1 - طلب زواج :
الصديق :
لم أكن أحب هذه الطريقة من المحادثة عبر الانترنت ، فقد كنت أعدها مضيعة للوقت و باب للمحادثات التافهة إلى أن اضطرني الأمر للاتصال بصديق لي في الخارج ، أن أدخل برنامج المحادثة ، و عند البحث عن صديقي لفت انتباهي اسم يدل على تقوى و جدية و أصالة ، بعد أن انتهيت من اتصالي بصديقي ، طلبت هذا الاسم و بدأت المحادثة و كانت فتاة أظنها متزنة الأخلاق ، و تطور الحديث بيننا و أحس كل منا بالفائدة من الاتصال ، كانت عباراتنا هادفة و نقاشاتنا علمية و دينية و تبادلنا المعارف و العلوم و المشاكل و الهموم و بات عندي كل يوم ساعة لهذا الموضوع ، لم لا طالما أن كلينا يلتزم بأدب الحديث
و تطور الأمر مع صديقتي المجهولة و أصبح كل قرار في حياتي أشاركها رأيها فيه ، و أصبحت جزءاً من تفكيري لا يتجزأ
و بما أني وجدت في نفسيتها كل الذي أرتاح إليه و بات من الصعب أن أترك هذه الإنسانة تمر في حياتي كذكرى
بدأت أمهد للقاء ما ، و كانت نيتي أكبر من ذلك ، فقد أحسست أنها الإنسانة التي أسعد معها ، و أحتاج لها في تكملة مشوار حياتي
و كنت كلما مهدت للقاء ، أجد الرفض فوراً ، حللت الأمر و قلت ربما هي مرتبطة نفسياً بشخص آخر ، و ما أنا إلى ملجأ لتبادل الأحاديث فقط ، و لكن لم يظهر من خطاباتها معي أن تكون مرتبطة ، فلذلك تجرأت و طلبت يدها على سنة الله و رسوله ، و على الفور جاءني الرد لا أصلح لك
كنت أفكر و ما الذي لا يصلح ، فأنا اهتممت بنفسيتها و لن اهتم مهما كان شكلها ، ما الذي لا يصلح ؟ ما هو السبب ؟ أنا صادق بكلامي و بعرضي و لا أتلاعب
و عند محاولة أخرى جاءني الرد هذا آخر كلام معك ... أنتهى الموضوع
و مذ ذاك لم أعد أعثر عليها ... فهل أخطأت بشيء ما ؟ لا أعرف .
الصديقة :
كانت الحياة شبه منعدمة في غرفة أجلس بها وحدي ، كانت الثواني و الدقائق تمر متعبة مثقلة ، ألتزم بواجباتي الدينية و أقضي بها بعض الوقت و لكن هناك الكثير من الوقت ، ففكرت لم لا أدخل برامج المحادثة ، على الأقل أجد من أتبادل معه أطراف الحديث و كانت البداية ، و وضعت في معلوماتي أن تكون المحادثة جدية و ذات طابع ديني ، أتصل بي أحد الأصدقاء و بدأنا نتحادث و كانت البداية باحترام و بجدية و نقاشات هادفة ، و شعر كل منا بعمق هذه الصلة و بالأخص أنا ، فكنت في فراغ و أتلهف لأي شخص لأكلمه فكيف إذا كان الشخص مهذب و محترم ، هذا ما وضح من نقاشاته ، و تطور الأمر و صار لنا كل يوم ساعة أنتظرها بفارغ الصبر ، أشركني بهمومه ، و بأدق التفاصيل حتى أني أشعر بأني أتنقل معه أينما ذهب
و كانت المفاجأة التي لم تكن تخطر لي ببال ، بدأ يلمح بلقاء ، طبعاً رفضت ، فأنا لا أستطيع ، رغم أني أعرف أنه صادق ، و حاولت التهرب
لكنه ركز كل تفكيره في هذا الاتجاه و أنا أتهرب ، و لا أعرف إلى متى أستطيع التهرب ، و في محاولة أخرى منه أعلن نيته في طلب يدي
كان هذا أصعب ، ماذا أفعل ، كيف أمنع هذا الأمر ، لا يمكن لهذا الأمر أن يتم ، و ذلك رغماً عني فقد احترمت هذا الإنسان جداً و أحب له كل الخير و لكن ليس معي ، لذلك علي بالانسحاب ، أكيد أنني لست الإنسانة التي تسعده .... فأنا مقعدة ... و لا أستطيع التحرك إلا في هذه الغرفة
2 - خطوبة أبنتي :
الأب :
اليوم سيأتي " مؤمن " و هو الخطيب الذي تقدم لابنتي الأسبوع الماضي ، رجل بكل معنى الكلمة ، يحمل كل الصفات المميزة فهو متدين و تخرج هذا العام من كلية الهندسة ، و سيكمل دراسته ليأخذ شهادة الدكتورا و كان يعمل في إجازات الصيف و يدخر بعض النقود ، مما يدل على أنه شخص عملي ، بالإضافة إلى مساعدة والده يستطيع أن يؤمن سكن و فوق هذا كله هو أبن صديقي و أعرفه جيداً
كل هذه الميزات تجعلني لا أتردد أبداً على الموافقة عليه ، و هو سيأتي اليوم للتأكد من الموافقة
تكلمت من أبنتي عدة مرات و لم توافق على الخطوبة ، قالت أنها تريد أن تنهي دراستها و لا تريد أن تجعل أي سبب يشغلها أو يمنعها من ذلك ، و لا تفكر في هذا الأمر حالياً
ماذا أقول له و لم آخذ موافقة من أبنتي بعد ، أخاف أن لم نوافق عليه ، ألا يأتي بعده شخص بهذه الصفات
كما أنه إذا أرادت ابنتي أن تكمل دراستها فستصل إلى عمر من الصعب أن يأتيها خطيب مناسب ، كما باقي الفتيات اللاتي يتأخرن في الزواج ، لقلة الحظ ، أو ربما بسبب الرفض و التكبر على العرسان و اعتقادهم أنه دائماً سيأتي من يطلب يدهم ، فيفوتهن القطار و عندها يقبلن بأي شخص و لو كان غير مناسب
أبنتي من الفتيات المؤدبات و لا أظن أن يكون لها علاقات في الجامعة ، و لذلك علي الموافقة حتى لا يفوت الأوان عليها ، و أنا آمل أن يوافق زوجها ، بأن تكمل دراستها ، بعد الزواج ، خصوصاً أنه هو سيتابع دراسته
الفتاة :
قدوم " مؤمن " اليوم سبب لي كل الإرباك ، ماذا سأقول لوالدي و بأي طريقة أقنعه بأني لا أفكر في هذه الأيام بأي مشروع للخطوبة ، صحيح أن مؤمن يتمتع بكل الصفات الرائعة جداً و لا أحد يعترض عليه و لكن أشعر بأن مستقبلي و حياتي متوقفة على أكمال الدراسة ، و لا أريد أن أكون ربة منزل فحسب ، فهذا الزمن بات من الضروري مشاركة المرأة الرجل في كل شيء فظروف الحياة تتطلب ذلك و لا يمكن للزوج وحده تأمين كل المتطلبات
كما أني لا أشعر بأي عاطفة نحو مؤمن فأنا لم أره إلا مرة واحدة فقط ، و لا أعرف ماذا يحب أو يكره ، كيف يفكر ، كيف تعامله في كل الأمور ، فزواج الخاطبة بطل منذ زمن ، و الآن لا بد من التفاهم و الانسجام هذا إذا أغفلنا الحاجة للحب
هو سيكمل دراسته و لكن ما أدراني أن يوافق على تكملة دراستي ، فأي زوج مهما تخلى عن حقوقه ، فله حقوق يجب أن تؤدى و كلها تحتاج إلى وقت و ساعات تقلل من فرصة نجاحي بمجموع جيد ، ناهيك إن كان يريد ربة منزل فقط ، فيكون الأمر أصعب عندها
سأطلب من والدي بكل احترام أني لن أوافق على هذه الخطوبة ، و أنا أتحمل كل العواقب ، و لا بد أن يكون الله معي و يبدلني خيراً منه
3 - دراسة أبني :
الزوج :
بلغ أبني الثانية عشر و أنهى مرحلة دراسته الإبتدائية ، و بعد أقل من شهر سيتابع دراسته الأعلى ، لقد لمحت في هذا الولد حبه الشديد لدروس التربية الدينية ، و اهتمامه في حفظ الأحاديث الشريفة و بعض الآيات حتى التي لم تطلب منه ، أفكر أن أضعه في مدرسة شرعية و يتخرج منها رجل دين موهوب ...
نعم ، فهو يحب ذلك و أكيد أنه سيبدع فيه ...
و ما أعظمها من نعمة أن أجد ولدي و هو يتلو الدروس الدينية و الفقه الإسلامي على الملأ و يعلمهم أصول دينهم ، هذا بحد ذاته فخر ، ناهيك عن محبة الله له و مقدار الثواب و الأجر الذي سيناله عند رب العالمين ...
كلما طرحت على زوجتي رغبتي في تسجيله في مدرسة شرعية ، أرها تصمت للوهلة الأولى ثم تجاوب ، إن شاء الله ، و أعتقد أنه تهرب من الموافقة ، لا أعرف لماذا
الزوجة :
أنتظرت أثنتي عشر سنة و أنا أرعى أبني و أساعده على الدراسة و الحفظ و مراجعة المواد ، كلما كبر عاماً ، اقترب تحقيق حلمي ، أن يصبح أبني مبدعاً في مجال برمجة الحاسب ، و خصوصاً أنه يتقن اللغة الأنكليزية و أنا أساعده على ذلك ، فأنا أراه أمامي الآن و كل الناس يحتاجونه في هذا العصر الذي بات الإنسان يعيش فيه في قرية صغيرة ، و كلها تعتمد على التقانة و المعلومات
فشخص يطلب برنامج محاسبة و أخر يطلب تعديل على برنامج آلته و آخر يطلب تصميمات لطباعته تتناسب مع شروط وطننا و ليس كما وضع الغرب
نحن بأمس الحاجة لرجال الحاسب اليوم و الرجال الذين يتقنون اللغات
طرح علي زوجي أن نضعه في مدرسة شرعية ، و قال السبب أن حبه لمادية التربية الدينية شديد ، نعم من منا لا يحب أن يتدين و لكن الدين يستطيع الإنسان أن يمارسه الإنسان من تلقاء نفسه و هناك طرق كثيرة لكسب الحسنات ، أقف أمام زوجى و أصمت ، لأن ما يطلبه أيضاً هو هدف سامي و لكن أين يكون حلمي الذي أنتظره
4 - زيارة صديق :
الصديق الأول :
رجعت من زيارتي لصديق لي ، رأيته صدفة بعد فترة انقطاع طويلة ، كانت الزيارة مملة جداً بالنسبة لي ، كلما تحدثت عن شيء ، لا يفهمه صديقي ، و إذا أردت أن استمع له ، مللت من عباراته التقليدية و المعروفة جداً : كيف حالك ؟ كم ولد عندك ؟ ماذا تعمل ؟ الجو مقبول نوعاً ما ؟ الظروف قاسية ... ....
باتت هذه العبارات جامدة و مبتذلة ، قلت في نفسي : أكلمه عن برامج الجوال ، فإذ لا يملك واحداً منه ، على أنه زيادة عن الحاجة بالنسبة له
طلبت منه أن يجعل التلفاز يعمل فإذ ليس لديه قرص التقاط قنوات ، على أنه لا يتابع و لا يهتم لما يعرض .
سألته ؟ إذن بالتأكيد تمضي وقتك على الكمبيوتر ، و أفاجأ بجوابه : لم أفهم عليه ، و لم أتعلم كيف يعمل ، و إن تعلمت لن اقتني واحداً منه . فأنا أنتقد الناس الذين يمضون عمرهم مستعبدين لشاشته و لا يستمتعون بالحياة و ملذاتها من أكل و شرب و نزهات و سهرة مع الأولاد و زيارة الأقارب ، و خلوات مع النفس ، و مشي للتأمل و نوم باكر ، و صباح نشط ، كل هذه الأشياء يحرمون منها و تستعبدهم فقط شاشته .
نسي صديقي أن العلوم الآن كلها باتت تعتمد على التكنولوجيا ، و التواصل بات ضروري ، و العالم أصبح قرية صغيرة ، و من لا يملك لغات و كمبيوتر يقال عنه الآن أمي ، و القنوات تنقلك في لحظات حول العالم ، و الأعمال كلها ، ارتبطت بالجوال ، لم تعد أسير مكتبك ، و المعلومات تنتقل بسرعة البرق على الشبكة
لا أدري ماذا بأي عين سينظر له أبنائه ، هل سيقولون رجل متحجر ؟ ، أم رجعي ؟ لا أدري .
الصديق الآخر :
رجعت إلى غرفتي بعد أن ودعت ذلك الصديق ، الذي دعوته لزيارتي ، و يا ليت لم أفعل ، فقد أضجرني بكلامه ، و بعباراته التي لم أفهم منها شيء ، يضع بين كل كلمتين عربيتين كلمة غريبة ، و يستعمل مصطلحات ليست في قاموسي مثل : أي ميل ، مجلد ، ملف ، أوفيس ، وورد
و كلما ذكرت له شيء ، يقول هو في جوالي ، و لا أعرف كيف وضع كل هذه الأشياء فيه ، و هو يدعي أن : القرآن ، و التفسير ، و كتب الصحاح ، و معجم عربي ، و معجم انكليزي ، و ختمه صوت كاملة ، و كتب الأدعية و برامج أخرى لم أعد أتذكرها ، و إن كان هذا كله في جواله ، فماذا يوجد في حاسوبه ، هل وضع الدنيا كلها فيه ، أم وضع نفسه بالكامل داخله
أصدقائه على الانترنت ، و ملفاته كذلك ، هوايته أن يجلس الساعات ، و لا يبالي إن أصبح الصباح و هو جالس ، يا ترى هل يهتم بزوجته ؟ إن كانت سعيدة بذلك أم لا ؟ هل يلعب مع أولاده و يتقرب منهم ؟ هل يزور أقاربه ؟ هل يتأمل الغروب ؟ أو الشروق ؟ هل ذاق ملذات الحياة ؟ أم هي الشاشة فحسب ؟ .
br /