فراس حج محمد

موقع يختص بمنشورات صاحبه: مقالات، قصائد، أخبار

في تأمُّل تجربة الكتابة:

لماذا لم أشارك في حفل إطلاق "رسائل إلى قمر"؟

فراس حج محمد/ فلسطين

قبل أن أجيب على هذا السؤال، أعيد شيئاً من ملامح شخصيّتي التي اكتسبتها من خلال عملي معلماً ومشرفاً تربويّاً، مارست التدريس لأكثر من عقد، وأدرّب المعلّمين وأحيانا المشرفين التربويّين، وأشارك متدّرباً في كثير من الفعاليات، وأحضر الاجتماعات الرسميّة وغير الرسميّة.

في آخر دورة تدريبيّة حضرتها ما بين (17-19/8/2021) في مدينة رام الله، تقرّر أن ألقي عمل مجموعتنا التدريبيّة. في القاعة مشرفون تربويّون، ومشرفات أيضاً، يثرثرون- للأسف- ويثرثرنَ، ولا يستمعون غالباً، رفضت أن أعرض إنجازنا إلّا بعد أن يصمت الجميع ليستمعوا لما سأقوله، لكنّ المدرّبة أخطأت خطأ شنيعاً عندما قالت: استمعوا وإلا الأستاذ سيشرد! فصحّحتها من فوري قائلاً: "أقعد، وليس أشرد، فليس من عادتي الهرب، انتبهي؛ ثمّة فرق بين التعبيرين".

هكذا أنا؛ يجب أن يحترمني الآخرون عندما أتحدّث، كما أحترمهم وأصغي لهم وأناقشهم وهم يتحدثون، حتّى لو لم يعجبني ما قالوه، أصمت ولا أشوّش على المتحدّث مهما كانت درجة استيائي ممّا يقال؛ لعدم منطقيّته، أو لما فيه من أخطاء فادحة فاضحة. هكذا علّمت طلّابي ودرّبت المعلّمين، وهكذا أتدرّب، وهو شرط لازم وإلّا لن أعلّم ولن أدرّب، والمسألة لا تخضع بتاتاً للمساومة أو للحلول الوسط. ولن أتحرّج من أن أسكت- بفظاظة- كلّ من يشوش عليّ ويقاطعني مهما كان موقعه، فلا أحبّ ذلك منهم ولا أحبّه من نفسي. وكثيراً ما غضب منّي الزملاء لهذا التصرف، ولم يلوموا أنفسهم، وكنت أنا المخطئ دوماً. لكن لا بأس سأظلّ كما أنا، ما داموا هم على ديدنهم ومعهودهم.

ضمن هذه الملامح الشخصيّة النفسيّة أتصرّف وأنا كاتب ومحاضر، أتضايق جدّاً ممّن يشوّش في الاحتفالات، وفي اللقاء الأخير المعدّ من أجل توقيع كتاب "رسائل إلى قمر" للكاتب الأسير حسام شاهين ثمّة أشياء كثيرة تدعو مَنْ هو مثلي أن يكون ضجِراً وقلقاً؛ "كأنّ الريح تحتي".

نعم وصلت وابنتي ميسم وكنا في كامل توهّجنا واستعدادنا وحماسنا، حتّى أنّنا كنّا متّفقين على أن نبثّ- مباشرة- الحفل كلّه عبر صفحة الفيسبوك، كنت منتشياً جدّاً لمشاركتي هذه الفعاليّة إلى جانب الأصدقاء: المحامي حسن عبّادي، والدكتور خليل قطناني، والشاعر عبد الناصر صالح، والسيّدة الأستاذة عزّة عزّ الدين ذات الحضور الإعلاميّ البهيّ القويّ، لكنّني تفاجأت، وقد وصلنا متأخّرين لأسباب خارجة عن الإرادة، بأنّ التجهيزات في الاحتفال لم تكن لتناسبني بتاتاً، فكّرت مليّاً في المسألة، وتشاورت مع ابنتي، وقرّرت عدم المشاركة، نظراً لانعدام "ميكرفون" ثابت في القاعة، وعدم وجود طاولة أو حاملة أوراق مناسبة، إضافة إلى الإضاءة الخافتة.

أعادتني هذه الظروف إلى ظروف مشابهة منذ أعوام عندما شاركت في "أصبوحة" شعريّة في جامعة القدس (أبو ديس)، وكانت التجهيزات لا تناسب وضعي الصحي، فلا أستطيع أن أوفّق بين الإمساك بالميكروفون والأوراق بيد واحدة، ما عرّضني إلى موقف محرج، فلم تكن منصّة الخشب ذات سطح مستوٍ ليثبُت عليها الميكروفون، وكلّما حاولت إرجاعه إلى وضعه الطبيعي يعود ويسقط، ما اضطرني إلى أن أقطع مشاركتي والاقتصار على نصّ قصير، إضافة إلى ما أصابني من توتر وعدم الإحساس بالشعر عند الإلقاء. كان لقاء تعيساً بالنسبة لي بكلّ المقاييس، على إثر ذلك اللقاء قرّرت ألّا أشارك بأيّ فعاليّة مهما كانت تجهيزاتها، لكنّني تراجعت وشاركت، إلّا أنّني صرت حريصاً على ألا أقع في هذا المطبّ.

في مخيم بلاطة، قرّرت ألّا أقع في هذه الورطة، لاسيّما أنّ هناك إعلاماً يبثّ مباشرة أو يسجّل ويصوّر، وسيبث لاحقا (تلفزيون فلسطين)، فالانسحاب هو أفضل وسيلة لحفظ كرامة النفس وعدم تعريضها للمهانة، على الرغم من أنّ ذلك لا يعيبني كمتحدّث، لكنّها هي محنة الحياة، وعلينا أنْ نتقبّلها برحابة صدر. أشكر الصديقة عزّة على تعاطفها معي، وإبداء أسفها إذ لم أنبه منظّمي الحفل لتدارك بعض القضايا لأتمكّن من المشاركة بالحدّ الأدنى من التجهيزات.

لم أكن أرغب بالمشاركة من أجل أيّ شيء، ولا من أجل الإعلام، فظهوري على التلفزيون لبضع دقائق لن يضيف لي جديداً، ولن يمنحني ميزة خاصّة- إطلاقاً- من حفل استمرّ ما يقارب الساعتين، وإنما الأسف على أنّني لم أتمكّن من مشاركة الأسير حسام وبطلة كتابه "قمر الزهيري" وأخته نسيم وحسن عبّادي فرحتهم العارمة بإطلاق الكتاب والاحتفاء بعيد ميلاد قمر، وقد أعددت لذلك عدّته، ودخلت في صلب التجهيز للحدث بالتشاور مع الصديق حسن عبّادي ومع الأستاذة عزّة عزّ الدين، عدا القراءة التي أعددتها في الكتاب، وما يتطلّب ذلك من جهد. كلّها ذهبت "أدراج الرياح" إلّا قليلاً؛ إذ عوّضت ذلك بنشر القراءة في اليوم ذاته.

كان ذلك اليوم رائعاً بلا شكّ بحضور أصدقائي الذين لبّوا دعوتي: الصديق الكاتب منجد صالح، والأستاذ عبد الهادي زيتاوي الذي حضر ليستمع إليّ، وللدكتور عادل الأسطة الذي كان يأمل أن أتحدّث، والكاتبة أسماء ناصر أبو عيّاش، لكنّهم سيعذرونني الآن، وإذا عُرِف السبب بطل العجب. فأنا لم أكن أنوي أن أكون استعراضيّاً أو مشاكساً كما اتّهمني بعض الحضور، سامحهم الله.

على أيّ حال نجح حسام، ونجحنا معه جميعاً إذ شاركناه- كلّ بصيغة ما- فرحته بقمر وبرسائلها، فكلّ عام وأنت بخير يا قمر، والحرّيّة كلّ الحرّيّة لحسام زهدي شاهين، وكلّ أسرى الحرّيّة، عسانا نلتقي خارج السجن وجدرانه، وقد تحطّمت القيود، وانهدّت الأسوار، واندكّت الجدران، وشعّت الشمس لتقتل ظلام السجن وظلم السجّان.

 

المصدر: فراس حج محمد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 166 مشاهدة
نشرت فى 24 أغسطس 2021 بواسطة ferasomar

فراس عمر حج محمد

ferasomar
الموقع الخاص بــ "فراس حج محمد" »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

583,440

فراس حج محمد

نتيجة بحث الصور عن فراس حج محمد كنانة أون لاين

من مواليد مدينة نابلس في فــلسطين عــام 1973م، حاصل على درجة الماجستير في الأدب الفلسطيني الحديث من جامعة النجاح الوطنية. عمل معلما ومشرفا تربويا ومحاضرا غير متفرغ في جامعة القدس المفتوحة. 

عمل محررا لغويا في مجلتي الزيزفونة للأطفال/ رام الله، وشارك في إعداد مواد تدريبية في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، وكان عضوا في هيئة تحرير مجلة القانون الدولي الإنساني/ الإصدار الثاني الصادرة عن وزارة التربية والتعليم في فلسطين.

نشر العديد من المـقالات والقـصائد في مـجالات النشر المختلفة الإلـكترونية والصحف والمجلات في فلسطين والوطن العربي وبريطانيا وأمريكا وكندا والمكسيك. وشارك في ندوات وأمسيات شعرية ومؤتمرات في فلسطين.

الكتب المطبوعة: 

رسائــل إلى شهرزاد، ومــن طقوس القهوة المرة، صادران عن دار غُراب للنشر والتوزيع في القاهرة/ 2013، ومجموعة أناشيد وقصائد/ 2013، وكتاب ديوان أميرة الوجد/ 2014، الصادران عن جمعية الزيزفونة لتنمية ثقافة الطفل/ رام الله، وكتاب "دوائر العطش" عن دار غراب للنشر والتوزيع. وديوان "مزاج غزة العاصف، 2014، وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في القصة القصيرة جدا- دار موزييك/ الأردن وديوان "وأنت وحدك أغنية" عن دار ليبرتي/ القدس وبالتعاون مع بيت الشعر في فلسطين، وكتاب "يوميات كاتب يدعى X"، وكتاب "كأنها نصف الحقيقية" /الرقمية/ فلسطين، وكتاب "في ذكرى محمود درويش"، الزيزفونة 2016، وكتاب "شهرزاد ما زالت تروي- مقالات في المرأة والإبداع النسائي"، الرقمية، 2017، وديوان "الحب أن"، دار الأمل، الأردن، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في الرواية"، مكتبة كل شي، حيفا، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في متنوع السرد"، مؤسسة أنصار الضاد، أم الفحم، 2018، وديوان "ما يشبه الرثاء"، دار طباق للنشر والتوزيع، رام الله، 2019، وكتاب "بلاغة الصنعة الشعرية"، دار روافد للنشر والتوزيع، القاهرة، 2020. وكتاب "نِسوة في المدينة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2020. وكتاب "الإصحاح الأوّل لحرف الفاء- أسعدتِ صباحاً يا سيدتي"، دار الفاروق للنشر والتوزيع، نابلس، 2021. وكتاب "استعادة غسان كنفاني"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2021، وكتيّب "من قتل مدرّس التاريخ؟"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2021. وديوان "وشيء من سردٍ قليل"، وزارة الثقافة الفلسطينية، رام الله، 2021. وديوان "على حافّة الشعر: ثمّة عشق وثمّة موت"، دار البدوي، ألمانيا، 2022. وكتاب "الكتابة في الوجه والمواجهة"، الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمان، 2023. وكتاب "متلازمة ديسمبر"، دار بدوي، ألمانيا، 2023. وكتاب "في رحاب اللغة العربية"، دار بدوي، ألمانيا، 2023، وكتاب "سرّ الجملة الاسميّة"، دار الرقمية، فلسطين، 2023. وكتاب "تصدّع الجدران- عن دور الأدب في مقاومة العتمة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمّان، 2023، وديوان "في أعالي المعركة"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2023، وكتاب "مساحة شخصية- من يوميات الحروب على فلسطين"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "الثرثرات المحببة- الرسائل"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024.

حررت العديد من الكتب، بالإضافة إلى مجموعة من الكتب والدواوين المخطوطة. 

كتب عن هذه التجربة الإبداعية العديد من الكتاب الفلسطينيين والعرب، وأجريت معي عدة حوارات ولقاءات تلفزيونية.