فراس حج محمد

موقع يختص بمنشورات صاحبه: مقالات، قصائد، أخبار

مجموعة قصصية إنسانية الطابع واقعية اللغة:

اكتمال عناصر البطولة الفلسطينية في "ديكور شخصي"

فراس حج محمد| فلسطين

صدر مؤخرا عن دار غراب للنشر والتوزيع في القاهرة المجموعة القصصية الأولى للكاتب الفلسطيني حامد عبد الله حج محمد، وتقع في أكثر من (100) صفحة من القطع المتوسط. وتجسد لوحة الغلاف التي رسمتها الفنانة الفلسطينية روان غانم صورة رجل ملتحٍ يلبس نظارة كهل، يبدو أنه غارق في عالم الكتابة، حيث الأوراق والأقلام والآلة الكاتبة.

تتكون المجموعة من ثماني قصص قصيرة وهي: درج الأسرار، ومشاعر حمار، والرجوع إلى الجنة، والبطل الفلسطيني "ثيسوس"، وموسم الحصاد الكبير، ومن أجلك يا حذاء، واللص البطل، وفراشة الأمل. وترافق مع كل قصة من هذه القصص لوحة فنية تشكيلية تحيل إلى الموضوع الأساسي للقصة، أو عنوان القصة، وتتخذ تلك القصص من الموضوع الفلسطيني المفتوح على عدة مضامين حياتية يومية، ينسج من أبجدياتها العالم القصصي في كل قصة من هذه القصص، مستخدما الكاتب في السرد ضمير "هو" في سرد جزء من القصص، وفي جزئها الآخر ضمير "أنا"، ولم يكن في كلا الأمرين ساردا عليما، إنما كان يقصّ ما يراه وما يعلمه.

تحتفي المجموعة بالإنسان الفلسطيني القروي، كما في قصة درج الأسرار ومشاعر حمار والرجوع إلى الجنة، ويمثل الطفل الفلسطيني في هذه الثلاث قصص ساردا وبطلا. وتتحدث عن عوالم شتى تَحْدُث في الريف الفلسطيني الذي تغلب عليه البساطة والاشتغال في الزراعة وتربية المواشي والانتماء للمكان الموصف بأنه "الجنة".

وتحضر المرأة الفلسطينية في قصتين بنموذجين مختلفين. الأول في قصة "موسم الحصاد الأخير" تظهر الأم الفلسطينية المكافحة الأرملة التي تكد وتعمل من أجل أن ينال ابنها تعليمه، رحلة من العذاب الشاقّ قبل أن تحقق الأم حلمها في عودة ابنها طبيبا بعد سبع سنوات من الدراسة في الخارج. وتتمحور قصة "فراشة الأمل" حول امرأة أخرى، تكون بينها وبين السارد علاقة حبّ قصيرة العمر، وتكمن بطولة هذه الفراشة/ المرأة- على الرغم من ملامح الخجل التي تغمرها- أنها كانت قادرة على إنهاء هذه العلاقة بطريقة قاطعة ونهائية ودون أن تترك مجالا للسارد أن يناقش أو يعبّر عن وجهة نظره.

وتنفرد قصة "البطل الفلسطيني ثيسوس" بالسرد عن المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، ودور المقاومين الموحًّدين الشجعان في التصدي للآلة العسكرية الصهيونية وتكبيدها خسائر كبيرة، ويقارن السارد بين تلك البطولة وبطولة الأساطير اليونانية التي يشاهدها على التلفاز، ليتفوق الواقع الحيّ في غزة على كل الأساطير والأفلام السينمائية التي تصنع أبطالها في الخيال.

هذه البطولة الفلسطينية في غزة، يقابلها المكر والخبث والدهاء عند الفلسطيني نفسه الذي يناضل من أجل الحياة، كما في قصة "من أجلك يا حذاء"، وما تتمتع به من نفس ساخر، فكيف لشخص أن يوظف حذاءه لأغراض كثيرة، كان منها أنه جعله وسيلة للمقارنة بينه وبين أشياء كثيرة لتمتد المقارنة بين الحذاء وبعض الناس.

وثمة بطل من نوع آخر، إنه من تصنعه الصدفة كما في قصة "اللص البطل"، رجل ريفي تحوله الأقدار من لص إلى منقذ، وتبين هذه القصة أجواء من الريف الفلسطيني في الخمسينيات والستينيات حيث كانت تسود قصص الضباع وسيطرتها على العقول قبل الإجهاز على الفريسة، وطريقة الخلاص من هذا المأزق، بشجّ رأس الضحية ليفوق من سيطرته وينجو.

تتميز هذه المجموعة بإيقاع السرد الهادئ، البسيط، المتقشف في لغته، البعيدة عن البلاغة الزائدة والإنشائية، فكانت واقعية ساعدت في رسم معالم القصة وأجوائها، فجاءت حواراتها بالعامية، لتتناغم معها لغة السرد، هذه اللغة ارتفعت في مستواها في القصة الأخيرة "فراشة الأمل"، حيث يناقش الكاتب موضوعا وجدانيا ذاتيا، حتّم على السارد الحديث بلغة فيها ظلال من الشاعرية التي تجسد موضوع الحب الفلسفي والعلاقة بين السارد وتلك المرأة، ليعود إلى شيء من واقعية اللغة في نهاية القصة عندما يصحو السارد من سكرة الحب، لكنه لم يستطع التخلص تماماً من اللغة العالية.

وبالمجمل فإن المجموعة القصصية تقدم ديكورا شخصيا للإنسان الفلسطيني في حالاته كلها، وتعالج الهموم الفلسطينية الذاتية أولا قبل العامة، ولذلك غلب على هذه المجموعة الهموم الإنسانية البسيطة حتى والسارد يلفت نظر القراء إلى المقاومة الفلسطينية في غزة فقد جاءت في سياق شخصي، ليكمل كل مشاهد هذا الديكور للإنسان الفلسطيني المزارع، العامل، المناضل، المتعلم، المنقذ.

وقد سيطرت على هذه القصص ملامح الشخصية الإيجابية البعيدة عن النهايات المأساوية، فكلها عدا القصة الأخيرة "فراشة الأمل" ذات نهايات سعيدة، تذكر بصورة البطل في الأدب الشعبي وأدب الواقعية الاشتراكية اللذين حضرا في ثنايا هذه المجموعة القصصية، ويعوض السارد هذه النهاية بربطها بالأمل وتوقع اللقاء في المستقبل، مما يقرّبها من كل تلك النهايات الأخرى لبقية القصص.

ومن الجدير بالذكر أن الكاتب حامد عبد الله حج محمد من قرية تلفيت جنوب مدينة نابلس الفلسطينية، ويحمل شهادة البكالوريوس في اللغة العربية وآدابها، وعمل عدة سنوات في التدريس، ويعمل حالياً مدير مدرسة ثانوية، إضافة إلى أنه ناشط ثقافي ومجتمعيّ، وله بعض المساهمات والمبادرات على هذا الصعيد.

 

المصدر: فراس حج محمد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 161 مشاهدة

فراس عمر حج محمد

ferasomar
الموقع الخاص بــ "فراس حج محمد" »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

742,275

فراس حج محمد

نتيجة بحث الصور عن فراس حج محمد كنانة أون لاين

من مواليد مدينة نابلس في فــلسطين عــام 1973م، حاصل على درجة الماجستير في الأدب الفلسطيني الحديث من جامعة النجاح الوطنية. عمل معلما ومشرفا تربويا ومحاضرا غير متفرغ في جامعة القدس المفتوحة. 

عمل محررا لغويا في مجلتي الزيزفونة للأطفال/ رام الله، وشارك في إعداد مواد تدريبية في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، وكان عضوا في هيئة تحرير مجلة القانون الدولي الإنساني/ الإصدار الثاني الصادرة عن وزارة التربية والتعليم في فلسطين.

نشر العديد من المـقالات والقـصائد في مـجالات النشر المختلفة الإلـكترونية والصحف والمجلات في فلسطين والوطن العربي وبريطانيا وأمريكا وكندا والمكسيك. وشارك في ندوات وأمسيات شعرية ومؤتمرات في فلسطين.

الكتب المطبوعة: 

رسائــل إلى شهرزاد، ومــن طقوس القهوة المرة، صادران عن دار غُراب للنشر والتوزيع في القاهرة/ 2013، ومجموعة أناشيد وقصائد/ 2013، وكتاب ديوان أميرة الوجد/ 2014، الصادران عن جمعية الزيزفونة لتنمية ثقافة الطفل/ رام الله، وكتاب "دوائر العطش" عن دار غراب للنشر والتوزيع. وديوان "مزاج غزة العاصف، 2014، وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في القصة القصيرة جدا- دار موزييك/ الأردن وديوان "وأنت وحدك أغنية" عن دار ليبرتي/ القدس وبالتعاون مع بيت الشعر في فلسطين، وكتاب "يوميات كاتب يدعى X"، وكتاب "كأنها نصف الحقيقية" /الرقمية/ فلسطين، وكتاب "في ذكرى محمود درويش"، الزيزفونة 2016، وكتاب "شهرزاد ما زالت تروي- مقالات في المرأة والإبداع النسائي"، الرقمية، 2017، وديوان "الحب أن"، دار الأمل، الأردن، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في الرواية"، مكتبة كل شي، حيفا، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في متنوع السرد"، مؤسسة أنصار الضاد، أم الفحم، 2018، وديوان "ما يشبه الرثاء"، دار طباق للنشر والتوزيع، رام الله، 2019، وكتاب "بلاغة الصنعة الشعرية"، دار روافد للنشر والتوزيع، القاهرة، 2020. وكتاب "نِسوة في المدينة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2020. وكتاب "الإصحاح الأوّل لحرف الفاء- أسعدتِ صباحاً يا سيدتي"، دار الفاروق للنشر والتوزيع، نابلس، 2021. وكتاب "استعادة غسان كنفاني"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2021، وكتيّب "من قتل مدرّس التاريخ؟"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2021. وديوان "وشيء من سردٍ قليل"، وزارة الثقافة الفلسطينية، رام الله، 2021. وديوان "على حافّة الشعر: ثمّة عشق وثمّة موت"، دار البدوي، ألمانيا، 2022. وكتاب "الكتابة في الوجه والمواجهة"، الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمان، 2023. وكتاب "متلازمة ديسمبر"، دار بدوي، ألمانيا، 2023. وكتاب "في رحاب اللغة العربية"، دار بدوي، ألمانيا، 2023، وكتاب "سرّ الجملة الاسميّة"، دار الرقمية، فلسطين، 2023. وكتاب "تصدّع الجدران- عن دور الأدب في مقاومة العتمة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمّان، 2023، وديوان "في أعالي المعركة"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2023، وكتاب "مساحة شخصية- من يوميات الحروب على فلسطين"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "الثرثرات المحببة- الرسائل"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "فتنة الحاسة السادسة- تأملات حول الصور"، دار الفاروق للثقافة، نابلس، 2025. 

حررت العديد من الكتب، بالإضافة إلى مجموعة من الكتب والدواوين المخطوطة. 

كتب عن هذه التجربة الإبداعية العديد من الكتاب الفلسطينيين والعرب، وأجريت معي عدة حوارات ولقاءات تلفزيونية.