فراس حج محمد

موقع يختص بمنشورات صاحبه: مقالات، قصائد، أخبار

authentication required

 

الأخطار الّتي تهدّد اللّغة العربيّة وسبل مواجهتها*

لا شكّ في أنّ هناك الكثير من الظّواهر السّلبيّة الّتي تعاني منها اللّغة العربيّة في المجتمعات العربيّة، إذ أصبحت تنوشها معاول الهدم وتنتقص من وجودها المشخّص في الواقع اللّغويّ المتداول بين النّاطقين بها، ولعلّ أكثر ما يحزن في هذا الجانب هو عدم اعتماد اللّغة العربيّة الفصيحة لغة تدريس مقرّرة في مدارس فلسطين على سبيل المثال، إذ ألاحظ خلال زياراتي الإشرافيّة للمدارس ومشاهدة المعلمين في تقديمهم للمادّة العلميّة كثيرا ما يلجؤون إلى العاميّة، ولا يلتفتون إلى الفصيحة، وهذه العدوى بالطّبع شاملة لكلّ التّخصّصات، بما فيها حصص اللّغة العربيّة في تلك المدارس.

وفيما يلي عرض لبعض الإشكاليّات والمخاطر الّتي تعاني منها اللّغة العربيّة في واقعها المستخدم بين أبنائها، ليس على مستوى المدارس فحسب، محاولا وضع تصوّر عمليّ فاعل للتّقليل من حجم تلك الأخطار الّتي تهدّد لغتنا، الّتي هي عنوان وجودنا وحضارتنا ومنبع فكرنا وأداة تفكيرنا وحاملة إبداع الأجيال على مرّ العصور:

1. انتشار اللّغات العاميّة:

تنتشر العاميّة انتشارا صارخا بين أبناء اللّغة العربيّة، وتتنوّع هذه العاميّات، لتهدّد اللّغة الفصيحة الأمّ، إذ تجعل اللّغة الفصيحة في مستوى ثان من التّجسيد اللّغويّ، وتمنحها مكانة أقلّ في التّعبير الحياتيّ بين أبناء اللّغة، وفيما يلي بعض المقترحات لمكافحة آفة العاميّة، وأرى أن يتمّ ذلك من خلال:

• اهتمام المدارس والجامعات بالواقع اللّغويّ، والتّركيز على ممارسة اللّغة الفصيحة في قاعات الدّرس، وابتعاد المعلّمين والمحاضرين عن استخدام اللّهجات العاميّة، وضرورة التّركيز على ذلك عند اعتماد المعلّمين والمحاضرين الجدد، وتأهيل القائمين على رأس عملهم من أجل التّخلّص من العاميّة، ومتابعتهم خلال التّنفيذ، فأهمّ طريقة لاكتساب اللّغة هي ممارستها عمليّا وتلقّيها سماعيّا، لتنمية ملكة التّحدّث بها بشكل طبيعيّ.

• اعتماد الجامعات مساقات متعدّدة في اللّغة العربيّة، ليكون مطلبا إجباريّا لكلّ الدّارسين، ويراعى فيها أن تكون خادمة للمهارات الأساسيّة والحياتيّة للّغة الفصيحة، ودعمها بأنشطة عمليّة، من مثل تقييم الطّلبة على الحديث الشّفويّ أو الكتابة الإبداعيّة بلغة رفيعة المستوى، تحقيقا لهذه المساقات، مع التّركيز على أن ينجح الطّالب في تلك المساقات إذا أتقن توظيف اللّغة الفصيحة محادثة وكتابة والتّشديد في ذلك.

• تخصيص مسابقة للعاملين في حقول التّدريس الجامعيّ والمدرسيّ لتطوير آليّات اعتماد اللّغة الفصيحة كلغة خطاب يوميّ.

• مكافحة القنوات الإعلاميّة الّتي تعتمد العاميّة لغة في التّخاطب وإعداد البرامج لتأهيل العاملين من أجل التّخلّص من هذه الآفة المدمّرة.

• إعلاء وزارات الثّقافة في العالم العربيّ من شأن اللّغة الفصيحة، والعمل على نشر الإبداعات بعيدا عن العاميّة، وتطوير النّظريّات النّقديّة الّتي تناقش طبيعة اللّغة في العمل الأدبيّ، بحيث تكون منضبطة باستراتيجيّات المحافظة على اللّغة الفصيحة.

• التّخطيط لعمل شعبيّ ونخبويّ على مستوى الدّولة الواحدة من أجل تعزيز مكانة العربيّة، وتعميق فهم المخاطر الّتي تحيق باللّغة العربيّة لدى عامّة النّاس، من أجل أن يتبنّوا قرارات ذاتيّة لرفع سويّتهم في الحديث بلغة سليمة.

• تشجيع عادة القراءة، وخاصّة عند الناشئة، ومراقبة برامج الأطفال الّتي تعتمد اللّغة العاميّة، ومنعها كليّة، فقراءة النّصوص الجيّدة وهضمها هو أوّل طريق لوجود متحدّثين يتقنون اللّغة الفصيحة، ومقدّمة لولادة مبدعين يتقنون أساليب اللّغة العربيّة الجماليّة والتّعبيريّة.

• ربط النّاشئة بالقرآن الكريم، كونه هو المانعة الوحيدة العقديّة الّتي تجعل النّاس يقبلون على قراءة القرآن، وتمثّل لغته في الحديث، وفي الكتابة لاستقامة العبارة والأسلوب، وضرب الأمثلة من واقع الكتّاب حتّى من غير المسلمين الّذين أقبلوا على قراءة القرآن الكريم لتحسين الأداء في كتاباتهم وأحاديثهم العربيّة.

2. السّعي إلى تحويل اللّهجات المحليّة من المستوى الشّفويّ إلى الكتابيّ:

ويرتبط بالخطر الأوّل خطر داهم، له شواهد كثيرة في بعض البلدان العربيّة، ألا وهو تحويل اللّهجات العاميّة من المستوى الشّفويّ إلى المستوى الكتابيّ، وما يفرضه هذا التّوجه من سيطرة العاميّة على اللّغة ببعدها النّخبويّ الخاصّ، وهو مقدّمة طبيعية لتجسيد لغة ثانية تبتعد بالكليّة عن اللّغة الفصيحة، إذ من المعلوم أنّ اعتماد الكتابة لأيّ لغة يحتّم إقرار قواعد كتابيّة وإملائيّة وصرفيّة ما، فلا يعقل أن يترك الأمر هكذا نهبا لكلّ كاتب يقول ويكتب دون أن تتمّ مواضعات لتلك اللّغة، وهنا تصبح اللّهجات المحليّة لغات معترفاً بها تحلّ محلّ الفصيحة، ما يعني أنّنا سنؤسّس لقوميّات لغويّة على غرار القوميّات اللّغويّة الغربيّة، وهكذا حتّى تتفتّت الأمّة أكثر ممّا هي عليه من تفتّت وتشرذم. وعليه لا بدّ من:

• اتّخاذ قرارات بمنع نشر المؤلّفات الّتي تعالج مثل هذه الموضوعات، والرّدّ على أصحاب هذه الدّعوة من واقع سياسيّ ووجدانيّ يخصّ الوحدة الوجدانيّة على الأقلّ للشّعوب المتحدّثة بالعربيّة كافّة بعد أن أضحت الوحدة السّياسيّة بعيدة المنال. وفي هذا السّياق أنقل رأيا لدرويش يعرب فيه عن موقفه من العاميّة قائلاً: "لا أحبّ أن تسود العاميّة الكتابة الأدبيّة المعاصرة، لأنّ اللّغة العربيّة الفصيحة هي لغة واحدة ينطقها كلّ العرب، وهي لغة الأدب العربيّ، ولغة الصّحافة العربيّة ولغة وسائل الإعلام العربيّة، بينما اللّهجات العاميّة هي مئات اللّهجات ، وأنا لا أستطيع أن أفهمها، فهي أيضا تشكّل أيضا عقدة أمام التّواصل والتّفاعل الأدبيّ العربيّ"<!--.

• إبراز جماليّات اللّغة الفصيحة ومقدرتها في التّعبير عن حاجات العصر الحاضر، تفنيدا لبعض الادّعاءات الّتي تتّهم الفصيحة بالقصور، وتفكيك الأساليب اللّغويّة والكشف عمّا تحمله من معان إضافيّة في سياق النّصّ المدروس، إذ لا يكفي أن يبيّن المعلّم أو الدّارس الأفكار ومعاني المفردات الصّعبة دون أن يشير إلى روعة أساليب النّصّ، وتعاضد الأسلوب اللّغوي مع المعنى، وخاصّة في النّصوص الشّعريّة.

• تكليف اتّحاد المجامع العربيّة بوضع مؤلّفات تؤسّس فيها لنحو وصرف مهذّب، بعيدا عن الاختلافات النّحويّة والصّرفيّة المعقّدة، حتّى لا يُعطى أصحاب الدّعوات الهدّامة فرصة للطّعن على اللّغة، وبأنّ نحوها معقّد وخلافيّ وعقيم، على الرّغم من أنّ تطوّر النّحو العربيّ واتّساع مسائله مبنيّ على نظريّات فلسفيّة عربيّة متّصلة بعلم الكلام والنّظريّات التّأويليّة الّتي تهتمّ بإنتاج المعنى، والاهتمام بما أقرّه مجمع اللّغة العربيّة في القاهرة من مسائل تركيبيّة وصرفيّة ودلاليّة جديدة، تتماشى مع التّطور الطّبيعيّ للّغة العربيّة<!--.

• ضرب الأمثلة الحيّة والواقعيّة على أنّ تقعيد العاميّة يفقد العاميّة أبسط أسسها، وهو التّخلّص من القواعد ذاتها، وأنّها عمليّة معقّدة أصلا، وإن تمّت فإنّها ستخلق في نهاية الأمر لغة عاميّة واحدة تكون بمثابة لغة بديلة عن الفصيحة، فواقع العاميّة أنّها عاميّات، تختلف فيما بينها في القطر الواحد، فما ظنّكم في العاميّات العربيّة، فإنّها تكاد لا تحصى عددا، وعمليّة تقعيدها ستكون متعذّرة حتما، أو أنّها ستستهلك جهدا لا طائل من ورائه.

3. آثار العولمة في اللّغة العربيّة:

لعلّ أهمّ أثر من آثار العولمة هو ذلك المتّفق عليه بين أغلب المفكّرين والمنظّرين السّياسيّين والتّربويّين، أنّ العولمة تفرض سياقا ثقافيّا واحدا، وتحارب التعدّديّة الثّقافيّة، ومنها اللّغويّة بطبيعة الحال، ومحاربة العولمة للتّعدّد الثّقافيّ- اللّغويّ هو حتميّ، فالقوّة السّياسيّة والاقتصاديّة تفرض بالمؤكّد واقعا ثقافيّا ولغويّا تابعا ومجسّدا، شئنا أم أبينا، فنحن عندما نكون الأضعف سنكون حتما تابعين، مستهلكين غير منتجين، وهذا يفترض بالضّرورة التّعامل مع المنجزات الثّقافيّة والسّياسيّة والتّكنولوجيّة بما يريده لها أصحابها، وإن حافظت العولمة على بعض التّنوّع الثّقافيّ اللّغويّ، فهو لا يتعدّى أن يكون هامشيّا ومحصورا لا ينافس اللّغة والمنتج والثقافة الّتي يسوّقها أصحاب العولمة ومصدّروها، وعلى الحكومات القائمة في العالم العربيّ أن تستشعر هذا الخطر، ويكون عليها أقلّ الواجب أن تقوم بـ:

• مراقبة السّلع والبضائع كافّة والمنتجات الصّناعيّة والزّراعيّة، وخاصّة المصنّعة في العالم العربيّ، وأن تكون نشراتها ومسميّاتها عربيّة، وتجنّب كتابة أسماء المنتجات الأجنبيّة بالحرف العربيّ بكيفية نطقها في اللّغة الأجنبيّة.

• مكافحة الدّولة لكلّ مظاهر عبرنة أو نجلزة أو فرنسة اليافطات المكتوبة كواجهات للمحلّات التّجاريّة والمصانع والشّركات، وعدم منح التّراخيص اللّازمة إلّا بعد تعريبها بالكامل، وفرض غرامات ماليّة على غير الملتزمين بتنفيذ قوانين التّعريب والالتزام بها.

• اعتماد الدّولة اللّغة العربيّة في مراسلاتها الخارجيّة والدّاخليّة، وإلزام سفرائها والمتحدّثين باسمها اللّغة الفصيحة في اللّقاءات الدّولية والمؤتمرات الصّحفيّة أو التّوقيع على المعاهدات والاتفاقيّات التّجاريّة، والاستفادة إلى أبعد مدى من كون اللّغة العربيّة إحدى اللّغات الرّسميّة المعتمدة في الأمم المتّحدة.

• إشراك المثقّفين والمفكّرين كافّة والعلماء في شتّى العلوم بوضع ميثاق شرف يتبنّى الدّفاع عن اللّغة العربيّة في المجالات كافّة، والاهتمام بالنّشر الإلكترونيّ وتعريب المواقع الإلكترونيّة ولغة البرمجة الحاسوبيّة، ليكون بالإمكان التّعامل مع المواقع الإلكترونيّة باللّغة الفصيحة؛ بدءا بكتابة العنوان الإلكترونيّ وانتهاء بمحرّكات البحث الإلكترونيّة، وتخصيص جائزة مجزية لتوفير محرّك بحث عربيّ يعتمد اللّغة العربيّة لغة أساسيّة على غرار المحرّكات الأخرى، والعمل على إثراء المحتوى العربيّ الإلكترونيّ، ورفده بكلّ ما هو جديد أوّلا بأوّل.

• مراقبة المواقع والمنتديات الإلكترونيّة، وعمل التّوعية الضّروريّة لاستخدام اللّغة السّليمة، وليكن هناك نوع من الرّقابة الذّاتيّة، لرفض استخدام التّعليق على الموضوعات إلّا باللّغة الفصيحة، وتجنّب الحديث بالعاميّة أو اللّغات الأجنبيّة أو المزج بين الفصيحة وغيرها، لا سيّما في الفيسبوك وتويتير، بوصفهما موقعين يتمتّعان بسيطرة وحضور كبيرين، ليس بين المثقّفين فقط، بل لدى شريحة واسعة من المهتّمين والقرّاء، والعامّة، فيندر اليوم ألّا يكون للشّخص صفحة على واحد من هذين الموقعين أو كليهما.

• ربط النّاشئة بمصادر معرفيّة غير تقليديّة، تتوافر فيها التّقنيّة الجيّدة والإخراج الفنّيّ عالي المستوى، ليكون جاذبا وبديلا عن القنوات الأجنبيّة، وخاصّة فيما يتّصل بعالم التّرفيه والألعاب الإلكترونيّة والأفلام التّعليميّة الهادفة الّتي تحمل مضمونا ولغة عربيّة حتّى نربّي في النّاشئة إحساسا متناسقا حول حقيقة كونه ينتمي إلى حضارة وارفة، لها جذورها التّراثية وامتداداتها المعاصرة كذلك، وعليه ينبغي تقديم الكتب التّراثية بلغة مبسّطة، وبالاعتماد على التّقنيّات الحديثة، وقد أثبتت التّجارب المشاهدة مدى أثر تلك التّقنيّات في عقول الأطفال وتفكيرهم وطبيعة لغتهم.

• الاهتمام بالأطفال اهتمام من يحرص على المستقبل، فتتكوّن خطّة عمل طموحة وجريئة، تستهدفهم بمجموعة أنشطة، معدّة جيّدا، وليكن ذلك مثلا خلال العطل الصّيفيّة وإقامة المخيمّات الصّيفيّة، وليكن للّغة العربيّة مكان في تلك الأنشطة، تهدف رفع مكانتها في نفس الطّفل وتجعله مقبلا عليها وبكلّ أريحيّة، وتوظيف حبّ الأطفال للموسيقى والغناء والنّشيد من أجل تحقيق هذا الغرض.

4. استبعاد اللّغة العربيّة في العمليّة التّعليميّة في التّدريس الجامعيّ والتّدريس في المدارس الخاصّة:

وأخيرا، أقف عند مشكلة أخرى يعاني منها التّعليم في البلاد العربيّة، وخاصّة المدارس غير الحكوميّة، والجامعات، وأحببتُ أن أفرد لهذا الخطر بندا خاصّا لما له من عميق الأثر والخطر، وقد تحدّثت سابقا عن بعض المشاكل الّتي تهدّد التّعليم بالعاميّة، وذلك في البند الأوّل، والآن أحاول أن أوضّح خطر استخدام اللّغات الأجنبيّة على التّعليم، فقد شكّلت اللّغات الأخرى الّتي يتعلّمها الطّفل في المراحل العمريّة الأولى من الصّفّ الأوّل الأساسيّ وحتّى الصّفّ الرّابع الأساسيّ خطرا حقيقيّا على تعلّم اللّغة الأمّ وإتقانها، والطّالب بهذا التّلقّي للغة جديدة، وتداخل نظامين لغويّين في عقله وتفكيره، وما يفرضه ذلك من اختلاف في التّعامل الكتابيّ لكلّ لغة، واختلاف ذلك بين اللّغة العربيّة واللّغة الإنجليزيّة، على سبيل المثال، سيجعل الطّالب متأثّرا سلبيّا في إتقان اللّغتين معا، ما يوّلد جيلا ضعيفا لغويّا في المهارات الأربع الّتي تطمح كلّ لغة أن توجدها عند المتعاملين فيها (القراءة والكتابة والمحادثة والاستماع)، ويزداد هذا الخطر كلّما تقدّم الطّالب في مراحله التّعليمية، لتحلّ اللّغات الأجنبيّة محلّ اللّغة العربيّة في التّعليم الجامعيّ، فتنبتّ الصّلة بين المتعلّم ولغته القوميّة، ويصبح تابعا ثقافيّا وحضاريّا لغيره.

وقد كان هذا النّظام معمولا به في بعض البلدان العربيّة، ومنها فلسطين، حتّى تمّ اعتماد تدريس اللّغة الإنجليزيّة من الصّفّ التّمهيديّ (الرّوضة)، وحتّى الثّاني عشر، وليس هذا وحسب، بل اعتمدت وزارة التّربية والتّعليم العالي الفلسطينيّة تدريس بعض الموادّ العلميّة في المدارس باللّغة العربيّة للفرع العلميّ، وذلك في مقرّراتها الجديدة الّتي صدرت عام 2017.

وعليه لا بدّ من عمل ما يأتي:

• منع وزارات التّربية والتّعليم تعلّم لغة ثانية في مدارسها، إلّا بعد المرحلة التّأسيسيّة للمهارات اللّغويّة للّغة الأمّ، وهذا عادة كما يقرّر بعض التّربويّين يكون ممكنا ومسموحا به من الصّفّ الخامس الأساسيّ وما بعده، وأن تعيد التّفكير مليّا بما أقدمت عليه بعض الّدول من خطوات، وتقييم المخرجات بموضوعيّة وجدّيّة، فليس شرطا أن يكون كلّ تغيير في صالح الطّالب أو الأمّة.

• تشديد وزارات التّربية والتّعليم على المدارس الخاصّة، بأن يكون للّغة العربيّة وضعها المحترم، وأن تكون لتلك الوزارات صلاحيّة الإشراف المباشر على ذلك، مع توفير كادر تعليميّ قادر على فرض واقع لغويّ عربيّ سليم في تلك المدارس، محصّنا من الانجراف وراء سياسة تلك المدارس، ووضع قيود على تلك المدارس إن لم تستجب لتلك الإجراءات.

• تعريب التّعليم الجامعيّ في التّخصّصات كافّة، والاستفادة من التّجارب النّاجحة، ووضع خطة على مستوى العالم العربيّ لاتّخاذ إجراءات عمليّة وبخطّة واضحة الإطار الزّمنيّ للانتقال من التّدريس الجامعيّ باللّغات الأجنبيّة إلى اللّغة العربيّة.

• إحياء حركة تعريب وترجمة شاملة لكلّ العلوم والمعارف والمؤلّفات الجديدة المفيدة لتكون عونا وبديلا عن المراجع الأجنبيّة، ورصد الإمكانيّات المادّيّة والبشريّة لذلك، بخطّة واضحة المعالم تسير حسب أهداف واضحة بعيدا عن الارتجاليّة والتّخبّط، إذا لا يكفي ما هو قائم الآن لسدّ هذه الثّغرة، على أهمية ما تقوم به تلك المراكز والمؤسّسات، وإيلاء الإبداعات أهميّة كبيرة، لا سيّما الشّعريّة والنّقديّة، وتجاوز مرحلة التّعريب إلى الإبداع والبناء على ما قدّمه الآخرون من إنجازات.

• تفعيل دور مكتب تنسيق التّعريب، ومنع إصدار أيّ مؤلّف إذا لم يكن خاضعا لمراجعة متخصّصين تابعين للمكتب، لنتجنّب فوضى المصطلحات، وسدّ باب الذّريعة للتّفلّت من الفصيحة والارتماء في أحضان اللّغات الأجنبيّة، والعمل على إحياء المفردات العربيّة ذات الصّلة بالمصطلحات، وتطويعها لخدمة أهداف التّحديث والمعاصرة، والاستفادة من قوانين اللغّة في الاشتقاق والتّوليد.

• توفر الإرادة السّياسيّة المخلصة، والفاعلة في القرارات السّياسيّة والخطط الحكوميّة، من أجل تحويل التّمنّيات والطّموحات إلى وقائع ملموسة، والاستعداد لطول النّفس والصّبر في ذلك، وأن يصاحب ذلك حملات توعية ومؤازرة شعبيّة تدعم وتناصر وتدافع عن تلك السّياسات، فكلّ ما ذكر سابقا من اقتراحات وغيرها ممّن سبقني إليها كثيرون لن يكون متحقّقا على أرض الواقع دون إرادة سياسيّة تسنّ القوانين وتعمل على تطبيقها بفاعليّة، فليس هناك ما هو أهمّ من اللّغة، ومن واجب الجميع أن يهتمّ بها؛ لتكون منطلقا صحيحا وصحّيّا لكلّ مجالات الحياة، وليس الإبداعيّة فقط.

إنّ هذا الحديث يقودني إلى أمر آخر أحبّ أن أوضّحه في الوقفة الآتية، حيث سأتوقّف عند مستوى آخر من مستويات حياة اللّغة، وأهمّيّتها في حياة أبنائها قبل الدّخول إلى آفاق الأدب والحديث عن شعريّة القرآن. مؤكّدا استخدام اللّغة العربيّة في كلّ الأنشطة اللّغويّة.

<!--[if !supportFootnotes]-->

 


<!--[endif]-->

<!-- في انتظار البرابرة، مؤسّسة محمود درويش، والأهليّة للنّشر والتّوزيع، ودار النّاشر، ط1، 2016، (ص82)

<!-- يمكن الإشارة إلى كتاب: "القرارات النّحوية والتّصريفيّة لمجمع اللّغة العربيّة في القاهرة- جمعا ودراسة وتقويما إلى نهاية الدّورة الحادية عام 1415هـ/ 1995م"، خالد بن سعود العصيمي، دار التّدمريّة، المملكة العربيّة السّعوديّة، ودار ابن حزم، بيروت، ط1، 2003.

_______________

* نشر المقال في مجلة "حروف الضاد" في العدد الثاني، وتصدر المجلة في مدينة أم الفحم، عن مؤسسة أنصار الضاد، ويرأس تحريرها الشاعر والمترجم والباحث الدكتور محمد حلمي الريشة، ويشكل الموضوع جزءا من الفصل السادس: آفاق من شعريّة القرآن الكريم واللّغة العربيّة من كتاب "بلاغة الصنعة الشعرية".

 

المصدر: فراس حج محمد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 1220 مشاهدة

فراس عمر حج محمد

ferasomar
الموقع الخاص بــ "فراس حج محمد" »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

717,833

فراس حج محمد

نتيجة بحث الصور عن فراس حج محمد كنانة أون لاين

من مواليد مدينة نابلس في فــلسطين عــام 1973م، حاصل على درجة الماجستير في الأدب الفلسطيني الحديث من جامعة النجاح الوطنية. عمل معلما ومشرفا تربويا ومحاضرا غير متفرغ في جامعة القدس المفتوحة. 

عمل محررا لغويا في مجلتي الزيزفونة للأطفال/ رام الله، وشارك في إعداد مواد تدريبية في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، وكان عضوا في هيئة تحرير مجلة القانون الدولي الإنساني/ الإصدار الثاني الصادرة عن وزارة التربية والتعليم في فلسطين.

نشر العديد من المـقالات والقـصائد في مـجالات النشر المختلفة الإلـكترونية والصحف والمجلات في فلسطين والوطن العربي وبريطانيا وأمريكا وكندا والمكسيك. وشارك في ندوات وأمسيات شعرية ومؤتمرات في فلسطين.

الكتب المطبوعة: 

رسائــل إلى شهرزاد، ومــن طقوس القهوة المرة، صادران عن دار غُراب للنشر والتوزيع في القاهرة/ 2013، ومجموعة أناشيد وقصائد/ 2013، وكتاب ديوان أميرة الوجد/ 2014، الصادران عن جمعية الزيزفونة لتنمية ثقافة الطفل/ رام الله، وكتاب "دوائر العطش" عن دار غراب للنشر والتوزيع. وديوان "مزاج غزة العاصف، 2014، وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في القصة القصيرة جدا- دار موزييك/ الأردن وديوان "وأنت وحدك أغنية" عن دار ليبرتي/ القدس وبالتعاون مع بيت الشعر في فلسطين، وكتاب "يوميات كاتب يدعى X"، وكتاب "كأنها نصف الحقيقية" /الرقمية/ فلسطين، وكتاب "في ذكرى محمود درويش"، الزيزفونة 2016، وكتاب "شهرزاد ما زالت تروي- مقالات في المرأة والإبداع النسائي"، الرقمية، 2017، وديوان "الحب أن"، دار الأمل، الأردن، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في الرواية"، مكتبة كل شي، حيفا، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في متنوع السرد"، مؤسسة أنصار الضاد، أم الفحم، 2018، وديوان "ما يشبه الرثاء"، دار طباق للنشر والتوزيع، رام الله، 2019، وكتاب "بلاغة الصنعة الشعرية"، دار روافد للنشر والتوزيع، القاهرة، 2020. وكتاب "نِسوة في المدينة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2020. وكتاب "الإصحاح الأوّل لحرف الفاء- أسعدتِ صباحاً يا سيدتي"، دار الفاروق للنشر والتوزيع، نابلس، 2021. وكتاب "استعادة غسان كنفاني"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2021، وكتيّب "من قتل مدرّس التاريخ؟"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2021. وديوان "وشيء من سردٍ قليل"، وزارة الثقافة الفلسطينية، رام الله، 2021. وديوان "على حافّة الشعر: ثمّة عشق وثمّة موت"، دار البدوي، ألمانيا، 2022. وكتاب "الكتابة في الوجه والمواجهة"، الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمان، 2023. وكتاب "متلازمة ديسمبر"، دار بدوي، ألمانيا، 2023. وكتاب "في رحاب اللغة العربية"، دار بدوي، ألمانيا، 2023، وكتاب "سرّ الجملة الاسميّة"، دار الرقمية، فلسطين، 2023. وكتاب "تصدّع الجدران- عن دور الأدب في مقاومة العتمة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمّان، 2023، وديوان "في أعالي المعركة"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2023، وكتاب "مساحة شخصية- من يوميات الحروب على فلسطين"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "الثرثرات المحببة- الرسائل"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "فتنة الحاسة السادسة- تأملات حول الصور"، دار الفاروق للثقافة، نابلس، 2025. 

حررت العديد من الكتب، بالإضافة إلى مجموعة من الكتب والدواوين المخطوطة. 

كتب عن هذه التجربة الإبداعية العديد من الكتاب الفلسطينيين والعرب، وأجريت معي عدة حوارات ولقاءات تلفزيونية.