فراس حج محمد

موقع يختص بمنشورات صاحبه: مقالات، قصائد، أخبار

قراءة في كتاب:

وقفة مع كتاب "الكتابة في الوجه والمواجهة" للكاتب فراس حج محمد

رائد الحواري

دائما هناك معيار لقياس جودة الكتاب، والمتمثل بسهولة قراءته والاستمتاع به، وأن يصدر كتاب في النقد وبثلاثمائة صفحة ـ وهذه المواضيع تعد ثقيلة على القارئ ـ ويقرأ بثلاث جلسات فهذا يشير إلى قدرة الكاتب على تقديم مادته النقدية بسلاسة وبأسلوب مقنع وممتع للمتلقي. 

إذن هناك كتاب سلس ومثير يستحق التوقف عند ما جاء فيه، فهناك مواضيع متعلقة بالمرأة الكاتبة، وكيف أنها تتعرض لمجموعة ضغوطات اجتماعية، إضافة إلى ما يعانيه الشعب من ضغط اقتصادي/ سياسي/ نفسي، فالكتابة بالنسبة للمرأة العربية يمثل ثورة متعددة الأركان وذلك: "إن الثقافة السائدة في المجتمعات العربية هي نتاج إرث تاريخي صنف المرأة عبر قرون عديدة في مرتبة إنسانية أدنى من الرجل، وحولها إلى شيء من ممتلكاته، وقصر وظيفتها على الإنجاب وإمتاع الرجل ما ألغى عن المرأة صفتها كإنسان" ص21، وهنا يرد الكاتب على كل المنظرين الذين يحاولون تزيف هذا الواقع من خلال استخدام الدين أو العرف أو التقاليد، هذا واقع المرأة العربية وعلينا الاعتراف بأننا نمارس اضطهاد (جنسي) بحقها كما يمارس الغرب اضطهادا عنصريا اتجاهنا كعرب وكمسلمين. 

ويعطي الكاتب نماذج من الثقافة التي تُمارس بحق المرأة الكاتبة من خلال اقتباس أقول (حكم) من التراث العربي الإسلامي: "أن تعلم المرأة الكتابة كأنها أفعى تسقى سما... فأما تعليم النساء القراءة والكتابة فأعوذ بالله منه" ص24 و25، لوجود مثل هذه (الثقافة/ المفاهيم) قلنا إن المرأة الكاتبة عندما تكتب تمارس/ تقوم بثورة متعددة الأوجه، وهذا يأخذنا إلى عنوان الكتاب "الكتابة في الوجه والمواجهة" فالكاتب يواجهنا بحقيقتنا المتخلفة، وكيف ننظر للمرأة الكاتبة/ الأديبة/ المثقفة. 

من هنا يصارحنا الكتاب وبهذه الحقيقة: "فبعضهم يصاب بالجنون لو انشغلت عنه امرأته لبغض الوقت بالكتابة، لكنه يرضى بانشغالها بأمور تافهة وهامشية لساعات طويلة" ص25، وهذا يأخذنا إلى أن العقل العربي يرفض وجود من يخالفه في السلوك، في التفكير، ويرفض/ يمنع كل من يحاول أن يتجاوزه/ يتفوق عليه حتى لو كان أقرب الناس إليه، وهذا الموقف لا يقتصر على الأفراد (العاديين) بل طال أيضا (المثقفين) أنفسهم، فأحدهم قال لزوجته: "لن تنشري كتابا ما دمت زوجة لي.. أنا الشاعر الكبير وليس لك إلا أن تكوني ورائي" ص29، رفعت الأقلام وجفت الصحف، وكل المثقفين بألف خير! هذا مختصر الفصل الأول من الكتاب المكون من خمسة فصول. 

الفصل الثاني يتحدث فيه عن مجموعة نساء/ شاعرات/ أديبات، مي زيادة، فدوى طوقان، بروين حبيب، هند زيتوني، حلا محمد" وكيف أن المجتمع فرض/ أجبرهن على أن يكتمن حبهن ومشاعرهن، فيحدثنا عن حب فدوى طوقان للشاعر عبد الرحيم محمود، وكيف كان وقع استشهاده عليها: "ظللت يوما كاملا منذ الصباح وحتى المساء وأنا أبكي، قصصت له صورة من إحدى الصحف، ألصقتها على كرتونة وجعلت أنظر إليها وأبكي" ص96، هذه الصورة تكفي لنقول إننا مجتمع مجرم بحق النساء عامة والأديبات خاصة. 

يؤكد الكاتب مسألة اضطهادنا للمرأة الكاتبة من خلال  حديثه عن حب فدوى، فهي أحبت بعض الرجال/ الشعراء وهذا ما اعتبره القراء مسا (بالقديسة فدوى) فهو يريدها بلا مشاعر ولا أي علاقات حب، لأن الحب يلوثها ويجعلها (ساقطة) اجتماعيا، يعطينا نماذج ممن عقبوا على نشره لرسائلها: "يا سيد حج محمد لا أدري إن كنت بقصد أو بدونه تسيء إلى شخص فدوى... إذا كنت أديبا، الأولى أن تكتب عن شعرها وكتاباتها، أما أن تقوم بسرد أقول وتتعرض لأشخاص هم في أرض الحق ولا يستطيعون الرد فهذا بعيد عن الأدب والشعر" ص109، من هنا نقول إن الكتاب متكامل، تتواصل فيه الأفكار/ المواضيع المتعلقة بالمرأة الأديبة وكيف أننا في المجتمع العربي نمارس سطوتنا الرجعية ومقتنعين/ مؤمنين بأننا أصحاب حق ومنطق وعقل. 

الفصل الثالث يتناول مجموعة نصوص لكاتبات/ أديبات بالتحليل، مثل مجموعة "شقائق النعمان" للكاتبة رحاب يوسف، ويتحدث عن رمزية "شقائق النعمان" وأيضا يتناول مجموعة "يوميات السيدة راء" لرضوى عاشور، وقصيدة "سأعود إلى قبري صبية" للشاعرة العمانية عائشة السيفي، وقصيدة للشاعر كوثر الزين، وديوان أنثى البنفسج للشاعرة ندى أبو شاويش، ويتوقف عند نصوص للأديبة  ياسمين كنعان التي تعد أكثر الكاتبات اضطهادا حتى أنه يقتبس  شيئا ما كتابتها: " إن مت مرة أخرى لا تعيدوني إلى أسمي القديم"  ص232، تأتي أهمية هذا الاقتباس لأن "ياسمين كنعان" اسم مستعار وليس اسمها الحقيقي، وبهذه الخاتمة أيضا نجد أن الكاتب ما زال محافظا على نسق فكرة الكتاب والمتمثلة باضطهاد المرأة الكاتبة. 

قبل أن نغادر هذا الفصل نجد أن "فراس حج محمد" لم يكن حياديا في تناوله لمجموعتي "شقائق النعمان ويوميات السيدة راء" ففي المجموعة الأولى تحدث بإسهاب عن (رمزية) اسم "فاطمة" في إحدى القصص وأعطاه أكثر/ أكبر من حجمه، بينما مرر مرورا سريعا في المجموعة الثانية، علما بأن العنوان "يوميات السيدة راء" واضح ومتعلق بالقاصة نفسها "رضوى عاشور" وهذا يحسب عليه، حيث (انزلق) نحو عاطفته/ مشاعره على حساب الموضوعية والحيادية. 

في الفصل الرابع يتحدث عن الدراما وصورة المرأة فيها، من خلال فيلم "صالون هدى" ومسلسل "أمنيات بعيدة" في تناوله للفيلم أسهب في تحليلاته وهذا ما جعل مداخلته شاملة ووافية، ويبدأ بتناول الهجوم الذي تعرض له الفيلم من قبل العامة بقوله: "الغريب والعجيب في مسألة الفيلم أن الناس لم تثر في الغالب إلا لمشهد وصف خطأ أنه إباحي، فليس هكذا تكون الإباحية" ص237، وهذا يأخذنا إلى الفصل الأول من الكتاب والمتعلق (بثقافة/ بمفاهيم) عامة المجتمع تجاه النساء، فازدواجيه المعايير جريمة يمارسها كل سادي على الضعفاء، إن كان هذا السادي احتلالا أو
أهليا/ شعبيا. 

يحلل الكتاب رؤية المجتمع السلبية للفيلم بقوله: "سعيد كان عاريا تماما في المشهد مع ريم ومع غيرها من الفتيات الضحايا، لم يتحدث عنه أحد من الذين هاجموا الفيلم وطاقم العمل، تلاشى جسده "الوسخ" أيضا، فالمجتمع "المثالي" الخائف على عرض الفتاة، يغض الطرف عن عورة "سعيد" التي كانت أكثر وضوحا من جسد ريم" ص242، تأكد أن الازدواجية سلوك (طبيعي) يمارسه المجتمع بكل أريحية دون تأنيب ضمير أو استخدام العقل/ المنطق، فالأولى إن كان من المنتفدين أن يهاجموا مشهد وحقيقة "سعيد" العميل الذي أوقع العديد من الفتيات في حبال الموساد  بعد أن أسقطهن، لكن نظرة المجتمع الذكوري تضطهد المرأة حتى في الأفلام فما بالنا في الواقع؟

يختم الكاتب في هذا الفصل رؤيته للمجتمعات العربية بقوله: "إن هذه المجتمعات لم تتغير، ما زالت تعاني من الحساسيات نفسها، الدينية والسياسية والجنسية، وأن مجتمعاتنا لم تبلغ سن الرشد بعد" ص254و255. 

في الفصل الخامس يتناول الكاتب "صورة النساء في عيون الرجال" ويبدأ الحديث من خلال قول لإمام "علي بن أبي طالب" عندما رأى "سفانة" ابنة حاتم الطائي، ويمر على صور أخرى تناولها الشعراء والأدباء، وقد أكد الكاتب رؤية المجتمع السلبية للمرأة وكيف ينظر إليها على أنها جسد أكثر منها إنسانة، ثم يمر على بعض الكتب التي صدرت لكتاب ولكاتبات كما فعلت "شيراز عناب ومحمود شقير، وجميل السلحوت وصباح بشير". 

بعض نواقص الكتاب، نلاحظ أن بداية البحث والمتعلقة بنظرة المجتمع للمرأة بدأت من الثقافة الإسلامية تحديداً، وأهملت الثقافة المسيحية، وكذلك الديانات القديمة، فهناك أفكار قديمة حملها المجتمع السوري في الهلال الخصيب، والمجتمع العربي في الجزيرة العربية، والمجتمع المصري في وادي النيل عن المرأة، وهي ذات أهمية في مثل هذا البحث، خاصة إذا علمنا أن هناك ربات عبدتها تلك المجتمعات وقدستها، كما أن هناك ملكات أقمن ممالك وقمن بدور حضاري وبطولي كما هو الحال في ملكة صور التي أسست الإمبراطورية الفينيقية في شمال أفريقيا وجنوب أوروبا، والملكة بلقيس في اليمن والملكة الزباء سورية.    

الكتاب من منشورات الرعاة للدراسات والنشر، رام الله، فلسطين، ودار جسور للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، الطبعة الأولى 2023.

 

المصدر: فراس حج محمد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 144 مشاهدة
نشرت فى 24 مارس 2023 بواسطة ferasomar

فراس عمر حج محمد

ferasomar
الموقع الخاص بــ "فراس حج محمد" »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

731,403

فراس حج محمد

نتيجة بحث الصور عن فراس حج محمد كنانة أون لاين

من مواليد مدينة نابلس في فــلسطين عــام 1973م، حاصل على درجة الماجستير في الأدب الفلسطيني الحديث من جامعة النجاح الوطنية. عمل معلما ومشرفا تربويا ومحاضرا غير متفرغ في جامعة القدس المفتوحة. 

عمل محررا لغويا في مجلتي الزيزفونة للأطفال/ رام الله، وشارك في إعداد مواد تدريبية في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، وكان عضوا في هيئة تحرير مجلة القانون الدولي الإنساني/ الإصدار الثاني الصادرة عن وزارة التربية والتعليم في فلسطين.

نشر العديد من المـقالات والقـصائد في مـجالات النشر المختلفة الإلـكترونية والصحف والمجلات في فلسطين والوطن العربي وبريطانيا وأمريكا وكندا والمكسيك. وشارك في ندوات وأمسيات شعرية ومؤتمرات في فلسطين.

الكتب المطبوعة: 

رسائــل إلى شهرزاد، ومــن طقوس القهوة المرة، صادران عن دار غُراب للنشر والتوزيع في القاهرة/ 2013، ومجموعة أناشيد وقصائد/ 2013، وكتاب ديوان أميرة الوجد/ 2014، الصادران عن جمعية الزيزفونة لتنمية ثقافة الطفل/ رام الله، وكتاب "دوائر العطش" عن دار غراب للنشر والتوزيع. وديوان "مزاج غزة العاصف، 2014، وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في القصة القصيرة جدا- دار موزييك/ الأردن وديوان "وأنت وحدك أغنية" عن دار ليبرتي/ القدس وبالتعاون مع بيت الشعر في فلسطين، وكتاب "يوميات كاتب يدعى X"، وكتاب "كأنها نصف الحقيقية" /الرقمية/ فلسطين، وكتاب "في ذكرى محمود درويش"، الزيزفونة 2016، وكتاب "شهرزاد ما زالت تروي- مقالات في المرأة والإبداع النسائي"، الرقمية، 2017، وديوان "الحب أن"، دار الأمل، الأردن، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في الرواية"، مكتبة كل شي، حيفا، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في متنوع السرد"، مؤسسة أنصار الضاد، أم الفحم، 2018، وديوان "ما يشبه الرثاء"، دار طباق للنشر والتوزيع، رام الله، 2019، وكتاب "بلاغة الصنعة الشعرية"، دار روافد للنشر والتوزيع، القاهرة، 2020. وكتاب "نِسوة في المدينة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2020. وكتاب "الإصحاح الأوّل لحرف الفاء- أسعدتِ صباحاً يا سيدتي"، دار الفاروق للنشر والتوزيع، نابلس، 2021. وكتاب "استعادة غسان كنفاني"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2021، وكتيّب "من قتل مدرّس التاريخ؟"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2021. وديوان "وشيء من سردٍ قليل"، وزارة الثقافة الفلسطينية، رام الله، 2021. وديوان "على حافّة الشعر: ثمّة عشق وثمّة موت"، دار البدوي، ألمانيا، 2022. وكتاب "الكتابة في الوجه والمواجهة"، الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمان، 2023. وكتاب "متلازمة ديسمبر"، دار بدوي، ألمانيا، 2023. وكتاب "في رحاب اللغة العربية"، دار بدوي، ألمانيا، 2023، وكتاب "سرّ الجملة الاسميّة"، دار الرقمية، فلسطين، 2023. وكتاب "تصدّع الجدران- عن دور الأدب في مقاومة العتمة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمّان، 2023، وديوان "في أعالي المعركة"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2023، وكتاب "مساحة شخصية- من يوميات الحروب على فلسطين"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "الثرثرات المحببة- الرسائل"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "فتنة الحاسة السادسة- تأملات حول الصور"، دار الفاروق للثقافة، نابلس، 2025. 

حررت العديد من الكتب، بالإضافة إلى مجموعة من الكتب والدواوين المخطوطة. 

كتب عن هذه التجربة الإبداعية العديد من الكتاب الفلسطينيين والعرب، وأجريت معي عدة حوارات ولقاءات تلفزيونية.