<!--<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0in 5.4pt 0in 5.4pt; mso-para-margin:0in; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman","serif";} </style> <![endif]-->
توبة شاب أسرف على نفسه بالمعاصي
ضيفنا هذه المرة شاب له قصة طويلة، لم يدع معصية إلا فعلها، ولاكبيرة إلا ارتكبها، كل ذلك بحثا عن المسعادة، ولكنه لم يجد إلا الشقاء والتعاسة . أغلقت في وجهه جميع الأبواب إلا باب واحد، باب الله
الذي لايغلق . فلجئا إلى الله وعاد إليه ، وهنا وجد السعادة التي كان يبحث عنها ، التقيت به فحدثني بقصته فقال :
نشات في بيت "عادي " من بيوت المسلمين ، وكنت أصلي الصلاة المعتادة، أرى الناس يذهبون إلى المسجد فأذهب معهم ، ولم أكن - لصغر سني - أدرك قيمة الصلاة وأهميتها . ولما كبرت قليلا اشترى لي والدي سيارة - وكنت آنذاك في لم بداية المرحلة الثانوية - فكانت بداية الانطلاق . وجاء دوررفقاء السوء، ليقضوا على ماتبقى لدي من خيروفضيلة وصلاح ! فقدتعرفت على مجموعة منهم ، وكنت الوحيد من بينهم الذي يملك سيارة، فتوليت القيادة ، وكنت أغدو بهم وأروح ، فصار كل واحد منا يظهر مايوحي به إليه شيطانه من الأفكار والابتكارات ، في فن الاختطاف والمخدرات ، وغيرها من الفنون . . فبدأت شيئا فشيئا أتعلم هذه الأمور. انتقلنا من الحي الذي كنا فيه ، إلى حي آخر، وهناك وجدت مجموعة أخرى من الشباب فتسلمت القيادة أيضا، فما تركت معصية إلا ارتكبتها ابتداء من المعاصي الصغيرة وانتهاء بالمخدرات والمسكرات حتى وصل بنا الحال إلى شرب الخمور في نهار رمضان ، كنا نفعل ذلك كله بحثا عن السعادة الموهومة .
كنت من أشد الناس عداوة وبغضا للملتزمين الطيبين ، وكان في الحارة رجل يقال له : "عبدالواحد" ، كنت أشد الناس عداوة له ، لأنه كان من المجتهدين في نصح الشباب في "الحارة"، فكان هدفنا هو إيذاء هذا الرجل ،
وقد حاولنا كثيرا ولكن لم نجد إلى ذلك سبيلا. مرت أعوام طويلة، وأنـا على هذه الحال ، بين المخـدرات والمشكـلات الأخلاقية ، وغيرها حتى إني
تركت الدراسة واتجهت إلى العمل ، فإذا جاء آخر الشهر وتسلمت راتبي صرفته كله في المخدرات. وبعد فترة، من الله
على أخي الأصغر بالهداية،
فكان قدوة لنا في البيت في حسن التعامل ، كنا نضايقه ونهدده ! ! ونحذره ! من مصاحبة عبدالواحد وغيره من الشباب الطيبين ، بل كنا نمنعه من تطبيق بعض شعائر الإسلام الظاهرة كإعفاءاللحية ، وتقصير الثياب ، فكان يقابل إساءتنا هذه بالإحسان ،
ويرد علينا بكلمات طيبة مثل "إن شاء الله و جزاكم الله خيرا" ونحوها، فبدأت أشعر بارتياح نحوه لحسن معاملته ، وكانت هذه هي بداية التحول .
ثم جاء بعد ذلك دور الشيخ عبدالواحد، فقد كان يجتهد في نصحنا، ويكثر من ذلك ، فكنا نثير عليه المشكلات ، ونحاول تشويه سمعته ،
واتهامه بما هومنه براء كذبا وبهتانا . وفي يوم من الأيام أشار علي بعض الزملاء - وكان ذلك في بداية التزامه - أن نذهب إلى مكة لأداء العمرة، فوافقت على ذلك ، وأدينا عمرة، الله أعلم بها ، وبعد رجوعنا من العمرة كنت أنا وأصحابي مجتمعين
في أحد الشوارع ،فمر بنا الشيخ عبدالواحد بسيارتة ، فاخذنا نسبه ونشتمه ونطلق عليه بعض الألفاظ البذيئة فوقف ، ثم عاد إلينا، فقلنا هذه فرصة فلابد من ضربه والقضاء عليه ، فنزل الشيخ من سيارته ،
وبادرنا قائلا: السلام عليكم ، ثم أقبل علي وعانقني وضمني إلى صدره وقال : "الحمد الله على السلامة وتقبل الله منا ومنك ، ماشاء الله ، أخذت عمرة؟.
فخجلت خجلا شديدا، وتغيرت ملامح وجهي ، ثم سلم على بقية الأصحاب ، وسالهم عن أحوالهم ، وكانه لم يسمع كلمة واحدة مما قلناه ، ومضى
في طريقه، فاخذنا نتلاوم ، وكل واحد منا يقول الآخر: أنت السبب ، ومن تلك اللحظة بدأنا نهتم بهذا الرجل ونقدره ، ونحترمه ، وتغيرت نظرتنا له .
وبعد فترة، رغبت في الالتحـاق بالعسكرية، فاضطررت إلى إجراء عملية جراحية ، لعلة بي . ودخلت المستشفى ، فكـان رفقاء السؤ يزورونني فيؤذونني بشرب الدخان والكلام البذيء. وفي المقابل
كان الشيخ عبدالواحد يزورني ، هو وبعض أصحابه ، فكانوا يقبلون رأسي . سمعونني كلمات ملؤها التفاؤل والأمل . فاصبحت أشعر بارتياح لزيارتهم وجلوسهم معي .
وفي إحدى الزيارات ، سألني أحدهم عن نومي ، فأخبرتهم أني لا أنام إلا بمخدر طبي ، وأن عندي بعض المجلات والصحف والقصص
أقرأ فيها فلا ياتيني النوم ، فقال لي أحدهم : ليس لك علاج إلا القرآن ، فطلبت منهم مصحفا فأعطوني ، وفي تلك الليلة قرأت سورة البقرة كاملة، فنمت كذلك ، ثم سالوني بجد ذلك عن حالي ونومي فاخبرتهم باني أصبحت أنام بارتياح * خرجت من المستشفى، ومـع أني كنت أشعر
بارتياح شديد لهؤلاء الشباب الطيبين الملتزمين ، إلا أني مازلت مع أولئك الأشرار الخبثاء . وفي يوم من الأيام ، كنت على موعد مع فعل معصية،
وكان ذلك الموعد في مكان بعيد، في منطقة أخرى، ولم أكن بعد قد استعدت كامل صحتي بعد تلك العملية، ولكني خاطرت ، فركبت سيارتي وانطلقت متوجها إلى تلك المنطقة، وفي الطريق انفجرت إحدى العجلات بقوة، فاضطررت إلى الخروج عن الطريق ، والدخول في منطقة رملية . كنت في تلك اللحظات أشعر بالم شديد من آثارتلك العملية الجراحية التي لاتزال آثارها باقية ، حتى أني أكاد أعجز عن حمل نفسي ، وبصعوبة
نزلت من السيارة وحاولت أن أرفعها، ولكني كلما رفعتها سقطت ، حاولت مرارا ولكن دون جدوى، فلما يئست ، وقفت على جانب الطريق وحاولت أن أستعين ببعض المارة، ولكنهم لم يقفوا لمساعدتي .
اقتربت الشمس من الغروب ، وأحسست بأني وحيد فى هذا المكان الموحش ، فضاقت بي الدنيا، ولم أدر ما أفعل ، وهنا لم أجد من ألتجيء إليه إلا الله الواحد الأحد ،
ومن غير شعور، جثوت على ركبتي ، ومددت كفي إلى الله -عز وجل - فدعوته في تلك اللحظات أن يفرج همي ويكشف كربتي . ولم يكن ذلك عن إخلاص مني
ولكنها الفطرة وعدت إلى سيارتي وبعد عدة محاولات تمكنت بعون الله من رفعها، وقمت بتبديل العجلة التالفة
وأخرجت السيارة وقد أوشكت الشمس على الغروب . وبعد هذا كله لم أتعظ بل واصلت سيري طمعا في فعل تلك المعصية، ولكن الله عصمني منها حيث فات الموعد، فصليت المغرب هناك ثم عدت من حيث أتيت ،
وبدأ أولئك الشباب الطيبون يكثرون من زيارتي ، ويلحون علي في حضور مجالسهم ' فكنت أتردد عليهم وأجلس معهم ، فكانت رائحة الدخان تفوح من ثيابي ،
ومن فمي ، فلم يظفروا لي انزعاجهم من ذلك ، بل كانوا يتقربون مني ويرحبون بي ثم "يطيبونني "،
ويمسحون على يدي من دهن العود، فكنت أستغرب عملهم هذا ومعاملمهم الطيبة . كنت أجلس معهم من بعد صلاة المغرب إلى العشاء ، وبعد صلاه العشاء أعود !لى أصحابي الاخرين "السيئين "، فأجلس معهم إلى الفجر فلا أسمع منهم إلا السب والشتم والكلمات البذيئة والألفاظ النابية ،
واستمر الحال على ذلك ، أجلس مع هؤلاء وهؤلاء، مع ارتياحي لأولئك الطيبين. . ثم عقدت النية والعزيمة الصحيحة فابتعدت عن أصدقاء السوء وتبت إلى الله توبة صادقة وأصبحت شابا ملتزما .
من كتاب التائبون الى الله للشيخ ابراهيم بن عبدالله الحازمي
ساحة النقاش