فراس حج محمد

موقع يختص بمنشورات صاحبه: مقالات، قصائد، أخبار

أتلك نظارة أم امرأة أيها المصراوي؟

قراءة في القصة القصيرة جدا "نظارة طبية" للكاتب أسامة لويس المصراوي

فراس حج محمد/ فلسطين

نظارة طبية :
=======
أطلت النظر أليها .. أعجبتي .. يا للروعة و الجمال .. مرسومة بدقة و عناية .. انطبعت ملامحها في ذهني ..
أعترف بمدي أحتياجي أليها .. تنقصني بشدة .. لا طائل من العناد ..  
سأخذ مقاساتها و أذهب لأقرب محل نظارات ....

********

هل يصلح أقرب الأشياء إليك ليكون مادة فخمة زاهية، تختال بأناقة لتستقر في مخيلتك، وتجيل فيها أفكارك، يغرب فيك التحليل وهو مشرق، وأقسمت لو شرقت كاد يغربُ؟ نعم هو كل ذلك وربما أكثر في بضع أسطر وحفنة علامات ترقيم، وعفوية راصدة للحظة سردية نفسيّة، ليصوغها أسامة المصراوي في نظارته الطبية!

تعالوا نر ماذا أحدث المصراوي في هذه الوقفة التي لم تكن لتمر بسلام أمام محل النظارات، وقد أعجب بإطار من تلك الإطارات المعروضة، فلعلك تلاحظ هنا معي ظرف المكان المفترض؛ واجهة محل في مكان ما، تثير فيه حبا من نوع ما، ويذكر الحوار الداخلي الذي بنى عليه الكاتب قصته بالمثل الشعبي في فلسطين الذي يقول "من أحبّ حجرا نقله"، وها هي الشخصية تحب نظارة، ويستهويه ما فيها من جمال، فأخذ يحدث نفسه أحاديثها، ليسبغ على تلك المحبوبة لغة متعلقة بأهداب الأنوثة وماتحة من معاجمها؛ يشعرك الموقف أن صاحب الحاجة، وهو هنا ليس أرعن، مأخوذا بسحر امرأة أغوته من النظرة الأولى، فيرى مفاتنها وجمالها، مما جعله يحدث نفسه في سره "يا للروعة والجمال"!، وتستولي على كل كيانه، فتنتطبع صورتها في ذهنه، ويعبر عن احتياجه لها، وتكون الصدمة الإبداعية المدهشة عندما يعلن عن حبه وتعلقه لنظارة طبية! يا للهول أكل ذلك يا مصرواي؟ أكاد لا أصدق، ربما كنت تريد الغزل، فتنبهت لمراقبة ما فانحرفت مبدعا لتكون الأجمل في هذا النص.

يعتمد الكاتب في صياغته هذه ال ق ق ج على الجمل الفعلية القصيرة، فالنص كله (10) جمل، منها ثماني جمل فعلية، وجملتان اسميتان، واحدة منهما مصوغة بالاتكاء على المشتق الصرفي اسم المفعول (مرسومة) لتقربها إلى دائرة الفعلية، بل هي عاملة عمل الفعل، فقد جاءت نكرة منونة، تحتاج نائب فاعل، وقد جعلته في أحشائها ضميرا مستترا!، وأما الجملة الاسمية الأخرى فهي (لا طائل من العناد)، وهي كذلك مصدرة بعد لا النافية للجنس باسم الفاعل المشتق قرين الفعل، وهو مبنيّ (غير عامل) في محل نصب، إنها عملية غير مدركة تماما للكاتب ربما، فقد جاءت عفوية كاشفة عن الإبداع وحقيقة الموهبة، وقد حملت هذه الجمل العشر توتر القاصّ وانفعاله، فهذه الجمل القصيرة، تشكل نقرات حادة تنبه النفس وتحمل أرقها وانبهارها بأمر عادي لكل إنسان، ولكنه للمبدع فرصة للإبداع ليكتب ما يميزه مقتنصا ما غفل عنه الآخرون!

جعل الكاتب بين جمله العشر علامات الترقيم (..)، وربما هي علامة للحذف، أو للصمت، تنمّ عن مدى انبهاره بهذه النظارة الطبية التي يعلن احتياجه لها، ربما أراد أن يؤنسنها، فلعلها هي تعلم كم هو بحاجتها، فبدت جميلة في عينيه، ولكن! كيف انبهر بها وهي ليست معه، إذن هناك عدم رضى عن طرف آخر لا يعجبه، إنها نظارته الحالية التي أشعرته بالنقص، ولعل هذا يحدث أيضا في علاقتنا بالبشر، بل إن هذا عينه ما يحدث في العلاقات البشرية، تجرّب كثيرا منهم، فتعرف ما تريد من هؤلاء، ومن هو الذي يسد نقصك واحتياجك، فيكون موقفك إيجابيا نحوه ليكون رفيقك، تماما كمثل هذه النظارة، التي سعى المفتون بها لتكون له!!

وأخيرا أنهي هذه الوقفة بعتب بسيط على الكاتب في بعض الهنات التي أربأ بوجودها في نص مبهر كهذا، وهي إملائية بسيطة، ولكنها كالنقطة السوداء في الملاءة البيضاء الناصعة.

أليس من حق هذه (أليها) أن تكون هكذا (إليها)! وكذلك (أحتياجي)، فهمزتها همزة وصل وليست قطعا (احتياجي)، و(سأخذ)، والأصل أن تكون بالمد (سآخذ)، وأما جملة (يا للروعة و الجمال) فينقصها علامة التأثر (!)، بالإضافة إلى أن حرف الواو في أحكام الطباعة يجب أن يكون ملاصقا بدون مسافة للكلمة التي تليه، وذلك في (و الجمال)، لتصبح (والجمال)، وأيضا (و عناية)، لتغدو (وعناية)، (و أذهب) والصواب (وأذهب)، ألم تنتبه أيها المبدع للخطأ كذلك في (مدي)، وهي (مدى)؟

إن أكثر ما يميز القصة القصيرة جدا جسدها اللغوي المصقول بعناية فائقة، ليعكس أنوار الكاتب وأفكاره لتشع في كل تجاه، ومثل هذه الهنات تجعل هذا السطح المصقول مثلوماً، فلربما تشتت بعض الجمال، فلنحافظ على بؤرة الضوء الصافية ليكون الجمال مبهرا وقويا!!، وما دمت أتحدث عن علامات الترقيم وأحكام الطباعة، أنوّه إلى أن كل علامات الترقيم تكون تبعة للكلمة التي تسبقها بدون مسافة، والمسافة تكون بين علامة الترقيم والكلمة التي تليها.     

المصدر: فراس حج محمد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 257 مشاهدة
نشرت فى 28 ديسمبر 2013 بواسطة ferasomar

فراس عمر حج محمد

ferasomar
الموقع الخاص بــ "فراس حج محمد" »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

743,136

فراس حج محمد

نتيجة بحث الصور عن فراس حج محمد كنانة أون لاين

من مواليد مدينة نابلس في فــلسطين عــام 1973م، حاصل على درجة الماجستير في الأدب الفلسطيني الحديث من جامعة النجاح الوطنية. عمل معلما ومشرفا تربويا ومحاضرا غير متفرغ في جامعة القدس المفتوحة. 

عمل محررا لغويا في مجلتي الزيزفونة للأطفال/ رام الله، وشارك في إعداد مواد تدريبية في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، وكان عضوا في هيئة تحرير مجلة القانون الدولي الإنساني/ الإصدار الثاني الصادرة عن وزارة التربية والتعليم في فلسطين.

نشر العديد من المـقالات والقـصائد في مـجالات النشر المختلفة الإلـكترونية والصحف والمجلات في فلسطين والوطن العربي وبريطانيا وأمريكا وكندا والمكسيك. وشارك في ندوات وأمسيات شعرية ومؤتمرات في فلسطين.

الكتب المطبوعة: 

رسائــل إلى شهرزاد، ومــن طقوس القهوة المرة، صادران عن دار غُراب للنشر والتوزيع في القاهرة/ 2013، ومجموعة أناشيد وقصائد/ 2013، وكتاب ديوان أميرة الوجد/ 2014، الصادران عن جمعية الزيزفونة لتنمية ثقافة الطفل/ رام الله، وكتاب "دوائر العطش" عن دار غراب للنشر والتوزيع. وديوان "مزاج غزة العاصف، 2014، وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في القصة القصيرة جدا- دار موزييك/ الأردن وديوان "وأنت وحدك أغنية" عن دار ليبرتي/ القدس وبالتعاون مع بيت الشعر في فلسطين، وكتاب "يوميات كاتب يدعى X"، وكتاب "كأنها نصف الحقيقية" /الرقمية/ فلسطين، وكتاب "في ذكرى محمود درويش"، الزيزفونة 2016، وكتاب "شهرزاد ما زالت تروي- مقالات في المرأة والإبداع النسائي"، الرقمية، 2017، وديوان "الحب أن"، دار الأمل، الأردن، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في الرواية"، مكتبة كل شي، حيفا، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في متنوع السرد"، مؤسسة أنصار الضاد، أم الفحم، 2018، وديوان "ما يشبه الرثاء"، دار طباق للنشر والتوزيع، رام الله، 2019، وكتاب "بلاغة الصنعة الشعرية"، دار روافد للنشر والتوزيع، القاهرة، 2020. وكتاب "نِسوة في المدينة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2020. وكتاب "الإصحاح الأوّل لحرف الفاء- أسعدتِ صباحاً يا سيدتي"، دار الفاروق للنشر والتوزيع، نابلس، 2021. وكتاب "استعادة غسان كنفاني"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2021، وكتيّب "من قتل مدرّس التاريخ؟"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2021. وديوان "وشيء من سردٍ قليل"، وزارة الثقافة الفلسطينية، رام الله، 2021. وديوان "على حافّة الشعر: ثمّة عشق وثمّة موت"، دار البدوي، ألمانيا، 2022. وكتاب "الكتابة في الوجه والمواجهة"، الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمان، 2023. وكتاب "متلازمة ديسمبر"، دار بدوي، ألمانيا، 2023. وكتاب "في رحاب اللغة العربية"، دار بدوي، ألمانيا، 2023، وكتاب "سرّ الجملة الاسميّة"، دار الرقمية، فلسطين، 2023. وكتاب "تصدّع الجدران- عن دور الأدب في مقاومة العتمة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمّان، 2023، وديوان "في أعالي المعركة"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2023، وكتاب "مساحة شخصية- من يوميات الحروب على فلسطين"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "الثرثرات المحببة- الرسائل"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "فتنة الحاسة السادسة- تأملات حول الصور"، دار الفاروق للثقافة، نابلس، 2025. 

حررت العديد من الكتب، بالإضافة إلى مجموعة من الكتب والدواوين المخطوطة. 

كتب عن هذه التجربة الإبداعية العديد من الكتاب الفلسطينيين والعرب، وأجريت معي عدة حوارات ولقاءات تلفزيونية.