فراس حج محمد

موقع يختص بمنشورات صاحبه: مقالات، قصائد، أخبار

أطفالنا لا يلعبون الببجي فقط

فراس حج محمد/ فلسطين

لماذا يفكّر أطفالنا بتنفيذ عمليات بطولية؟ هذا سؤال مخيف، لكنه جيد في المحصلة، لأن الجيل الجديد من هم في عمر أبنائي (10 -23) سنة، يفكرون بكيفية القضاء على هذا المحتل. أبنائي كلهم يتوقون لتنفيذ عمليات مزلزلة ضد المحتلين. أدرك تماما من أين تأتي هذه الأفكار، على الرغم من أننا وأقصد هنا الآباء والأمهات، لا نلقن أبناءنا هذه الفكرة، ليس لأننا نحب الاحتلال، لكننا ندرك أن القضاء على كيان الاحتلال وإنهاءه كليا من أرض فلسطين التاريخية (27 ألف كم مربع) هي مهمة أكبر من أبنائي وأقرانهم، إن مثل هذا العمل يلزمه جيش جرار يدك المدن دكا وينهي أيقونات الكيان كله، فيدمر ما يعرف بالكنيست، ووكر الوحشية والخوف ما يسمى بوزارة الدفاع، وتدمير مبنى الحكومة كليا، وجمع كل القيادات ولفهم في حزمة واحدة وتسفيرهم إلى مواطنهم الأصلي حيث ولد أجدادهم. أما بقية ما يعرف بالشعب، فليرحل في سفن وطائرات، وعلى العموم لن يستغرق تنظيف فلسطين من كل هؤلاء بهذه الطريقة سوى شهر على أكثر تقدير، وتعود فلسطين عربية.

بهذه الكيفية شرحت لأبنائي زوال الكيان المحتل، فقتل جندي أو ثلاثة وحتى ألف لن يزيل هذا الكيان، وضربت لهم مثلا أن يحيى عياش رحمه الله هو أكثر "مجاهد" فلسطيني أوقع في الاحتلال قتلا، لكن الجنود وكيانهم بقوا، هذا النوع من الاحتلال يلزمه قوة كاسحة لا تبقي ولا تذر، وتدمر كيانات القوة وأصولها وليس قتل الجنود. فعلميا لا أحد يستطيع قتل جنود بهذا الحجم عددا وعدة وعتاداً.

الأمر الأهم بالنسبة لي، ليس التفكير بزوال هذا الكيان، فهو زائل لا محالة، طال الزمان أم قصر، وسواء آستبدّ الجنود وتوحّشوا- كما هم دائما- أم أظهروا بعض اللين؟ المهم بالنسبة لي من أين تأتي هذه الأفكار إلى أبنائي وأقرانهم، وكيف أتت إلي وأنا في عمرهم؟

كنت كثيرا ما أحدّث نفسي بالعمل العسكري لأكيد الجنود الغاصبين وأغيظهم، وكم تمنيت لو ارتقيت شهيدا في عملية عسكرية كأحد أصدقائي الشهداء، عليه رحمة الله، وكم كنت أتمنى لو أنني أستطيع حمل السلاح والتدرب عليه، لكنت فعلت ما أود فعله وحققت أمنيتي. احتلتني هذه الأفكار زمنا، ثم لم أر لها جدوى، علينا أن نبحث عن طريقة أكثر نفعا، فأنا وأبناء جيلي وأبناؤنا لسنا فراشات تحترق على ضوء المصابيح الغازية. إننا أعظم من أن نموت برصاصة لا يساوي ثمنها شيقلا واحدا.

أدرك تماما الآن أننا أمام مفترق طرق، الاحتلال يتوحش كثيرا، كل يوم يقتل، وينكل، ويعتقل، يرى أطفالي هذه البشاعات، رأى ابني مثلا الشهيد الأخير الذي نفذ عملية القدس فادي أبو شخيدم، إن ابني يشعر بالفخر تجاه هذا المعلم، يريد أن يفعل مثله.

عمليا وواقعيا وبكل معنى الكلمة، الاحتلال يدفعنا لننفجر، فأطفالي وأطفال العالم يرون كل يوم فيديوهات تنقل فظاعات الاحتلال وإجرامه صوتا وصورةـ، إنهم يخزنون كل تلك الصور الواقعية التي تشعرهم بالحزن، ومعها تنمو مشاعر الرغبة العارمة في الانتقام.

لا بد من أن يثور هذا الجيل يوما ثورة صادمة ومدهشة ومدمرة، فالأطفال لا يلعبون "الببجي" فقط، أنا متأكد من ذلك، فهم يصنعون وعيهم بعيدا عن الكل، يبنونه بمفردهم، ولا أحد يستطيع تغيير قناعاتهم.

سينفجر هذا الجيل في وجوهنا أولا ووجه السلطة التي لم تحمه ولم تحم أقرانه الشهداء والجرحى والمعتقلين، وصولا إلى الثورة الكبرى الطاغية في وجه الاحتلال، إن هذا الجيل لا يعرف الخوف. أبشركم أنه جريء وقوي وصلب ولا يكفّ عن التفكير بالحرية والعزة والكرامة، لم تفلح المدرسة والنظام بتدجين عقله، ولا ترويض نفسيته لقبول العبودية، فعلى يديه سيكون ما لا نتوقعه جميعا.

الاحتلال وحده هو المسؤول عن ذلك باستهتاره واستخفافه وصلفه وممارساته اليومية الوحشية، يظن هذا الكيان أن السحاب الهاطل مطرا، لن يخترق سقف البيت، بل إنه سيخترق البيت؛ سقفه وجدرانه ويتسرب إلى الأساسات ليزيلها. هذا هو الجيل القادم، فاحذروا!

المصدر: فراس حج محمد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 258 مشاهدة
نشرت فى 4 ديسمبر 2021 بواسطة ferasomar

فراس عمر حج محمد

ferasomar
الموقع الخاص بــ "فراس حج محمد" »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

718,232

فراس حج محمد

نتيجة بحث الصور عن فراس حج محمد كنانة أون لاين

من مواليد مدينة نابلس في فــلسطين عــام 1973م، حاصل على درجة الماجستير في الأدب الفلسطيني الحديث من جامعة النجاح الوطنية. عمل معلما ومشرفا تربويا ومحاضرا غير متفرغ في جامعة القدس المفتوحة. 

عمل محررا لغويا في مجلتي الزيزفونة للأطفال/ رام الله، وشارك في إعداد مواد تدريبية في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، وكان عضوا في هيئة تحرير مجلة القانون الدولي الإنساني/ الإصدار الثاني الصادرة عن وزارة التربية والتعليم في فلسطين.

نشر العديد من المـقالات والقـصائد في مـجالات النشر المختلفة الإلـكترونية والصحف والمجلات في فلسطين والوطن العربي وبريطانيا وأمريكا وكندا والمكسيك. وشارك في ندوات وأمسيات شعرية ومؤتمرات في فلسطين.

الكتب المطبوعة: 

رسائــل إلى شهرزاد، ومــن طقوس القهوة المرة، صادران عن دار غُراب للنشر والتوزيع في القاهرة/ 2013، ومجموعة أناشيد وقصائد/ 2013، وكتاب ديوان أميرة الوجد/ 2014، الصادران عن جمعية الزيزفونة لتنمية ثقافة الطفل/ رام الله، وكتاب "دوائر العطش" عن دار غراب للنشر والتوزيع. وديوان "مزاج غزة العاصف، 2014، وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في القصة القصيرة جدا- دار موزييك/ الأردن وديوان "وأنت وحدك أغنية" عن دار ليبرتي/ القدس وبالتعاون مع بيت الشعر في فلسطين، وكتاب "يوميات كاتب يدعى X"، وكتاب "كأنها نصف الحقيقية" /الرقمية/ فلسطين، وكتاب "في ذكرى محمود درويش"، الزيزفونة 2016، وكتاب "شهرزاد ما زالت تروي- مقالات في المرأة والإبداع النسائي"، الرقمية، 2017، وديوان "الحب أن"، دار الأمل، الأردن، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في الرواية"، مكتبة كل شي، حيفا، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في متنوع السرد"، مؤسسة أنصار الضاد، أم الفحم، 2018، وديوان "ما يشبه الرثاء"، دار طباق للنشر والتوزيع، رام الله، 2019، وكتاب "بلاغة الصنعة الشعرية"، دار روافد للنشر والتوزيع، القاهرة، 2020. وكتاب "نِسوة في المدينة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2020. وكتاب "الإصحاح الأوّل لحرف الفاء- أسعدتِ صباحاً يا سيدتي"، دار الفاروق للنشر والتوزيع، نابلس، 2021. وكتاب "استعادة غسان كنفاني"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2021، وكتيّب "من قتل مدرّس التاريخ؟"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2021. وديوان "وشيء من سردٍ قليل"، وزارة الثقافة الفلسطينية، رام الله، 2021. وديوان "على حافّة الشعر: ثمّة عشق وثمّة موت"، دار البدوي، ألمانيا، 2022. وكتاب "الكتابة في الوجه والمواجهة"، الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمان، 2023. وكتاب "متلازمة ديسمبر"، دار بدوي، ألمانيا، 2023. وكتاب "في رحاب اللغة العربية"، دار بدوي، ألمانيا، 2023، وكتاب "سرّ الجملة الاسميّة"، دار الرقمية، فلسطين، 2023. وكتاب "تصدّع الجدران- عن دور الأدب في مقاومة العتمة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمّان، 2023، وديوان "في أعالي المعركة"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2023، وكتاب "مساحة شخصية- من يوميات الحروب على فلسطين"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "الثرثرات المحببة- الرسائل"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "فتنة الحاسة السادسة- تأملات حول الصور"، دار الفاروق للثقافة، نابلس، 2025. 

حررت العديد من الكتب، بالإضافة إلى مجموعة من الكتب والدواوين المخطوطة. 

كتب عن هذه التجربة الإبداعية العديد من الكتاب الفلسطينيين والعرب، وأجريت معي عدة حوارات ولقاءات تلفزيونية.