بوابة على درب الهدى

اقتران العلم و الدين و المعارف

بعد يوم من العمل المضني ، نزل " بارع " من الحافلة التي أقلته إلى الحي الذي يقطن فيه ، توجه إلى المكتبة ، سلّم على البائع و طلب منه نسخة من مجلة العلوم ، ضحك البائع و قال له : أنا آسف جداً أستاذ " بارع " لم أعد أبيعها ، لا أحد يطلبها في الحي ، سوى أنت ، اعذرني ...

استغرب " بارع " و خرج يمشي متوجها إلى منزله استوقفه أحد جيرانه الشباب ، مرحباً " بارع ": أريد منك أن تعلمني كيف أحرر صورة في هذا الجوال ، أنه حديث جداً ، و غالٍ جداً ، و برنامجه معقد ، و تابع : هل يمكنك أن تتعامل مع برنامجه ... صمت " بارع " بعض الوقت ، و كان يفكر في نفسه : هذا الجهاز لو كان بيد عالم أو مكتشف أو باحث ، هو مكتبة بحد ذاتها يحملها حيثما ذهب ، و أكيد أن هذا الشاب لن يستفيد منه تلك الاستفادة ، أغلب الظن هو للأغاني و الألعاب و ما شابه ... ... و هو يكّبد أهله و المجتمع بثمن مثل هذه الأجهزة ...

 تابع " بارع " المسير بعدما علّم الشاب كيف يحرر الصور ، و كان أحد جيرانه يجلس مقابل متجره ، يقرأ في كتاب ، زغرد قلب بارع : و أخيراً وجدت شخصاً يقرأ ، سلّم عليه : مرحبا يا عم ، ما هذا الكتاب  ؟ هل فيه معلومات جديدة ؟ . أجاب الرجل : طبعاً ، هو كتاب رائع عن تاريخ العرب و العلوم التي وصلوا إليها ، علق بارع: طبعاً ، هو رائع ما قدمه العرب من علوم ، لكن يا ليتنا تابعنا مشوارهم ، نحن نتغنى بهم فقط ، و ابتسم " بارع " ابتسامة صغيرة و تابع المشي إلى أن دخل المبنى ، كان هناك بعض الأوساخ مرمية أمام الرصيف ، قال بارع : سامحهم الله ، الحاوية عند آخر الشارع  ، و من  الطابق الأرضي كانت أصوات التلفاز عالية جداً ، قال في نفسه : آه ، أكيد ذلك المسلسل الذي لا يريد أن ينتهي ، الله أعلم كم حلقة هو ... ... يا ليت فيه فائدة ، و هو يحقق هذا القدر من المعجبين ؟؟؟ !!!!

دخل " بارع " شقته ، أضاء الأنوار ، و جلس خلف طاولته ، جعل الحاسب يعمل ، دخل الشبكة ، كما هي العادة ، المواقع التي تحوي أحدث العلوم و الاختراع ، و الأبحاث الجديدة ، و كان هناك أمور جديدة لم يراها مسبقاً ، ذهل لخبر أن الغرب سوف يختصرون مدة الذهاب إلى المريخ ، من ستة أشهر إلى أربعين يوماً ، بفضل استعمال البلازما في الوقود . و هناك أيضاً : كلب آلي بكاميرات و تحكم عن طريق الشبكة لحراسة منزلك ، أثناء غيابك ، قال : الله ، الله ، أين ستقف العلوم ، أكيد أنها لن تتوقف طالما أن العقل يعمل ... و تابع في قراءة كل جديد ، يجده ، و نسي الجهد و التعب الذي يعانيه من العمل ، لكن عيناه بدأت تنسدل من تلقاء نفسها ، و بدأ يقرأ خبر تارة ، و يغمض عينيه تارة أخرى ... ... ... ... ...

فجأة الباب يطرق " بارع " : أدخل . كان مدير مكتبه " علاء " مبتسماً ، و قلبه يخفق بالفرحة توجه تلقاء " بارع " و قال : أستاذ بقي ساعة واحدة فقط ، ألا تريد أن تجهز نفسك ؟

بارع : كله تمام ، الملفات في الحاسب و هي جاهزة ، و تتوق للظهور إلى النور ، هل اتصلت بقاعة المؤتمرات ؟

علاء : نعم ، الأمور كلها كما تحب ، لقد جهزوا لنا قاعة ضخمة جداً ، تحسباً أن يكون عدد المشاهدين كبير ، ناهيك عن وسائل الإعلام و الصحفيين ، وحدهم  يحتاجون قاعة .

بارع : من أي الدول قدموا ؟

علاء : الأغلب أنه لم تتغيب أي دولة عن إرسال ممثل لها ، فالحدث عظيم و يرتقبه كل العالم .

بارع : هل بدأ النقل التلفزيوني يا ترى ، هات الجهاز لنرى ؟؟؟

علاء : الله!!!  أغلب المحطات تنقل الحدث ، لقد أصبحت أشهر المشاهير يا أستاذ

بارع : الحمد لله ، هذا فضل من الله ... ... أنتظر الهاتف يرن ...

ألو مرحباً ، أهلا أستاذ " نعيم " ، نعم أتابع التلفاز أمامي و أنا مندهش ، كيف انتقل الخبر إلى كل العالم ، أكيد بفضل الشبكة ، أنتظرك في المؤتمر ، أنت أهم شخص يحضر ، لولا دعمك لما تمكنا من التجربة المبدئية ، هل جهزت الصور للتجربة ، طبعاً عندي منها لكن يجب أن تعرضها أنت ، هذا أقل ما يمكنني أن أوفي به بعضاً من جميلك ، السلام عليكم ...

علاء : هل ننطلق .

بارع : السيارة جاهزة .

علاء : لقد أرسلوا لنا سيارة فخمة ، تليق بالحدث .

بارع : هيا بنا .

وصعد بارع ومعه علاء في السيارة الفخمة ، و انطلق بهم السائق حيث قاعة المؤتمر ، هناك تجمع الكثير من الناس الذين لا يتسنى لهم الدخول إلى القاعة ، اعترضه بعض الصحفيين لعمل معه لقاء ، و رغم إعراضه أصرت أحدى المذيعات على بعض كلمات ، تحفز الناس على أن يكونوا مثله ، وافق على طلبها ، على أن تكون الأخيرة التي يتكلم معها :

المذيعة : أستاذ " بارع " كيف كانت نقطة البداية لما وصل إليه ؟

بارع : البداية ، أه ، أتمنى من الكل أن يجربها ، لا يتقاعس عن فتح أي كتاب ليقرأ منه ، فأنه سيضع عقل كاتبه داخل عقله ، فتصوري كم عقل ممكن أن تمتلكي

المذيعة : عظيم جداً ، هل تتوقع مبيعات كبيرة من خلال المؤتمر ؟

بارع : ليست المبيعات هي ما ننشد ، بقدر ما نحب أن يستفيد العالم كله من هذا الإنجاز ، و يعود بالخير على الكل ، و المشروع بالكامل تمويل وطني ، و الوطن أحق منا بالاستفادة ،ما نحن إلا جنود لإعلاء أسم هذه الأمة .

المذيعة : هل تقصد أن المشروع بضخامته تمويل وطني ؟ و لم تشترك أي دولة فيه ؟

بارع : في الحقيقة ، بعدما نشرنا على الشبكة التصورات الأولى للمشروع ، حاول الكثير ، شراء الأفكار و تبنيها ، و دفعوا ثمناً لا يصدق ، على أن يكونوا هم أصحاب الفكرة و الإنجاز ، و أنا رفضت هذا ، و أبيت ألا أن ننجزه بنفسنا ، ألا يحق لنا أن نستعيد دورنا بين الأمم ؟ و ما هذا الإقبال الإعلامي الذي تريه إلا لأن الكل لا يصدق أن يخرج المشروع من هنا .

المذيعة : ماذا تحب أن تقول للشباب كلمة أخيرة ؟

بارع : أحب أن أقول لأي شخص ، لا تنتظر الآخر ، و تأمل منه أن يفكر عنك ، أنت إنسان و هو إنسان ، أنت لديك عقل و هو عنده عقل ، الفرق من أعمل عقله ، هو من يبيع و نحن من نستهلك ، صدقيني هذا الفرق ، و ما هذا جهاز الجوال إلا بعض الغرامات ، و هو يباع بأغلى من الذهب ، و من صنعه يجب أن يأخذ هذا المبلغ ، هو أجتهد و عانى و أرق مضجعه ، و نحن نمنا ثم استمتعنا بما صنع ، أرجوكم يا شباب كونوا إيجابيين ، كفانا و نحن نعيش في صحراء خارج المدنية .

ثم تابع " بارع " تقدمه و الحشود تتدافع إلى أن دخل القاعة برفقة " علاء " و " نعيم " الذي حضر الآن ، و طلب من علاء الذهاب إلى غرفة التحكم ، و مراقبة توصيلات الشاشة العملاقة ، و تجهيزات الصوت ، و أن يعطيه إشارة عندما يتم الأمر ، سلم على الضيوف الذين في القاعة ، وتوجه إلى الصف الأول ، و جلس ، و كان أحد المذيعين يمهد للمؤتمر ، و يعطي نبذة مقتضبة عن المشروع ... ... ... ... ...

و هنا رن الجوال الذي معه ، وبقي يرن ، و هو يفتح عينيه تارة و يغمضها تارة ، تناول الجوال كان صديقه " سمير " على الطرف الآخر من الخط :

سمير : مرحبا بارع ، أين أنت ، ننتظرك من ساعة ، ألم نتواعد ، على السهرة عندي .

بارع : لقد نسيت ، صدقني ، من أجل أي أمر السهرة ؟؟؟ .

سمير : ذاكرتك ، صارت ضعيفة جداً ، اليوم سهرة انتخاب أفضل مطربة عربية ، كلنا صوتنا للمطربة التي من عندنا ، نتمنى أن ترفع رأسنا في هذا اليوم ، الكل ينتظر هذا الحدث ، جماهير غفيرة و صحفيين و قنوات

بارع : اعذرني ، أظن أني لن أحضر ، فأنا لا أهتم لذلك .

سمير : و لعبة الورق ، نحن ثلاثة و ينقصنا الرابع ، يا أخي تعال ، و خليك عصري ،و تطور قليلاً  

بارع : صحيح !!! صحيح !!! معك حق عليّ أن أتطور ...

-------------------------------------------------------

بقلم : فؤاد

 

المصدر: من كتابتي الخاصة
  • Currently 5/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
1 تصويتات / 226 مشاهدة
نشرت فى 14 إبريل 2012 بواسطة fouad-ab

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

37,227

ابحث