مرة أخرى.. تواصل "جريدة الصياد" نشر الجزء السادس من الدراسة المهمة التى أعدها الدكتور أحمد برانيه أستاذ إقتصاديات الموارد السمكية بمعهد التخطيط القومى حول" إقتصاديات الإستزراع السمكى فى الوطن العربى "..وتخصص هذه الحلقة لإستكمال بحث ظروف ومناخ الإستثمار فى قطاع الإستزراع المائى العربى؟..فماذا عن تفاصيل هذه الدراسة المهمة:

مناخ الإستثمار فى قطاع الإستزراع المائى العربى

إن التحديد الدقيق لمجالات الإستثمار يعتبر نقطة البداية لنوع وحجم الإستثمارات المطلوبة ،ذلك أن إقتصاديات مشروعات الإستزراع المائى وخصوصاً العائد على الإستثمار يتفاوت بشكل كبير حسب نوع النشاط وكذا على مدى كفاءة العمليات وظروف السوق فعلى سبيل المثال فإن المشروعات صغيرة الحجم تكون أكثر مناسبة أو ملاءمة عندما يكون الهدف الأساسى هو التنمية الإقتصادية والإجتماعية للمناطق الريفية، وإنتاج أصناف للإستهلاك المحلى الشعبى، حيث يكون حجم الإستثمارات المطلوبة وتكاليف التشغيل لمثل هذه المشروعات فى قدرات المستثمر(المزارع)الصغير، وأنه من وجهة نظر إنتاج الغذاء ، فإن هذا الحجم من المشروعات يكون له نفس التأثيركغيره من المشروعات كبيرة الحجم حيث أن الإنتاج من عدد كبير من المزارع الصغيرة قد يكون أكبر بكثير من إنتاج عدد قليل من وحدات المشروعات الكبيرة الحجم،ومع هذا فإن كفاءة الإستثمار فى مثل هذه المشروعات يتوقف إلى حد كبير على خدمات الدعم التى يمكن أن تقدم لها.

إن طبيعة الخدمات المطلوبة قد تتفاوت يبن الدول وبين المناطق داخل الدولة الواحدة وكذلك بين نظم الإستزراع المستخدمة،ولكن الحاجة إلى المساعدة الفنية والخدمات الإرشادية تعتبر مهمة بالنسبة للجميع.

وفى الواقع فإن نجاح المشروعات الصغيرة سوف يعتمد كلية على مدى توافر ونوعية الخدمات الإرشادية والتى تعتبر حلقة الوصل بين المزارع ومحطات التجارب ومراكز البحوث والمزارع التجريبية لمعاونتهم فى تطبيق التقنيات المناسبة وتوفير التوجيه الفنى والنصيحة عندما يحتاجها المستثمر (المزارع)فى الوقت المناسب ،وكذلك توافر عدد ونوعية مناسبة من المرشدين خاصة فى مجالات مسح المواقع وتصميم الإنشاءات.

كما أن توافر الزريعة فى الوقت المناسب وبالكميات المناسبة واحد من أهم إحتياجات المستثمر الصغير ،حيث من الصعب أن ينتج كل مزارع الزريعة التي يحتاج إليها في مزرعته ، وعلي هذا فإن إنتاج الزريعة في مفرخات ومراكز التفريخ وتوافر شبكة توزيع مناسبة يعتبر من أهم الخدمات المطلوبة للمستثمر الصغير، كذلك الحال بالنسبة للأعلاف والأسمدة .

إن الإنتاج التجاري للأعلاف الخاصة بالإستزراع المائي ، يعتبر محدوداً نسبياً في الوقت الحاضر ، وقد أثبتت تجارب العديد من الدول الإجنبية إن الإنتاج الصغير الحجم لأغذية مركبة تستخدم مكونات غذائية محلية يعتبر ذات جدوي إقتصادية ويمكن تنفيذها بإستثمارات رأسمالية محدودة .

مما سبق يمكن استنساج أن وجود عدد كبير من المشروعات الصغيرة أو إمكانية تشجيع صغار المستثمرين للإستثمار في مزارع سمكية صغيرة الحجم يفتح مجالات اخرى للإستثمار في إنتاج زريعة الأسماك وغيرها من الأصناف وكذلك الأستثمار في مشروعات إنتاج الأعلاف ، وهذا النوع من الإستثمار قد يكون عاما ً أو خاصاً ، ومع ذلك فهناك مجالات للإستثمار في قطاع الإستزراع المائي يقتصر فقط علي الإستثمار العام أو الحكومي ، وهي تلك الإستثمارات التي تهدف خدمة القطاع بصورة عامة والتي تمول أساساً من الخزينة العامة للدول وتوجه إلي المشروعات الخدمية لتوفير وتدعيم البنية الأساسية لقطاع الأستزراع المائي من شبكات ري وصرف وطرق ومنشأت وبحوث وأرشاد ..

وغيرها ، وهذه الأنشطة كلها تحتاج إلي إستثمار حكومي أو عام حيث أنها لا تعود بربح سريع أو لا تعود بعائد يشجع الإستثمار الخاص علي الدخول في مثل هذه الأنشطة ، إذ أنه من المتوقع أن يكون العائد من هذه الإستثمارات بعيد المدى ، إلا أنه يعتبر عائداً غير مباشر يساهم في توليد العائد الجاري علي الإستثمارات الخاصة , والتي تستهدف أساساً الربح أو العائد علي الأموال المستثمرة وفقاً لاَ ليات الإقتصاد القومي وبالمقارنة بالإستثمار في فرص اًخرى بديلة .

وعلي العكس من ذلك فإن المشروعات التي تهدف إلي إنتاج أصناف فاخرة أو للتصدير أو أسماك الزينة أو للأغراض الصناعية ، فإنها تحتاج إلي إستثمارات كبيرة نسبياً ، حيث تتميز مثل هذه المشروعات بكبر رأس المال ، ومركزية الإدارة ودرجة معينة من التكامل الرأسي .

إن مثل هذه المشروعات تحتاج إلي إستثمارات في حفظ وتصنيع المنتجات وتطويرها ، وكذلك إنتاج الزريعة والأعلاف ، ولأجل تعظيم الأرباح ، فإن هذه المشروعات سوف تختار نظم إستزراع وأصنافاً والتي بالطبع تختلف عن تلك النظم والأصناف المطبقة في المزارع الصغيرة ، وهو ما يحتاج إلي إنشاء وحدات للأبحاث خاصة بها وإقامة مشروعات تجريبية صغيرة . وهذا يعني بالطبع توافر خبرات إدارية وفنية ذات كفاءة عالية خاصة في حالة تصدير المنتجات . ذلك أن التكاليف العالية يمكن تعويضها من خلال الإنتاجية المرتفعة وخفض تكاليف الإنتاج .

ونظراً لأن مثل هذه المشروعات تعتبر من المشروعات كثيفة رأس المال فإنها تكون أكثر ملاءمة لكبار المستثمرين الأفراد أو صناديق وبنوك الأستثمار ، وعلي هذا لابد من التخطيط الجيد لمثل هذه المشروعات والمبني علي فروض واقعية ، وتوفير رأس المال والخبرة لإتمام مشروعات تجريبية للحصول علي المعلومات الفنية والإقتصادية الحقيقية إذا لم تكن متاحة ، وهذا سيوفر البيانات الضرورية للتحليل الإستثماري ، ومعدلات التشغيل المطلوبة قبل تخصيص الإستثمارات ، وعلي أساس نتائج المشروع التجريبي فإن القرار النهائي يمكن أن يتخذ بالنسبة لمعدل وحجم الإستثمار، وهذا المشروع التجريبي ليس مفيداً فقط في مرحلة الإنتاج ، ولكن أيضاً في مراحل التصنيع والتسويق .

كذلك تعتبر المشاركة مع مستثمرين أجانب أحد مجالات الإستثمار في مثل هذه المشروعات ،وخاصة عندما تكون هناك حاجة إلي رأس المال الأجنبي لعدم كفاية الأستثمارات الوطنية ، أو عندما تكون هناك حاجة إلي خبرات إستثمارية خارجية ، أو المعرفة التقنية ، حيث يوجد إهتمام متزايد بين المستثمرين الأجانب في الدول المتقدمة صناعياً في إقامة مشروعات الإستزراع المائي في دول المناطق الحارة لعدة أسباب منها :

* الظروف البيئية الملائمة علي مدار العام والمناسبة لنمو الكائنات المستزرعة .

* إنخفاض تكلفة الموقع .

* رخص الأيدي العاملة .

إن الفرص المتاحة للتصدير للأصناف المرتفعة القيمة إلي دولة المستثمر الأجنبي أو الشريك الأجنبي ، أو إلي دولة ثالثة هي إعتبار مهم في المشروعات المشتركة ، وإن فرص نجاح المشروعات المشتركة تكون كبيرة عند إكتشاف أسواق واعدة للتصدير ، وإن إحتمال فشل هذه المشروعات المشتركة سيكون كبيراً عندما يكون الهدف هو الإعتماد علي سوق محلي محدود القوة الشرائية . ومع هذا فإن نجاح مثل هذه المشروعات المشتركة يتوقف أساساً علي مناخ الإستثمار السائد في الدولة بالإضافة إلي مجالات الإستثمار السابقة فإن هناك مجالات اَخرى للإستثمار في الصناعات التي تخدم قطاع الإستزراع المائي . ذلك أن تطوير وتنمية الإستزراع المائي سواء من خلال المشروعات الكبيرة أو الصغيرة يتطلب إستخدام عدة مكونات من المعدات والمواد الخاصة بهذا القطاع والتي هي عادة غير متوافرة في معظم الدول العربية إن لم يكن كلها مثل معدات وأجهزة المفرخات ( خزانات ، التفريخ ، المضخات وأجهزة تصنيف الزريعة .. ألخ ) الفوارغ المختلفة , عربات نقل الزريعة والأسماك الحية ، معدات أحواض التربية ، الأنابيب ، أقفاص التربية وغيرها .

وتشير بيانات المؤسسة العربية لضمان الإستثمار ، إن الإستثمارات في قطاع الزراعة والثروة الحيوانية والصيد البحري بما فيها الإستزراع المائي تمثل فقط حوالي 0.05% من إجمالي الإستثمارات العربية وهو ما يعني أن نصيب قطاع الصيد والإستزراع المائي لم يكن علي المستوى المطلوب كما لم تتم المحافظة علي تدفق الإستمارات في هذا القطاع . ويرجع ذلك إلي نقص المعرفة بالمجالات والإمكانيات المتاحة للإستثمار وكذلك عدم توافر دراسات جدوي شاملة لكثير من المشروعات المدرجة بخطط التنمية للدول العربية أو التي يجب أن تمول من هيئات ومؤسسات تمويل عربية أو من أفراد القطاع الخاص .

كما أن القليل من الدول العربية تدرج أنشطة الإستزراع المائي بشكل محدد ضمن الأنشطة الأقتصادية التي تتوافر بها فرص إستثمارية .

وبالطبع فإن هذا لا يعني أن بقية الدول العربية لاتتوافر فيها فرص ومجالات الإستثمار في هذا القطاع ، إذ أن العديد من هذه الدول تولي تنمية القطاع أهتماماً بدرجات متفاوته وأن هذا النشاط يزاول سواء علي مستوى تجريبي أو تجاري في معظم هذه الدول .

إن إنخفاض حجم الإستثمارات في مشروعات الإستزراع المائي يمكن إرجاعه إلي عاملين الأول : عدم توافر المناخ الإستثماري للقطاع ، والثاني : هو النقص في الترويج لفرص الإستثمار والتي تعتمد علي إعداد قائمة بالمشروعات الممكنة والمبنية علي دراسة جدوي فنية ومالية جادة وواقعية وعرضها علي جهات التمويل سواء أفراداً أو مؤسسات محلية أو قومية ( إقليمية ).

                                       بقلم د/ احمد برانية

                        استاذ الموارد السمكية  بمعهد التخطيط القومي

المصدر: جريدة الصياد - العدد العاشر - سبتمبر - اكتوبر 2001
fisherman

الاتحاد التعاونى للثروة المائية

  • Currently 60/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
20 تصويتات / 292 مشاهدة

الاتحاد التعاوني للثروة المائية

fisherman
Cooperative Union of Egyptian Water Resources الاستاذ / محمد محمد علي الفقي رئيس مجلس الادارة [email protected] »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

428,405