قراءة في المقطوعة الشعريّة: (مسافتي الأخرى!) لفراس حج محمد
اضطراب العاطفة والتيه بين الروح والجسد!
عمر غوراني/ نابلس
1- صـبـاحـك كـلـه عـسـل الـخـلايا
عــلـى تـلـك الـمـفاتن والـهـدايا
2- كـــــأن الــجـسـم أرواح تــدلــت
بــهـالات عــلـى بــعـض الـمـرايا
3- فـتـتركني غـسـيل مـيـاه وصـل
أعــرِّفـنـي وأُسْـمـعـنـي غــنـايـا
4- حـبـيبي يــا أعـز الـناس عـندي
حـباك الله مـن حـسن السجايا
5- مـلـكـت الـــروح والأوقـــات كــلا
لــتــروي غــلـتـي تــلـك الـثـنـايا
6- إلـيـك مـحـبتي وجـنـون روحـي
أزجـيـهـا عــلـى ركـــب الـتـحـايا
7- فأنت مسافتي الأخرى فكوني
مــســاراتـي وآيـــــات الــحـنـايـا
عناية بيّنة بابتكار وإبداع أن يكون غير مسبوق، في قصيدك المتأخّر أديبنا فراس. وقد وفّقت َبالإجمال في هذه المقطوعة لما أردت فيما أرى، لا سيّما في الصورة الشعريّة. وقد أعجبني منها ما في البيتين الثاني والأخير. ولعلّ عنايتك بالابتكار، والصورة تحديدا ً، قد عقّد علينا الصورة التي في البيت الثالث حتى لا نكاد نتبيّنها أو ندركها :
فـتـتركني غـسـيل مـيـاه وصـل
أعــرِّفـنـي وأُسْـمـعـنـي غــنـايـا
فإنّ الصورة في الشطر الأوّل منه، قد أعملت فيها ذهني، فعدتُ كما (حـُـنين) الذي تدري، أو العائدون بخفّيه بل دونهما، إلاّ أن أذهب بالـ(ماء) إلى معنى حسّيّ جدّ محرج إذا التقى العاشقان، أو الخدنان!
ولا أجد ذلك بعيدا ً عن مجمل علائق قلقة حائرة مضطربة في صلة الروح بالجسد تنتظم ما اطّلعنا عليه من منظوم الأستاذ فراس ومنثوره الأدبيين في المرأة المعشوقة.. ولعلّ البيت الثاني، السابق لهذا الثالث يمثل هذا الاضطراب خير تمثيل، حين شبّه مفاتن الجسم بأرواح متدلية!
اضطراب، ولكنه منسجم تماما ً مع حقيقة الاضطراب في نفس المبدع ذاته، فيما أرجّح.. اضطراب تلك العلاقة الروحيّة-الجسديّة ومواز ٍ لها.. ولربما لو استبدلنا (سحاب) بـ(ماء) لكانت العلاقة الروحيّة - الجسدية أكثر انسجاما ً. غير أنّ معاني الشاعر في بطنه كما قيل، وهو أدرى بمقاصده، وهو حرّ برؤيته..
والبيت الخامس، يؤكد اضطراب تلك العلاقة، أو انسجامها -إن شئت- مع فلسفة الشاعر، أو حقيقة شعوره وإحساسه تجاه المرأة المعشوقة:
مـلـكـت الـــروح والأوقـــات كــلا
لــتــروي غــلـتـي تــلـك الـثـنـايا
فإنّ الـلام في (لتروي) سواء أكانت للتعليل أم العاقبة، فهي مؤدية إلى ما ذهبنا إليه.. وبإضافة الجنون إلى الروح في البيت السادس، يكتمل توثيقنا لما ذهبنا إليه في فلسفة الشاعر ورؤيته لصلة الروح بالجسد في سياق الحديث عن المرأة المعشوقة، بل في سياق العشق ذاته:
إلـيـك مـحـبتي و(جـنـون روحـي)
أزجـيـهـا عــلـى ركـــب الـتـحـايا
***
أمّا على الصعيد البنائيّ، فقد عرفنا عناية العرب بمطالع قصيدهم. غير أننا نجد (الخلايا) التي بُنيت عليها قافية القصيدة ورويّها فضلةً، بل مسيئة إلى المعنى.. فما المعنى الذي أضافته (الخلايا) إلى النصّ؟ بل إنّ إضافة (الخلايا) إلى العسل، قد خصصته بالمعنى الحقيقيّ للعسل، دون الظلاليّ أو الرمزيّ الجميلين اللذين اكتسبهما العسل في الأدب، حتى الشعبيّ منه.
والافتقار إلى العناية بالمطالع الحسنة، نجده كذلك في المقطوعة الأخرى، بعنوان : (كوني السماء) والمنشورة قبل هذه بيومين :
عليكِ نفسك فاهدئي وتمالكي
أنت القوية والبراح غدا لكِ
فقد استـُهلّت المقطوعة بعثار موسيقيّ عـَروضيّ من أول كلمتين، مخالفة لنغم (الكامل) بحرها، فضلا ً عن الصيغة الآمرة في الكلمتين خلافا ً لما يليق في هذا السياق من خطاب حبيب منكسر ..
ولعلّ الافتقار إلى العناية بتجويد المطالع، مبعثه تعجّل في النشر يهمل معه الشاعر تنقيح قريضه، أو هو الثقة الزائدة بالنفس وقدراتها.
أمّا (أزجيها) في البيت السادس، من غير تشديد للجيم فعثار موسيقيّ عروضيّ، وبالتشديد ثقل موسيقيّ غير حبيب إلى السمع كذلك.. ولعل المخرج من ذلك ترك الجيم دون تشديد مع واو قبل الكلمة: (وأزجيها).
وفي الحديث عن الإبداع والجدّة اللذين وجدنا الشاعر يجهد محقّا ً في بلوغهما، نجد البيت الرابع غاية في التقليد، بمعان وألفاظ يكادان يكونان بحرفيتهما عند غيره:
حـبـيبي يــا أعـز الـناس عـندي
حـباك الله مـن حـسن السجايا
وليس بالضرورة أن يكون الإبداع في كلّ بيت أو جملة شعريّة فنكلّف المبدع فوق طوقه، غير أنّ ذلك يُحمد، ويسهم في تميّز النصّ لو كان، إذ الجدّة والإبداع من أبرز ما ينشده المتلقّي لدى الأديب.