ما الموتُ إلا غياب الجسد، ليس إلا!!
فراس حج محمد
يفاجئنا الموت برحيل قامة من القامات السامقة والتي كان لها الحضور الأبرز في الحياة الثقافية للأمة، إنه الناقد الكبير هاشم ياغي، الذي وافته المنية يوم الجمعة 27/9/2013، وقد نعته الأوساط الثقافية الأردنية والعربية، بوصفه علما من أعلام الثقافة والحياة الأكاديمية العربية، وقد قال رئيس رابطة الكتاب الاردنيين د. موفق محادين في نعيه الفقيد الراحل بأن "ياغي فضلاً عن كونه من النقاد المؤسسين، فهو أكاديمي وصاحب موقف، ومن مؤسسي رابطة الكتاب الأردنيين."، وكان رحمه الله ممن أسسوا كلية الأداب في الجامعة الأردنية، وكان من أساتذتها الأوائل مع الأستاذ الدكتور ناصر الدين الأسد، والأستاذ الدكتور عبد الكريم الغرايبة.
شكل الراحل مع أخيه عبد الرحمن ياغي – أطال الله عمره- ظاهرة أدبية ونقدية، حتى عرفا بالياغيين، فكانا علمين من أعلام الأدب والفكر والثقافة العربية، فتم تكريمهما معا في الندوة التي أعدتها رابطة الكتاب الأردنيين بتاريخ: 9-10-2013، وصدرت الأوراق البحثية في كتاب خاص ضمن سلسلة كتاب الشهر الصادر عن وزارة الثقافة الأردنية، والكتاب يحمل الرقم (118).
وبينت أعمال تلك الندوة ما لهذين الأستاذين من عميق الأثر في الحياة والناس والمثقفين والأكاديميين، وبعد مرور ما يقرب من ثماني سنوات على تلك الندوة يأذن أبو عمرو بالرحيل مخلفا وراءه إنتاجا علميا زاخرا، وكوكبة من المثقفين والخرجين الذين تربوا على أفكاره في جامعات العرب في ليبيا والسعودية والكويت والأردن.
يغادر أ. د. هاشم ياغي هذه الفانية، ولكنه يترك بصماته التي لا تنسى ولا يمحى لها أثر في جبين الدهر مصباح نور متلألئا لن يخبو نوره برحيل الجسد، فالفكر والروح باقية بقاء الحياة، فقد أعطى الدكتور كل حياته للعلم والمعرفة والتدريس، ومهما قال عنه الدارسون أو أفاض في مدحه المقرظون، فإنهم لن يوفوا هذا العلم حقه من التقدير والتبجيل، فكيف لهم ذلك وقد كان البحر بل المحيط الذي تترامى أمام بصيرتك شواطيه ولكنك لن تبلغ من مداها سوى ما يتراءى لك، فإن تبحرت وتعمقت صادفتك درر معجبة رائقة، إنها سنة الله في العظماء الذين يشكلون الحياة فيكونون جزءا عضويا من روحها!!
لم يكن رحمه الله متبحرا بالشعر الجاهلي وحسب، ولكن مؤلفاته تشهد بجهوده الممتدة إلى حقول معرفية عصرية، فكتب في فن القصة القصيرة كتابه (القصة القصيرة في فلسطين والأردن) وفي الرواية كتب كتابه عن إميل حبيبي (الرواية وإميل حبيبي)، وتناول الشعر الحديث في مؤلفه الموسوم بـ (الشعر الحديث بين النظرية والتطبيق)، عدا الكتب النقدية المتخصصة لا سيما كتابه (النقد الأدبي الحديث في لبنان والمدارس المعاصرة)، عدا أبحاثه ومؤلفاته ومحاضراته في الأدب الجاهلي، والتي شكلت علامة بارزة في الدرس الأدبي المتصل بأبجدية الدراسة على ضوء مناهج الدراسة الأدبية الحديثة.
كان الأستاذ الدكتور هاشم ياغي عربيا وأردنيا فلسطينيا ليس لمولده فيها وليس لانتمائه الجغرافي والعملي كذلك، بل لأنه أحد أبناء الأمة البارّين بها، رحمه الله، رحمة واسعة، فالموت لا يعدو أن يكون تغييبا لفيزياء الجسد ليس إلا، فحضورك باق بقاء العلم يا سيد العلم!!