فراس حج محمد

موقع يختص بمنشورات صاحبه: مقالات، قصائد، أخبار

كلمة في رحيل الناقد حسين سرمك:

هل ضاق العيش إلى هذا الحدّ القاسي؟

فراس حج محمد/ فلسطين

أبدأ أولا بالترحم على الصديق الكاتب حسين سرمك حسن الذي فاجأ رحيله يوم السبت السادس والعشرين من كانون الأول الوسط الثقافي والإعلامي العربي، لم يكن بيننا مراسلات كثيرة في حقيقة الأمر، إلا أنه كان يرد على كل مادة أرسلها للنشر في موقع "الناقد العراقي" الذي يشرف عليه بجملته المعهودة التي صارت لازمة وملازمة: "نشرت مع التقدير- حسين". ونادرا ما كان يزيد على ذلك، ولم يصدف أن رفض لي موضوعا سوى موضوع واحد، جاء في رده اللطيف أن موضوع المقال "خارج اختصاص الموقع"، لكنه كان مبادرا عندما أرسلت مقالة "ما أضيق العيش لولا..." وأرفقت خطاب النشر بإبداء الرأي، فسارع –رحمه الله- بإرسال هذا الرد مشكورا في الخامس من أكتوبر 2020:

أخي العزيز الأديب الأستاذ فراس حج محمد المحترم

تحية طيبة..

منذ الأسبوع الأول لبدء وباء كورونا وحتى اليوم ترجمتُ عشرات المقالات (يمكن متابعتها في موقع المثقف أو صحيفة الزمان) عن هذا الوباء وكيف صُنّع في مختبر وفق أجندة عالمية وسبل علاجه.. إلخ.

هذا ليس مهما في اتصاله بمقالتك الجميلة ولكنه أوصلني إلى حقيقة خطيرة أقرها الكثير من العلماء والأطباء الغربيين وترتبط بالمقالة ورؤية الطغرائي في بيته الشهير وهو أن الخوف من كورونا يقتل الإنسان أكثر من فيروس كورونا نفسه. ويهمني إحالتك إلى كتاب بالانجليزية في غاية الأهمية هو "بايولوجيا المعتقد" للعلامة بروس ليبتون.. في هذا الكتاب تجارب وأدلة حاسمة على أن العامل النفسي الإيجابي وهو هنا "الأمل" ليس أمرا تجريديا أو رومانسيا بل هو عامل عضوي. ستجد أن هناك مرضى قتلهم الأطباء بكلمة حين قالوا لهم أن مرضهم خطير وأنهم سيموتون بعد أشهر.. كل كلمة تؤثر في منطقة تحت المهاد في الدماغ الذي يرسل تحفيزات إلى الغدة النخامية ثم الغدة الكظرية فتفرز هرمونات المواجهة (أو الأمل) أو الهرب. هناك مرضى عادوا بعد الموت وقسم نهضوا من المشرحة.. الزوجات اللائي وجّهوا إليهن صعقات كهربائية مختبرية كن لا يشعرن بها حين يمسكن أكف أزواجهن المخلصين ولكنهن يشعرن حين يكون الزوج خائناً.. هذا يحيلنا بعمق إلى المنطق السومري ثم القرآني من أن الكلمة تحيي وتميت وقاعدة "كن فيكون" .. اعذرني عن هذه العجالة . الخلاصة : المزيد من التكاتف .. والأمل والإيمان قادر على أن يجعلنا نعبر أخطر الشدائد وأفظعها ومنها وباء كورونا الحالي. إنهم يقتلون الناس بالحجز في البيوت لتفكيك العلاقات الانسانية .. والتقنيع (لبس الأقنعة) وإثارة الرعب.. سيضيّق الوباء علينا السبل دون الأمل..

الإنسان حيوان ذو أمل.

تقبل فائق احترامي

حسين سرمك حسن/ بغداد المحروسة/ الناقد العراقي

لم يكن يعلم الكاتب والناقد والباحث حسين سرمك أنه وبعد ثلاثة أشهر تقريبا من رسالته تلك أن تكون منيته بسبب فايروس كورونا الذي حصد أرواح العديد من الكتاب والشعراء والمثقفين والأطباء وغيرهم ممن أصيب به، وكان قد أعلن موقع الناقد العراقي في 11 ديسمبر في صفحة الموقع الخاصة على الفيسبوك عن توقف النشر في الموقع بسبب دخول سرمك المستشفى موجها هذه الرسالة:

(السيّدات والسادة

كتّاب وقرّاء موقع (الناقد العراقي) الكرام..

تود أسرة موقع الناقد العراقي إعلامكم بأنّ الموقع متوقف عن النشر حالياً ولفترة مؤقتة، وذلك بسبب مرور الدكتور حسين سرمك حسن بوعكة صحية أُدخل على إثرها الى وحدة العناية المركزة.. وحتى يتم الشفاء والتعافي التام بإذنه تعالى، ويعاود الدكتور حسين سرمك نشاطه وإشرافه، ليعود الموقع إلى نشاطه، نطلب من حضراتكم وبكل حب أن تتواصلوا مع الدكتور حسين سرمك بنوايا السلام والمحبة ونوايا الشفاء والدعوات).

عادت روح الفقيد لتحلق عاليا ولم يكن بإمكانه المكوث أكثر بيننا، لعله اشتاق للراحة بعد جهد طويل مضنٍ، وهكذا يرحل فارس الثقافة العربية الحية حسين سرمك حسن، وبرحيله تكون الساحة الثقافية العربية عامة والعراقية خاصة قد فقدت كاتبا كبيرا ومثقفا واعيا، ناضل بوعي وصبر، تاركاً وراءه إرثا أدبيا ونقديا زاخرا، فبالإضافة لموسوعته المهمة التي أصدر منها 26 جزءاً "موسوعة جرائم الولايات المتحدة الأمريكية"، صدر للفقيد كتاب "ما بعد الجحيم"؛ رواية من أدب الحرب، و"البطل البريء"- قراءة نقدية لرواية الروائي المهجري د. قصي شيخ عسكر، كما صدر له الكتاب المشترك مع الباحث "سلام الشماع" وعنوانه: "علي الوردي: الازدواجية المسقطة"، وهي محاولة لتحليل شخصية عالم الاجتماع والمؤرخ العراقي المشهور علي الوردي.

بالطبع لم تكن هذه هي كل ما أنتجته قريحة سرمك الأدبية والبحثية والنقدية، فهناك العديد من المؤلفات الأخرى، عدا مجموعة من المقالات النقدية والحوارات التي نشرت في الصحف والمجلات العربية.

تقول أمثالنا العربية: من خلّف ما مات، فما بالكم بمن خلّف هذا الإبداع القاهر للزمن وللموت؟ طيّب الله ثراك العزيز حسين سرمك، وإنا لله وإنا إليه راجعون، ولعلنا جميعا نجد بعض العزاء فيما كتبه الأصدقاء من حسن الثناء والإشادة بجهودك، فقد كنت دمثا ودودا طيباً وإنساناً جميل الروح. رحمك الله رحمة واسعة.

28 كانون الأول 2020

 

المصدر: فراس حج محمد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 215 مشاهدة
نشرت فى 28 ديسمبر 2020 بواسطة ferasomar

فراس عمر حج محمد

ferasomar
الموقع الخاص بــ "فراس حج محمد" »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

742,690

فراس حج محمد

نتيجة بحث الصور عن فراس حج محمد كنانة أون لاين

من مواليد مدينة نابلس في فــلسطين عــام 1973م، حاصل على درجة الماجستير في الأدب الفلسطيني الحديث من جامعة النجاح الوطنية. عمل معلما ومشرفا تربويا ومحاضرا غير متفرغ في جامعة القدس المفتوحة. 

عمل محررا لغويا في مجلتي الزيزفونة للأطفال/ رام الله، وشارك في إعداد مواد تدريبية في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، وكان عضوا في هيئة تحرير مجلة القانون الدولي الإنساني/ الإصدار الثاني الصادرة عن وزارة التربية والتعليم في فلسطين.

نشر العديد من المـقالات والقـصائد في مـجالات النشر المختلفة الإلـكترونية والصحف والمجلات في فلسطين والوطن العربي وبريطانيا وأمريكا وكندا والمكسيك. وشارك في ندوات وأمسيات شعرية ومؤتمرات في فلسطين.

الكتب المطبوعة: 

رسائــل إلى شهرزاد، ومــن طقوس القهوة المرة، صادران عن دار غُراب للنشر والتوزيع في القاهرة/ 2013، ومجموعة أناشيد وقصائد/ 2013، وكتاب ديوان أميرة الوجد/ 2014، الصادران عن جمعية الزيزفونة لتنمية ثقافة الطفل/ رام الله، وكتاب "دوائر العطش" عن دار غراب للنشر والتوزيع. وديوان "مزاج غزة العاصف، 2014، وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في القصة القصيرة جدا- دار موزييك/ الأردن وديوان "وأنت وحدك أغنية" عن دار ليبرتي/ القدس وبالتعاون مع بيت الشعر في فلسطين، وكتاب "يوميات كاتب يدعى X"، وكتاب "كأنها نصف الحقيقية" /الرقمية/ فلسطين، وكتاب "في ذكرى محمود درويش"، الزيزفونة 2016، وكتاب "شهرزاد ما زالت تروي- مقالات في المرأة والإبداع النسائي"، الرقمية، 2017، وديوان "الحب أن"، دار الأمل، الأردن، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في الرواية"، مكتبة كل شي، حيفا، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في متنوع السرد"، مؤسسة أنصار الضاد، أم الفحم، 2018، وديوان "ما يشبه الرثاء"، دار طباق للنشر والتوزيع، رام الله، 2019، وكتاب "بلاغة الصنعة الشعرية"، دار روافد للنشر والتوزيع، القاهرة، 2020. وكتاب "نِسوة في المدينة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2020. وكتاب "الإصحاح الأوّل لحرف الفاء- أسعدتِ صباحاً يا سيدتي"، دار الفاروق للنشر والتوزيع، نابلس، 2021. وكتاب "استعادة غسان كنفاني"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2021، وكتيّب "من قتل مدرّس التاريخ؟"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2021. وديوان "وشيء من سردٍ قليل"، وزارة الثقافة الفلسطينية، رام الله، 2021. وديوان "على حافّة الشعر: ثمّة عشق وثمّة موت"، دار البدوي، ألمانيا، 2022. وكتاب "الكتابة في الوجه والمواجهة"، الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمان، 2023. وكتاب "متلازمة ديسمبر"، دار بدوي، ألمانيا، 2023. وكتاب "في رحاب اللغة العربية"، دار بدوي، ألمانيا، 2023، وكتاب "سرّ الجملة الاسميّة"، دار الرقمية، فلسطين، 2023. وكتاب "تصدّع الجدران- عن دور الأدب في مقاومة العتمة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمّان، 2023، وديوان "في أعالي المعركة"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2023، وكتاب "مساحة شخصية- من يوميات الحروب على فلسطين"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "الثرثرات المحببة- الرسائل"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "فتنة الحاسة السادسة- تأملات حول الصور"، دار الفاروق للثقافة، نابلس، 2025. 

حررت العديد من الكتب، بالإضافة إلى مجموعة من الكتب والدواوين المخطوطة. 

كتب عن هذه التجربة الإبداعية العديد من الكتاب الفلسطينيين والعرب، وأجريت معي عدة حوارات ولقاءات تلفزيونية.