فراس حج محمد

موقع يختص بمنشورات صاحبه: مقالات، قصائد، أخبار

authentication required

 

الرسالة السابعة عشرة

أنا أكتبك إذن أنا أمارس الحب معك

 

جميلتي اللذيذة، ونص كتابتي الأشهى، أسعدت نشوة وشهوة وكتابة أما بعد:

عندما أكتب عن امرأة مرت في حياتي أمحوها من ذاكرتي وأنظف القلب من آثارها إلا أنت، فإنني أفعل ذلك في كل مرة لتثبت مفعول الأدرينالين في دمائي. الكتابة في حالتي هذه تشبه تدفق الدم في الشرايين لتجديد النشاط، هكذا أفعل كي تظلي حاضرة بكامل النشاط الوهمي لهذا المسمى "حبا".

في محادثة طويلة مع أحد الأصدقاء أنتبه إلى أن فعل الكتابة يشبه تماماً الفعل الجنسي، إنها عملية سرية، تحدث في الخفاء، كيف يكتب الكتاب ومتى، لا أحد يطلع على ذلك، كل الكتاب عندما يكتبون ينعزلون عن العالم أنهم يدخلون طقوس المضاجعة بين القلم والورقة، لتحدث تلك العملية البارعة، المسماة "الكتابة".

لاحظي معي أن الكتابة فعل مقاومة في الحالتين السابقتين، في الحالة الأولى مقاومة لاستعمار الأخريات لمواقعي الحساسة، فيستعمرن لغتي وأوراقي بدلا من استعمار تلك المناطق الحساسة من جسدي، وفي الحالة الثانية مقاومة لغيابك القسري، وأظل كلما كتبت عنك أو لك أطل على المكان الذي أنت فيه وأبتسم حتى لو كنتُ في حالة يأس.

لقد انتبه أحد المشايخ في القرن التاسع عشر إلى هذه المسألة، ولو لم يصرح بذلك في كتابه الموسوم بـ "الإصابة في منع النساء من الكتابة" إلى أن الكتابة تماثل العملية الجنسية، يا ترى ما الذي دفع الكاتب ليقول هذا؟ أظن أن الفكرة أصبحت واضحة الآن. على الرغم من أن دوافعه المعلنة في الكتاب ليست الرابط بين الفعلين، ولكن ما أتى به من أمثلة تعد مقدمة لذلك. أبو تمام قديما كان أجرأ عندما عبر عن الكتابة الشعرية بقوله: "والشعر فرج ليست خصيصته طول الليالي إلا لمفترعه". لاحظي هذا التوحد بين النشوتين في الفعلين.

ثمة أبجديات نستخدمها نحن الكتاب تنتمي إلى تلك المنطقة المشتركة بين الكتابة والعملية الجنسية، ألم يتخذ القلم مشبها به للعضو الذكري، أتذكر عندما كنت صغيرا، كان أحد أصدقائي يطلق لفظ القلم على ذلك العضو، إنه لا يكتب إلا إذا كان منتصبا بين إصبعين، ويكون ملامسا لجسد الورقة، تماما كما يحدث في العملية الجنسية. وعندما كنا نضع أقلام الحبر في جيب القميص ويتعرض لارتفاع درجة الحرارة كنا نقول: فاض القلم، إنها الألفاظ نفسها إذا ما تعرض أحدنا لحادث ترتفع فيه درجة حرارته، فإن قلمه سيفيض أيضا.

لعلنا سنسى مع التكنولوجيا الحديثة هذه الاستعارة اللطيفة، إذ لا أقلام نستخدمها للكتابة، لكننا ما زلنا نستخدم الأصابع لذات النشوة، هل تحولنا إلى أقلام إلكترونية ونشوة إلكترونية؟ يبدو أن الأمر يدور في فلك استعارة أخرى، وإن كانت في السياق ذاته.

اللذيذة الجميلة كجملة شعرية مفترعة:

تأملي معي الأمر جيدا، لكن لا يحسن بي وبك أن نحصر الكتابة ونشبهها بهذا الفعل مع أنه فعل إنساني خالد، كيف يقاوم الإنسان موته؟ هل فكرت بالأمر؟ من المؤكد أنه يناضل بالقلمين معا حتى لا يموت له ذِكْر، قلم يكتب في جسد ما وينتج نصا، سيُدعى ولدا أو بنتا، يحملان اسم صاحبه وجيناته، وهي طريقة بدائية للتحايل على الموت، وثمة قلم آخر يكتب نصوصا لغوية خالدة، تجعل الكاتب خالدا، لعل هذا هو المعنى المقصود من مقاومة الموت بالكتابة، تموت أجسادنا وتبقى النصوص بعدنا شاهدة على أرواحنا، لا داعي لأقول لك أمثلة على ذلك، فآثار المبدعين من عهد قديم ما زالت حية ترزق، نتنفس أنفاس الكتاب كلما قرأنا كتبهم.

إننا نحن البشر نتاج عملية كتابية، يقول جبران خليل جبران "إنّما النَّاسُ سطورٌ كُتبت لكن بماء". ثمة من اتحد لينجبنا، ونحن نتحد مع غيرنا لننجنب آخرين، وستستمر عملية الاتحاد إلى ما شاء الله لتظل الكتابة وفعلها هي أعظم ما منح للإنسان ليعبر عن طاقته الحيوية بشهوة قلمه، ويوظف قلمه الآخر ليعبر عن نشوة الكتابة. إنها هي النعمة الكبرى، والمعنى العظيم لهذا الخلق.

بقي أمر أود أن أحدثك عنه في هذه الرسالة فيما يخص الكتابة، إنه لجدير بالتأمل. هل تعتقدين أن القرآن الكريم لم يتعرض لهذه المسألة؟ هناك في القرآن الكريم سورة تدعى "القلم"، وبدئت بـ "نون والقلم وما يسطرون"، إن هذه الآية العظيمة تحمل من بعيد المعنى السابق، فما هي النون هنا؟ وما هو القلم؟ وما هو المسطور؟ إن اتحاد النون مع القلم هو ما يحيل إلى اتحاد الأعضاء الجنسية، وما ينتج عن القلم من عملية التسطير والكتابة، لعل هذا ما انتبهت له مجلة "بدايات" فنشرت على الغلاف في أحد أعدادها صورة ربطت فيها بين النون والقلم وبين الجسد الأنثوي، مع إبرازها لعلامة الترقيم، التعجب (!)، ولنا أن نتخيل أنا وأنت هذه الدلالة ونستحضرها.

هذا ليس تحريفا ولا تجديفا وليس شططا في التفسير. فكل ما في الكون يحمل هذا المعنى من اتحاد بين مذكر ومؤنث، وكل اتحاد بين مذكر ومؤنث ينتج عنه عملية عبقرية، البرق والرعد والمطر، شق الأرض بالمحراث، و"نساؤكم حرث لكم"، واشتعال الكهرباء في الأشياء، ناتج عن اتحاد مذكر ومؤنث/ سالب وموجب، هذه هي سنة الحياة التي سنها الله، ليكون الاثنان حاضرين في كل مكونات هذا الكون.

أرجو أن أقرأ وجهة نظرك في الموضوع، فهلا كتبت لي لعل الفكرة تغدو أوضح وأجلى. أنا أكتبك وأكتب لك وعنك إذن أنا أمارس الحب معك. دمت النون لقلمٍ لا ينفك يفيض كلما جر حرفا ليكتب.

فراس حج محمد

السبت: 6-10-2018

 

المصدر: فراس حج محمد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 275 مشاهدة
نشرت فى 6 أكتوبر 2018 بواسطة ferasomar

فراس عمر حج محمد

ferasomar
الموقع الخاص بــ "فراس حج محمد" »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

718,290

فراس حج محمد

نتيجة بحث الصور عن فراس حج محمد كنانة أون لاين

من مواليد مدينة نابلس في فــلسطين عــام 1973م، حاصل على درجة الماجستير في الأدب الفلسطيني الحديث من جامعة النجاح الوطنية. عمل معلما ومشرفا تربويا ومحاضرا غير متفرغ في جامعة القدس المفتوحة. 

عمل محررا لغويا في مجلتي الزيزفونة للأطفال/ رام الله، وشارك في إعداد مواد تدريبية في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، وكان عضوا في هيئة تحرير مجلة القانون الدولي الإنساني/ الإصدار الثاني الصادرة عن وزارة التربية والتعليم في فلسطين.

نشر العديد من المـقالات والقـصائد في مـجالات النشر المختلفة الإلـكترونية والصحف والمجلات في فلسطين والوطن العربي وبريطانيا وأمريكا وكندا والمكسيك. وشارك في ندوات وأمسيات شعرية ومؤتمرات في فلسطين.

الكتب المطبوعة: 

رسائــل إلى شهرزاد، ومــن طقوس القهوة المرة، صادران عن دار غُراب للنشر والتوزيع في القاهرة/ 2013، ومجموعة أناشيد وقصائد/ 2013، وكتاب ديوان أميرة الوجد/ 2014، الصادران عن جمعية الزيزفونة لتنمية ثقافة الطفل/ رام الله، وكتاب "دوائر العطش" عن دار غراب للنشر والتوزيع. وديوان "مزاج غزة العاصف، 2014، وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في القصة القصيرة جدا- دار موزييك/ الأردن وديوان "وأنت وحدك أغنية" عن دار ليبرتي/ القدس وبالتعاون مع بيت الشعر في فلسطين، وكتاب "يوميات كاتب يدعى X"، وكتاب "كأنها نصف الحقيقية" /الرقمية/ فلسطين، وكتاب "في ذكرى محمود درويش"، الزيزفونة 2016، وكتاب "شهرزاد ما زالت تروي- مقالات في المرأة والإبداع النسائي"، الرقمية، 2017، وديوان "الحب أن"، دار الأمل، الأردن، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في الرواية"، مكتبة كل شي، حيفا، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في متنوع السرد"، مؤسسة أنصار الضاد، أم الفحم، 2018، وديوان "ما يشبه الرثاء"، دار طباق للنشر والتوزيع، رام الله، 2019، وكتاب "بلاغة الصنعة الشعرية"، دار روافد للنشر والتوزيع، القاهرة، 2020. وكتاب "نِسوة في المدينة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2020. وكتاب "الإصحاح الأوّل لحرف الفاء- أسعدتِ صباحاً يا سيدتي"، دار الفاروق للنشر والتوزيع، نابلس، 2021. وكتاب "استعادة غسان كنفاني"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2021، وكتيّب "من قتل مدرّس التاريخ؟"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2021. وديوان "وشيء من سردٍ قليل"، وزارة الثقافة الفلسطينية، رام الله، 2021. وديوان "على حافّة الشعر: ثمّة عشق وثمّة موت"، دار البدوي، ألمانيا، 2022. وكتاب "الكتابة في الوجه والمواجهة"، الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمان، 2023. وكتاب "متلازمة ديسمبر"، دار بدوي، ألمانيا، 2023. وكتاب "في رحاب اللغة العربية"، دار بدوي، ألمانيا، 2023، وكتاب "سرّ الجملة الاسميّة"، دار الرقمية، فلسطين، 2023. وكتاب "تصدّع الجدران- عن دور الأدب في مقاومة العتمة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمّان، 2023، وديوان "في أعالي المعركة"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2023، وكتاب "مساحة شخصية- من يوميات الحروب على فلسطين"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "الثرثرات المحببة- الرسائل"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "فتنة الحاسة السادسة- تأملات حول الصور"، دار الفاروق للثقافة، نابلس، 2025. 

حررت العديد من الكتب، بالإضافة إلى مجموعة من الكتب والدواوين المخطوطة. 

كتب عن هذه التجربة الإبداعية العديد من الكتاب الفلسطينيين والعرب، وأجريت معي عدة حوارات ولقاءات تلفزيونية.