إن مسألة الإقناع تتخطى بكثير مجرد مناقشة الحجج والحجج المضادة.
ماذا يدور في عقلك حينما يحاول أحدٌ إقناعك بشيء؟
لنقُل إن أحدًا بدأ في إخبارك عن طراز السيارات الذي يفضله، أو المنطقة المناسبة للسكن، أو لمَ ينبغي عليك التصويت لهذا أو ذاك.
كيف يكون رد فعلك؟
وماذا لو أنك تحاول جاهدًا إقناع الآخرين؟ هل تعلم ما يدور في رءوسهم؟ وما الآليات الداخلية التي تبدأ عملها سريعًا فور بدئك في محاولة إقناعهم؟
إليك أهم تسع طرق يقاوم بها العقلُ الإقناعَ، وكيفية تقويضها أو تعزيزها.
(١) التحصين
تعمل اللقاحات الطبية من خلال إعطائك نسبة ضئيلة من المرض حتى يعتاد جسدك عليه، ويتصدى لإحدى الهجمات الكاملة لهذا المرض في المستقبل. وتعمل اللقاحات السيكولوجية ضد الإقناع بالطريقة نفسها.
حين يكون الأشخاص مستعدين فعليًّا بالحجج المضادة، تكون مقاومة محاولات الإقناع أسهل كثيرًا.
- عند الإقناع: ما الحجج المضادة التي يعرفها الآخرون بالفعل؟ تجنَّب الحجج «المعتادة» في محاولتك للإقناع. بدلًا من ذلك، استخدم زاوية جديدة لم يفكروا فيها من قبل.
- عند مقاومة الإقناع: عرِّض نفسك للأنواع المختلفة من الحجج والحجج المضادة التي ستواجهها في الأغلب. فحين تكون على علم بما هو آتٍ، تجد الدفاع عن نفسك على المستوى النفسي أسهل. ابحث عن محاولات الإقناع غير المباشرة؛ فربما تكون نفس الحجج القديمة مصاغة بأسلوب مختلف قليلًا.
(٢) المعرفة المسبقة تولِّد الاستعداد
حينما نتوقع اقتراب إحدى محاولات الإقناع، يسهل كثيرًا تنظيم دفاعاتنا. في حالة الإعلانات السافرة، أو النشرات السياسية الحزبية، أو غيرها، تكون دفاعاتنا مشهَرة؛ ومن ثَمَّ يصعب التأثير علينا.
- عند الإقناع: لا تُشِر إلى محاولة إقناعك مسبقًا. حاول تشتيت الانتباه عن محاولة الإقناع بإخفائها في طيات رسالة تبدو في ظاهرها محمودة. أكِّد على فكرة أنك «تتحدث فحسب» أو «تناقش فحسب».
- عند مقاومة الإقناع: حاول أن تكتشف محاولات الإقناع المغلَّفة بغطاء الضغط الاجتماعي أو المقدَّمة كوسيلة للترفيه. على سبيل المثال: «القليل من هذا لن يضر. هيا، كلنا نفعل ذلك!» أو: «اكتشف المزيد عن ابن [ضع اسم أحد السياسيين] غير الشرعي الليلة على [ضع اسم إحدى المحطات التليفزيونية].»
(٣) المفاعَلة
يكره الناس أن يخبرهم أحد بما يتعين عليهم فعله، أو أن تُقيَّد حرياتهم؛ بل قد يؤدي ذلك إلى نتيجة عكسية أو ما يعرف في علم النفس باسم «تأثير بوميرانج»؛ حيث يؤدي نهي الناس عن فعل شيء إلى زيادة رغبتهم في فعله.
- عند الإقناع: تجنَّب تقييد حرية الآخرين؛ بدلًا من ذلك اجعلهم يشعرون أن لديهم الخيارات ولديهم مساحة للمناورة، وسوف يصب ذلك في مصلحتك.
- عند مقاومة الإقناع: فكِّر فيما إذا كانت محاولة الإقناع تقيد حريتك أم لا، وإذا كانت كذلك فهل ينبغي أن تنصاع إليها؟ بدلًا من ذلك، هل يؤكد من يحاول إقناعك على مدى حريتك من أجل إقناعك؟
(٤) مراجعة الواقع
بعد إقناع الآخرين، غالبًا ما يمارسون نوعًا من مراجعة الواقع؛ فيسألون أنفسهم: هل وافقتُ على شيء لم أكن أنوي الموافقة عليه؟ هل كنتُ سأوافق لو أني كنت أعرف حينها ما أعرفه الآن؟ إن لم يكن الأمر كذلك، فتراجع عن الأمر برمته!
- عند الإقناع: لا تمنح الآخرين وقتًا لمراجعة الواقع؛ ففي ظل التعرض لضغط الوقت، يصعب على الناس التفكير.
- عند مقاومة الإقناع: خذ وقتًا مستقطعًا فيما بعدُ لتفكر: هل لا تزال توافق على الأمر أم لا؟ احترس من ضغط الوقت أو الصفقات المقيدة بفترة زمنية معينة؛ إذ يراد بها اختزال عمليات المنطق والتورط في الأمر مباشرةً.
(٥) مقاومة الحجج وتعزيزها
وهي من أكثر وسائل الدفاع تلقائية؛ حيث التفكير في السبب الذي يجعل الطرف الآخر مخطئًا (مقاومة الحجة) ويجعلك مصيبًا (التعزيز).
- عند الإقناع: من الصعب مهاجمة المعتقدات التي يؤمن بها أصحابها عن اقتناع كامل. حاول أن تكون مراوغًا، وتجنَّب هذه المعتقدات. قلِّل من حجم فكرتك لتبدو أقل تهديدًا، أو اجعل العلاقة تبدو أكثر تعاونًا («فقط أحاول الوصول إلى الحقيقة مثلك يا صديقي»).
- عند مقاومة الإقناع: فكِّر فيمن يتفقون معك؛ فهذا يدعم موقفك من خلال استخدام التأكيد الاجتماعي. واحذر محاولات الإقناع المموهة.
(٦) الرفض يولد مزيدًا من الرفض
عندما ينجح الناس في الدفاع عن أنفسهم ضد إحدى محاولات الإقناع، يزداد موقفهم الأصلي قوة. هَب أنني أحاول إقناعك بصبغ شعرك باللون الأزرق، وأنت تفكر في أنك ستبدو مثارَ سخريةٍ. ما لم أقدِّم لك حجة أفضل من قولي: «لأن هذا سيبدو ظريفًا»، سوف تزداد معارضتك للفكرة فيما بعد.
- عند الإقناع: اجعل محاولة الإقناع الأولى قوية؛ فلا تحاول إقناع الآخرين وأنت تفتقر إلى الحماسة، وإلا فستزيد من مقاومتهم على المدى الطويل.
- عند مقاومة الإقناع: إذا كنت تتوقع محاولة الإقناع، وكانت حججك المضادة جاهزة، فستزيد مقاومتك من قوة موقفك.
(٧) مهاجمة المرجعية
كثيرًا ما تَستخدم محاولات الإقناع الحجج من المرجعيات، مثل: «أنا والدك، وأعرف أفضل منك!» لكننا كأي طفل، نرغب في التمرد؛ لذا نهاجم هذه المرجعية.
- عند الإقناع: تأكد من أن مرجعياتك راسخة. إن لم تكن كذلك، فابحث عن مرجعية لا جدال عليها؛ فالناس بطبيعة الحال يذعنون لمن لديهم (أو يبدو أن لديهم) مرجعية.
- عند مقاومة الإقناع: هاجم مصدر الرسالة. استخدم مشاعر سلبية مثل الغضب أو السخط وانسِبها إلى شخص هذه المرجعية المزعومة. انزع لأقصى درجات الشك في أي شخص يعتمد تمامًا على إحدى المرجعيات للتأثير عليك.
(٨) التحلِّي باليقظة والانتباه
تكون المقاومة أسهل ما يمكن عندما نشعر باليقظة والانتباه. وهذا يحدث حين نكون أكثر قدرةً على إثارة الحجج المضادة، والتمسك بموقفنا، واكتشاف محاولات الإقناع الوشيكة، وغيرها.
- عند الإقناع: حينما يكون الأشخاص متعَبين، لا تكون لديهم القدرة على الدفاع. أما إذا كانوا يقظين، فهل يمكن إرهاقهم أو إضعاف مقاومتهم بواسطة هجوم مباشر؟ وهل يمكن التقليل من رغبتهم في المقاومة؟
- عند مقاومة الإقناع: احذر من الإرهاق. لا تذهب للتسوق أبدًا وأنت جائع، أو تشترِ سيارة وأنت محبط، أو تتحدث إلى أحد مندوبي المبيعات وأنت مشتَّت. تعرَّف على الأوقات التي من المرجح أن تكون فيها ضعيفًا، واختلِ بنفسك إلى أن تستعيد طاقتك.
(٩) عدم الاستماع
أحيانًا تكون أسهل طرق مقاومة الإقناع أبسطها. ابتعد عن مصدر المحاولة، أو أطفئ التليفزيون، أو امنع نفسك من التفكير في وجهات نظر الآخرين من خلال دندنة لحن أغنية شهيرة.
- عند الإقناع: هل تحوز على انتباه الآخرين بالكامل؟ إذا كان الجواب بالنفي، فسيصعب عليك إقناعهم. عندما يركزون انتباههم معك، ابدأ بأكثر أجزاء حجتك إثارةً للاهتمام كي تتمكن من إقناعهم.
- عند مقاومة الإقناع: هل تتجاهل محاولة الإقناع حقًّا؟ نحن عرضة للتأثر بسهولة أكبر مما نتخيل. يظن معظمنا أن الآخرين — لا نحن — هم من يتأثرون بالإعلانات والرسائل السياسية. لا ترفض هذه المحاولات فحسب، بل ابتعد عنها تمامًا.
ساحة النقاش