حول ما دعا إليه اتحاد الكتاب:
يا عيب الشوم مرتين بل ثلاثا وأكثر!
فراس حج محمد/ فلسطين
في تعميم وصل عبر البريد الإلكتروني للأدباء والكتاب الفلسطينيين، وقد وصلني بطبيعة الحال نسخة منه، يدعو فيه الاتحاد كتاب فلسطين ويتمنى عليهم "كتابة مقال حول الهجوم على محمود درويش حيث تخصص جريدة جزائرية ملحقاً ثقافياً خاصاً بهذا الشأن".
تطرح هذه الدعوة العديد من التساؤلات أولا حول دور الكتاب والأدباء، مهما كان جنسهم، ومهما كانت بلدانهم، ومهما كانت قضاياهم، ويضع الغاية من الكتابة موضع المساءلة الحقيقية، فالدعوة تحمل نفَس الفزعة القبلية التي تعيد الكتاب إلى عصور من التردي والتعبية البغيضة، فمن كتب عن درويش مدافعا قبل هذه الدعوة سيختلف عنه إن كتب بعدها. فالكتاب لا يحتاجون إلى إثارة أو استثارة أو استكتابا عاما، وكأن الكتاب في امتحان حصة تعبير محدد الموضوع، ويصححه لهم سعادة أو عطوفة أو ربما معالي الأمين العام. فلماذا هذه الفزعة (الجاهلية) في دعوة اتحاد الكتاب من أجل استكتاب الكتاب للانتصار لمحمود درويش، على خلفية مقال سليم بركات. على الرغم من أن سليم بركات طالته الشتائم أكثر من درويش، ووجد مئات من الأقلام والمغردين للدفاع عنه بالحق والباطل.
تحمل هذه الدعوة نفسا قبائليا مقيتا وشاذا، ولا تؤشر إلى فكر حداثي تنويري منفتح، وإنما تذكر بمنطق الفزعات الفلاحية والعائلية. فأخونا درويش يعاني من هجمة، فهبوا يا شباب للمساعدة. ومن كان في السابق سيحمل شاعوبا وفأسا او مرتينة وخرتوشا اليوم سيطلق العنان للفيسبوك وتويتير ويللا يا شباب عليهم.
ثانيا: كان الأولى أن يقوم الاتحاد مثلا بجمع المقالات المكتوبة وإصدارها في كتاب ومناقشة فكرة مقال سليم بركات، وأن يحترم جميع الأراء، فالديمقراطية هي شعار المثقف والكاتب والحوار هو عدته وكل عتاده، أم أن الأمين العام يريد أن يخرج "البارودة" من شعار الاتحاد ويضرب بالرصاص على من قالوا رأيا مخالفا في حق محمود درويش. فهل وضعت البارودة في الشعار من أجل هذا الهدف؟ كما أن الاتحاد لماذا لم يحترم تاريخ سليم بركات وعلاقته مع درويش، ويدافع عنه أيضا، فقد نال نصيبه من التشويه وضرب "الرصاص". كان الحري بالأمين العام أن يعتبر سليم بركات شاعرا فلسطينيا بامتياز.
ثالثا: إن اتحاد الكتاب الفلسطينيين وهو يدعو إلى فكرة مناصرة درويش بهذا التعميم، من أجل قضية هي في أساسها نقدية، صحفية، عابرة، لا تستحق كل هذه الجعجعة، فهل قصد الاتحاد تضخيم المسألة، لأهداف شعبوية تقليدية رجعية من أجل تعزيز مكانة الأمين العام؟ وبلا شك في أن هذه الدعوة ستضاف إلى تقرير الأمانة العامة في المؤتمر القادم، سأذكركم بذلك؛ فقد أوردت الأمانة السابقة التي بقي أغلب أعضائها، مع تغيير الأمين العام إلى تعداد قضايا على أنها إنجازات يخجل طالب ثانوية عامة أن يذكرها في "ملف إنجازه"، ويترفع كاتب مبتدئ حتى من ذكرها في سيرته الذاتية. لقد بدت لي تلك "الفزعة" كأنها تجارة رخيصة لا قيمة لها ولا هدف، بل هي ضارة، لا تؤدي إلى أي طريق سوى طريق التصاغر المستمر بلا نهاية في السياسة، وها هو الأمين العام يحاول أن تدخل الثقافة والكتاب إلى الطريق ذاته، إنه نفس الدكتاتور العربي.
وأما رابعا فإن اتحاد الكتاب بما فيه من هيأة إدارية أو ما يحب أن يطلق على نفسه "أمانة عامة"، صار دوره هامشيا تافها، وهو يبحث عن صغار الأشياء، مع احترامي الكبير لمحمود درويش بوصفه شاعرا كونيا، وعدم اعتباره متهما لنجيش له فزعات، فليس هدف الاتحاد رعاية مثل هذه "الاستكتابات" اللحظية البائسة. بل لقد تردى الاتحاد أكثر في مواقف أكثر بؤسا عندما فتح صفحته وأطلق بياناته "خطابات تعزية وتهنئة"، وسبق لي أن كتبت في هذا وحذرت من تقزيم دور الاتحاد إلى هذا المستوى، أم أنهم يجمعون "الهشيم" ليوم الانتخابات القادمة، ليصنعوا منها جذوعا لشجرة "القائمة الفصائلية" التي حرقت ورقتها منذ أن أفسدت السياسة كل شيء؟
على اتحاد الكتاب بهيئته العامة أو مؤتمره العام المتمثل بعموم كتاب فلسطين أن يوقفوا مهازل الاتحاد القاتلة، وعليهم أن يشكلوا "جبهة رفض" حقيقية على الأرض تمنع انجرار الاتحاد إلى قعر الهاوية، وإنني أدعو إلى عقد مؤتمر جديد وعاجل بعد أن بلغ السيل الزبى، وعلى كتلة الكتاب الواعين غير الفصائليين أن يشكلوا جبهة رفض قوية تجاه ما يحدث، ويشكلوا طريقا ثانيا للوقوف ديمقراطيا في وجه كل من يحاول تقزيم دور الاتحاد وحشره في الزوايا المظلمة أو جره إلى اللعب بالعواطف وهشيم الأفكار, على الكتاب أن يصحوا ويفرضوا معادلة إعادة الاتحاد إلى الحياة قبل أن يموت كليا.
حزيران 2020