فراس حج محمد

موقع يختص بمنشورات صاحبه: مقالات، قصائد، أخبار

في تأمّل تجربة الكتابة

هنات بحثية جدير أن يتخلى عنها النقاد

فراس حج محمد

في عدد (179)، يوليو- سبتمبر، 2019، من مجلة عالم الفكر، ثمة بحث بعنوان "عقدة جلجامش: رُهاب الموت ورُغاب الحياة في جدارية محمود درويش.. تحليل موضوعاتي" يتناول فيه كاتبه بالتحليل قصيدة الجدارية لمحمود درويش، كتب البحث أ.د يوسف وغليسي من جامعة الإخوة منتوري في الجزائر، لا شك في أن البحث رصين وهو محكّم منشور في مجلة علمية محكّمة، وقدّم جديدا فيما يخص التحليل النقدي، ودراسة شعر درويش بهذا التحليل متعدد الجوانب.

إلا أنني وجدت فيه أشياء ثالمة لموضوعية البحث والأكاديمية التي تعلمت أصولها على أيدي الأساتذة في الجامعة، وفي الأبحاث الجادة والكتب النقدية ذات السوية العالية التي كنت قرأتها وما زلت أقرأها، وتتلمذت على أيدي مؤلفيها.

وأول تلك الهنات استخدام الباحث ضمير (نحن) ليدل فيه على نفسه، مع أنه عرف عام عند كبار الكتاب والنقاد إلا أنني لا أستسيغ كل بحث أو دراسة مكتوبة بضمير نحن التي تعادل الأنا. إنه التضخم غير المنتبَه له، ولقد نهاني عن استخدامه الدكتور عادل الأسطة وأنا أكتب بحث الماجستير وما زلت ملتزما بذلك فيما أكتبه من مقالات نقدية وأدبية، إلا ما كان سهوا خالصا، فإذا ما عدت مرة أخرى إلى المكتوب تخلصت من تلك الـ (نحن)، وألزمت نفسي حدها بضميرها الذي يعنيها ويُغنيها.

أما ثاني تلك الهنات التي وقع فيها الناقد، وهو يكتب دراسته الرصينة العلمية، تسلُّل بعض الكلمات المادحة للشاعر أو للنص، مع أن ذلك قد يكون مقبولا في النقد الانطباعي والمقالات التشريفية وتقديم الكتب وحفلات التوقيع، إلا أنه في الدراسات العلمية المحكمة يجب أن ينتبه لها الباحث، فيقلّم نصه البحثي ليتخلص منها.

لقد وردت تلك الألفاظ والتعبيرات في ص 124 في وصفه لدرويش قائلا: "وقد سبق أن فعل ذلك ببراعة رمزية لافتة"، وفي ص 125 يقول: "من الكلمات الأخرى المضمخة بعبير رمزي أخّاذ"، وفي الصفحة ذاتها يكتب الناقد قائلا: "أضفتا على الفضاء التخييلي للنص سحرا بلاغيا آسرا، ولشدة تميز هذا المشهد الرمزي سنخصه بوقفة مستقلة". وفي ص 126 ورد وصف الشاعر/ الكاتب بـ (المبدع)، وبعد عدة أسطر يقول: "ولعل أكثرها بروزا وأعظمها تأثيرا..."، وفي ص 128 يصف الخطاب المحلمي بأنه "عميق". وفي ص 137 يقول الباحث: "مما يجعل الجدارية تنتصب نصا فنيا عملاقا". وينهي أ.د بحثه بقوله: "فهو العبقرية الشعرية المتفردة ذات السحر السري الخلاق العصي على القبض، بله الاستنساخ". ص 145

ربما وجد الكاتب أو القارئ المحكم في هذه الكلمات والتعبيرات مبررا لاستخدامها على اعتبار استحقاق شعري إبداعي لدرويش ونصه، ولكنها بلا ريب ليس موضعها الكتابة النقدية الموضوعية المتجردة.

وثالث ما أود الإشارة إليه ظهور الكاتب متحمسا لدرويش ولنصه، بحيث يستخدم لا شعوريا علامة الترقيم، التعجب، (!) في نهاية الفقرة في السطر الخامس من الصفحة 143. ومن حق الجملة علامة الوقف النقطة (.).

وثالث الهنات التي وقع فيها البحث الاقتباسات الطويلة التي تحاوز اثنان منها صفحة كاملة، كما هو في صفحة 122-123، 132-133، لتصل الاقتباسات في واحد منها إلى (50) سطرا ليمتد من ص 126-128، مع أن الباحث يعلل هذا المقتبس الشعري الطويل بقوله: "لقد حرصنا على نقل هذا المقطع الطويل الذي لم نشأ أن نجتزئ منه بأجزاء أقل، حرصا على وضوح المشهد وتكامل صوره الفرعية". ص 128.

كما لم تسلم المقتبسات النثرية من الاستطالة، فقد وردت فقرتان طويلتان منقولتان عن درويش واحتلتا منتصف الصفحة 143، ويأتي التعقيب عليها قصيرا لا يتجاوز سطرين ونصف السطر، ثم يردف بعد سطر آخر اقتباسا نثريا آخر طويلا من فقرتين متتابعتين، ويعلق عليه بسطرين وبعض كلمات في السطر الثالث.

أما ما أثار انتباهي قول الكاتب: "وكذلك نحاول أن نولد مصطلحا فرنسيا جديدا، لا وجود له في الفرنسية أصلا!" ص 128، عدا علامة الترقيم غير المناسبة التي تدل على تأثره، إذ يطلق على علامة الترقيم هذه أيضا علامة التأثر. ومن حق الجملة أن تكون مفصولة عما تليها بعلامة الترقيم الفاصلة (،). والسؤال الذي سألته نفسي وأنا أقرأ: كيف يمكن لناقد عربي يكتب بالعربية أن يدخل مصطلحا فرنسيا على لغة ليست له، ولا يكتب بها، على الأقل هذا البحث، ولم يتوجّه بها للوسط الأكاديمي الفرنسي، لإحداث نقاش نقدي حوله، وليتم اعتماده أو رده؟ فهل يعقل أن يتطفل باحث على لغة أخرى بهذا الشكل، والنقاد والباحثون يعلمون أن اقتراح المصطلحات ليس أمرا هينا أو بسيطا أو عابرا، ويحتاج للكثير من النقاش في اللغة المقترح أن يكون فيها؟

لن يكون بحث الأستاذ الدكتور يوسف وغليسي آخر بحث يقع فيه صاحبه بهذه الهنات، وربما هناك ما يشفع للدكتور وغليسي وغيره هذا الفعل، ولكنها بالتأكيد لن تلغي ما استقر من أصول بحثية تجعل الناقد والباحث حذرا من أن يحيد عنها قدر ما تطاوعه مهاراته البحثية الجادة.

 

المصدر: فراس حج محمد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 204 مشاهدة

فراس عمر حج محمد

ferasomar
الموقع الخاص بــ "فراس حج محمد" »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

743,400

فراس حج محمد

نتيجة بحث الصور عن فراس حج محمد كنانة أون لاين

من مواليد مدينة نابلس في فــلسطين عــام 1973م، حاصل على درجة الماجستير في الأدب الفلسطيني الحديث من جامعة النجاح الوطنية. عمل معلما ومشرفا تربويا ومحاضرا غير متفرغ في جامعة القدس المفتوحة. 

عمل محررا لغويا في مجلتي الزيزفونة للأطفال/ رام الله، وشارك في إعداد مواد تدريبية في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، وكان عضوا في هيئة تحرير مجلة القانون الدولي الإنساني/ الإصدار الثاني الصادرة عن وزارة التربية والتعليم في فلسطين.

نشر العديد من المـقالات والقـصائد في مـجالات النشر المختلفة الإلـكترونية والصحف والمجلات في فلسطين والوطن العربي وبريطانيا وأمريكا وكندا والمكسيك. وشارك في ندوات وأمسيات شعرية ومؤتمرات في فلسطين.

الكتب المطبوعة: 

رسائــل إلى شهرزاد، ومــن طقوس القهوة المرة، صادران عن دار غُراب للنشر والتوزيع في القاهرة/ 2013، ومجموعة أناشيد وقصائد/ 2013، وكتاب ديوان أميرة الوجد/ 2014، الصادران عن جمعية الزيزفونة لتنمية ثقافة الطفل/ رام الله، وكتاب "دوائر العطش" عن دار غراب للنشر والتوزيع. وديوان "مزاج غزة العاصف، 2014، وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في القصة القصيرة جدا- دار موزييك/ الأردن وديوان "وأنت وحدك أغنية" عن دار ليبرتي/ القدس وبالتعاون مع بيت الشعر في فلسطين، وكتاب "يوميات كاتب يدعى X"، وكتاب "كأنها نصف الحقيقية" /الرقمية/ فلسطين، وكتاب "في ذكرى محمود درويش"، الزيزفونة 2016، وكتاب "شهرزاد ما زالت تروي- مقالات في المرأة والإبداع النسائي"، الرقمية، 2017، وديوان "الحب أن"، دار الأمل، الأردن، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في الرواية"، مكتبة كل شي، حيفا، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في متنوع السرد"، مؤسسة أنصار الضاد، أم الفحم، 2018، وديوان "ما يشبه الرثاء"، دار طباق للنشر والتوزيع، رام الله، 2019، وكتاب "بلاغة الصنعة الشعرية"، دار روافد للنشر والتوزيع، القاهرة، 2020. وكتاب "نِسوة في المدينة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2020. وكتاب "الإصحاح الأوّل لحرف الفاء- أسعدتِ صباحاً يا سيدتي"، دار الفاروق للنشر والتوزيع، نابلس، 2021. وكتاب "استعادة غسان كنفاني"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2021، وكتيّب "من قتل مدرّس التاريخ؟"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2021. وديوان "وشيء من سردٍ قليل"، وزارة الثقافة الفلسطينية، رام الله، 2021. وديوان "على حافّة الشعر: ثمّة عشق وثمّة موت"، دار البدوي، ألمانيا، 2022. وكتاب "الكتابة في الوجه والمواجهة"، الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمان، 2023. وكتاب "متلازمة ديسمبر"، دار بدوي، ألمانيا، 2023. وكتاب "في رحاب اللغة العربية"، دار بدوي، ألمانيا، 2023، وكتاب "سرّ الجملة الاسميّة"، دار الرقمية، فلسطين، 2023. وكتاب "تصدّع الجدران- عن دور الأدب في مقاومة العتمة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمّان، 2023، وديوان "في أعالي المعركة"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2023، وكتاب "مساحة شخصية- من يوميات الحروب على فلسطين"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "الثرثرات المحببة- الرسائل"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "فتنة الحاسة السادسة- تأملات حول الصور"، دار الفاروق للثقافة، نابلس، 2025. 

حررت العديد من الكتب، بالإضافة إلى مجموعة من الكتب والدواوين المخطوطة. 

كتب عن هذه التجربة الإبداعية العديد من الكتاب الفلسطينيين والعرب، وأجريت معي عدة حوارات ولقاءات تلفزيونية.