فراس حج محمد

موقع يختص بمنشورات صاحبه: مقالات، قصائد، أخبار

قراءة في رواية

واقعيّة حضور المرأة في رواية أوراق خريفية

فراس حج محمد/ فلسطين

تثير رواية "أوراق خريفية" للكاتب محمد عبد الله البيتاوي الكثير من التساؤلات والإشكاليات، ومن ذلك صورة المرأة في الرواية، فقد تعددت الشخصيات النسائية في الرواية، فكانت الساردة غادة والأم، والسكرتيرة (سكرتيرة مدير الشركة، وسكرتيرة الصديق الأديب)، وشخصيات ثانوية أخرى وردت على هامش الأحداث.

أما شخصية غادة فهي الشخصية الفاعلة في الرواية بوصفها ساردا يقص الأحداث ومتحكما بالعالم الروائي من ألفه إلى يائه، فقد ظهرت امرأة شابة شبقية، يشتهيها كل من يراها، تلفت نظره جغرافية جسمها، ويتمنى أن يداعب ثدييها أو يقبلها، كما أنها تتعرض للتحرش من كثيرين، تحرّش بالكلام، وتحرّش بلمس اليد، ومع أنها تألمت من فعل مديرها عندما قرصها في ثديها، إلا أنها عند استعادتها للحدث تستعيد ما شعرت به من لذة وخدر يسري في عروقها لحظتئذِ.

وغادة أيضا تحب مغازلة عامر زميلها في العمل لها، ومغازلة الصديق الأديب، وتتغاضى عن تحرشات الشاعر الإلكترونية وتسمح للأستاذ لطيف أن يتحدث عن جمالها وتأثره بها عندما زارته في مكتبه لمرة واحدة لعرض روايتها الأولى عليه، بل إنها تعبر عن لذتها القوية الشبقية عندما كان صديقها الأديب يقبّلها وتنزلق يداه نحو صدرها، وتشعر بالانتكاس إن ذهبت إليه يوما، ولم يعر جسدها الانتباه المعهود أو لم يقبلها أو كان باردا معها.

امرأة مثل هذه المواصفات وهذا الشبق، سيكون مبررا من ناحية نفسية وقوعها تحت شوقي، حبيبها القديم أيام الدراسة الجامعية، ليستمتع بها، ويفضّ بكارتها، وإن ندمت على ذلك إلا أن ندمها لم يكن مرَضياً وإنما فقط مجرد ندمٍ على أنها أعطت أغلى ما تملك، كامرأة، لرجل لا يستحقّ، وبالتالي كانت على أتمّ الاستعداد أن تكون مرة ثانية تحت صديقها الأديب مع أنه كبير في السن ومتزوج، لولا أنه هو من امتنع وأخبرها أنه ليس فحلا، ولا يستطيع أن يفعل معها ما يجب أن يفعله الرجل مع المرأة، وقد صارحها بذلك بعدما لمس منها فعلا أنها تنتظر ذلك منه.

ويتصل بهذه الصورة لغادة ما عبرت عنه هي نفسها أو الشخصيات الأخرى من لغة مكشوفة، تناسب بطبيعة الحال هذه الشخصية وما تتمتع به من شهوة عارمة، وما فعله المدير مع السكرتيرة الجديدة في المكتب حيث لاطها وتوجعت، وبان ذلك في مشيتها، وما شعرت به من ألم عند جلوسها والحكة التي صاحبتها. وتطور الأحداث بعد ذلك ووقوع المدير في شركها حيث أجبر على الزواج منها بعد أن اكتشف أمرها إذ تم ضبطهما متلبسين بالفعل في المكتب، حيث كانت عارية تجلس في حضن المدير، ثم مكوثهما يومين كاملين في غرفة الفندق وهما يستمتع أحدهما بالآخر.

هل كان حضور المرأة في الرواية واقعياً في تلك الصورة التي رسمتها لها الرواية؟

لم تكن الصورة السابقة هي كل ملامح شخصية غادة، وإنما بدت أيضا شخصية مثقفة تشترك في المناقشات الثقافية في مجتمع المثقفين مع شاعر المدينة وصديقها الأديب والأستاذ لطيف وآخرين من الوسط السياسي، ولها آراؤها السياسية والثقافية بالإضافة إلى أنها كاتبة روائية، ومن خلال تلك المناقشات العامة حول الموضوعات المطروحة في الرواية وكانت غادة هي المحرك الأساسي والفاعل الرئيس فيها بوصفها ساردة وشخصية محورية في الرواية، وكانت تتمتع بالحرية الشخصية وتدافع عنها، إذ جسدت غادة في السياق الروائي فكرة تلك الحرية وممارستها إلى أقصى حد، سواء في حريتها في الكتابة أو الحرية في ارتداء اللباس الذي تريده أو في علاقاتها الشخصية، وبذلك قدمت غادة نموذجا واقعيا للمرأة في المجتمع الفلسطيني، فلم تتقنع وراء أفكار مثالية ولم يُسند إليها دور أكبر من دورها في المجتمع، بل لقد ظلت خاضعة بشكل أو بآخر للمنظومة الاجتماعية الفكرية السائدة في المجتمع الفلسطيني، ولم تستطع المجاهرة بسلوكياتها السرية، وخاصة علاقتها مع شوقي والصديق الأديب. ما يعني بصورة أخرى أنها تمارس حريتها بينها وبين نفسها مع أشخاص آخرين ضمن التواطؤ المجتمعي الذي يغضّ الطرف عن العلاقات السرية ويرفض وبشدة ظهورها للعلن، كما حدث مثلا بين المدير والسكرتيرة ليتحول ما قاما به إلى فضيحة وجب سترها بالزواج.

كما أن النماذج النسائية الأخرى التي ذكرت أعلاه (الأم، والسكرتيرتان)، لم تشكل أي منها خروجا عن الواقع الاجتماعي والوظيفي التي تعيش ضمنه النساء في المجتمع، فظلت الأم ظلا للرجل، وتعمقت حالتها تلك وبرزت بشكل واضح خلال مرض زوجها، فظهرت ضعيفة، ومحتاجة للرجل، ولا تستطيع أن تخفي عن زوجها أي سر أو معلومة، حتى لا يغضب منها. وكذلك الحال بالنسبة للسكرتيرتين، فقد كانتا مثالين لواقع المرأة التي تعمل سكرتيرة، وغالبا ما تكون عامل متعة لمديرها بالإضافة إلى عملها الأساسي، بل ربما غلب على ظن القراء وظن الناس في الحياة الواقعية أن هذه المهمة من المتعة هي لب عمل أي سكرتيرة لأي مدير، مهما كان، ومن ذلك اكتسبت هذه الوظيفة سمعة سيئة في الأوساط الاجتماعية.

 

المصدر: فراس حج محمد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 168 مشاهدة
نشرت فى 21 يناير 2020 بواسطة ferasomar

فراس عمر حج محمد

ferasomar
الموقع الخاص بــ "فراس حج محمد" »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

718,331

فراس حج محمد

نتيجة بحث الصور عن فراس حج محمد كنانة أون لاين

من مواليد مدينة نابلس في فــلسطين عــام 1973م، حاصل على درجة الماجستير في الأدب الفلسطيني الحديث من جامعة النجاح الوطنية. عمل معلما ومشرفا تربويا ومحاضرا غير متفرغ في جامعة القدس المفتوحة. 

عمل محررا لغويا في مجلتي الزيزفونة للأطفال/ رام الله، وشارك في إعداد مواد تدريبية في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، وكان عضوا في هيئة تحرير مجلة القانون الدولي الإنساني/ الإصدار الثاني الصادرة عن وزارة التربية والتعليم في فلسطين.

نشر العديد من المـقالات والقـصائد في مـجالات النشر المختلفة الإلـكترونية والصحف والمجلات في فلسطين والوطن العربي وبريطانيا وأمريكا وكندا والمكسيك. وشارك في ندوات وأمسيات شعرية ومؤتمرات في فلسطين.

الكتب المطبوعة: 

رسائــل إلى شهرزاد، ومــن طقوس القهوة المرة، صادران عن دار غُراب للنشر والتوزيع في القاهرة/ 2013، ومجموعة أناشيد وقصائد/ 2013، وكتاب ديوان أميرة الوجد/ 2014، الصادران عن جمعية الزيزفونة لتنمية ثقافة الطفل/ رام الله، وكتاب "دوائر العطش" عن دار غراب للنشر والتوزيع. وديوان "مزاج غزة العاصف، 2014، وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في القصة القصيرة جدا- دار موزييك/ الأردن وديوان "وأنت وحدك أغنية" عن دار ليبرتي/ القدس وبالتعاون مع بيت الشعر في فلسطين، وكتاب "يوميات كاتب يدعى X"، وكتاب "كأنها نصف الحقيقية" /الرقمية/ فلسطين، وكتاب "في ذكرى محمود درويش"، الزيزفونة 2016، وكتاب "شهرزاد ما زالت تروي- مقالات في المرأة والإبداع النسائي"، الرقمية، 2017، وديوان "الحب أن"، دار الأمل، الأردن، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في الرواية"، مكتبة كل شي، حيفا، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في متنوع السرد"، مؤسسة أنصار الضاد، أم الفحم، 2018، وديوان "ما يشبه الرثاء"، دار طباق للنشر والتوزيع، رام الله، 2019، وكتاب "بلاغة الصنعة الشعرية"، دار روافد للنشر والتوزيع، القاهرة، 2020. وكتاب "نِسوة في المدينة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2020. وكتاب "الإصحاح الأوّل لحرف الفاء- أسعدتِ صباحاً يا سيدتي"، دار الفاروق للنشر والتوزيع، نابلس، 2021. وكتاب "استعادة غسان كنفاني"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2021، وكتيّب "من قتل مدرّس التاريخ؟"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2021. وديوان "وشيء من سردٍ قليل"، وزارة الثقافة الفلسطينية، رام الله، 2021. وديوان "على حافّة الشعر: ثمّة عشق وثمّة موت"، دار البدوي، ألمانيا، 2022. وكتاب "الكتابة في الوجه والمواجهة"، الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمان، 2023. وكتاب "متلازمة ديسمبر"، دار بدوي، ألمانيا، 2023. وكتاب "في رحاب اللغة العربية"، دار بدوي، ألمانيا، 2023، وكتاب "سرّ الجملة الاسميّة"، دار الرقمية، فلسطين، 2023. وكتاب "تصدّع الجدران- عن دور الأدب في مقاومة العتمة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمّان، 2023، وديوان "في أعالي المعركة"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2023، وكتاب "مساحة شخصية- من يوميات الحروب على فلسطين"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "الثرثرات المحببة- الرسائل"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "فتنة الحاسة السادسة- تأملات حول الصور"، دار الفاروق للثقافة، نابلس، 2025. 

حررت العديد من الكتب، بالإضافة إلى مجموعة من الكتب والدواوين المخطوطة. 

كتب عن هذه التجربة الإبداعية العديد من الكتاب الفلسطينيين والعرب، وأجريت معي عدة حوارات ولقاءات تلفزيونية.