فراس حج محمد

موقع يختص بمنشورات صاحبه: مقالات، قصائد، أخبار

إضاءة حول رواية عين التينة

فراس حج محمد| فلسطين

صدرت مطلع هذا العام (2025) عن الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين في مدينة رام الله رواية "عين التينة" للروائي والأكاديمي الفلسطيني صافي صافي، وجاءت بعد عشر روايات صدرت عن دور نشر محلية وعربية في فلسطين والأردن وبيروت.

يعزز الروائي في روايته الجديدة علاقته بالمكان الفلسطيني وتحولاته على غرار رواياته الأخرى، وجاءت في (143) صفحة من القطع المتوسط، موزعة على (26) فصلا قصيراً، هي: بيسان، كن صديقي، حنين، المدينة، باقة، حنين، كوشان، البوسطة، التيه، الطريق، الدرباشية، البركة، رقص، اليعسوب، الأزرق، العليق، العنق، العصي، الفرز، عين التينة، اشتباك، الحولة، أصدقاء أعداء، الغجر، بيسان، الحبس.

يتخذ الكاتب من "التخييل الذاتي" متكأ فنيا، إذ يتشابه السارد والمؤلف في بعض الأمور، فكلاهما من فلسطين من قرية مهجرة، يقول: "فأنـا مـن هنـاك، مـن وسـط الوسـط، قـرب حــدود الخط الأخضر، قــرب المطار، قــرب نعلــين وبــدرس وقبيــا، ورنتيــس مــن الجهة الشــرقية، واللــد مــن الجهة الجنوبية الغربيــة". وكذلك للسارد والمؤلف علاقة بمدينة رام الله التي يتردد عليها السارد، كما أن سيرة صافي تشير إلى أنه درس في جامعة الكويت، وعدا هذا وذاك فإن رواية "التخييل الذاتي" تقوم على السرد بضمير المتكلم، وهو ما وظفه الكاتب في هذه الرواية. وعلى العموم يصعب فصل التجربة الروائية للروائي الفلسطيني عن تجربته الشخصية، فتتداخل التجربتان.

تصف الأحداث مسار استكشاف فلسطين التاريخية، يقوم به السارد برفقة حنان صديقته أيام الدراسة الجامعية في الكويت، فيزوران موقع "عين التينة" بين هضبة الجولان السورية وبحيرة الحولة شمال فلسطين. حيث تتمكن حنان من دخول فلسطين، لتزور مدينة بيسان التي تحتل كل تفكيرها، وتفضلها على زيارة أية مدينة أخرى.

ويتتبعان- ومعهما (40) شخصا آخرين رفقاء الحافلة التي تقلهما- مسارا جغرافيا للوصول إلى عين التينة مبتغى السارد، وبيسان مبتغى صديقته، فيظهر اتفاقهما في أفكار كثيرة حول علاقة أحدهما بالآخر، والتباس تلك العلاقة المفتوحة على الصداقة أو رفقة النضال، أو مجرد الزمالة الجامعية أو العلاقة العاطفية، ومن خلال هذه الرحلة يتفقان على كثير من الأفكار حول المكان الفلسطيني والانتماء له، واحتلال الصهاينة له، وإدانة كثير من التصرفات.

عندما يصلان "عين التينة" يُواجه الفريق بالهتافات العنصرية، ما يضطرهم للمغادرة، وحين يصلون بيسان، يكون النهار قد ولى، فيعتقلون فيما تبقى من محطة قطار الشام- الحجاز، فلا ترى بيسان على حقيقتها.

في تلك الأثناء تصحو العاطفة المكبوتة بين السارد وبين حنان، فعلى الرغم من أنهما سجنا في مكان تغمرهما فيه العتمة والرطوبة والحشرات المزعجة، ومكتظ بالآخرين، إلا أنهما يجدان أنفسهما يعيدان ما فات من هذه العلاقة المتينة الغامضة، لتنتهيَ الرواية بهذا المشهد:

"قلـت انزوينـا، فكانـت الزاويـة مكاننـا، ولـم نعـد نشـعر أن هنـاك أهميـة لـو اتسـخت ثيابنا، أو ازداد تصبــب عرقنــا. مــرت ســاعة، ســاعتان، فشــعر آخــرون بالنعـاس، وشـعرت أنـا وحنـان بالقـرب، فاقتربنـا، وشـعرنا بالوحـدة، فاتحدنا عناقـا وقبلاً، شـفاه حـارة جائعـة، بهـدوء صوفيـن، طاويـين، تمددنا والتصقنــا، بهــدوء، بســكينة هــذه المدينة، فحــل علينــا الإله. بهـدوء كنـا معـا، وبهـدوء اجتمعنـا، بهـدوء شـآن، وبهـدوء، بهـدوء، عشـنا معـا، ومتنـا معـا، ثـم عشـنا بسـكون".

يتخلل الرواية كثير من المعلومات التاريخية والمواقف السياسية، وتكتنز لغتها بالإشارات الثقافية المتنوعة. رواية قصيرة غير متفرعة في أحداثها، ليظل السرد محافظا على خيط انتظامه وسيره نحو الأمام رغما عن العنونة التي تقطّع أوصاله ظاهرياً، لكنها كانت أشبه بالمحطات الجغرافية لا تمنع تدفق السرد وتتابعه للوصول إلى ذروة الحدث الروائي الذي جاء في آخر مشهد في الرواية.

كما أن الرواية كانت تقترح جمالياتها الخاصة من خلال ما اتخذته من تقنيات سردية، لتكون "الرحلة" أهمها، وأكثرها تأثيرا في رسم الحدث الروائي، ومحدودة الشخصيات، ظهر منهم مها المقدسية ووحيد الجولاني وأبو المجد وزوجته. ولم تركز على البطولة الفردية الكلاسيكية إنما كانت الطبيعة الفلسطينية هي العنصر الأبرز في الرواية، وعمقت الرواية حضورها بأن تجاوزت عن بعدها الرومانسي المعهود إلى بعد آخر مرتبط بخصوصية المكان الفلسطيني وما يعانيه من سيطرة الاحتلال عليه وتحكمه فيه، لكنها لم تخل من ظلال رومانسية العاشقين، لتعيد الرواية أنسنة الطبيعة واندماجها بإنسانها على نحو غير مباشر لم يقتصر على نهاية الرواية بل وجد له ظلال في مشاهد متعددة خلال السرد، وبذلك تشكّل الرواية تنوعا سرديا مهما في المشهد السردي الفلسطيني، لتؤكد بعده التاريخي المتسق مع رواية الفلسطيني لحكاية أرضه أولا، ليجابه بها سردية الآخر المحتل ثانياً...

المصدر: فراس حج محمد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 80 مشاهدة
نشرت فى 30 يناير 2025 بواسطة ferasomar

فراس عمر حج محمد

ferasomar
الموقع الخاص بــ "فراس حج محمد" »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

781,482

فراس حج محمد

نتيجة بحث الصور عن فراس حج محمد كنانة أون لاين

من مواليد مدينة نابلس في فــلسطين عــام 1973م، حاصل على درجة الماجستير في الأدب الفلسطيني الحديث من جامعة النجاح الوطنية. عمل معلما ومشرفا تربويا ومحاضرا غير متفرغ في جامعة القدس المفتوحة. 

عمل محررا لغويا في مجلتي الزيزفونة للأطفال/ رام الله، وشارك في إعداد مواد تدريبية في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، وكان عضوا في هيئة تحرير مجلة القانون الدولي الإنساني/ الإصدار الثاني الصادرة عن وزارة التربية والتعليم في فلسطين.

نشر العديد من المـقالات والقـصائد في مـجالات النشر المختلفة الإلـكترونية والصحف والمجلات في فلسطين والوطن العربي وبريطانيا وأمريكا وكندا والمكسيك. وشارك في ندوات وأمسيات شعرية ومؤتمرات في فلسطين.

الكتب المطبوعة: 

رسائــل إلى شهرزاد، ومــن طقوس القهوة المرة، صادران عن دار غُراب للنشر والتوزيع في القاهرة/ 2013، ومجموعة أناشيد وقصائد/ 2013، وكتاب ديوان أميرة الوجد/ 2014، الصادران عن جمعية الزيزفونة لتنمية ثقافة الطفل/ رام الله، وكتاب "دوائر العطش" عن دار غراب للنشر والتوزيع. وديوان "مزاج غزة العاصف، 2014، وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في القصة القصيرة جدا- دار موزييك/ الأردن وديوان "وأنت وحدك أغنية" عن دار ليبرتي/ القدس وبالتعاون مع بيت الشعر في فلسطين، وكتاب "يوميات كاتب يدعى X"، وكتاب "كأنها نصف الحقيقية" /الرقمية/ فلسطين، وكتاب "في ذكرى محمود درويش"، الزيزفونة 2016، وكتاب "شهرزاد ما زالت تروي- مقالات في المرأة والإبداع النسائي"، الرقمية، 2017، وديوان "الحب أن"، دار الأمل، الأردن، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في الرواية"، مكتبة كل شي، حيفا، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في متنوع السرد"، مؤسسة أنصار الضاد، أم الفحم، 2018، وديوان "ما يشبه الرثاء"، دار طباق للنشر والتوزيع، رام الله، 2019، وكتاب "بلاغة الصنعة الشعرية"، دار روافد للنشر والتوزيع، القاهرة، 2020. وكتاب "نِسوة في المدينة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2020. وكتاب "الإصحاح الأوّل لحرف الفاء- أسعدتِ صباحاً يا سيدتي"، دار الفاروق للنشر والتوزيع، نابلس، 2021. وكتاب "استعادة غسان كنفاني"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2021، وكتيّب "من قتل مدرّس التاريخ؟"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2021. وديوان "وشيء من سردٍ قليل"، وزارة الثقافة الفلسطينية، رام الله، 2021. وديوان "على حافّة الشعر: ثمّة عشق وثمّة موت"، دار البدوي، ألمانيا، 2022. وكتاب "الكتابة في الوجه والمواجهة"، الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمان، 2023. وكتاب "متلازمة ديسمبر"، دار بدوي، ألمانيا، 2023. وكتاب "في رحاب اللغة العربية"، دار بدوي، ألمانيا، 2023، وكتاب "سرّ الجملة الاسميّة"، دار الرقمية، فلسطين، 2023. وكتاب "تصدّع الجدران- عن دور الأدب في مقاومة العتمة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمّان، 2023، وديوان "في أعالي المعركة"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2023، وكتاب "مساحة شخصية- من يوميات الحروب على فلسطين"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "الثرثرات المحببة- الرسائل"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "فتنة الحاسة السادسة- تأملات حول الصور"، دار الفاروق للثقافة، نابلس، 2025. 

حررت العديد من الكتب، بالإضافة إلى مجموعة من الكتب والدواوين المخطوطة. 

كتب عن هذه التجربة الإبداعية العديد من الكتاب الفلسطينيين والعرب، وأجريت معي عدة حوارات ولقاءات تلفزيونية.