقلية، قناة السويس، باب المندب، هرمز، و "إن أي محاولة لإغلاق مضيق هرمز أمام ناقلات النفط تعدّ محاولة خطيرة، تحُول دون وصول النفط إلى الأسواق العالمية. كما أن محاولة عرقلة التحركات العسكرية الأمريكية في المنطقة، وقت الحرب، سوف تدفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى استخدام القوة، لضمان استمرار سلامة خطوط المواصلات الحيوية".
وإلى جانب الوجود الأمريكي، نفوذاً أو اقتصاداً أو قوة عسكرية، في منطقة البحر الأحمر وما حولها، ثمة مصالح متنوعة لمختلف الدول الكبرى، كفرنسا وبريطانيا والصين واليابان. ويختلف نوع المصالح والوجود في المنطقة وما حولها، بين دولة وأخرى. ففي حين يتحرك النفوذ البريطاني في ظل النفوذ الأمريكي، تسعى فرنسا إلى تبنّي نوع من الاستقلالية في وجودها وتحركها، خاصة أنها تتمتع بمركز متميز في جيبوتي، المستعمرة الفرنسية السابقة. وفي حين لا تكثر المصالح الصينية في المنطقة، تسعى اليابان إلى إقامة علاقات متوازنة بمختلف دول المنطقة، دعماً لمصالحها الاقتصادية وأسواقها، فضلاً عن استيرادها للنفط من المنطقة.
ثانياً : روسيا الاتحادية
خلفت روسيا الاتحادية الاتحاد السوفيتي، الذي انهار، كدولة عظمى، في مطلع التسعينيات، وتفكك إلى دول كثيرة في العام 1991، وورثته روسيا الاتحادية في المنظمات الدولية وبعض التعاقدات الإلزامية. لهذا، فإن علاقة الاتحاد السوفيتي بالبحر الأحمر أمست تنتسب إلى التاريخ، لأن روسيا الاتحادية، نظراً إلى أوضاع نشأتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، أضحت غير قادرة، لمدى زمني منظور، على منافسة الولايات المتحدة الأمريكية في منطقة البحر الأحمر وما حولها.
كان البحر الأحمر وما حوله أحد اهتمامات الإستراتيجية العامة للاتحاد السوفيتي، لمواجهة النفوذ الأمريكي في العالم الثالث وأعالي البحار. ولهذا، كان الاتحاد السوفيتي يلجأ، بدوره، إلى إقامة تحالفات وصداقات مع دول العالم الثالث، لتفويت الفرصة على الولايات المتحدة الأمريكية وعدم ترك المجال لها وحدها. ولذلك، كان الوطن العربي وإفريقيا ساحتَيْن للتنافس والصراع بين القوتين العظميين، منذ اندلاع الحرب الباردة مع نهاية الحرب العالمية الثانية.
وإذا كان الاتحاد السوفيتي قد تخلّى عن مبدأ حتمية الحرب بين الشرق والغرب، في فترة الستينيات، وتبنّى بدلاً من ذلك مبدأ التعايش السلمي، الذي ينبذ اندلاع حرب شاملة مباشرة بين القوتين العظميين، فإنه استعاض عن ذلك بإستراتيجية مواجهة التغلغل الأمريكي في العالم الثالث وأعالي البحار.
وكانت الإستراتيجية السوفيتية في البحر الأحمر، تتمثل في دعم نُظُم الحكم الثورية، التي تتصدى للسياسات الغربية. ومن أجل مواجهة النفوذ الأمريكي في منطقة البحر الأحمر وما حوله، عمل الاتحاد السوفيتي على استقطاب حلفاء له في هذه المناطق. ولقد استطاعت السياسة السوفيتية استقطاب العديد من الدول المعادية للولايات المتحدة الأمريكية والسياسات الغربية، مما أعطى الاتحاد السوفيتي مكانة، بات متعذراً على الدول الغربية تجاهلها، خاصة أن الدول التي كان الاتحاد السوفيتي يدعمها، أصبحت ذات دور فعّال في سياسات الوطن العربي وإفريقيا.
ومنذ العام 1977، كسب الاتحاد السوفيتي حليفاً آخر، جنوبي البحر الأحمر، إلى جانب اليمن الجنوبي، وهو النظام الماركسي في إثيوبيا. ولقد استعان نظام "هيلا مريام"، الذي وصل إلى الحكم في العام 1974، بالاتحاد السوفيتي وكوبا، عسكرياً واقتصادياً، على نزاعه مع كل من الصومال والثورة الإريترية. وهي مساعدات ضمنت لإثيوبيا قوة عسكرية متفوقة، لا يستهان بها. وبفضل المساعدات العسكرية والاقتصادية السوفيتية والكوبية، تمكنت إثيوبيا من إحراز نصر عسكري على الصومال في العام 1978 (أوجادين). كما تمكنت من فرض سيطرتها على معظم أنحاء إريتريا.
ولقد أدى الصراع الدائر في القرن الإفريقي إلى مجموعة من النتائج على المستويين الإقليمي والدولي، يهمنا منها تبنّي بعض الدول المطلة على البحر الأحمر سياسات ودّية تجاه الولايات المتحدة الأمريكية، لكسب تأييدها تجاه الدول التي كانت توصف بأنها "دول ثورية".
ويمكن تحديد الأهداف العامة للسياسة الخارجية السوفيتية، في إطار البحر الأحمر وما حوله، بما يلي:
1. السيطرة وفرض النفوذ السوفيتي على الخطوط البحرية من خلال البحر الأحمر، لتتاح فرصة الوجود والتأثير للقوات السوفيتية أينما أمكن ذلك.
2. تقويض المصالح الأمريكية والغربية وتقليصها في البحر الأحمر وما حوله.
3. زيادة مستوى اعتماد "الدول الثورية"، المطلة على البحر الأحمر وما حوله، على الاتحاد السوفيتي.
4. محاولة احتواء دول القرن الإفريقي (الصومال ـ إثيوبيا) إضافة إلى اليمن الجنوبي وإدخالها في حلف أو اتحاد، يدور في فلك الاتحاد السوفيتي، وبذا تتم له السيطرة على باب المندب.
5. نشر النفوذ السياسي والاقتصادي في المنطقة، بما يمكّن الاتحاد السوفيتي من التخفيف من حدّة السيطرة الأمريكية والأوروبية الغربية، ويساعد على نشر الأيديولوجية السوفيتية في المنطقة.
6. التوسع في عقد اتفاقيات الدفاع المشترك، والحصول على التسهيلات البحرية والجوية، مع زيادة الوجود العسكري السوفيتي في دول المنطقة.
7. الاحتفاظ بمعدات عسكرية مخزونة، وقوات جوية متمركزة في قواعد جوية، في بعض دول المنطقة، يعمل عليها طيارون كوبيون أو من ألمانيا الشرقية أو سوفيت، بما يمكّن الاتحاد السوفيتي من سرعة التحرك في المنطقة.
وعلى الرغم من أن الإستراتيجية السوفيتية في البحر الأحمر والقرن الإفريقي، كانت باهظة النفقات، نظراً إلى حجم الموارد المادية والعسكرية، التي خصّ بها الاتحاد السوفيتي أطراف النزاع في القرن الإفريقي، فإن نجاح الإستراتيجية السوفيتية في البحر الأحمر، يُعدّ تعويضاً عن هذه الخسائر المادية. إن استعانة بعض الدول المطلة على البحر الأحمر، إلى جانب دول عربية وإفريقية أخرى، بالاتحاد السوفيتي، باعتباره مناصراً لحق الشعوب في تقرير مصيرها، وفي التخلص من الاستعمار الاستيطاني والتفرقة العنصرية (إسرائيل وجنوب إفريقيا)، جسدت، إلى حدّ كبير، نجاح الإستراتيجية السوفيتية في هذه المناطق من العالم.
ومع التغـيير المشهود في الإستراتيجية السوفيتية، بعد استلام الرئيس جورباتشوف للسلطة (11/3/1985)، ومع دعم سياسة الوفاق، قلّ التنافس والصراع بين القوتين العظميين في البحر الأحمر.
ثالثاً : الدور الفرنسي
ويمكن إرجاع الاهتمام الفرنسي بدول منطقة البحر الأحمر إلى:
1. تأمين الواردات الفرنسية النفطية، خاصة وأنها تستورد حوالي 46% من احتياجاتها النفطية من دول المنطقة.
2. إثبات وجودها ومشاركتها في تأمين طرق المواصلات والممرات المهمة، وكذا المصالح الإستراتيجية الغربية في ظلت ما توليه فرنسا من اهتمامات جماعية وذاتية بالمنطقة.
3. ضمان عدم انفراد الولايات المتحدة الأمريكية في التحكم في الأوضاع في المنطقة، لاسيما مع إمكانية تصاعد الخلاقات بين دول المعسكر الغربي، في ظل تباين المصالح الاقتصادية بين الأطراف الدولية، وبصفة خاصة بين الولايات المتحدة الأمريكية ودول المجموعة الأوروبية.
وتسعى السياسة الفرنسية إلى تحقيق وجود ملموس في منطقة البحر الأحمر وإفريقيا بصفة عامة، بما يحافظ على مصالحها السياسية والاقتصادية، ولإيجاد شكل من توازن المصالح في حسابات القوى المؤثرة على الأوضاع في المنطقة، وعلى الرغم من استقلال جيبوتي، الواقعة في مدخل البحر الأحمر عن فرنسا، عام 1977، إلا أن فرنسا احتفظت بقاعدة عسكرية وبحرية ووجود مؤثر في جيبوتي وفي البحر الأحمر، وهو يعد أكبر وجود عسكري فرنسي خارج فرنسا، ويرتبط هذا الوجود من جهة أخري بمصالح فرنسا الخليجية، والمتمثلة في مصادر النفط وطرق نقله.
ولا يقتصر الدور الفرنسي على الوجود العسكري والبحري في المنطقة، حيث لا يمكن إغفال الدور والدعم الاقتصادي الذي تقوم به فرنسا، فضلاً عن قيامها بالإسهام في تسليح عدد من الدول المطلة على البحر الأحمر (جيبوتي ـ مصر ـ المملكة العربية السعودية ـ اليمن... الخ). كما تحرص فرنسا على تدعيم اتصالاتها السياسية بأنظمة الحكم القائمة (وبعض القوي المعارضة)، لاسيما في الدول الواقعة في دائرة الاهتمام الفرنسي (دول الفرنكفون)، خاصة جيبوتي، وذلك في إطار مساعيها للحفاظ علي مصالحها الإستراتيجية وإقرار الأوضاع في تلك الدول لدعم استقرار هذه المصالح في ظل المتغيرات الحالية، ومن ثم الحفاظ علي مصالحها الإسترتيجية في منطقة البحر الأحمر.
وفي إطار حرص فرنسا على دعم دورها في المنطقة بصفة عامة، وجيبوتي بصفة خاصة، وافقت فرنسا على زيادة واستمرار الدعم المادي لجيبوتي، مع تجاوبها مع رغبة جيبوتي في إبقاء قواتها العسكرية العاملة هناك، مع بحث إمكانية زيادتها. كما لا يمكن إغفال المساعي الفرنسية في الحفاظ علي علاقاتها الثقافية بدول المنطقة، سواء من خلال البعثات والمنح الثقافية، أو فروع لبعض الجامعات الفرنسية في بعض دول المنطقة.
رابعا ً: الدور البريطاني
على الرغم من إقرار بريطانيا لخفض التزاماتها الدفاعية فيما وراء البحار، نتيجة لما واجهته من ضغوط اقتصادية، وحاجتها لتخفيض الأنفاق العام، إلا أن ذلك لم يقلل من الاهتمامات البريطانية الكبيرة بدول البحر الأحمر وشرق إفريقيا، خاصة مع الاتفاق السياسي والاستراتيجي لبريطانيا مع الولايات المتحدة الأمريكية، وتوافق مصالحها تجاه المناطق ذات الاهتمام الإستراتيجي المشترك في العالم. ويتخلص الدور البريطاني في المنطقة في الآتي:
1. تصدير نظم التسليح البريطانية إلى بعض الدول الإقليمية التي تطل على البحر الأحمر (مصر ـ المملكة العربية السعودية ـ إسرائيل... الخ).
2. اتجاه حوالي نصف التجارة الخارجية لبريطانيا للدول الواقعة شرق البحر الأحمر (دول الخليج العربي بشكل رئيسي).
3. المحافظة على دورها في الجهود الدفاعية لحلف شمال الأطلسي في المنطقة, ومن هذا المنطلق فهي تحتفظ ببعض القطع البحرية في البحر الأحمر ضمن الإطار العام لإستراتيجية الحلف ومهامه في المنطقة.
4. المشاركة في أي أحداث تتعلق بالدول المطلة علي البحر الأحمر، أو التي تهدد أمن وسلامه المصالح الغربية في المنطقة (تطهير البحر الأحمر من الألغام عام 1984 ـ أزمة الخليج الثانية وحرب تحرير الكويت ـ الصومال... الخ).
5. الوجود البحري البريطاني ضمن القوات المشتركة في منطقة الخليج والبحر الأحمر (قوات أمريكية ـ بريطانية ـ فرنسية ـ أسترالية... الخ).
خامسا : الدور الصيني
مع نهاية الحرب الباردة بدأت الصين في التوجه نحو مصادر الطاقة في إفريقيا، وتأمين خطوط الملاحة الخاصة بها، واستطاعت عقد الاتفاقيات مع السودان وإنشاء خط أنابيب لنقل النفط من جنوب السودان إلى ميناء بور سودان على البحر الأحمر. وتعمل الصين على التحرك سياسياً واقتصادياً تجاه دول حوض البحر الأحمر، من أجل الحصول على النفط، حيث يزداد طلب الصين من النفط بمعدل 30% سنوياً. وتشير التوقعات إلى تنامي الدور الصيني في هذه المنطقة وأن تتجاوز حجم تجارتها الخارجية مع دول حوض البحر الأحمر، حجم التجارة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية مجتمعة.
سادسا : الدور الياباني
تعتمد اليابان في صناعاتها أساساً على المواد الخام التي تستوردها من الخارج، كما أنها تستورد معظم احتياجاتها من الطاقة من منطقة الخليج؛ لذا اتجهت اليابان إلى دعم علاقاتها وتعاونها الاقتصادية مع الدول المؤثرة في المنطقة، وكذا مع دول المضايق والممرات الملاحية التي تتحكم في خطواتها التجارية والبحرية، سواء في منطقة الخليج العربي، أو منطقة البحر الأحمر المهمة إستراتيجياً.
وقد تزايدت الاهتمامات اليابانية بدول منطقة البحر الأحمر، فعلى الرغم من عدم السماح بوجود عسكري خارجي لليابان، إلا أنها تسهم بشكل كبير في تأمين مصالحها والمصالح العربية عامة في منطقة الشرق الأوسط؛ بما فيها الخليج العربي والبحر الأحمر (المساهمات اليابانية الكبيرة في حرب تحرير الكويت، وفي العمليات الدولية بالصومال).
وتتبع اليابان أشكالاً متعددة في دعم دورها في المنطقة، معتمدة علي إمكانياتها الاقتصادية، حيث تسهم في المشروعات الاقتصادية الضخمة بالمنطقة. كما تعمل على أن تسهم في تطوير الصناعات الوطني، وتقديم المساعدات الخاصة بالتكنولوجيا المتطورة، مستهدفة بذلك إيجاد شكل ملائم من العلاقات مع الدول الحيوية في المنطقة، التي تعتبر أسواقاً حيوية لليابان، التي تُعد من أكثر الدول تعاملاً في التجارة الخارجية على المستوى الدولي، وهو الأمر الذي يضعها في مجال تنافس في السوق العالمي مع عديد من القوى الدولية، سواء الأوروبية أو الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما يدفع اليابان للحفاظ على قدر من مصالحها الذاتية بدول المنطقة خارج إطار التعاون الغربي، وبذا أصبح لليابان نوع من الوجود غير المباشر في منطقة الخليج العربي والبحر الأحمر.
ساحة النقاش