فراس حج محمد

موقع يختص بمنشورات صاحبه: مقالات، قصائد، أخبار

authentication required

توفي الشاعر وهو ابن ثمانية دواوين شعرية:

هنا ظاهرة شعريّة تسمى زكريا محمد

فراس حج محمد| فلسطين

رحيل الشاعر زكريا محمد. صدر له ثمانية دواوين شعرية منذ 1980 وحتى رحيله، منها هذه الدواوين الثلاثة الأخيرة التي عرفته فيها بعد أن عرفته من خلال مجلة الكرمل: "كشتبان" و"علندى"، و"زرواند". عمل في مجلة الكرمل وشغل منصب سكرتير تحريرها بعد عودة محمود درويش إلى رام الله. باحث في التراث الكنعاني، وله عدة كتب وأبحاث متاحة للقراءة والتحميل المجاني في منصة أكاديميا.

في منشور مثير للجدل صرح زكريا محمد عن كيفية تعامل درويش مع المواد التي كانت ترد للمجلة، وعدم موافقة درويش عليها، لكن زكريا محمد دائما في الواجهة، فيحتمل غضب الكتاب وحردهم ليظل درويش بأمان.

المقال بهذا الخصوص

وفي منشور آخر، شهادة إبداعية تتعلق بشعره، شرح زكريا محمد كيفية تأثير درويش في لغته، فكان يحظر على نفسه الاقتراب من أية لفظة استخدمها درويش وشاعت في قصائده. واعتبر أن هذه الألفاظ خاصة بدرويش، ومع مبالغته في هذا إلا أنه حريص على ألا يقع عند القراء في الدائرة الدرويشية من اللغة والتصوير. لذلك شاعت في دواوينه ألفاظ أخرى، وشكلت معجما مغايرا تماما لمعجم درويش الشعري. معجم يقوم على مفردات الطبيعة في بكارتها الأولى، بأعشابها البرية وحيواناتها غير الأليفة.

لم يكن زكريا محمد كثير التردد على الفعاليات الثقافية. ربما هي مرة أو مرتين، رأيته فيهما من بعيد، ولم أتحدث معه. أقدّر أنه لا يحب التعرف على أحد، وليس معنيا بأحد، كنت أراه صامتاً، يحدق في المتحدثين، ثابت الملامح، لا يعطيك انطباعا بالارتياح أو عدم الرضا، لا تدري ما يجول في رأسه. لا يفصح عنه إطلاقاً، فلا تراه يعلّق على الحدث، ولا يتفاعل معه، ولا يكتب وجهة نظره، منشغل بالشعر. كأنه لم يسمح لأحد أن يقترب من شخصه.

عندما قرأت دواوينه الأخيرة تفاجأت بشعرية مختلفة، لا تفصح كثيرا عن موقف سياسي أو فلسفي تجاه ما يحدث، يغوص في الذات الملتحمة مع الوجود البدائيّ الفطريّ الطبيعيّ، يكدّ لحم القصيدة ومفرداتها من عالمٍ، من شدة قربه منا لم نلتفت إليه. لم أكتب عن هذه الدواوين، وإن استمتعت بها، وإلى الآن لا أدري ما السبب؟ هل القراءة النقدية لهذه الأعمال ستصيب النقد بآفاتها وفخاخها الحادة؟

يعجبني في شاعرية النصوص "الزكروية" أنها نصوص مكثفة غارقة في جمالية الأبكار التي لم تفضّ بعد. أعتقد أن هذه النصوص لا تدفعك أن تكتب عنها. إنما تدفعك لتقرأها مرة بعد أخرى. ربما من أجل هذا السبب لم أكتب في تلك النصوص ولم أقاربها.

عرف عن زكريا محمد، رحمه الله، أنه كان يضيق ذرعا بالمنتقدين شعره أو مواقفه أو من يخالفه في الرأي، وكما وصفه أحد النقاد، فقد كان "لديه قدر كبير من المزاجية، وقد يحبك الآن لرأي، ويعاديك بعد ساعة لرأي آخر". وليس هذا طبعه وحده، بل إن آلاف المبدعين لهم المزاجية نفسها، وإن لم أجرب مزاجية زكريا محمد، على الرغم من أنني كتبت أنتقده في مقال سابق حول عمله في مجلة الكرمل، إلا أنني جربت مزاجية عشرات الكتاب غيره؛ تعسّفوا في الحبّ والكره، ولم يكونوا يتمتعون بأي أفق من احترام الرأي الآخر. بالضبط فإنهم "يعادونك بعد ساعة" وقد أحبوك قبلها، وكانوا حريصين على أن تكون ناقدهم وقارئهم.

على أية حال، هذا شأن شخصيّ تقريبا، حسب الزعم النقدي؛ غير موضوعي، كما رأى البعض، متعلّق وجوده بظروف كثيرة، ساهمت في جعل المبدع العربي على هذه الشاكلة من الدكتاتورية الفكرية. ربما لأنه يرى ما لا يراه المنتقدون، لكنه لا يستطيع أن يقول كل شيء، فيلجأ إلى هذا الأسلوب "الفظّ". أحيانا- وقد جربت بلادة الكتاب والنقاد وهمجية القراء- أقول إن ذلك مبرر، فليس جميعنا ذوي مقدرة ليحتمل كل ذلك الغباء الذي يفاجئك به الآخرون، فالمبدع يرى الأشياء، ويحسّ الأفكار من مكان لا يستطيع الآخرون أن يكونوا فيه. هنا أنا أصف الأشياء كما جربتها، ولا أدافع عن أحد، حتى عن نفسي، إنما لا بد من أن يوطّن المبدع نفسه على أن يتقبل الآراء الأخرى، ويمارس الهدوء ولو مصطنعا، فالناس ليسوا تلاميذ على مقاعد الدرس في حضرة المبدعين.

أرى أن زكريا محمد- الحائز بكل جدارة على جائزة محمود درويش للإبداع عام 2020- كان يعاني من "عقدة قتل الأب"، فاستطاع أن يقتل شعريا كل شاعر كبير، جايله أو سبقه، وخاصة محمود درويش، ليخلق لنفسه موقعا متميزا في خريطة الشعر العربية المعاصرة، لكنه للأسف غائب عن الأجيال الجديدة، ولا يعرفونه، ولا تدرّس نصوصه في المدارس، وربما في الجامعات لم يلتفت إليه الباحثون والأكاديميون الفلسطينيون إلا قليلاً جداً، فظلّ بعيدا عن متناول النقد المنهجي، ولم تضئ له إلا فراشات حقوله الشعرية التي تغنى بها.

زكريا محمد عاش شاعرا في بريته، لكنه فرّ من البرية إلى فضاء العالم خالقاً قصيدة لا تشبه إلا شاعرها، ولن يستطيع أحد أن يكونها لأنها محصنة بمتاريس ثقافية خاصة بمصادر استثنائية، تجعل من تكرار التجربة "الزكروية" مسألة صعبة، بل تكاد تكون مستحيلة، فهو شاعر له صوتٌ، لا يحسن أن يكرره الصدى المشتقّ والمنشقّ والمبتعد والمقترب في آنٍ معاً عن اسم ولادته الأولى "داود محمد عيد"، لذلك كله سيظل سيد شعريته وشاعريته، محافظا على معجمه من التداول إلا في قصائده ودواوينه وأبحاثه الأنثروبولوجية، وحافظا للتاريخ اسمه ولادته الثانية "زكريا محمد" ليشير إلى ما يعنيه هذا الاسم من ظاهرة ثقافية مميزة وفريدة.

 

المصدر: فراس حج محمد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 523 مشاهدة

فراس عمر حج محمد

ferasomar
الموقع الخاص بــ "فراس حج محمد" »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

718,232

فراس حج محمد

نتيجة بحث الصور عن فراس حج محمد كنانة أون لاين

من مواليد مدينة نابلس في فــلسطين عــام 1973م، حاصل على درجة الماجستير في الأدب الفلسطيني الحديث من جامعة النجاح الوطنية. عمل معلما ومشرفا تربويا ومحاضرا غير متفرغ في جامعة القدس المفتوحة. 

عمل محررا لغويا في مجلتي الزيزفونة للأطفال/ رام الله، وشارك في إعداد مواد تدريبية في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، وكان عضوا في هيئة تحرير مجلة القانون الدولي الإنساني/ الإصدار الثاني الصادرة عن وزارة التربية والتعليم في فلسطين.

نشر العديد من المـقالات والقـصائد في مـجالات النشر المختلفة الإلـكترونية والصحف والمجلات في فلسطين والوطن العربي وبريطانيا وأمريكا وكندا والمكسيك. وشارك في ندوات وأمسيات شعرية ومؤتمرات في فلسطين.

الكتب المطبوعة: 

رسائــل إلى شهرزاد، ومــن طقوس القهوة المرة، صادران عن دار غُراب للنشر والتوزيع في القاهرة/ 2013، ومجموعة أناشيد وقصائد/ 2013، وكتاب ديوان أميرة الوجد/ 2014، الصادران عن جمعية الزيزفونة لتنمية ثقافة الطفل/ رام الله، وكتاب "دوائر العطش" عن دار غراب للنشر والتوزيع. وديوان "مزاج غزة العاصف، 2014، وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في القصة القصيرة جدا- دار موزييك/ الأردن وديوان "وأنت وحدك أغنية" عن دار ليبرتي/ القدس وبالتعاون مع بيت الشعر في فلسطين، وكتاب "يوميات كاتب يدعى X"، وكتاب "كأنها نصف الحقيقية" /الرقمية/ فلسطين، وكتاب "في ذكرى محمود درويش"، الزيزفونة 2016، وكتاب "شهرزاد ما زالت تروي- مقالات في المرأة والإبداع النسائي"، الرقمية، 2017، وديوان "الحب أن"، دار الأمل، الأردن، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في الرواية"، مكتبة كل شي، حيفا، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في متنوع السرد"، مؤسسة أنصار الضاد، أم الفحم، 2018، وديوان "ما يشبه الرثاء"، دار طباق للنشر والتوزيع، رام الله، 2019، وكتاب "بلاغة الصنعة الشعرية"، دار روافد للنشر والتوزيع، القاهرة، 2020. وكتاب "نِسوة في المدينة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2020. وكتاب "الإصحاح الأوّل لحرف الفاء- أسعدتِ صباحاً يا سيدتي"، دار الفاروق للنشر والتوزيع، نابلس، 2021. وكتاب "استعادة غسان كنفاني"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2021، وكتيّب "من قتل مدرّس التاريخ؟"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2021. وديوان "وشيء من سردٍ قليل"، وزارة الثقافة الفلسطينية، رام الله، 2021. وديوان "على حافّة الشعر: ثمّة عشق وثمّة موت"، دار البدوي، ألمانيا، 2022. وكتاب "الكتابة في الوجه والمواجهة"، الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمان، 2023. وكتاب "متلازمة ديسمبر"، دار بدوي، ألمانيا، 2023. وكتاب "في رحاب اللغة العربية"، دار بدوي، ألمانيا، 2023، وكتاب "سرّ الجملة الاسميّة"، دار الرقمية، فلسطين، 2023. وكتاب "تصدّع الجدران- عن دور الأدب في مقاومة العتمة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمّان، 2023، وديوان "في أعالي المعركة"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2023، وكتاب "مساحة شخصية- من يوميات الحروب على فلسطين"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "الثرثرات المحببة- الرسائل"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "فتنة الحاسة السادسة- تأملات حول الصور"، دار الفاروق للثقافة، نابلس، 2025. 

حررت العديد من الكتب، بالإضافة إلى مجموعة من الكتب والدواوين المخطوطة. 

كتب عن هذه التجربة الإبداعية العديد من الكتاب الفلسطينيين والعرب، وأجريت معي عدة حوارات ولقاءات تلفزيونية.